أصداء

إيران وراء تصفية آل الحكيم، هل يعقل؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تزامنا مع دخول عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى و كتلة الائتلاف الشيعي في البرلمان العراقي، احد المستشفيات الإيرانية لتلقي العلاج من مرض سرطان الرئة، فقد نشر في إيران مؤخرا و لأول مرة كتابا يحكي عن جزاء من الخلاف الذي كان سائدا بين الزعيم الإيراني الراحل آية الله الخميني و بين المرجع الأعلى للشيعة آنذاك ( والد عبد العزيز ) الراحل آية الله محسن الحكيم.
وقد جاء الكشف عن هذا الخلاف في كتاب بعنوان " مذكراتي " للشيخ محمد سمامي احد رجال الدين المرافقين الخميني أثناء إقامته في العراق التي دامت قرابة الخمسة عشر عاما، حيث كان الخميني قد استقر في مدينة النجف بعد أن تم إبعاده من إيران عام 1964م على اثر قيادته لانتفاضة طلبة الحوزة الدينية في مدينة قم ضد الشاه.


وقد أبرزت وسائل إعلامية إيرانية تابعة لجناح المتشددين ما ذكره "السمامي "عن أللقاء الوحيد الذي جمع بين الخميني و آية الله محسن الحكيم،والذي ساده جوا من التشنج والعصبية نتيجة الخلافات في الرؤى و المواقف من نظام الشاه ونظرية ولاية الفقيه التي كان الخميني يحاول ترويجها وكانت حوزة النجف ترفضها لضعف أدلتها الشرعية، وتختلف معه لمعارضته نظام الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان من الداعمين لحوزة النجف ومرجعية محسن الحكيم تحديداً.


وقد ذكر الشيخ " محمد سمامي " تفاصيل ذلك اللقاء الذي جري في يوم الاثنين 22جمادي الثاني لسنة 1385هـ في منزل الحكيم بمدينة النجف قائلا: أن ألقاء جرى في الأيام الأولى من وصول الخميني إلى النجف، وانه قد كلفني بكتابة ما يدور من حديث بينه وبين الحكيم الذي كان يتحدث الفارسية بلكنة.
ويشرح قائلا: أن اللقاء جاء بناءا على اقتراح من الشيخ نصر الله ألخلخالي، احد المقربين من الخميني، فبعد صلاة المغرب والعشاء التي أقيمت في مدرسة البروجردي الكبرى بإمامة الخميني، توجهنا يرافقنا عدداً من المقربين نحو منزل الحكيم عن طريق سوق القبلة، وعند وصولنا بيت السيد الحكيم لم يكن أحدا في غرفة الاستقبال ( أو ما يعرف بالبرانية ) سوى الخادم الذي صاحبنا إلى الغرفة الخاصة واجلس الخميني بجانب المسند المخصص لجلوس الحكيم الذي دخل الغرفة بعد لحظات من دخول الخميني أليها، وقد تبادل الاثنان السلام والمجاملات المعهودة بين رجال الدين، وحين استقر المجلس بدأ الخميني بالحديث قائلا للحكيم: لقد سمعنا إن صحكتم ليست على ما يرام فمن المفيد أن تذهبوا إلى إيران لتلقي العلاج و هي فرصة أيضا تطلعون فيها عن قرب على الأوضاع الجارية هناك.
فرد الحكيم عليه قائلا: إنني مطلع بالكامل على جميع القضايا.
ثم قال له الخميني: لا اعتقد إنكم مطلعون على جميع القضايا، فلو كنتم مطلعون حقا على ما يجري في إيران لما سكتم عنها.
فأجابه الحكيم: ما كان يتوجب علينا من الناحية الشرعية فقد قمنا به، ولكن يبدو أنكم لحد الآن غير مطلعين على الأوضاع السياسية في العالم، فهناك بعض الجهات والأفراد المنتفعين يثيرون القلاقل لكي يستفيدوا منها، لذا يجب أن تكونوا يقضين جيدا.
فرد الخميني: لعلكم غير مطلعين أن الأمريكان والإنجليز يريدون تدمير الدول الإسلامية ومحوها وقد بدأو من إيران. فإنهم ينهبون الثروات الإيرانية ويريدون امتصاص دماء الشعوب، لذا يجب أن ننتبه. كما أن محمد رضا بهلوي لا يؤمن بالإسلام نهائيا،ولهذا السبب نحن ثرنا ضده.
فيرد عليه الحكيم مرة أخرى: نعم صحيح ما تقولونه، ولكن المقاومة والوقوف بوجه هؤلاء بالطريقة التي قمتم بها كانت غير صحيحة لأننا لا نمتلك السلاح والقدرة، فسلاحنا وقوتنا هي هؤلاء الناس، وهؤلاء مواقفهم تتغير مع تغير اتجاه الريح، ونحن لدينا تجارب من ثورة العشرين العراقية ونتذكر كيف تعامل معنا الإنجليز وكيف انتهت نتيجة ثورتنا ضدهم. لذا يجب أن يتم التحرك باحتياط شديد فان أي غفلة من الممكن أن تذل وتدمر المسلمين، وأنا أجد نفسي مسؤلا أمام هذه الأمور. كما أنني قد تحققت من بعض القضايا التي تطرحونها وقد وجدتها بخلاف ما ذكرتم.
فقال له الخميني: نحن ما تحركنا من دون دليل وعندنا مستمسكات تثبت صحة ما نقول.
فسأله الحكيم: كيف ستجاوبون الله على هذه الدماء التي أريقت؟.
فأجابه الخميني: لماذا ثار الإمام الحسين واستشهد هو و من معه؟ أليس من اجل الحفاظ على الإسلام؟. أذن علينا أن نوجه له هذا الاعتراض أيضا.
وفي هذا الأثناء غضب السيد الحكيم وقال بعصبية شديدة: أيها السيد تقيسون أنفسكم بالحسين! إن الإمام الحسين كان إمام مفترض الطاعة وكان عالم ومكّلف من الله. لماذا انتم لا تذكرون الإمام الحسن؟. فكل ما أردتم القيام بعمل أو إراقة دماء تجرون الإمام الحسين إلى الوسط. فان إراقة قطرة دم واحدة من دون ذنب عليها مسؤولية عظيمة أمام الله، ثم سكت.
كما أن الخميني لم يتحدث بعدها، ثم نهض مغادرا وقد شايعه الحكيم إلى باب الغرفة.
وكانت مدة هذا اللقاء عشرون دقيقة فقط حضره النجل الأكبر للحكيم السيد يوسف وعددا من حاشيته. انتهى.

المراقبون يعتقدون أن مذكرات" السمامي " كانت مليأة بالكلام المهم حول الخلاف الحاد الذي كان قائما بين الخميني ومرجعية الحوزة النجفية آنذاك إلا أن مقص الرقيب لم يسمح بنشر أكثر مما نشر، حيث يعلم الجميع أن حوزة النجف بقيت مؤيدة لشاه إيران محمد رضا بهلوي لآخر لحظة من حياته، فيوم موته في القاهرة كان موفد مرجعية النجف إلى مصر " السيد طالب الرفاعي" المقيم حاليا في أمريكا هو من صلى عليه،و هو ما تسبب في تصاعد حدة الخلاف بين الخميني ومرجعية النجف التي كان زمام قيادتها يوم موت الشاه بيد آية الله أبو القاسم الخوئي.وقد أدى غضب الخميني من مرجعية النجف إلى قيام عناصر من اللجان الثورية بإحراق مكتب ممثل آية الله الخوئي في مدينة قم انتقاما منه لقيام ممثله في القاهرة بالصلاة على جنازة الشاه.كما قامت السلطات الإيرانية بعد ذلك بالتشديد على الموظفين الحكوميين والتجار وأستاذة حوزة قم ممن كانوا يقلدون الخوئي أو يميلون بأفكارهم وأرائهم الفقهية إلى رأي حوزة النجف.


وحول الدوافع وراء الكشف عن جزء من الخلاف الذي كان قائما بين الخميني ومحسن الحكيم، في هذا الوقت تحديدا.،فان المراقبون يعتقدون أنه يدخل في باب مساعي طهران الرامية إلى تثبيت هيمنتها المطلقة على حوزة النجف وضمان اعترافها بمبدأ ولاية الفقيه و مرجعية خامنئي التي لم تقر رسميا بعد من قبل حوزة النجف.


ولهذا فان طهران تسعى،أولا: إلى إبعاد المرجعيات العراقية القوية،التي تصر على استقلالية حوزة النجف و إبقائها المرجعية العليا لكافة الشيعة، من تولي زعامة الحوزة النجفية.
ثانيا: تنصيب مرجعية ضعيفة و غير عراقية على رأس حوزة النجف لضمان بقاء ولائها الحالي لايران.
ثالثا: إدخال مناهج دراسية جديدة في حوزة النجف و إلغاء النمط التعليمي التقليدي المعتمد فيها حالياً والذي يختلف عن أسلوب ومنهج حوزة قم، وقد كلف مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي، الناطق الرسمي السابق باسم حزب الدعوة الشيخ محمد مهدي الاصفي البروجردي، لهذه الغاية.


