أصداء

النّقد والشّقيقة: عبده وازن نموذجا لسوء استخدام اللغة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

النّقد والشّقيقة: عبده وازن نموذجا لسوء استخدام اللغة


هنا محاولة لرصد ما يكتبه بعض الذين يطيب لهم تسمية أنفسهم بشعراء نقاد، لكن دون ان تكون لهم عدة النقد ولا الحس الشعري بمعنى الكلمات. مقالتي هذه ليست تصفية حسابات، فلا مشكلة لي مع الزميل عبده وازن، وإنما هي محاولة لرصد النقد الذي بات مجرد إنشاء؛ ومقايضة بين هذا وذاك

لم يسبق لي أن قرات- بتروّ- ما يكتُبُ عبده وازن من شعر، لكني قرأتُ له مؤخّرا مقالا عن مجموعة شعرية، فوجدت في هذا المقال نموذجا للكتابة جمع بين "التحليل" الضّحل، و الجهل باللغـــــة، و الاستهانة بالقارئ( و بالنّفس، في الوقت ذاته).
أما المقال المقصود فعنوانه "حسن نجمي و ظله يكتبان قصيدة الذات و العالم"(منشور في عدد يوم 19-9 -07 من صحيفة الحياة اللندنية.) والمجموعة الشّعرية المشار إليها في هذا العنوان ليست موضوع هـذه السّطور، طبعا.
لا حاجة بي إلى تنظيم ملاحظاتي، و سأقدّمها بشكل يجعل القـارئ يدرك ما دفعني إلى كتابة هذه المقالة:
-1 ورد في مقالة السيد وازن: "...فيها يخاطبه نجمي قائلا:" لستُ أقل عمى منك" لكنّ العماء البورخيسي هو حال من الإبصار في قلب السّواد، حيث يرى الأعمى ما لا يُرى."، و يضيف فيما يضيف: " يصرّ على العماء لاكتمال وجهها( كان لا بدّ من عمى ليكتمل وجهك، يقــول)." واضح أنك، يا سيد عبده ضحية ظنّك أنّ العماء و العمى كلمتان مترادفتان. و مثل هذا الخلط لا نقبله من صبية المدارس- و لا أعتبر الأمر مجرد زلة قلم لأنه تكرر لديك في أكثر من موضعيــن...
و معلوم أننا نعني بالعماء، في أيامنا هاته، ما تعبّر عنه اللفظة الإنجليزية Chaos، و هي كلمة نترجمها بالسديم و بالعمــــاء...
و يشار بها إلى الحالة التي كان عليها الكون قبل أن يتشكل بمجراتــه و كواكبه...
و قديما استعمل العرب كلمة عماء بمعنى قد يوحي بالسديم و لــم يستعملوها قط بمعنى العمى! ورد في لسان العرب: "العماء، ممدود:السّحاب المرتفع، و قيــل:الكثيف... ".
-تبدأ مقالتك، يا سيد وازن، كالتالي: " لعل أبرز ما يسم ديوان الشاعر(...) سعيه إلـى الإفصاح عن" بيان" شعري في نصه نفســه و ليس بعيدا منــــه أو خارجه..."، و بعد هذا تضيف: "و البيان، يجب ألا يفهم هنا نظريا... بل إنّ البيان هذا تضمره شعريـة حسن نجمي و تبوح به لماحا مــن خلال اللغة و الموقف و الرؤيـــة و سواها...". استغربتُ "لماحا" هاته فعدتُ إلى اللسان أسْتشيره، فعثرت على هذه الكلمة في الصورة الوحيدة الممكنة: "اللُّمَاح: الصّقور الذكية"، ولم ترد كمصدر لفعل ما... فواللـه لا أدري ما الذي يحملك على استعمال كلمات لا تعرف معانيها! و لعلك كنت تقصد " تلميحا" أو "إلماعا"...
- ثم إن هنالك تناقضا صارخا بين التّعبيرين الواردين أعـــلاه: فإذا كــان الشاعر لا يصرح بتصوره للشعر، و إنما نجد لديه إلماعات إلى الأمر، من خلال اللغة، و الموقف... فهذه حال كلّ الشّعراء. لم الحديث، إذن، عن" سعيه إلى الإفصاح عن بيان شعري..."؟
3- ورد في مقالتك أيضا: " قصيددة حسن نجمي هذه تـند بدورها عن رؤيته إلى الصّنيع الشّعري الذي يماثل الرّسم... هنا تغـدو الكلمات أشبه بالألوان...". أعتقد أنك تستعمل كلمة تـندّ دون إدراك معنـاها، و لربّما حسبتها- خطأ -مرادفة لتـنمّ. لنعد إلى لسان العـــــرب:
" نــدّ البعير: شرد... قال بعضهم: ندّت الكلمة: شذّتْ." و لـذا نقول: ندّت عن فلان آهة، بمعنى أنها صدرت عنه لاإراديا، فكأنها شردت من أعماقه إلى الخارج فيما هو يفضل الصمت... هكذا جعلتَ الشاعر الذي تتحدث عنه "يشرد" في قصائده عن رؤيته إلى الصّنيع الشّعـري،لا قصدا منك، و لكن بسبب جهلك معاني بعض ما تستعمله من كلمات... و كون الكلمات أصبحت تشبه الألوان، أمر يستوجب تفاصيل!
4 - يتحدّث عبده وازن عن جان بيير جوف، و اسم الشّاعر الفرنسي المقصود هو بيير جان جوف، و كان يمكن أن نعتبر هاته من الهَنات الهيّنات لولا اقترانها بألوان من الأخطاء...
5 - و ترد في هذه المقالة المثيرة تعابير تثير الابتسام أحيانـــا، و الضحك الصريح أحيانا أخرى، و هذه أمثلة خمسة عنـــــها: 1-" و يعترف نجمي أن بورخيس كان شغوفا بأن يؤرّخ لليل.". فهل كان نجمي ينكر هذا من قبل، ثمّ...؟ و كيف يؤرخ بورخيس لليل؟ 2-" فن الشعر عبارة أو مقولة استخدمها شعراء كثيرون عبروا من خلالها عن مفهومهم الشعــري." و الواقع أن الذين درسوا فن الشّعر من زاوية نظرية هم الفلاسفة،أو بعضهم، على الأقل، معتمدين في ذلك على ما يكتبه الشعراء( هنالك كتاب لأرسطو يحمل هذا الاسم، ترجم من قديم إلى العربية...)، و هنالك أيضا شعراء كتبوا في هذا الموضوع. كما أن القارئ المثقف سيفضل بكل تأكيد تعبير:مفهوم الشّعر لدى كل منهم علـى مفهومهم الشعري، فنحن نقول: مفهوم التاريخ لدى هيغل، و لا نستسيغ أن نقول، لأداء نفس المعنى: مفهوم هيغل التاريخي!
3- " يحضر الليل بشدّة عبر مفرداته أمْ (كذا!) عبر الإشارات...متجليا في أحوال العمـاء و الانقشاع و الضوء."؟؟؟ 4- " و في قصيدة (...) ترد مقولة الليل التي تشكل أحد الحقول المفهومية (كذا) البارزة في الديوان ". فالمعهود هو أن مصطلح مقولة ينتمي إلى المجال الفلسفي، لذا نتحدّث عن المقولات عند أرسطو أو عند كانـط... و مصطلح مقولة هو المرادف العربي ل Category الإنجليزيــة... و لدى أرسطو، مثلا، اثنتا عشرة مقولة، فما قصدك بمقولة "الليل"؟ 5- " يتجلى الرسم أيضا في مفهوم الغبطة، غبطة الشاعر هاربا إلى الفراغ و اللون "... فتأمّل أيها القارئ...
- و ينهي السيد عبده وازن مقالته هاته كالتالي: "يقـول حسن نجمي:lt;الآن و أنا أنهي هذه القصيدة ∕ ينهيها ظلي معيgt;. إنها لعبة الأنـا و الظل. مــا أجملها لعبة تتلاشى فيها حدود الخيال و الواقع". فتأمل،من جديد!
و ثمة، في هذه المقالة، على قصرها، الكثير مما أوردنا أمثلة عليه.
الرحمة عليك يا بارت. ألّفتَ النّقد و الحقيقة منذ سنين طوال، فهل سيضطلع أحد نقادنا الحقيقيين بتأليف النقد و الشّقيقة، استلهاما منه لما يصيب رؤوسنا حين نقرأ لبعضهم؟
مازال علينا نحن أن نحاول التصدي للضحالة و اللامسؤولية...

محمد الأمين حنصل
(قطر)


(hansami@hotmail.com)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف