انتصارات العرب الجوفاء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كان قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، بحرف جدار الفصل العنصري الإسرائيلي عن مساره في قرية بلعين بسبب الضرر والحيف الواقع على أهاليها وفصم عرى القرية، وما لذلك من أثر على الزراعة ومجمل النشاط البشري العام، مدعاة للفرح والتظاهرات، والاحتفالات والمسيرات، والأعياد الشعبية العارمة التي عمت تلك القرية الفلسطينية. واعتبر ذلك نصراً لقضية فرعية وثانوية لا أهمية، ولا أثر لها على مجمل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي الحقيقة ليس من حق أحد أن يفرح أو يهلل لهذا الانتصار طالما أن العرب وبملايينهم الثلاثمائة، وما شاء الله وبلا حسد و"ضيقة" عين، وبثرواتهم الأسطورية الخرافية، وأنظمتهم الاستبدادية الفاسدة والفاجرة، لم يصنعوه، ولم يستطيعوا وقف بناء الجدار، أو التأثير السياسي في أحداث المنطقة على الإطلاق. ومن يحق له الفخر والاعتزاز بهذا القرار والانتصار، إن جاز لنا اعتباره انتصاراً، هو الشعب، والقضاء الإسرائيلي نفسه الذي أعلن نزاهته وحياده، وموضوعيته، وعدله، في قضية لشعب ما يزال رازحاً تحت نير الاحتلال. هذا القضاء الذي يجب أن تحذو حذوه، وتتلمذ على يديه جميع أجهزة القضاء، ووزارات العدل بوزرائها الميامين قاطبة في منظومة الشرق الأوسط الشمولية العسكريتارية الاستبدادية، وطلب التعلم من النظام القضائي والحقوقي "الصهيوني"،(هذا إذا وثق الصهاينة بهم وقبلوا معهم)، كيف يتم إبرام الأحكام القضائية بعيداً عن التأثيرات السياسية والمزاجية الشاذة للمتنفذين ولأولي الأمر الأبرار، وإعطاء أمثلة ناصعة وزاهية على الكيفية في ترسيخ تقاليد إحقاق الحقوق دونما النظر لأية اعتبارات أخرى، سوى اعتبارات الحق والمنطق وسيادة وتطبيق القانون وإنصاف المظلوم ومهما كان. إذن من هو جدير بالشكر، والاحتفال، بهذا اليوم التاريخي المشهود، ليس أي واحد من أولئك الأعراب المساكين، ومن لف لفهم، بل قضاة إسرائيل وجهازها القضائي بالتحديد.
وفي مكان آخر ليس ببعيد عن قرية بلعين الفلسطينية، كانت جحافل الفاتحين الأعراب من الجيش اللبناني البطل الصنديد الباسل المغوار، تهلل بالانتصار الأجوف البائس على المدنيين والعزل والأطفال والنساء في موقعة نهر البارد. وكانت هيئة جنوده ومدرعاته المؤللة وهي تقتحم ذاك المكان الخرب المدمر توحي للناظر بأنها قد أكملت تحرير فلسطين، وهي تهم بدخول أسوار القدس معلنة الفتح المبين على الظالمين الأشرار. لقد كان منظر الجيش اللبناني في حقيقة الأمر مخزياً، ومشيناً، وليس، البتة، مدعاة لأي فرح أو مراجل وعنتريات بالانتصار على مجموعة متمردة من المقاتلين، وبغض النظر عن الموقف السياسي، والفكري، سلباً، أو إيجاباً من هذه المجموعة المسلحة، وإذا ما أخذنا في الاعتبار تاريخه المخجل في أرض الوغى والميدان والمواجهات العسكرية مع الإسرائيليين. لقد أدت تلك المواجهة إلى تشريد مئات العائلات والشيوخ والأطفال والنساء من بيوتهم ومكوثهم في العراء. وهذا إذا علمنا أن نفس هذا الجيش "البطل"، التزم صمت الجبال، وأصيب بحالة من الخرس المبهم حيال الغزو الإسرائيلي الهمجي البربري للبنان في العام الماضي، ولم يطلق طلقة رمزية واحدة، أو حتى يصدر مجرد بيان استنكار يتيم على ذلك العدوان. لا بل، وإمعاناً في التخاذل والانبطاح، كان كلف بعضاً من جنرالاته بمهمة رسمية مقدسة وهي التحول إلى وظيفة نادل لتقديم الشاي لجنود الاحتلال القتلة الغزاة، ممهداً الباب لظهور مصطلح جديد في العلوم العسكرية والاستراتيجيات عرف لاحقاً بـ" جنرالات الشاي"، وهذا واحد من إنجازات العرب الحديثة والباهرة في هذا الزمان ستضاف إلى إنجازاتهم السابقة "ما غيرها" المتعلقة بـالقمع والاستبداد. وصار منذ ذلك اليوم يدرس في الأكاديميات والمدارس العسكرية باعتباره فتحاً عربياً خالصاً في فنون القتال والتصدي للعدوان. وفي الحقيقة لقد تحولت معظم استراتيجيات جيوش العرب باتجاه مهام يقوم بها الخدم والكرسونات وفتيات الإغراء، على اعتبار أنه لم يعد لها من مهام تذكر على الإطلاق، بعد أن أكملت مهامها المقدسة في قمع الشعوب واضطهادها، و"تقديم" الشاي لغزاتها. لا ترى بطولاتهم ومراجلهم ولا ينشبون أظافرهم ومخالبهم الجارحة إلا على شعوبهم والأطفال والنساء، أمَأ أمام بساطير اليهود وأسيادهم الأمريكان فهم مجرد أرانب، ونعامات، و"حريمات" مسالمة وادعة ومهيضة ومقصوصة الجناح.
وفي طول العالم العربي والإسلامي وعرضه هلل المخدرون الأشاوس بالعودة الإعلامية "المريبة"، وعشية الذكرى السادسة لأحداث سبتمبر/أيلول ( هل هذا محض مصادفة فقعاء أم نتناساه وندعه يمر مرور الكرام؟؟)، لـ"خليفة" المسلمين "الشيخ أسامة بن لادن، بعد أن بلغت شعبية جورج بوش الحضيض، وهو ظهور يدخل في نطاق الأحابيل والأفانين الكبرى في النصب والخداع واللعب بالثلاث ورقات، وهو متعدد الغايات والأهداف و"الاستعمالات". واعتبر أولئك المساكين البؤساء أن مجرد بقائه على قيد الحياة هو نصر مؤزر للعرب والمسلمين وضمانة أكيدة لبقاء هذه الشعوب ترزح في حضيض التخلف والجهل والحروب والغباء، وأن خلاصهم وتحررهم من الفقر والمجاعات والقهر والاستبداد وانتصار الإسلام كامن ومترابط مع بقاء وديمومة تلك الأشباح.
إن أي انتصار حقيقي للعرب والمسلمين يجب أن يكون في مجتمعات عصرية وحديثة لا مجتمعات عشائرية وقبلية وما قبل مدنية، وفي المجالات الحضارية كافة كالعلم والفنون والثقافة والفكر والطب والاختراعات واحترام حقوق الإنسان والاعتراف بإنسانيته وتكريمه وتطبيق القوانين والقضاء العادل النزيه وإرساء الدساتير الحديثة التي تقدس قيم المواطنة والعدل والمساواة ونبذ العنف والتكفير والإرهاب...إلخ. ومن هنا، لا يحق لا لسكان قرية بلعين إقامة الأعراس، ولا للجيش اللبناني البطل الاحتفال بتلك الانتصارات، ولا الفرح الغامر بظهور مشكوك بصدقيته وأهدافه ومراميه لأحد نجوم التكفير والإرهاب، لأنها، بمجملها، ليست سوى تعابير مختلفة عن الانحطاط والخزي والعار والانكسارات. وما هي في حقيقة الأمر إلا هزائم أخلاقية ساحقة مرّة ونكراء لمجاميع العرب والمسلمين، ومن لف لفهم، وبكل المقاييس والاعتبارات وعلى كافة المستويات.
نضال نعيسة
Sami3x2000@yahoo.com