تحولات دولة الاستثناء الدكتاتورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تحدثنا في الحلقة الماضية عن الأشكال العامة لهذه الدولة كما رآها نيكوس بولانتزاس. ونكمل اليوم مع تحولات و تغيرات هذه الدولة وبنيتها.
1ـ تغير أو انتقال الجهاز المسيطر.
إذا كما رأينا في السابق هذه الدولة "الاستثناء" تتميز من خلال علاقات خاصة بين الأجهزة الإيديولوجية للدولة من جهة، و الأجهزة القمعية من جهة أخرى. لكن هذا لا يعني أن الدولة"الاستثناء" تتميز بسيطرة من قبل جهاز الدولة بالمعنى الصارم والدقيق للكلمة، على الأجهزة الإيديولوجية. ربما يكون صحيحا وفق ما يرى"بولانتزاس" أن هذا الشكل من الدولة يتصف بتجدد أو "إعادة النشاط" إلى القمع و التعسف المنظمين.
مع ذلك، وبسبب إعادة التنظيم العام للدولة، ما يهم هنا، هو العلاقة الجديدة بين الجهاز القمعي والأجهزة الإيديولوجية. ضمن نطاق هذه العلاقة، هيمنة هذا الجهاز أو ذاك تميز أشكال الأنظمة داخل دولة"الاستثناء". وعمليا هذه الهيمنة أو السيطرة تتبع علاقة القوى وتوزيع سلطة الطبقة داخل النظام الدولاتي من خلال : أ) الجهاز القمعي للدولة نفسه أو أحد فروعه،كما في حالة الجيش في الديكتاتوريات العسكرية، الإدارة المدنية في الدولة البونابرتية، البوليس السياسي " الأمن السياسي" في حالة الدولة الفاشية. ب) جهاز إيديولوجي للدولة، على سبيل المثال: الحزب في المرحلة الأولى من وصول الفاشية إلى السلطة، أو المراجع الدينية في حالة الديكتاتوريات" الدينية/العسكري".
ضمن هذه المعنى يمكن استخلاص صفتين أساسيتين لشكل الدولة الاستثنائية:
1ـ في الأشكال الأخرى للدولة الرأسمالية، إن جهاز الدولة،بالمعنى الدقيق، هو الذي يسيطر على الأجهزة الإيديولوجية. وهذا ما ينطبق على الأحزاب السياسية والتي هي ليست إلا أداة لنقل الحركة بصفتها أجهزة إيديولوجية، وخاضعة للجهاز القمعي للدولة. أما في الدولة الاستثنائية يمكن أن نلاحظ :
أzwnj;)الانقلاب في علاقات القوة داخل كتلة السلطة، و الدور الخاص للقوى الاجتماعية يلعب من قبل الطبقات المستندة على الدولة، وهنا تكون الأجهزة الإيديولوجية المكان الأنسب و المفضل لهذا الدور.
بzwnj;)هناك دور جديد للدولة في إعادة تنظيم وترتيب السيطرة أو الهيمنة الإيديولوجية. ويمكن أن تتطور الحالة حتى يسيطر جهاز إيديولوجي واحد على كافة نظام الدولة.
2ـ في هذا النموذج من الدولة، إعادة التنظيم لمجمل نظام الدولة لديه مضعفات خاصة فيما يتعلق بالعلاقة الجديدة بين الأجهزة الإيديولوجية وجهاز الدولة. حيث جهاز الدولة و الأجهزة الإيديولوجية للدولة تتميز عن بعضها في جوانبها الأساسية : فدور الأول يكون قمعيا، ودور الثاني إيديولوجيا.
3ـ في هذه الدولة، إعادة التنظيم الدولاتي يمكن أن يذهب بعيدا لحد تغيير الجانب الأساسي لفرع أو جهاز:كما في الدكتاتوريات العسكرية أو البونابرتية، حيث الجانب الأساسي في الإدارة أو الجيش يصبح إيديولوجيا.
2ـ تغيرات النظام القضائي.
دولة "الاستثناء" تتصف بتغير نوعي للنظام القضائي غالبا مرتبط بظاهرة هذه الدولة كتمييز أو فرق بين"دولة القانون" و " الدولة البوليسية". ولكن لابد من وضع فوارق هامة بالنسبة للدولة الفاشية بشكل خاص، لأن هذه الفوارق في الدراسة والتحليل تضع "الدولة الفاشية أو الدولة التوتاليتارية" في معارضة مع "الدولة الليبرالية". يرى"بولانتزاس" ضمن هذا المجال ضرورة تكوين أو إقامة النقاط التالية:
أ ـ الاختلاف، من وجهة النظر هذه، بين دولة الاستثناء والأشكال الأخرى للدولة الرأسمالية، وأيضا بالنسبة للدولة الليبرالية و معها الدولة التدخلية، وهذه الأشكال لا تتطابق مع أزمات سياسية، الاختلاف يأتي من دراسة الصفات المشتركة للنظام القضائي الذي يطبع بطابعه كل أشكال الدولة الرأسمالية كما في شكل دولة الاستثناء.
ب ـ مجموعة التغيرات الهامة للنظام القضائي، والتي تؤسس الاختلاف بين شكل الدولة الليبرالية وشكل الدولة التدخلية، تأتي في مراحل مختلفة من الرأسمالية. من وجهة النظر هذه، الدولة الفاشية تشكل صفات مشتركة مع الدولة التدخلية المنتمية إلى نفس المرحلة من مراحل النظام الفاشي.
هذا الموضوع ضخم جدا، لذلك نشير إلى بعض النقاط التي تكلم عنها"بولانتزاس": أولا، الإشارة للدور المزدوج للقانون: حيث تحدثت كلاسيكيات الماركسية عن هذا الموضوع ( خاصة في "نقد برنامج غوته" عند كل ماركس)، كتمييز نسبي بين "القانون" و "الدولة". فمن جانب، النظام القضائي يكرس علاقات الملكية و التبادل ويؤمن إعادة إنتاج ظروف "شروط" العمل. ومن آخر، إنه يلعب دورا سياسيا و بشكل مباشر، دور مباشر في الصراع السياسي. من طبيعة هذه العلاقة الأخيرة نرى أن القانون هو مهم لتحليل الدولة الاستثنائية بشكل عام، والدولة الفاشية بشكل خاص.
كذلك، النظام القضائي الرأسمالي يكرس الهيمنة السياسية للطبقة من خلال إتباع نماذج خاصة تعتمد على صراع الطبقات. وهو بهذه الحالة يخفي ومن وجهة نظر إيديولوجية، الهيمنة الطبقية، والقانون يقوم بدوره وفق طريقين رئيسين:
1 ـ القانون ينظم ممارسة السلطة السياسية من قبل أجهزة الدولة والوصول إلى هذه الأجهزة، من خلال نظام من القواعد والقوانين العامة والصارمة. وفي مواجهة كتلة في السلطة مركبة من مختلف الطبقات و الفئات المهيمنة، القانون يضبط علاقاتهم داخل أجهزة الدولة، وينظم سيطرة طبقة أو فئة على الفئات الأخرى. القانون أيضا يسمح بتغيير علاقات القوة داخل التحالف في السلطة من غير إحداث انقلاب في الدولة. النظام القضائي يستدرك أيضا قواعده الخاصة "للتحول" : وهذا هو الدور الرئيس للدستور.
إذا كان القانون ينظم لعبة السلطة من جانب الطبقة المسيطرة، فإنه أيضا ينظم ذلك من جانب الطبقة المسيطر عليها. إنه يضمن عدم إمكانية وصول هذه الأخيرة إلى السلطة، وفق قواعد تخلق حالة من الوهم بأن الوصول إلى السلطة هو ممكن ومتاح.
2 ـ القانون يضع حدودا لممارسة سلطة الدولة، أي أنه يحد من تدخل أجهزة الدولة. وقد تم التطرق لهذا الموضوع من قبل الكتاب البرجوازيين كدور للقانون يثبت الخط الفاصل بين الفرد ـ وحقوقه "الشخصية"، "الطبيعية"ـ والدولة. هذا الخط الفاصل يضع شكل التفريق بين الفضاء "الخاص" و الفضاء"العام". أما في شكل الدولة الاستثنائية هناك قواعد مختلفة للوظيفة السياسية للقانون :
أ ـ القانون لا ينظم شيئا، التعسف و الاستبداد هو الحاكم الأساسي. وما يطبع أو يصف دولة الاستثناء هنا، ليس أنها فقط تنتهك القوانين والقواعد، ولكن أيضا لا تضع "قواعدها" الخاصة لعملها أو لنظامها، بمعنى آخر ليس لديها قواعد لتحولاتها الخاصة. هذه الحالة تنطبق بشكل خاص على الدولة الفاشية وعلى إرادة الزعيم.( كما الحال في العديد من الدول العربية).
ب ـ القانون لا يحد شيئا: ففي الدولة الاستثنائية هناك ممارسة غير محددة للسلطة.
3 ـ الحزب الواحد
من الصفات الأساسية لشكل الدولة الاستثنائية هو تغيير نموذج التمثيل و التنظيم، وهذا عنصر يتعلق بالأحزاب السياسية كما أجهزة الدولة الإيديولوجية. ليس صدفة إذا شكل الدولة الاستثنائية يتطابق دائما مع أزمة في التمثيل الحزبي. فدور الحزب السياسي إما أن ينتقل نحو أجهزة أخرى إيديولوجية للدولة، أو نحو فروع لأجهزة الدولة التعسفية القمعية، وإما يأخذ هذا الدور، كما في حال الدولة الفاشية، ( أو العربية الشرق أوسطية) حزب واحد متفرد. هذه الحالة هي التي تحدد تعليق "المبدأ الانتخابي" والذي هو القاعدة في عملية التمثيل في النظام الرأسمالي. هذا التعليق هو أهم مظاهر الأزمة الإيديولوجية في الدولة الاستثنائية "الدكتاتورية"، وهي من مضاعفات سقوط الأحزاب السياسية التقليدية.
والنظام الانتخابي هو وسيلة الأحزاب السياسية لانتقال السلطة ووفق علاقات القوة القائمة من تحالفات وغيرها. فالنظام الانتخابي يعمل أيضا كقوة للتنظيم السياسي لهذا التحالف، وهو نظام للتنفس داخل السلطة و الأجهزة الإيديولوجية للدولة.
إن عملية " التعليق الانتخابي" تصيب كل أجهزة الدولة الإيديولوجية في الدولة الاستثنائية. فالتنقل و الحركة داخل الأجهزة يحدث أو يصار من خلال تسميات و تعيينات من الأعلى، لذلك نقول بأن "البرقطة" bureaucratisation هي من أهم صفات الدولة الاستثنائية. بعد عملية التعليق هذه للانتخابات تلجأ الدولة الاستثنائية إلى شكل آخر وهو " الاستفتاء" لتشرع وجودها، ويكون الزعيم الكاريزمي هو ممثل لسيادة هذه الدولة الاستثنائية أو "الفاشية"...وهو عنوان مجدها وعزتها.
نيكوس بولانتزاس
الدكتور صلاح نيّوف