أصداء

عرض عام لأشكال الدولة الاستثنائية أو دولة الاستثناء

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

نيكوس بولانتزاس



1 ـ أشكال تدخل الدولة
شكل الدولة الاستثنائية الناتجة بدورها عن دولة رأسمالية هو دائما ينتمي للنموذج "الرأسمالي" للدولة، ليس فقط ببساطة فيما يتعلق بسلطة الدولة، ولكن أيضا بأشكالها المؤسساتية : وهذا يكون بالنسبة للدولة الفاشية

الجزء الاول

أيضا كما في الدولة الرأسمالية في حالتها الاستثنائية " الشاذة". ونشير هنا كما يقول " بولانتزاس" إلى الصفات التي تميز نموذج الدولة الرأسمالية : الفصل النسبي للاقتصادي والسياسي من جهة، و الاستقلال النسبي للدولة تجاه الطبقات والفئات المسيطرة من جهة أخرى.
الدولة الاستثنائية وبكونها ناتجة عن أزمة تتطابق معها، تتدخل بشكل عام في الاقتصاد من أجل توجيه النظام في مواجهة جعل القوى الإنتاجية قوى اشتراكية. و بالنسبة أيضا للدولة الفاشية فهي تتدخل في الاقتصاد بشكل هام بالنسبة لها. من وجهة النظر هذه يؤكد" بولانتزاس" أنها تشكل نقاطا مشتركة مع شكل الدولة التدخلية أو كما يسميها " الرأسمالية الاحتكارية" للتشكيلات الاجتماعية و التي لا تمر بأزمة سياسية. وما يميزها هنا" كدولة استثنائية" ليس بشكل كبير درجة تدخلها، بل الأشكال التي من خلالها يتم هذا التدخل.
فيما يتعلق بالاستقلال النسبي لشكل الدولة الاستثنائية تجاه الطبقات والفئات المسيطرة، إنه استقلال هام وله خصوصية ومعنى، ناتج عن الأزمة السياسية وعلاقة القوى التي يتطابق معها. الاستقلال النسبي وفق "بولانتزاس" هو ضروري للدولة الاستثنائية من أجل إعادة تنظيم العلاقات داخل السلطة و الهيمنة، ضمن إطار الأزمة السياسية. هذه الاستقلالية يمكن أن تكون موجودة أو واجبة الوجود في الأشكال الأخرى للأنظمة الاستثنائية، من أجل توازن القوى التي تميز أو تطبع الفضاءات الخاصة للأزمات السياسية كما في نموذج الدولة " البونابرتية" Bonapartisme.

2 ـ تغير العلاقات بين الجهاز القمعي للدولة و الأجهزة الإيديولوجية
شكل الدولة الاستثنائية، المقابل لإعادة تنظيم مجمل أجهزة الدولة لتصبح أجهزة " دولاتية"، يحدث تغيرات جذرية للأجهزة الإيديولوجية للدولة، وعلاقاتها مع جهاز الدولة: وفي الواقع الدولة الفاشية هي نموذج خاص ونوعي فيما يتعلق بهذه الشكل من التغيرات. يقصد هنا عنصر له أهميته الجوهرية، و ليس صدفة أن الذين كتبوا عن " التوتاليتارية " تحدثوا عن هذا النوع كشكل مميز، و لكن مازال قالوا عنه؟
الدولة " التوتاليتارية" ستكون بشكل جوهري وعميق " بطبيعتها" متميزة عن الدولة " التعددية ـ المؤسساتية". في هذه الأخيرة، يوجد مؤسسات أو منظمات مستقلة بين الدولة من جهة، الأفراد في المجتمع المدني من جهة أخرى. هذه " الأجسام المتوسطة /الوسيطة" بين الدولة و الفرد هي ضامن للحرية، و مقياسا لها.

هذه المؤسسات " المستقلة" و "الحرة" ستكون الأحزاب، النقابات، المؤسسات الثقافية، المدارس، أماكن العبادة، ومنها أيضا المؤسسات المحلية بكل أنواعها مهما كانت صغيرة. وهذه الإيديولوجيات (المؤسسات)، تحت أشكالها الحديثة، تعود لزمن بعيد وليست جديدة، إلى " فوبلين"، وحتى "دوركهايم" نفسه. انتشرت فيما بعد مع " آنا أروندت" من خلال العديد من الدراسات حول " مجتمع الجماهير". فيما يتعلق بالدولة التوتاليتارية، ستقوم "بتتبيع" جميع المؤسسات للدولة، من خلال " دولنة" مجمل الحياة الاجتماعية، وهذا يعني غياب المؤسسات "المستقلة" بين الفرد والدولة.
نتوقف هنا كما يدعونا " بولانتزاس" لنتذكر بعض الملاحظات حول الأجهزة الإيديولوجية للدولة. هذه الأجهزة "المؤسسات" هي دائما أجهزة دولة، مهما كان شكل الدولة. بشكل آخر للقول، الفرق بين الدولة الفاشية ( شكل الدولة الاستثنائية) و الأشكال الأخرى للدولة الرأسمالية لا يبقى ضمن إطار أن هذه المؤسسات تعود للنظام الدولاتي في الحالة الأولى، بينما ستكون مستقلة في الحالة الثانية. في الواقع، بخلاف التحليلات التبريرية "العقائدية" للإيديولوجيات التوتاليتارية، نلاحظ القرابة، بين أشكال متعددة الدولة الرأسمالية، و الدولة الفاشية. و سنقول أيضا وفق "بولانتزاس" :إن الدولة الرأسمالية الاستثنائية، والدولة الفاشية بشكل خاص، هي أشكال ناتجة عن أزمة نوعية للدولة الرأسمالية.

ماذا يعني هذا بشكل حقيقي؟ التفريق بين حالتي "خاص/عام" يغطي الاستقلال النسبي، داخل الدولة، للأجهزة الإيديولوجية. التغييرات، في هذا الشأن، وفي حالة الدولة الاستثنائية ( والدولة الفاشية بشكل خاص) تشير إلى الحدود الخاصة، وفي درجات مختلفة، التي يمكن أن تذهب لحد إلغاء الاستقلالية النسبية للأجهزة الإيديولوجية داخل " حتى " الدولة. وهذا يعني أن كل العلاقة بين جهاز الدولة و الأجهزة الإيديولوجية للدولة ستتغير. عمليا، الاستقلالية النسبية للأجهزة الإيديولوجية تعود، داخل الأشكال الأخرى للدولة الرأسمالية، للأسباب التالية :
أولا ـ طبقات أو فئات من كتلة السلطة أو "محيطها" تختلف عن الطبقة أو الفئة المتجانسة التي تسيطر على هذه السلطة؛
ثانيا ـ الطبقات الشعبية داخل هذه النوع من السلطة تقدم نفسها بأشكال مختلفة ( أحزاب، نقابات،الخ)؛
أما في حالة الدولة الاستثنائية، دورها القاطع و الوحيد في إعادة تنظيم التجانس يشترط :
أولا ـ وضع حد قاطع لهذا "التوزيع" للسلطة إلى عدة أجهزة؛
ثانيا ـ السيطرة الصارمة لمجمل نظام الدولة من خلال " جهاز" هو في يد الطبقة أو الفئة التي تحارب من أجل إقامة و تشييد تجانسها.

ويرى "بولانتزاس" أن هذا الحد الخاص للاستقلالية النسبية للأجهزة الإيديولوجية، في حالة الدولة الاستثنائية، يعود أيضا لسبب ـ الأزمة الإيديولوجية المرافقة للأزمة السياسية ـ، كذلك، ـ للتدخل الخاص للإيديولوجيا ـ التي تضاعف القمع المتزايد على الطبقات الشعبية. وفي الواقع، العنصر الأول الذي علينا أن نشير إليه هنا، أن هذا الدور المتزايد للقمع " المادي" physique يترافق وبشكل ضروري مع تدخل خاص للإيديولوجيا، التي تشرع هذا القمع ( تجعله شرعيا). هنا سنذهب بعيدا أيضا : الأشكال الأخرى للدول الرأسمالية تسمح، من خلال ترسانة قضائية " دستورية"، بممارسة القمع المادي في حالات حرجة للصراع الطبقي: " الديمقراطيات" تستطيع وبشكل قوي أن تسلك هذا الطريق أيضا. ولكن هذه الأشكال للدولة لا تسمح غالبا، ولأسباب تتعلق بالاستقلالية النسبية للأجهزة الإيديولوجية للدولة ( نقابات،أحزاب وغيرها)، أن تكون هذه الممارسة للقمع المادي من خلال تدخل الإيديولوجيا الخاص الذي يبرر ويشرع هذا القمع.

في الأشكال الأخرى للدولة كما يشير "بولانتزاس"، إنه من خلال المواربة " لممارسة الإيديولوجيا"،الطبقات المسيطرة، و الترابط التمثيلي المباشر الذي يجمعها ويربطها، " يقام" داخل الأجهزة الإيديولوجية " للإيديولوجيا المهيمنة" : إيديولوجيةً راسخة بواسطة مواربة وانحراف هذه الأجهزة الإيديولوجية. ولكن في أشكال الدولة التي لا تتطابق مع أزمات سياسية ـ إيديولوجية، هذه الإيديولوجية الداخلية تتميز عادة، بالعديد من الجوانب، عن الإيديولوجيا المسيطرة : مثال على ذلك : يوجد إيديولوجيا داخلية خاصة بالإدارة " البيروقراطية" للدولة، في الجيش، في أماكن العبادة أو التكوينات الدينية، وفي النظام المدرسي. وهذا يعود لأسباب :
أولا ـ بسبب الاختلال بين الأجهزة كمقرات للتعارض بين الإيديولوجيات و فروع الإيديولوجيا المختلفة؛
ثانيا ـ في التعارض، وحتى داخل الأجهزة نفسها، بين الفئات الاجتماعية " منتفعي الإيديولوجيا الجهازية organique"، و المنظمين للسيطرة و الهيمنة الجهازية " العضوية" ضمن المعنى الذي يستخدمه "غرامشي"، مع الطبقة أو الفئة المسيطرة من جهة أخرى، و هؤلاء الذين يخضعون إلى إيديولوجيات أخرى تابعة لآخرين.
هذا الاختلال بين الإيديولوجيا الداخلية الخاصة للأجهزة و الإيديولوجيا المسيطرة هو أيضا تعبير عن التناقضات الإيديولوجية والتي، بمرافقتها لاختلالات سلطة وقوة الدولة، تشكل السبب في الاستقلالية النسبية للأجهزة الإيديولوجية للدولة.

أما فيما يتعلق بشكل الدولة الاستثنائية، نلاحظ، ضمن إطار الأزمة السياسية ـ الإيديولوجية، قطيعة في الارتباط المباشر للطبقة أو الفئة المهيمنة، مع ممثليها السياسيين أكثر من ممثليها الإيديولوجيين.
" المنتفعون من الإيديولوجيا" للطبقة أو الفئة المسيطرة يتماثلون مع الإيديولوجيا الداخلية الخاصة للأجهزة، بينما الذين يتبعون إيديولوجيات أخرى هم مبعدون. بشكل مواز، مجمل أجهزة الدولة خاضع لهذه الأيديولوجية الداخلية، ويتقاطع مع الإيديولوجية المهيمنة؛ هذه الأخيرة نفسها تتقاطع مع تلك، الخاصة، والتابعة أو هي فرع من جهاز الدولة المسيطر على الأجهزة الأخرى: مثال، " عسكرة" المجتمع ومجمل الأجهزة الأخرى (الجيش)، " برقطة" bureaucratisation المجتمع ومجمل الأجهزة (الإدارة)، كهنتة cleacute;ricalisation المجتمع ومجمل الأجهزة ( المؤسسات الدينية). هذه الوظيفة الخاصة للدولة الاستثناء هي كذلك الوسيلة الضرورية لإعادة تنظيم السيطرة الإيديولوجية. ولكن هذا يحدث تقييدا بدرجات مختلفة، في نفس الوقت للاستقلالية النسبية للأجهزة الأيديولوجية للدولة ( أحزاب، نقابات، الخ) بالنسبة لجهاز الدولة، و بالنسبة للأجهزة الإيديولوجية للدولة فيما بينها.

صلاح نيّوف

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف