بين العلم والدين والعلاج بالقرآن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إنّ القرآن أجلّ وأسمى من أن يغشّ
أتباعه أو يسلك بهم سبيل الأوهام
علي الوردي- الأحلام بين العلم والعقيدة
يشاهد الزميل عربي صورة التقطها في إحدى ضواحي بيروت للوحة حديدية كتب عليها "العلاج الروحاني وفك السحر بالقرآن الكريم" مع إشارة للإتجاه نحو العيادة أو المستشفى الخاص بهذه الطريقة. ينفعل فيقول: "فعلا لانستغرب أننا أمة متخلفة في هذا العالم. في القرن الحادي والعشرين حيث لا يزداد الغرب إلا تقدما ونحن في تراجع مخيف على جميع الأصعدة... أستغرب منكم الإيمان بهذه النكت السخيفة حقيقة.. هل أمة تؤمن بهذه الخرافات قادرة على التقدم؟؟ ألا يمثل هذا العلاج الرباني المزعوم عقبة امام البحث الطبي والعلمي طالما ان هنالك البديل!!؟".
يقول العالم الأنتروبولوجي جيمس فرايزر إنّ البشرية تمر بثلاث مراحل أولها السحر تنتقل إلى الدين ومن ثم إلى العلم.. غريب فعلاً فإذا ما اعتمدنا هذه المقولة نصبح أمام حالة شاذة في مجتمعنا العربي الذي تتداخل فيه مراحل فرايزر الثلاث فتشكل كلاّ واحداً مليئاً بالمتناقضات الإجتماعية والماورائية والنفسية.
أمعن في كلمات عربي جيداً.. أجده قد صب جام غضبه على الأمة وأهلها الذين يؤمنون بذلك.. ربما أوافقه على ذلك لكن الناس لا يمكن أن يلاموا وهم دوماً في موقف المتلقي البعيد عن خلق السياسات وصنع القرار.. فالناس في بلادنا ليسوا سوى محكومين لحكامهم إن عبر الشكل الديني الذي يؤدي بهم إلى الغلو في الدين حتى يتأسس من ورائه دين مرادف يشتمل على مختلف العقائد الموروثة التي لا علاقة لها بالدين بتاتاً لكنها تغلف بطابع ديني.. أو أنهم محكومون كذلك لكن من خلال نظام غير ديني، ليس علمانياً بالمطلق لكنه ليس دينياً كذلك.. وهؤلاء يهربون أمام القمع الذي يواجهونه واعتاد كثير منهم عليه إلى ممارسات تهدف لرفع الظلم والتمكين والنصرة والغلبة فيؤسسون كذلك لممارسات مغلفة بالدين يهربون بها من واقعهم ويؤمنون بها كإيمانهم بالله وأنبيائه وكتبه.
وبين هذا وذاك تنشأ المهنة الأبرز في وطننا العربي البعيدة عن سيطرة الدول ودوائرها الضريبية والقانونية.. وتأتي هذه المهنة تحت مسميات كثيرة للغاية منها فك السحر، والعلاج بالقرآن، وفك المربوط، وجلب الحبيب وفتح النصيب ورد الغائب وتأمين الرزق والحمل بإذن الله!!! وتنتشر أسماء على شاكلة: العالم الروحاني أبو جمال، والخبير الفلكي الدكتور سمير، وقارئة الفنجان بوران، وأبو جعفر، وأم عمر، والآتي من بلاد المغرب، يضعون أسماءهم وصورهم في صحف إعلانية لا تتورع عن نشرها إلى جانب غيرها من المهن التي تدعي الطب وتطفو إلى السطح غالباً في ظل الفشل التنموي وانحطاط السياسة كالمثيرات الجنسية وتصحيح الإعوجاج وزيادة الطول، وأدوية التنحيف وإزالة السيلوليت وجلسات المساج، وتكبير الصدر وتصغيره وترميمه؛ كأنها ورشة بناء!! وغسيل المصران والوخز بالأبر وإزالة الشعر والبواسير باللايزر. والغريب في الأمر أن بعض الفضائيات تستضيف ضيوفاً في برامجها من أصحاب الحيل أولئك. لا بل إنّ بعضها يبرزهم كأصحاب برامج ثابتة وهذا يدل على شعبيتهم، التي تنهال اتصالات على القناة، في الشارع العربي.
ذلك فشل السياسات التنموية حقاً. فمن الذي يفترض به أن يقدم للجماهير البديل العلمي والتقدمي سوى الدولة. والبديل هو العلم حتماً.. لكن أين هذا العلم حتى في مصانعه المفترضة جامعات وطننا العربي التي من يدخلها كمن لا يدخلها تخرج عاطلين عن العمل وعاطلين عن الزواج وعاطلين عن التفكير وعاطلين عن الحياة.. لتتسلمهم بعدها أجهزة القمع البوليسية فتمعن في تهميشهم وتجهيلهم بمساعدة القوى الظلامية المتمثلة في المصالح الدينية السلطوية.
لا لوم على الشعوب فهم يفتشون عن ملجأ يحميهم وأمل يتمسكون به وحائط يستندون إليه. كثير منهم يعلم تماماً أن مثل هذه الممارسات لا يفيد بشيء لكنه يأنس لها. لست أنا أو أنتم من سننشر العلم وهو الحق الوحيد طبعاً ومع احترام مختلف نظرياته المتناقضة كذلك. فنحن لا نملك القدرة على ذلك. ليس هذا استسلام بل حقيقة حتى يثبت العكس وهي قاعدة علمية. فهذا هو دور الدولة. الدولة الجاهلة التي تحكم أوطاننا العربية جميعاً.. نحن على هامش كل شيء.. نحن على هامش الحياة نفسها..
عصام سحمراني