رابعا: ان إيران مطمئنة الآن من موقف مرجعية النجف بقيادة الإيراني آية الله علي السيستاني لكنها تتخوف من سلفه، فهناك ثلاثة مراجع مرشحين لخلافة السيستاني اثنان منهم غير عراقيين وهم، الشيخ بشير النجفي (باكستاني ) والشيخ فياض ( أفغاني )، أما الثالث فهو محمد سعيد الطباطبائي الحكيم، وهو الحفيد الأكبر لآية الله محسن الحكيم من جهة ألام، والأخير يعد ابرز المرشحين لخلافة السيستاني لكونه اكبر مراجع الشيعة العراقيين والوحيد الذي مازال متمسك بخصوصية الحوزة النجفية التي تميزها عن سائر الحوزات الشيعية الأخرى. كما انه مازال لم يقر بعد صراحة بنظرية ولاية الفقيه المطلقة ولا بمرجعية خامنئي الشاملة للشيعة.


وقد عرف عن محمد سعيد الحكيم بعده عن الخوض في قمار السياسة،وعلى الرغم من انه قد سبق اعتقاله في منتصف الثمانينيات ضمن مجموعة من آل الحكيم،إلا انه كان يعد من رجال الدين المقربين إلى السلطة و سبق له أن استعان بالرئيس الراحل صدام حسين لاسترداد مدرسة دينية لآل الحكيم كان محمد محمدصادق الصدر( والد مقتدى الصدر) استولى عليها. كما سبق ان غادر العراق عام 2001 م لتلقي العلاج الطبي في الخارج على نفقة الرئيس الراحل صدام حسين.
وقد تعرض محمد سعيد الحكيم البالغ من العمر (71عاما ) في أغسطس آب 2003م إلى محاولة اغتيال فاشلة أسفرت عن أصابته بجروح طفيفة و مقتل ثلاثة من حراسه. وقد ربط المقربين منه تلك المحاولة بالخلاف القائم بينه وبين آل الصدر.


ومن المعروف ان خلاف الحكيم مع الصدر خلافا فكرياً، حيث كان الأخير يسعى الى أن تكون الحوزة ناطقة باسم الناس وتتدخل في السياسة وتمثل كل الشيعة في العالم. غير أن محمد سعيد الحكيم يرفض ذلك ويرى ضرورة إبعاد الحوزة عن الصراعات السياسية.


وعلى الرغم من مواقف زعيم حوزة النجف آية الله السيستاني المؤيدة لايران حالياً،إلا أن ذلك لم يوفر الضمان الكافي لطهران في إمكانية استمرار بسط هيمنتها المطلقة على حوزة النجف،حيث يوجد حاليا الكثير من العلماء العراقيين الكبار من أمثال آية الله الشيخ اليعقوبي وآية الله الشيخ حسين المؤيد وآية الله الشيخ جواد الخالصي وشقيقه آية الله الشيخ مهدي الخالصي وآية الله السيد محمود الحسني الصرخي و آية الله السيد احمد الحسني البغدادي وغيرهم من المجتهدين الآخرين،على خلاف مع السيستاني ويرفضون تابعية حوزة النجف لايران ويسعون إلى إبقائها مستقلة ومحافظة على خصوصيتها ومرجعيتها لشيعة العالم. وهذا ما يجعل طهران قلقة على مستقبل مخططها ولهذا فهي تسعى إلى تنصيب مرجعا موالياً لها (ظاهرا ومضمونا ) لضمان تبني حوزة النجف نظرية ولاية الفقيه وتوحيد قيادة شيعة العالم تحت مرجعية خامنئي.


ومن هنا فإن إيران تسعى إلى إبعاد محمد سعيد الحكيم عن تولي منصب المرجعية العليا لحوزة النجف وذلك بإضعافه من خلال دعاية إعلامية مبرمجة تحاول تشويه تاريخ مرجعية آل الحكيم الذين وعلى الرغم من تحالفهم القوي مع النظام الإيراني إلا إنهم مازالوا متمسكين بالمنهج التقليدي لحوزة النجف الرافضة الاعتراف بولاية الفقيه المطلقة وإصرارهم على قيادة حوزة النجف للشيعة.
ويعتقد المراقبون ان النظام الإيراني وعلى الرغم من احتضانه لأبناء آية الله محسن الحكيم و دعمهما ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين إبان الحرب الإيرانية العراقية وما بعدها، إلا أن ذلك لا يعني أن طهران تناست مواقف محسن الحكيم وحوزة النجف المعارضة للخميني والمؤيدة للشاه. ويربط بعضهم بين اغتيال محمد باقر الحكيم، عقب عودته إلى العراق في عام 2003م، وبين العداوة السابقة التي كانت قائمة بين محسن الحكيم والخميني من جهة، و مساعي محمد باقر الحكيم إحياء دور حوزة النجف الذي كان قد تراجع أمام حوزة قم عقب وفاة أبو القاسم الخوئي،من جهة أخرى.
وهذا ما أعلنه، وكيل آية الله السيستانيzwnj; في الكويت أبو القاسمzwnj; ديباجيzwnj;، عقب مقتل الحكيم، حيث صرح وقتها ان احد أهم أسباب استهداف الحكيم ناجم عن مساعي الأخير لإبقاء حوزة النجف المركز الرئيسي للشيعة في العالم.


وقال أبو القاسم الديباجي وقتها، ان باقر الحيكم وخلال مدة قصيرة عقب عودته الى العراق،قام مع ابن أخته آية الله محمد سعيد الحكيم بإعمال كثيرة من اجل إعادة بناء حوزة النجف وصار يجذب المقلدين له من داخل العراق وخارجها وأصبحت مرجعيته تنافس مرجعية السيستاني.
وكان محمد باقر الحكيم وبعد مرور 111يوما من عودته الى العراق قتل بحادث تفجير مروع في مدينة النجف. وعلى الرغم من مرور أربعة سنوات فان الغموض مازال يكتنف عملية اغتياله ولم يقدم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق،الذي كان يترأسه،رواية رسمية عن تلك الحادثة التي كانت بمثابة هزة مدوية في الساحة الشيعية. فالرواية الوحيدة التي قدمت كانت قد صدرت عن شرطة مدينة النجف والتي اتهمت فيها تنظيم "القاعدة" بالوقوف وراء مقتل الحكيم. وقد أعلن في يوليو الماضي عن تنفيذ حكم الإعدام بـ" أرواس محمد عبد العزيز " الملقب بـ (أبو عمر الكردي) الشخص الوحيد الذي قيل انه اعتقل بتهمة التورط بقتل محمد باقر الحكيم.


وكانت وسائل إعلام إيرانية معارضة وأخرى عربية قد نشرت أواخر شهر تشرين الأول 2003م تصريحات لأحد أفراد عناصر استخبارات فيلق القدس التابع لميليشيات الحرس الثوري، ويدعى "أمير" بعد هروبه من إيران ولجوئه إلى إحدى الدول الأوروبية، قال فيها أنه كان أحد المشرفين على عملية اغتيال الحكيم،وقد شرح تفاصيل العملية وأسماء المسئولين الذين كانوا وراءها، إضافة إلى أسماء العناصر التي قامت بتنفيذها.(لمعرفة التفاصيل يمكن مراجعة صحيفة الشرق الأوسط عدد 30 تشرين الأول 2003).
ويتهم البعض طهران بالسعي لتصفية آل الحكيم وذلك على الرغم من إعلانهم الولاء لايران،قائلين ان ذلك الولاء لم يقلل من خطر عدوتهم الى ألامساك بزعامة حوزة النجف وهو ما لا تريده الإيرانيون كون ذلك سوف يعيد للنجف قوتها ودورها التاريخي في قيادة الشيعة. ويعتقد هؤلاء المشككون ان مرض السرطان المفاجئ الذي أصيب به عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الإسلامي العراقي،جاء عقب إعلان الأخير عزمه التصدي لمنصب المرجعية الشيعية وتزعم حوزة النجف، وهذا ما يدفع الى احتمال ان يكون قد تعرض لمؤامرة تهدف التي تصفيته.


وما يعزز وجهة نظر القائلين بوقوف طهران وراء تصفية آل الحكيم، الاتهامات التي سبق ان وجهها اثنين من كبار علماء الشيعة اللبنانيون للنظام الإيراني، و قالوا فيها ان طهران سعت لاغتيالهم على الرغم من أنهم يعدون من المولين له. وهؤلاء العلماء هم، العلامة محمد حسين فضل الله، والشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لحزب الله.
ويبقى السؤال الذي يراود المتابع هو،لو لم يكن هناك غاية من نشر هذه المذكرات فهل كان سيسمح الرقيب الإيراني بنشرها، في الوقت الذي يفترض فيه ان طهران بحاجة ماسة لآل الحكيم لفرض هيمنتها على الساحة العراقية؟.

صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف