الوجه الآخر لهجمات 11 سبتمبر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في توصيف ماحدث يوم 11 سبتمبر 2001 من هجمات إرهابية شنتها منظمة "القاعدة" ضد القوة الكونية الكبرى، والبحث في خبايا وخلفيات الحدث المهول، يجد المرء نفسه امام حلقة مخفية قلما أشير اليها، عند تحليل الحدث والتنقيب في جذوره التراثية/النصوصية. والحلقة هذه هي البيئة الإسلامية الأوروبية العريضة التي امدت "القاعدة" وهيأت لها "الشباب المؤمن" الذي نفذ ضربات 11 سبتمبر وماتلتها من ضربات مدريد(11/3/2004) ولندن(7/7/2005 ).
في الحين الذي احبطت فيه مخابرات بعض الدول الأوروبية ( لعل من اكبرها العملية التي خطط لها اطباء ومتعلمون عرب لضرب مطار غلانسكو نهاية حزيران 2007)، ضربات اخرى لاتقل خطورة ولاتدميراً عن هجمات نيويورك وواشنطن. وكذلك القاء السلطات الألمانية القبض على ارهابييّن حاولا تفجير قطار في وسط البلاد(31/7/2006 ) حال القدر وحده دون تفجير الصاعق وسقوط مئات الأبرياء قرباناً للفكر الدموي المجرم ذاك.
ومن ثم القاء قوات الأمن الألمانية القبض على شابين المانيين اعتنقا الإسلام حديثاً ومعهما شخص تركي عاطل عن العمل حاولوا تفجير مطار فرانكفورت في منتصف شهر سبتمبر الجاري. كما كانت مملكة الدنمارك قد اعتقلت عدداً من الشبان المسلمين( قالت الأنباء ان اعمارهم تراوحت بين 20ـ26 عاماً) حاولوا بدورهم زرع الموت في البلد الذي آواهم هم واهلهم بعد ان هربوا من "فسطاط الإيمان" ولجؤوا ل"دار الحرب"، التي تحينوا الفرص لتفجير مرافقها وقتل اهلها، كرد للجميل...
عمليات 11 سبتمير الإرهابية خٌطط لها في مدينة هامبورغ الألمانية. وكان محمد عطا وصحبه يشدون الرحال ل"أرض الرباط" في افغانستان ليلتقوا بزعيم تنظيم "القاعدة" اسامة بن لادن واركان حربه، ويبقوا شهوراً طويلة يتلقون التدريب والتوجيه ومن ثم يقفلوا راجعين الى "فسطاط الكفر" التي يدرسون فيها، دون ان يتكلم معهم احد بحرف واحد.
وحتى هجمات اسبانيا ولندن ومحاولات تفجير مطاري غلانسكو وفرانكفورت قام بها مواطنون مسلمون جلهم ولدوا في البلدان الأوروبية وتشبعوا بثقافة وعلم اهلها.
ما السبب اذن وراء تحقيق "القاعدة" كل هذا النجاح الباهر في تجنيد شبان مسلمين من ابناء المجتمعات المسلمة في اوروبا، وتحويلهم لآلات تكون طوع بنانها في كل ماتخطط له، ودون اي نقاش او إعتراض، او وخزة ضمير؟.
الواقع ان السبب يرجع الى عاملين اثنين:
اولاً: ثقافة الحقد وكره الآخر الطاغية على قطاعات واسعة من المجتمعات الإسلامية في الغرب، وتغلغل هذه "الثقافة" في بنية هذه المجتمعات وتحولها الى "منهج" ديني وتربوي يتلقاه قسم كبير من النشئ المسلم في المسجد والتكية الدينية الممولة والمدعومة من صندوق الدولة العام.
فاغلب المساجد والزوايا الدينية في العواصم والمدن الأوروبية هي مخترقة من جماعات الإسلام السياسي، التي تتعاطف من طروحات تنظيم "القاعدة" في اضعف الإيمان (هذا اذا لم تكن تؤيدها بالمطلق)، واغلب هذه الجوامع والزوايا الدينية تتلقى دعماً مالياً من الدولة تحت بند "حوار الثقافات" او "اندماج المسلمين في المجتمع" وما إلى ذلك من أكاذيب وترهات فارغة. وهذه المقولات كلها مشاريع خلبية تخدع بها الحكومات الأوروبية نفسها قبل شعوبها امام الواقع الديمغرافي المتغول للجاليات الإسلامية وامام السيل العارم لتدفق مئات وآلاف المهاجرين المسلمين الشباب الذين يتسربون لمفاصل "القارة العجوز" مع اشراقة كل يوم جديد: اما عبر تقديمهم اللجوء او عن طريق "الزواج الطائر" ذاك.
وفي تقرير مذهل، كشفت دراسة بريطانية حديثة عن وقوع نصف مساجد المملكة المتحدة تحت سيطرة جماعة اسلامية قريبة من فكر..."القاعدة"!.
فلقد " كشف تقرير للشرطة البريطانية عن وجود حركة إسلامية متطرفة، بزعامة إمام بريطاني، تسيطر على نصف مساجد بريطانيا، وتسمى هذه الجماعة " ديوباندي " Deobandi وهي جماعة متطرفة تتصف برفضها لكل القيم الغربية وتمتلك نفوذًا كبيرة في الأوساط الإسلامية في بريطانيا إلى درجة أن الشرطة تعتقد أنها تدير أكثر من 600 مسجد من مساجد بريطانيا البالغ عددها 1350 مسجدًا. وكانت هناك ميزانية تبلغ 100 مليون جنيه إسترليني تم رصدها لبناء قرية إسلامية بجوار الموقع الأوليمبي، ولكن خطط التنفيذ توقفت وسقطت الآن في مستنقع من الجدل بعدما ذكر قسم الاستخبارات أن الجماعة التي تعتزم بناء القرية مجندة من قبل تنظيم القاعدة، وأوردت صحيفة الديلي ميرور أن المساجد التي تسيطر عليها جماعة "ديوباندي" توجد في المنطقة الوسطى والشمالية مثل مسجد جماعة التبليغ الذي زرعت فيه القنابل حيث كان معروفًا حضور كلّ من محمد صديق خان وشيهزاد تنوير. كما أن هناك حوالي 170 مسجدًا في لندن، تم تصنيفها على أنها تدار بوساطة جماعة "ديوباندي" مقارنة بأقل من 100 مسجد تديرها جماعة صوفية معتدلة وهي حركة "بيرلوي" فضلاً عن وجود 17 معهدًا دينيًا من أصل 26 معهدًا دينيًا إسلاميًا في بريطانيا تديرها جماعة "ديوباندي" حيث يتخرج فيها 80 في المئة من رجال الدين في بريطانيا"( انظر النص والتعليق المعرب للتقرير في موقع ايلاف عدد 9/11/2007).
كما كشفت التحقيقات مع المجموعة الإرهابية التي كانت تستعد للهجوم على مطار فرانكفورت عن تلقي اعضائها الدرس وحضورهم للخطب النارية التي كان يلقيها امام جامع مدينة اولم الألمانية( انظر مجلة فوكس الألمانية عدد 10/11/2007). هناك كان الإمام يكفرّ الغرب ويستحل دماء المواطنين الأبرياء بكل حرية وثقة بعيداً عن اعين رجال الأمن وجهاز حماية الدستور الألماني. والرجل، على فكرة، لايستطيع ان يجهر بربع مايجول في قلبه الشرير من افكار دموية تحث على سفك دماء الناس واطفالهم اذا كان في بلد عربي او مسلم. وقتئذ كانوا سيعلقونه من عرقوبه او يدفنونه وهو حي يرزق. لكن في اوروبا يستطيع فعل ذلك بكل سهولة. يستطيع، ان ينشر الفبائية الموت ويوعد الناس بالعذارى والغلمان المخلدين، ان هم قضوا في عملية إرهابية، وهو يعمل بمزاج و"يمخمخ على كيفه" غير عابئ بقانون او رجال أمن..!!.
الحكومات الأوروبية فشلت في حماية التجمعات الإسلامية من تغلغل تنظيمات الإسلام السياسي بين شبابها. هي اصلاً لم تفطن للقضية الا بعد ان خرج الإنتحاريون من مدنها ليضربوا الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001. كانت اوروبا تظن ان مسلمي"ها" سوف يندمجون آجلاً أو عاجلاً، وانهم سيصبحون مواطنين صالحين وسيفتخرون بلغتهم وقيمهم الأوروبية المتكسبة. هذا رغم ان اولاد الجيل الثالث والرابع ايضاَ يبدون اكثر تمسكاً ب"الإسلام القاعدي"، ويخرج العديد منهم الى مسقط الرأس للبحث عن الجذور والركض وراء "مظلومة المسلمين" وفهم "اسباب الهجمة الصليبية" عليهم، كنماذج اولئك الفتية الذين فجروا قطارات لندن، او مثيل ذلك المغربي الذي نحر المخرج الهولندي تيو فان كوخ نحر الخراف وسط هلع المارة...
اغلب الذين فجروا قطارات لندن وحافلاتها كانوا من الجيل الثاني والثالث ولايفقهون سوى الإنكليزية التي تعلموها في مدارس الإنكليز. لكن التنظيمات الإسلامية السياسية جندتهم وفتنتهم ب"الشهادة" و"ملذات الجنة"، فكانت الفتنة ـ التي غفل عنها الأوروبيون ايما غفلة ـ اكثر شدة من القتل حقاً...
ثانياً: فشل سياسة الإندماج الأوروبية وتمكن المهاجرين المسلمين من بناء مجتمعاتهم المنفصلة عن المجتمعات الأوروبية. هذه المحتمعات لها اسواقها وحياتها. هناك المطاعم والبنوك الخاصة والمحطات الفضائية ولاشيء يربط هذه المجتمعات بالدولة المضيفة سوى "رأس اول كل شهر" حيث موعد دفع مساعدة الضمان الإجتماعي.
في حي (نوي كولن) البرليني على سبيل المثال، هناك واقع آخر مغاير: نسبة الجريمة كبيرة، ونسبة التسرب من المدرسة اكبر. الطلاب يضربون مدرسيهم ويهددونهم بالسكاكين مثلما يفعل قرنائهم في حواري مدن الصفيح في الشرق الإسلامي. المخدرات متفشية ونسبة الإندماج صفر!.
ورغم كل ذلك فنحن نرى الحكومات الأوروبية تقيم المراكز الثقافية وتعقد "مؤتمرات الإندماج" وتصرف عليها المال الكثير، وتدعو الأئمة ورؤساء الجمعيات والإتحادات الإسلامية، على امل تحقيق شيء في امر ادماج المسلمين في المجتمعات التي قصدوها هرباً من الموت جوعاً وفقراً وقهراً في بلدانهم المتخلفة القمعية تلك.
بدل ان تضع لهم الدولة القوانين الملزمة بالإندماج وتقبل قيم المجتمع الذي يصرف عليهم كل هذه الأموال، نجد هذه الدول تتودد لهم وتوسع لهم لكي يتمددوا في مجتمعاتها، وهم على ماهم عليه من كره للآخر، ورفض لقيمه وثقافته وعاداته...
في فرنسا وبعد ان احرق الرعاع واصحاب الجنح آلاف السيارات واعملوا الخراب في ضواحي مدينة النور، قررت الحكومة معالجة مشكلة الفقر والبطالة ب....تخصيص مبالغ خياليه لتشغيل هؤلاء البلطجية ورعايتهم!.
بدل ان تخاطبهم باللغة التي يفهمونها وتلقي بهم في السجون والمصحات العقلية او تنزع عنهم الجنسية الفرنسية وتعيدهم لمماليك القتل التي هربوا منها ( ومازالوا يهربون منها عن طريق "قوارب الموت" تلك)، فهي عمدت لمكافئتهم والرضوخ المذل لتهديداتهم...
اورويا متوهمة حينما تعتقد بانها في مأمن من الإرهاب او في حل من شره. فإرهاب "القاعدة" بدأ يطالها. والمنفذون هم صغار المهاجرين المسلمين الذين آوتهم وصرفت عليهم ضرائب مواطنيها. والأرجح ان تنظيم "القاعدة" لم "يفضى" بعد لأوروبا وهو مايزال منشغلاً بمواجهة الولايات المتحدة في العراق وافغانستان وغيرهما من البلاد العربية والإسلامية، حيث يخصص لتلك المواجهة كل امكانياته. وربما سيأتي الدور على أوروبا لاحقاً. ومن سمع خطاب بن لادن الأخير، الذي دعى فيه الشعب الأميركي لإعتناق الإسلام، سيعي حقيقة ان الأمر كله في الأساس هو حرب دينية تستهدف ضرب وتقويض الحضارة الغربية لصالح الفكر الإسلامي الإرهابي. وان "القاعدة" لاتمارس الحرب من اجل "طرد المحتلين من جزيرة العرب" او "اخراجهم من دار الإسلام" مثلما تدرجت في القول وتسويق الحجج. بل ان الهدف هو اسلمة العالم وضرب الغرب وحضارته في حقيقة الأمر...
لذلك فقرار اتخاذ "الحياد الإيجابي" ورفض الحرب ضد الإرهاب في "مظاهرات مليونية" في لندن اومدريد او برلين لن يفيد، ولن يحمي اوروبا من خطر "القاعدة" وخططها الرامية لإشعال كل العالم الحر، حتى اقراره الإسلام واعتناق ايديولوجية الموت الوهابية التي يسوقها بن لادن وجماعته...
ماالعمل اذن؟.
يجب مواجهة الإرهاب بكل حزم وخنقه في محضنه الأول. يجب وضع سياسة جديدة ومشتركة للتعامل مع الجاليات الإسلامية الأوروبية. من يريد العيش في هذه البلدان يجب عليه ان يقر بقيمها ويعبر عن احترامه لدينها وثقافاتها، والا فإن الرحيل هو الخيار الثاني. ومثلما جاؤوا يمكنهم الرجوع كذلك.
لايعقل ان تترك اوروبا هذه الجاليات وهي تنمو وتتمدد هكذا. ينبعي ايجاد طرق واساليب لدفعها للإندماج وتقبل القيم الغربية المضيفة. يجب كذلك وضع حد لتنامي اعداد الجوامع في كل مكان وتركها تتكاثر بهذا الشكل العشوائي المريب. ثمة هوس عجيب وغير عادي في بناء الجوامع وتكبير حجمها، ما الهدف من ذلك؟. من الذي يقف وراء الترويج لبناء الجوامع ومتابعة قضاياها الشائكة مع بيروقراطية القانون وجلبة بعض الرأي العام؟. ثم ما الغرض من بناء جامع عملاق في مدينة كولونيا الألمانية، لن يشغل المصلون فيه سوى ربع المساحة. ما الذي سيفعلونه ببقية المساحة ياترى، هل سيعلمون ويلقنون اطفال المسلمين فيها؟. من الذي سيعلمهم هناك، وما الذين سيتعلمونه؟.
لكي تضع اوروبا حداً للحقيقة المرة التي تقول انها اصبحت حاضنة للجماعات الإرهابية التكفيرية ومفرخة للإنتحاريين الجدد عليها ان تعيد النظر في سياسات الهجرة والإندماج، وتتعامل بحزم مع كل شخص مشبوه او "مشروع إرهابي" لحماية مواطنيها، وكذلك لحماية الناس الشرفاء الذين لاذوا بها هرباً من ارهاب الشرق الأوسط وفساد انظمته ومجتمعاته القمعية...
طارق حمو
tariqhemo@hotmail.com