إسرائيل من الداخل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إحياء ذكرى المحرقة في النمسا للحد من نبرة معاداة الصهيونية
مر خبر مشاركة البابا بنديكتوس السادس عشر أثناء زيارته الأخيرة للنمسا ( 7 - 9 سبتمبر الحالي ) في إحياء ذكرى المحرقة التي أقامها نظام الحكم النازي في ألمانيا ضد الجماعات اليهودية في الثلاثينات من القرن الماضي، مرور الكرام بالرغم من أهمية دلالته خصوصاً إذا أمعنا النظر في الخلاصة التي توصل إليها فريق من المحللين الغربيين الذين ربطوا بين تخطيط إسرائيل لأحياء الذكرى وبين تصاعد نبرة معادة الصهيونية والتنديد بسياسات إسرائيل العنصرية الاحتلالية..
لا خلاف علي أن الأصوات الأوربية خاصة والغربية بصفة عامه المنددة بفشل المشروع الصهيوني والمناوئة لسياسات إسرائيل غير الإنسانية في الأراضى الفلسطينية المحتلة، تُعد من بين المصاعب التى تعاني منها سياسات حكومات إسرائيل منذ حوالي عقد ونصف من الزمن.. ويرجع سبب هذه المعاناة إلي اتساع دائرة تأثير هذه الأصوات المتنامي ( ولو نسبياً ) خصوصاً في أوساط النخبة التي بدأت تقتنع بأن إسرائيل غير مظلومة " بين جيرانها من العرب " وغير بريئة في معاملاتها ألا إنسانية " للشعب الفلسطيني الذي تحتل أرضه "..
لقد اتسعت دائرة نقد السياسات الإسرائيلية " أوربيا " في الخمسة أعوام الماضية حتى أصبحت مصدر قلق لتل أبيب: فهناك عدد لا بأس به من الكتب التي تناولت الصهيونية باعتبارها العدو الحقيقي لليهودية كما جاء في كتاب الباحث " آلان هارت " وكتاب " بسكال بونيفاس ".. وهناك الحرص الأوربي اليهودي علي إعلان " الاستقلال " في الرأي بهدف امتلاك الحق في " نقد إسرائيل " كما فعل مؤخرا عدد من يهود بريطانيا وكما حاول قبلهم عدد من يهود ألمانيا عندما أوصوا الاتحاد الأوربي بأهمية فتح حوار مع حكومة حماس في غزة..
إسرائيل لا تلجأ إلي المنطق في التعامل مع هذه الأصوات وإنما إلي إعلان الحرب: أما عن طريق التشهير الذي يتخذ عدة صور منها فضح جوانب أخلاقية غالباً ما تبني علي أكاذيب وتلفيقات.. وإما عن طريق تسليط جماعات من اليهود الأوربيون للتنديد والشجب عن طريق وسائل الاتصال المختلفة والكاتبة في الصحف والدوريات.. واما عن طريق الترويج لعدد لا حصر له من الأكاذيب خصوصا التاريخية..
وهذا النوع الأخير هو الذي لجأت إليه عندما خططت لإقامة ذكرى المحرقة التي وقعت لليهود في معسكرات الاعتقال النازية في النمسا إبان زيارة بابا روما لها، وإقناعه بالمشاركة فيها!!..
نسقت حكومة إسرائيلي و أحزابها السياسية مع الهيئة المشرفة علي انعقاد المؤتمر اليهودي العالمي الذي عقد بالقدس في أوائل شهر يولية الماضي علي إبراز عدد من التحديات الإستراتيجية التي تهدد أمن ومستقبل إسرائيل بشكل ملفت للانتباه لكي تتيح للأجهزة المتخصصة الاستفادة قصيرة الأمد وطويلة الأمد من الدعاية لها " بهدف التحذير والتخويف منها " ثم العمل علي تحقيق عدد كبير من المكاسب المادية والمعنوية من ورائها..
فإلي جانب التخويف من موجة الإرهاب ومن احتمال تآكل الدور الذي تقوم به منظمات الضغط الأمريكية لصالح إسرائيل، حذر المؤتمر من تدني الاعتراف بشرعية إسرائيل في الوجود كدولة يهودية..
صادف الانتهاء من مؤتمر القدس السنوي نشر دورية " انترناشيونال بوليتيك " الألمانية مقال شديد الانتقاد لسياسات إسرائيل بقلم الكاتب اليهودى ألفرد جروسر حاول فيه بنجاح الابتعاد عن كل ما يمت للاسامية بصلة لا يتهم بها، وركز علي أن من أهم أسباب العنف والتطرف لدى الجانب الفلسطيني هو " السياسات الإسرائيلية التي لا تعترف بوجوده الجغرافي والتي تنكر تاريخه المعروف في المنطقة، غلي جانب عدم الاعتراف بقضيته دوليا وعدم تقدير خسائره البشرية والمادية "..
وحول الدور الأوربي تجاه التعنت الإسرائيلي هذا حيال الشعب الفلسطيني، أبرز الكاتب اعتلال الميزان الذي " يَفهم به الأوربيون أبعاد وحجم معاناة الآخرين " وبالتالي ازدواجية " التعبير عن تضامنهم معنوياً وأخلاقياً ومادياً مع هذه المعاناة ".. وقال معلقاً علي هذا الاعتلال وتلك الازدواجية " بالرغم من أن فهم معاناة الآخرين والتضامن معهم يُمثل قيمة أوربية أساسية تحرص عليها كافة الأطراف الرسمية والشعبية والمدنية علي إبرازها، إلا أنها تتواري كلية حتى لا نكاد نسمع همسها عندما يتعلق الأمر بالصراع العربي الإسرائيلي "..
لذلك سارعت وزارة الخارجية، كما تؤكد العديد من التقارير البريطانية، بتشكيل فرق عمل لدراسة هذه التحديات ووضع تخطيط عملي لفعل مضاد يهدف في المقام الأول إلى وقفها وتفريغها من مضمونها أو علي الأقل للحد من تصاعدها السلبي، وكان من بين الأفكار التي طرحت فيما يتعلق بتدني شرعية وجود إسرائيل كدولة " الدعوة إلى إحياء ذكرى المحرقة بمشاركة مسيحية أوربية ذات وزن "..
يقول المحللون الغربيون، أن الإعلان عن زيارة البابا بنديكتوس السادس للنمسا كانت بالنسبة لإسرائيل الفرصة التي يجب اغتنامها بكافة السبل لتحقيق فكرة " المشاركة المسيحية في ذكرى المحرقة ".. وكان أن انتهز الرئيس الإسرائيلي الجديد شمعون بيريز مناسبة زيارته لروما - يقول البعض أنها رتبت بصورة عاجلة بناء علي مذكرة سلمتها الخارجية الإسرائيلية إلي رئاسة الفاتيكان - وطلب من البابا " أن يشارك زعماء اليهود وكبير حاخامات النمسا في إحياء ذكري 65 ألف يهودي نمساوي فقدوا حياتهم في معسكرات الاعتقال النازية "..
الدكتور حسن عبد ربه المصري
* استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا