تعلل.. لکن لاتقل للهوى علل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
(1)
سهل جدا أن يدعي الکثيرون"کذبا و دجلا"بإنهم فلاسفة أو ساسة عظماء متميزون، والاسهل أن ينبري البعض الآخر للتأکيد على إنهم حملة رسالة إنسانية تشم من سطورها عبق السماء و نقاوة الذات الانسانية، و لکن الامر الاصعب هو أن تترجم ذلك على أرض الواقع. قد يکون هناك الکثيرون من"أدعياء الثقافة" ممن وجدوا لهم حيزا من فراغ يملأونه بأراجيف و کلام وهمي لا يمثل في النهاية سوى الفراغ بعينه. وقد تکون هناك أسماء کبيرة"براقة" خدعت ماحولها و الدوائر الابعد منها بإنها"لآلئ" رکنت الى شطئان الانسانية بعيدا عن"الزبد"الذي ذهب"جفاء" وتمکنت من فرض نفسها کعناوين لمشروعات ثقافية کبيرة وهي من أکبر و أسوأ حالات السطو الثقافي الذي تتعرض له الامم المغلوبة على أمرها، وقد تکون لسطوة المال و النفوذ و عوامل متعددة أخرى شأنا في إرساء هکذا حالات، وهنا لا نقول کلاما کالذي کنا نستخلصه من الحالات السابقة، إذ إن هکذا حالات کانت و ستبقى ملازمة للإنسان و إنسانيته.
يقول ويل ديورانت"نصف التأريخ نصفه مبني على الظن" ومع إنه لا يعني من کلامه هذا أن النصف الآخر مبني على اليقين، فإن الوهم و الظن حالتان رافقتا الوجود الانساني على الکرة الارضية و لطالما تم إقصاء أو حتى إغتيال الحقيقة بالکامل عن الساحة وفرض حالات أميبية مزيفة کاذبة على إنها جوهر الحقيقة. وقد نکون منبهرين بأسماء کبيرة لامعة في مجالات شتى و هي في واقعها ليست إلا"إمعات"أو أدنى من ذلك! لکن الذي يفصل بيننا و بين الحقيقة العارية هو إننا لا نملك العدة اللازمة لعبور و إجتياز العقبات و الموانع الوهمية التي يتمترس خلفها أولئك"الادعياء".
وعلى الضفة الاخرى، قد يکون هناك الکثيرون من الذين ملکوا"باعا" في مجالات ثقافية و أدبية شتى، لکن الظروف"المختلفة" و "المتداخلة"صنعت أمامهم سدا و حاجزا فولاذيا ضخما لم يکن بالامکان عبوره أبدا، وهکذا ذهب أولئك و أخذوا معهم إبداعات مدفونة في أعماقهم کان بالامکان أن تصنع أعمالا قد لانجد لها نظيرا بين نتاجات مثقفي و أدباء هذا العصر. مثلما يجب أن نشير الى أن العديد من الطاقات المبدعة الاخرى التي برزت لم تأخذ قسطها الذي کان يجب أن تأخذه من عمر إبداعات هذا الزمان، فقد إندثر حسين مردان وهو لا يزال في عز تألقه و إنتهى ککومة بشرية في زاوية ما ببغداد بعدما أتت عليه تلك الوظيفة"المميتة"في إذاعة بغداد في السبعينات. وکذلك الامر بالنسبة لصادق هدايت الايراني و للشاعر المصري"نجيب سرور" و کثيرون آخرون سرقت الظروف الاجتماعية ـ الاقتصادية ـ السياسية القاهرة منا ارقى إبداعات کانوا سيجودون بها علينا لو سارت الامور بسياق مختلف ولو بتغير طفيف نسبيا عن الذي إنتهت إليه.
إننا کبشر نبحث دوما عن العلل و الاسباب و نحاول أن نجد لإخفاقاتنا و إنتکاسات أجيالنا الانسانية أکثر من مبرر و مسوغ، على إننا نرجع دوما بخفي حنين فهوانا لإنسانيتنا يقصيه زنخ تأريخنا الانساني المزيف من أساسه.
نزار جاف
nezarjaff@gmail.com
(1) مأخوذة من بيت شعري للشاع الکبير مظفر النواب(تعلل فالهوى علل و صادف إنه ثمل).