الإرهاب والفساد..
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أيهما أخطر على الدولة، الإرهاب أم الفساد؟؟. للإجابة على هذا السؤال أرجح القول بالفساد طبعا، لأن الإرهاب الذي يضرب مجتمعا أو دولة ما، هو حالة طارئة ستزول بزوال أسبابها ومسبباتها، ولكن الفساد الذي يتجذر في الدولة يغدو كالجمر تحت الرماد يحرق ويدمر المجتمعات بإستمرار..
في الحالة العراقية نموذجا، فإن الإرهاب وافد من الخارج يستغل الصراعات السياسية والمذهبية في البلد بعد سقوط النظام الشمولي،الى جانب الفلتان الأمني الذي يغذيه، ويمد العناصر الإرهابية بحرية التحرك سواء داخل المجتمع أو التغلغل في مؤسسات الدولة، أضف الى ذلك، سوء الأحوال المعيشية لفئات كبيرة من المجتمع من حيث الفقر والبطالة واللذان بسهمان في مد القوى الإرهابية بعناصر البقاء.
أما الفساد فهو نتاج محلي ينشأ ويكبر في ظل عدم إستقرارالأوضاع السياسية في البلد بسبب الصراعات على السلطة والتي تستند غالبا على خلافات عقائدية أو دينية أو مذهبية..
وعلى الرغم من أن الإرهاب يلحق خسائر فادحة بالأرواح والممتلكات، لكنه لا يؤثر على بنيان المجتمع أو الدولة بقدر الفساد الذي ينخر بنيان كليهما. ففي المستقبل المنظور أو حتى البعيد سيهزم الإرهاب في العراق لا محالة، لأن العراقيين وبعض قواهم السياسية المغذية والحاضنة للإرهابيين الوافدين سرعان ما يملونهم ويطردونهم من بلدهم كما فعلوا ذلك مرارا عبر التاريخ.. فهم تنكروا لأمير المؤمنين عليا عليه السلام، وخذلوا ولده الحسين عندما جاءهم من الحجاز، وهما من هما من أهل بيت النبوة، فكيف لن يتنكروا لمن إستقدموهم من الإرهابيين من البلدان العربية للإستقواء بهم بسبب ظروف سياسية طارئة نشأت مع ظهور حكومة شيعية لأول مرة في تاريخ العراق والذي هز بنيان الحكم فيه، وأدى الى تهميش دور السنة العرب في الحكم بعد كانوا يحتكرون السلطة لقرون طويلة؟!.
ولا أحد يستطيع أن ينكر أوجه الفساد التي تضرب العراق منذ سقوط النظام السابق والتي أصبحت حالة عامة تشل أعمال الحكومة والدولة، فالوزير الذي يعين في منصبه، يستغل منصبه لاهثا وراء الإثراء السريع وغالبا عن طريق غير مشروع من خلال إستغلال النفوذ أو السرقة من المال العام أو الإرتشاء، لأنه يدرك أن منصبه السياسي معرض للفقد بمجرد نسمة هواء أو حدوث خلاف بين الكتل السياسية، خصوصا وأن المناصب الوزارية في الحكومة العراقية توزع وفقا لمحاصصات حزبية وتستند على المزاجية والولاءات الحزبية أو العشائرية، وليس على أساس الكفاءة والمهنية والإختصاص وهو الأساس الأدوم.
ومادام توزيع المناصب الوزارية في الحكومة يعتمد على تلك المقاييس فمن الصعب جدا القضاء على الفساد في المستقبل القريب، لأن الحكومة في ظل المحاصصات الطائفية والحزبية تكون في هذه الحالة هي رأس الفساد، وهي تعجزعن محاسبة الفاسدين في مؤسساتها، لا بل أنها في كثير من الأحيان تتستر عليهم على قاعدة ( كلنا في الهوا سوا )؟!. فلا أحد يمكنه محاسبة الآخر بسبب تلك المحاصصة اللعينة وهشاشة العقد السياسي العراقي.
هناك العديد من الأمثلة الواضحة في هذا المجال. فطوال السنوات الثلاث المنصرمة من عمر ثلاث حكومات عراقية متعاقبة لم يحدث أن تمكنت أي من هذه الحكومات من ملاحقة أي وزير مفسد في الحكومة، وكان تشكيل هيئة النزاهة لمحاربة الفساد مجرد حبر على الورق، فلم تتجرأ أي من الحكومات الثلاث على محاسبة أي وزير أو حتى موظف عادي في حال تلبسه بجريمة الفساد. ولدينا الكثير من الأمثلة لتأكيد ذلك منها مثال وزير الدفاع الأسبق الذي أتهم بسرقة ملايين الدولارات والذي فر بسرقاته الى دولة مجاورة دون أن تتمكن الحكومة من ملاحقته قضائيا وإستعادة الأموال المسروقة منه؟!. وهناك وزراء آخرين لهم ملفات في مفوضية النزاهة عجزت الحكومة لحد الآن من محاسبتهم لأنهم تابعون لكتل سياسية يحتمون بها،فسرعان ما تهدد تلك الكتل بالإنسحاب من العملية السياسية لمجرد المطالبة بمحاسبة أحد وزراء الكتلة الفلانية وكأن العملية السياسية لعب عيال، أو كأن مجرد وجود ممثلين لتلك الكتلة في البرلمان سيحصن وزرائها من أي محاسبة أو مساءلة!،فبقيت مئات الملفات الخاصة بالفساد مركونة في أدراج مكاتب هيئة النزاهة؟؟!!.
الفساد أصبح حالة عامة في هذا البلد بسبب عجز الحكومة عن محاسبة المفسدين، وأعتقد أن أي قائد سياسي مهما أدعى طهارة اليد والنزاهة، فهو متورط بدوره في الفساد لأنه يسكت عن أعضاء حزبه أو وزراء كتلته المفسدين.
قبل أيام وقعت أزمة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية على خلفية توقيع عقود نفطية مع شركات أجنبية، فقد تدخل وزير النفط العراقي في هذه المسألة وأعلن عدم موافقته على تلك العقود التي أبرمتها حكومة الإقليم بإعتبارها تتعارض مع السياسة النفطية في العراق، وتذرعت حكومة الإقليم بأن لها قانونا خاصا جديدا بالنفط والغاز يجيز لها التوقيع على تلك العقود وهو قانون قد صادق عليه البرلمان الكردستاني، اللافت في الأزمة هو الإتهامات المتبادلة بين الطرفين في الإعلام.ففي الوقت الذي إتهم فيه وزير النفط العراقي حكومة الإقليم بالتصرف بخيرات العراق بمعزل عن الحكومة المركزية، طلبت حكومة الإقليم من وزير النفط أن يمارس صلاحياته في وضع حد لتهريب النفط من المنافذ الحدودية في جنوب وغرب العراق، قبل أن يحاسب إقليم كردستان على التصرف بموارد الدولة؟!. وطبعا تهريب النفط من المنافذ الحدودية الغربية والجنوبية حالة معروفة وواضحة للعيان، فهناك ملايين الأطنان من النفط العراقي تهرب من تلك المنافذ لحساب بعض القوى والأحزاب السياسية، ولعل من يعرف الوضع السياسي والأمني في العراق لا يستبعد وجود تلك العمليات التهريبية للنفط وعلى نطاق واسع في جنوب خاضع تماما للسيطرة الشيعية، وغرب خاضع الى حد ما لنفوذ الطائفة السنية. ولقد أشرت في مقال سابق الى توقعاتي بأنه حتى جماعة القاعدة لا يستبعد أن تكون لها حصة من النفط المهرب عبر المنافذ الحدودية الغربية تمول بها عملياتها ونشاطاتها الإرهابية داخل العراق؟؟!.
أكاد أن أقول يقينا أن جميع الكتل السياسية الموجودة على الساحة العراقية ( متوافقة ومتآلفة ومتشاركة) في الفساد، ولذلك أبيح لنفسي التساؤل المشروع " ماذا بعد أن يرحل الإرهاب من العراق"؟! وكيف يمكن إعادة بناء البلد بعد أن يتخلص من الإرهاب في ظل فساد يضرب شتى مناحي الحياة العراقية؟!. وكيف يمكن مواجهة هذا الخطر المتجذر في الأرض العراقية بوجود هذا الكم الهائل من القوى والأحزاب السياسية الفاسدة والمفسدة؟!. ومتى يمكن للعراقي أن يعيش في بلده في ظل نظام دولة وحكومة قائمة على أساس الشفافية والديمقراطية وتأمين الحياة الحرة الكريمة للشعب؟!.
نحن نعلم أن الطبقة الوسطى إنمحى وجودها تماما من هذا المجتمع، فهناك طبقتان في عراق اليوم، طبقة مرفهة تعيش في العلياء بفضل الفساد، والطبقة الغالبة وهي طبقة المسحوقين والمعدومين والفقراء الذين لا يجدون لهم قوتا لأطفالهم يعيشون في أسفل السافلين؟؟!!!.
بالنسبة لإقليم كردستان لم يكن بدوره في منأى عن هذا الجو من الفساد العام، ولعل مظاهر الفساد فيها أوضح من بقية أنحاء العراق وقد كتبنا وتحدثنا كثيرا عن الفساد الإداري والمالي فيه والذي بلغ الذروة مع إنهمار كل هذه الأموال من حصة الإقليم في ميزانية الدولة على كردستان، وهي أموال تصرف من دون أي رقابة شعبية ( من خلال البرلمان الكردستاني) أو رقابة مركزية ( من الحكومة العراقية) لعجز الأول عن محاسبة حكومة الإقليم الموزعة مناصفة بين الحزبين الرئيسيين، وعجز الثانية بسبب المحاصصات الطائفية والقومية والحزبية.
أستغرب كثيرا عندما أسمع من بعض الأوساط العربية تسويقهم لفزاعة تأسيس الدولة الكردية، والتعبير عن مخاوفهم من نشوء هذه الدولة المزعومة، فلا أدري كيف يمكن لكيان إقليمي هش وغارق في الفساد أن يفكر قادته بالإستقلال وتشكيل دولة مستقلة؟؟!!. وكيف يمكن تأسيس هذه الدولة وهي لا تمتلك أية مقومات إقتصادية اللهم إلا نفط كركوك في حال ضمها الى إقليم كردستان؟!
ولكن السؤال المهم هنا هو" كيف يمكن للقيادة الكردية أن تطالب بضم كركوك، وحكومتها وأحزابها غارقة حتى الأذنين في الفسادين الإداري والمالي؟؟!! ماذا ينتظر من حكومة تتكالب أطرافها على الثراء والسرقات من المال العام فيما لو ضمت كركوك الى حدود تلك الدولة المزعومة؟!!.
أعتقد أن حلم تشكيل أي دولة كردية في ظل وجود هذا الفساد المستشري في أوصال حكومة الإقليم سيكون مجرد خيال إذا لم تتسارع القيادة الكردية الى معالجة الأوضاع وتقضي على الفساد،فليس هناك دولة أو قوة في العالم ترضى أن تعيد كركوك الى حضن الإقليم وهو يغرق في هذا الفساد،وستبقى كركوك حلما بعيد المنال بالنسبة للطبقة الطامعة في خيراتها الوفيرة، كما ستبقى الحكومة العراقية عاجزة عن إعادة بناء البلد وإستعادة سيادته من دون القضاء على الفساد والمفسدين في الأرض، فأنا أعتقد أن السيادة في العراق ليست بيد الدولة العراقية بقدر ما هي بيد مجموعة من عصابات المافيا تتصرف بمقدرات هذا البلد وفقا لمصالحها الشخصية..
من دون قطع دابر الفساد لا حياة للشعب ولا عمران في بلد ثلاثة أرباع خيراته تذهب الى جيوب بعض زعماء الطائفية وأعوانهم المفسدين..
شيرزاد شيخاني