كردستان المطارَدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ أن أصبحت كردستان الرسمية/ العراق الكردي(حكومةً وبرلماناً)، والممثلة برئيسها الكاك مسعود البارزاني، "جارةً" "مرخصةً"، لتركيا، مذاك، والتصريحات التركية العدائية(من التركيَتين: تركيا العسكرية+تركيا المدنية)، ذات النكهة التهديدية والوعيدية، لهذا "الكيان الكردي"، الحديث، قائمةٌ على قدمٍ وساق.
فمرةً، توصف كردستان على لسان القادة الأتراك، ب"الكيان الغريب"، وثانيةً ب"الدولة الممنوعة من الصرف، تركياً"، وأخرى ب"الكيان الخطير، والكيان الخنجر في الخاصرة الجنوبية الشرقية لتركيا"، والذي من الواجب التركي "المقدس"، منعه، والوقوف بالضد من حدوثه، في كل المكان وكل الزمان".
ليس ل"كردستان"، أو "بلاد الأكراد"، في القاموس التركي(القديم والحديث)، أي محلٍّ يُذكر، من الإعراب.
"كردستان"، وفقاً لأدبيات تركيا العلمانية الأتاتوركية، وتركيا "الإسلامية الأربكانية، الأردوغانية"، هي "البلاد النكرة"، أو المفترضة في أحسن الأحوال، حيث لا جغرافيا تحملها، ولا تاريخ قديمٍ أو حديثٍ، حسب المعلوم التركي، يحفظها.
هي، بحسب منطق "تركيا للأتراك"، ليست إلا "كياناً وهمياً"، لا وجود له، إلا في "الخيال الكردي المريض".
أما الأكراد(حيث يتراوح تعدادهم في تركيا وحدها، حسب إحصائياتٍ معتمدة، غير رسمية، ما بين 18ـ20 مليون نسمة)، فلا يستحقون، وفق الإصطلاح التركي الشائع والمتداول، أكثر من كونهم "أتراكاً جبليين"، أو "أتراكاً رحل بدويين".
والحال، فإنّ تركيا مستعدة(وفقاً لتصريحات قادتها وجنرالاتها، الجاهزة في كل المناسبات والإستعراضات "الأنتي كردية")، أن تطارد أي كيان كردي يتشكل، في أي مكان من هذا العالم.
كردستان، إذن، ممنوعة ومطاردة، تركياً(كما سورياً وإيرانياً)، مثلما منعها وطاردها دكتاتور العراق الأوحد صدام حسين، من قبل.
الإتفاق الذي أُبرِم الجمعة(28 سبتمبر/أيلول 2007) بين وزيري داخلية تركيا والعراق(بشير أطالاي وجواد البولاني) ، لوضع آليات لمطاردة عناصر العمال الكردستاني/التركي في عمق الأراضي العراقية، هو تتويج لما تم التوصل إليه الطرفان التركي والعراقي، بعد المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع المسؤولين الأتراك، في السابع من أغسطس/ آب الماضي. هو إتفاقٌ "كاد" أن يذكرنا ب"عراق الوراء": العراق المتفق مع جيرانه على مطاردة الكرد وكردستانهم، من العمق إلى العمق. هو إتفاق جديد قديم، ومحاولة لإحياء(لا بل بعثٌ، أو تبعيثٌ) لذات الإتفاق العتيق، الذي كان يُبرم على الدوام، بين "عراق صدام" وتركيا، من أجل ذات المطاردة لذات كردستان وأكرادها المطارَدين أبداً.
فعلى الرغم من إصرار الجانب التركي، على ضرورة التوقيع على أهم بند في الإتفاق وهو "المطاردة الساخنة لعناصر حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق"، إلا أن الأتراك فشلوا هذه المرة، بعد مفاوضات "شاقة"، دامت ثلاثة أيام في أنقرة، فشلوا مع الجانب العراقي، في الإتفاق على هذا البند الأساس، الذي تم تأجيل الحديث في شأنه، إلى محادثات أو لقاءات مشتركة أخرى، قادمة.
إشارة الجانبين واتفاقهما، مبدئياً، كحل وسط، على "تأجيل البت أو الإتفاق على هذا البند الأساس" يعني أنه سيكون هناك، في القادم من الزمان، صولات وجولات أخرى، لمواصلة المباحثات الثنائية، ومتابعة الإتفاق واستكمال بنوده الأخرى، كي يشمل حق تركيا في "مطاردة عناصر العمال الكردستاني، داخل أراضي كردستان العراق".
الإتفاق، وقَّع بين الطرفين الجارين، تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب" أو "مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني ب ك ك، في عمق الأراضي العراقية"، كان هذا هو الظاهر "الممكن"، من الإتفاق، إلا أنّ الباطن منه، يقول غير ذلك.
الباطن من الإتفاق، يُظهر أن أنقرة تريد أن تتفق مع بغداد الراهنة(كما بغداد الماضية)، على "ترخيص مشترك" ل"مطاردة كردستان" وأمنها واستقرارها، لا لمطاردة "المتسللين" من الأكراد الشماليين المسلحين، كما قد يبدو من ظاهر الإتفاق الذي أُجِّل في بعضه، إلى "فرصة" أخرى. ف"العمق" أو"الداخل" من الأراضي العراقية، المقصودان بهما في "البند الأساس"، الذي لم يتضمنه هذا الإتفاق، هو في الأساس، "عمق وداخل أراضي إقليم كردستان العراق".
القادة الأكراد، يدركون بالطبع، خطورة تداعيات هكذا اتفاقات على أمن واستقرار كردستانهم. فقبل التوقيع على هذا الإتفاق "الناقص"، وفق الأجندة التركية، بساعات، صرح الناطق الرسمي بإسم حكومة إقليم كردستان جمال عبدالله، "أن أية إتفاقية بين العراق وأية دولة من دول الجوار لا بد أن تمر بجميع المؤسسات الدستورية في البلاد، ومن ضمنها المجلس التشريعي في إقليم كوردستان".
وأضاف عبد الله في حديث مع راديو سوا "أن حكومة الإقليم لايمكن أن تكون أداة لتنفيذ أية اتفاقية لا تكون طرفا فيها أثناء مناقشتها أو إبرامها"(بيامنير، 27.09.07).
حكومة الإقليم تعارض، للآن، هكذا اتفاقات تنص على "المطاردة" أو "الملاحقة" داخل أراضيها، وتصفها ب"اللاجدوى"، لأنها "تزيد الأمور تعقيداً وتعرض أمن الإقليم للخطر". ويجب القول أن في هذه "المعارضة الكردية الرسمية"، صوابٌ كبير، وعقلٌ كثير.
الإتفاق/التمهيد، هذا، والذي قد يتحول في مفاوضاتٍ لاحقة إلى "الإتفاق التهديد"، كما يقول تاريخ "الدول المطاردة لكردستان"، هو ليس الأول من نوعه، كما لن يكون الأخير. فالأكراد الشماليون(كسائر أكرادهم، في الجهات الأخرى)، كانوا ولايزالون مع كردستانهم مطاردون، منذ أن أصبح "التركي يساوي العالم"، ومنذ أن أصبحت تركيا الأتاتوركية، لأتراكها فقط، دون سواهم من مواطنيها.
كردستان العراق/ كردستان الكيان، هي المرمى الذي تريده تركيا، لتسجيل أكثر من هدف فيه. وما يكذّب "الإتفاق المحتمل"، و"المؤمّل"، بإعتباره اتفاقاً "أمنياً حدودياً" فحسب، لمطاردة عناصر ال"ب ك ك" في عمق "العراق الكردي"، بحجة استخدام هؤلاء ل"أراضي الإقليم كقواعد لشن هجمات على الأراضي التركية"، هو "تاريخ الفشل"، التركي، بإمتياز، في القضاء على ثورة "الغضب الكردي"، إنطلاقاً من "الخارج الكردي المتسلل"، إلى الداخل التركي.
قبيل الإنتخابات البرلمانية التركية الأخيرة(22.07.07)، خطب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في إطار حملة حزبه الإنتخابية، ب"أكراده" الدياربكريين، قائلاً: 500 إرهابي (والمقصود بهم هنا، هم مقاتلوا العمال الكردستاني) في الخارج وأضعاف مضاعفة منهم(5000) في الداخل... هل قمنا بحل مشاكلنا وإياهم في الداخل، كي نتوجه إلى الخارج؟
أردوغان، كان هنا، في غمرة حميته الإنتخابية، واضحاً، لدى طرحه لمشاكل "أكراده" في الداخل. فهو يريد أن يقول، بأن حل مشكلة الأكراد في تركيا، تمر من "دياربكر وأنقرة"، لا من "هولير وبغداد". بالتالي، لا يمكن لتركيا حل مشاكلها مع أكرادها الشماليين والعمال الكردستاني، من خلال سياسة "النعامة"، وذلك بالهروب من الداخل الدار إلى الخارج الجار.
بالرغم من أن أردوغان قد امتطى، إبان حملة الإنتخابات البرلمانية، ظهر عباراتٍ تعبوية، دعائية، كهذه، لكسب أصوات الأكراد في معركته الإنتخابية، إلا أن المستنتَج من هكذا تصريحاتٍ، وسواها الكثير، هو أن بعض القادة الأتراك، قد أدركوا(ضمنياً) تمام الإدراك، استحالة إمكانية حل مشاكل الداخل التركي المستفحَل، كردياً، عبر ملاحقة أو مطاردة ما يُسمى ب"الخارج الكردي المتسلل"، إلى داخل تركيا. فاللعب السياسي على حبل "الخارج الكردي الخطر"، هو لعب تركي قديم جديد، يتقن القادة الأتراك فنونه، منذ زمنٍ بعيد.
والحال، فإن الثابت في الأجندة النائمة، من وراء الفوز التركي "المحتمل" بهذا الإتفاق "المؤمل فيه"، هو مطاردة كردستان في العراق، ومطاردة كركوك، من ثم، في كردستان، قبل مطاردة العمال الكردستاني، الذي تتخذه تركيا، ك"قميص عثمان"، لمواجهة أي "خطر كردي"، خارجي، قادم أو محتمل.
الثابت، هو صرف الأنظار عن داخلها الكردي الملتهب، من خلال التهويل بخطر "الخارج الكردي"، الذي لا يزال يوصف في أوساط النخب التركية الحاكمة ب"الخط الأحمر" حيناً، و"الخطر الأحمر" أحياناً أخرى.
والثابت أيضاً، هو أن المشكلة الكردية في تركيا، هي أكبر من قضية "إتفاق أمني" مع الجيران، أو "تسلل خارجي" ، أو "تمشيط حدودي"، أو "حملة مطاردة"، صيفية أم شتوية، ربيعية أم خريفية، لمقاتلي العمال الكردستاني.
المشكلة الكردية، تركياً، هي قضية "داخل قائم وواقع"، أكثر من أن تكون قضية "بعبع خارجي" متوقع وممكن.
المشكلة الكردية، إذن، لن تحل من خلال الهروب إلى "إتفاقات أمنية حدودية"، أو إلى حملات ل"مطاردة الخارج الكردي العابر للحدود"، طالما هي في الداخل التركي، مشكلة حوالي 20 مليون كردي، محروم من حقه المشروع، والمنصوص عليه في المواثيق الدولية، في تقرير مصيره بنفسه.