أصداء

أحلام + فرص = إنجازات

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يعيش في ضمير الثقافة العربية حاكم متواضع ذو خصال رفيعة وحكمة منيعة يجالس الناس ويمشي في الأسواق،،، له كرم سخي وعدل تقي ورأي جلي،،، يلتزم بمسؤوليته فهو راعٍ وكل مسؤول عن رعيته،،، يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله. يأخذ النصح من بطانته الحسنة ويسمع إلى زواره ويأخذ برأي شعبه ومشورة كتابه. ولكننا لا ندري الكثير عن ذلك الحاكم. ماذا كان يصنع في صباه وكيف وصل إلى الحكم وبأي شكل تقلده واعتلى عرشه. هل حارب أم ورث،،، أم اتفق الناس عليه وبايعوه طوعا واختيارا دون أي فرض أو ضغط أو خوف.

من المؤكد أنه كان طفلا له أحلامه وآماله، هل كان يحلم بالحكم؟ وهل كان يدري أن الحكم يأتيه؟ وهل كان من قبله حاكم عادل أشعل في قلبه شمعة التواضع وأوقد في عقله الحكمة والإنصاف؟ في يومنا هذا يحلم الأطفال والناشئة بأن يصبحوا ذلك الحاكم العادل، ولكن الحلم لا يستمر إلى سنين الشباب. فالحلم يصبح ساذجا حين يدرك الفتى استحالة تقلده لأي حكم أو قيادته لأي دولة. فيبحث الفتية عن غير ذلك من الخيارات الواقعية والمعقولة. ولكن ماذا سيكون الحال لو أن أبواب الزعامة قد فتحت على مصراعيها؟ هل سيستمر الأطفال في الإبقاء على ذلك الحلم السامي؟،،، هل سيبحث الفتية عن فرص تحويل الحلم إلى حقيقة؟،،، وهل سيتبع الشباب خارطة العمل لتوصلهم إلى أبواب الزعامة؟

نعم، نشاهد ذلك في أطفالنا في الولايات المتحدة، يقول العديد من الأطفال دون سن الثانية عشر بلغت نسبتهم حوالي 75% بأنهم يرغبون في أن يصبحوا رئيس أمريكا. فيما يعتقد 62% من الطلبة الأمريكيين في المرحلتين المتوسطة والثانوية أن بإمكانهم أن يسكنوا البيت الأبيض. تاريخ بعض الرؤساء الأمريكيين السابقين خير شاهد على إمكانية تحقيق ذلك الحلم. فالرئيس السابق رونالد ريغان الذي تقلد منصب رئيس الولايات المتحدة عام 1980 ولفترتين رئاسيتين ولد لأسرة فقيرة ومتواضعة، واضطر إلى الاعتماد على نفسه بمساعدة والدته منذ نعومة أظافره. وببلوغه السادسة عشر من عمره عمل حارسا للمسابح، وأنقذ خلال عمله في هذه الوظيفة 77 شخصا من الغرق.

كان ريغان شابا طموحا فتحول إلى العمل الإذاعي إلى أن أوصله التعليق الرياضي إلى هوليوود وحينها تحول إلى التمثيل السينمائي. أخذ على عاتقه مسؤولية رئاسة اتحاد الممثلين السينمائيين والتلفزيونيين مما زاد من اهتمامه بالسياسة. ومن ثم أصبح وجه وصوت شركة جنرال إلكتريك (باختصار جي إي GE) من خلال برنامج تلفزيوني باسم "مسرح جنرال إلكتريك" ldquo;General Electric Theaterrdquo;. وقد صقل ريغان أثناء عمله هناك حرفته اللغوية وأدواته التعبيرية وفكره السياسي الذي مهد له خوض انتخابات كالفورنيا لينتخب كحاكم للولاية مرتين.

ساعده نجاحه في كاليفورنيا على تشرب الصنعة السياسية وتطوير رؤيته للدولة والتعبير عن تلك الرؤيا بشكل يفهمه الناخب الأمريكي، الذي صوت لصالحه عام 1980 ليصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. هذه قصة واحدة ولكنها ليست الوحيدة فقد نشأ الرئيس السابق بيل كلنتون في بيئة أقل من عادية. فقد توفي أباه قبل ولادته بثلاثة أشهر في حادث سيارة. ونشأ في بيئة مشحونة فكانت علاقته مع زوج والدته متوترة، ورغم سنين الطفولة الصعبة إلا أنه استطاع التميُّيز على أقرانه والتفوق في دراسته. وتابع ديدنه في حياته العملية وأصبح أستاذا جامعيا ثم مسؤولا حكوميا على مستوى ولاية أركينساه ثم حاكما لها قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة لثماني سنوات. لم يكن نسب أيا من ريغان وكلينتون ينحدر من المجتمع المخملي ولا من عائلات السياسة المعروفة ولا من أسر ذات صيت وغنى. لقد عملا من خلال النظامين الاجتماعي والسياسي الذي وفرا لهما الفرص.

ظاهرة الإنجاز الأمريكي ليست حصرا على جزء من المجتمع الأمريكي ولا في مجال دون آخر - سواء كان سياسيا أو علميا أو إلخ - ولا على مستوى القادة أو المدراء فقط بل هناك من ينجزون من العمال والصناع والإداريين والمبرمجين والحرفيين والفنانين ومن صغار السن ومن الأفراد رجالا كانوا أم نساء. فنرى في أمريكا العديد من الشخصيات العربية الهوية، الأمريكية الجنسية التي قدمت إلى هنا بحثا عن تلك الفرصة،،، بحثا عن ذلك الأمل،،، بحثا عن المشقة التي تنتهي بتحقيق الهدف. لم يأتوا هنا ليطالبوا بحقوق دون أداء مسؤولياتهم، فمسؤوليات الفرد الأمريكي - بغض النظر عن دولة المنشأ - هي مسؤوليته تجاه نفسه بالعمل من أجل مستقبل أفضل ومسؤوليته تجاه مجتمعه للعمل لما يصب في مصلحة المحيط الذي يعيش فيه. إذن تحقيق المجد يجب أن يكون موجها بأحلام وخيال طموحة وليس موؤدا بكفن الواقع الذي تحجبه عن تلك البيئة المتعاونة التي تسمح لأبنائها بالتحليق في سماء الإنجاز. من فاروق الباز الذي خطط وحدد جغرافية القمر إلى أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل للكيمياء توجد أسماء عربية عديدة لها مكانة مرموقة كل في تخصصها.

عودة إلى الرؤساء الأمريكيين، كل واحد منهم له قصة وتاريخ وكل واحدة من تلك القصص لها رونق يجذب إليها من يتعرف عليها لتلهمه وتشجعه على تحقيق ما شك البعض في إمكانية تحقيقه. فهل حقق الرؤساء وغيرهم من الشخصيات المشهورة ذات الإنجازات المعروفة معجزة؟ لا،، لقد برهنوا على أن شيئا من الحلم والخيال، مخلوطا بكثير من العزيمة والإصرار والعمل المتواصل - الذي لا يعرف الكلل أو الملل - مع توفر الفرص سيوصل صاحبه إلى تحقيق انجازات عظام. ولكن هذه الخصال لا تفيد صاحبها لو أنه يعيش في مجتمع لا يقدر العمل والجد أو لا يعطي مواطنيه الفرصة ولا يسمح لهم بالتقدم، أو إذا نشأوا في بيئة سياسية لا تنظر بعين الرضا إلى هؤلاء الطموحين. من المؤكد أن الآباء والأمهات يريدون لأبنائهم أن يتمكنوا من استثمار إمكانياتهم وأن يصنعوا من طاقاتهم خيرا لإخوانهم وأخواتهم ولوطنهم، ففي كل وطن يوجد ريجان وكلنتون والباز وزويل بحاجة إلى نظام يخلق لهم الفرصة لتحقيق الإنجازات.

أكاد أجزم لو أن ذلك الحاكم - الذي يعيش في ضمير الثقافة العربية - كان يعيش في زمننا هذا لنظر حوله ولقادتْه حكمته إلى تذليل الصعاب،،، لإيجاد بيئة سياسية وثقافة واقتصادية تصبوا إلى تحقيق الهدف الأسمى والأهم،،، هدف تأسيس بيئة تخلق لمواطنيها الفرص،،، الفرص التي تتجاوب مع خيال الإبداعات،، التي توفر أدوات الإنجازات،، التي تتخطى حواجز الإحباطات،، التي تعطي أبناءها كرامة تحقيق الذات.

وليد جواد
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية
DigitalOutreach@state.gov
http://usinfo.state.gov/ar

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف