أصداء

حاجتنا إلى ثقافة الصَّفح

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

على رغم النور الذي يحاول الإنسان أن يخترق به ظلمة الحياة، فإن صنَّاع الظلام من الناس ما زالوا في عمل دائب على إحاطة الحياة بشتى أنواع القتامة. ولا غرابة في الأمر عندما نجد أن النفس البشرية حافلة بالسوء في طبيعتها وتطبعها سوى تلك النُّفوس المفطورة على إنتاج الخير النقي في الحياة.


في غضون قرن من الزمان مضت عقوده، شهد العالم عدة حروب؛ الحربين العالميتين الأولى والثانية، حرب فلسطين، حرب لبنان، حرب إيران مع العراق، حرب العراق على الكويت، حرب أميركا على العراق، حرب إسرائيل على لبنان، وغيرها من الحروب الفرعية الأخرى.
إنها متوالية حروب دموية مرَّت على إنساننا العربي فاستباحت دمه وعرضه وماله، ودمَّرت موجوداته وأشياءه، وانقضَّت على آماله ومستقبله، حتى باتت مجتمعاتنا العربية والإسلامية مبتلاة بإمراض الصدِّ والحقد والثأر والرغبة المستباحة بالانتقام؛ فأنتج ذلك ثقافة باتت مُرسِّخة في ذواتنا ونفوسنا وتوجُّهاتنا المجتمعية، ويكفينا ما جرى بالعراق من أمثلة ونماذج دموية عبَّرت عن واقع هذه الثقافة وبالسمات المذكورة سالفاً.
ما هو مؤسف، أن الكثير من الصناعات الثقافية، خصوصاً الإعلامية منها، في وطننا العربي وفي عالمنا الإسلامي، تغذِّي هذا النَّوع من الثقافة، وتعمل على تصريف أشكالها بأجمل الألوان والأضواء والأصوات حتى أمست ـ المؤسسات الإعلامية على سبيل المثال ـ شريكاً في صناعة ثقافة العداء والثأر والانتقام واليأس من قيم الحياة.


قديماً، كان المشركون يؤذون الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم، فقال له الله سبحانه وتعالى: (فاصْفَحْ الصَّفح الْجَمِيلَ) (الحجر/85). وبذلك أرسى النَّص القرآني اللبنة الأولى لما أُسميه بـ (ثقافة الصَّفح) أو (ثقافة الصَّفح الْجَمِيلَ)، وهي الثقافة التي اشتغل بها الرسول محمَّد في حياته، ودعا إلى ترسيخها في المجتمع الإسلامي الوليد لتكون مبدأً جوهرياً في حياة الأمة والمجتمع الإسلامي الناشئ من بعده.
مع ذلك، استمرَّت إرادات الشَّر تدقُّ إسفين ثقافة الثأر والانتقام والتدمير في المجتمع، وها هي اليوم يستفحل أمرها من جديد، لتدقّ إسفينها في حياتنا، فهي تتجدَّد لتعيش على دماء الآخرين، ترتوي بها، وتنتشي بإراقتهاbull; ما يعني أن حاجة الإنسان، البشر، المجتمعات المعاصرة إلى ثقافة الصَّفح، باتت أكثر من واجبة، وأكثر من ضرورية بإزاء ما تعانيه الإنسانية من ويلات.


إن تحقيق الصَّفح أو الصَّفح الجميل بتمامه المنشود أو برغبته التي ينشدها للإنسان، يبدو أمراً مستحيلاً في ظل ما نراهُ ونلمسهُ من مآسٍ؛ حيث البشرية تتهاوى أمام عنف الطُّغاة والقتلة الجُدد، لكن انتشال الحال مما هو عليه من وبال يبدو أمراً ممكناً أيضاً، خصوصاً إذا نظرنا إلى تحقيق الصَّفح الكامل والتام بأنه فعل مستحيل، ولكن ممكن الوصول به إلى نتائج مُجدية إذا ما جاء كـ (فعل استثنائي وخارق)، كما يقول الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، فعل خاطف متوثِّب في استراتيجياته وغاياته وأهدافه، وذلك ما يتطلَّب جهداً كونياً، لكن البدء محلياً يبدو محققاً لنتائج مثمرة إذا ما شُرع به.


كل الكائنات المؤسساتية التي عندنا؛ الأسرة، المدرسة، الجامعة، التلفزة، الإذاعة، الجريدة الورقية أو المرئية، الدولة، المجتمع المدني، وكل نظم الاتصال والتواصل؛ نظام الحديث بالمقهى، بالطائرة، بالورش الثقافية والفكرية والجمالية، وكل النجوم المبدعة؛ من شعراء، وقصاصين، وروائيين، ورسامين، ونحاتين، وفنانين، كل هذه الكائنات والمكوِّنات، هي معنية اليوم ببثِّ ثقافة الصَّفح والصَّفح الجميل، معنية أيضاً بترسيخ مفردات هذه الثقافة في أبسط قواعد التعامل اليومي في الحياة، ومن دون ذلك سيتحوَّل القتلة الجُدد إلى أبطال تاريخيين، بل إلى هراقلة ماجدين في عيون أبنائنا الذين سيأتون بعدنا، فهل نستعدُّ لذلك؟

رسول محمد رسول

rasmad@maktoob.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ربما الجينات..
رعد الحافظ -

نعم..يااستاذ رسول..كل عاقل معك في هذه الدعوة النبيلة السامية..ثقافة الصفح الجميل .لكن لاحظ معي مايلي..ان هذه السياسة طبقت في جنوب افريقياواعني بطلب من نلسن مانديلا..وهم ليسوا بمسلمين وانظر كيف جلبت هذه الثقافة اؤكلها على الشعب كله..لكن نحن العرب وبما لدينا من ارث ديني وتراثي ترانا لا ناخذ منه الا السلبي..هل الطبيعة الجغرافية والمناخية هي السبب ام ربما ذلك في الجينات البشرية اصلا..؟؟لا اعرف الجواب

طبيب يداوي الناس وهو
حمدان العبل -

كنت أتمنى من كل قلبي أن تكون دعوتك صادقة، وأن تبدأ بنفسك ولكن أن تطلب الصفح ممن أسأت إليهم يا أيها الأمين. مو لو مو مو؟

القتلة والأرهابيين
كركوك أوغلوا -

أنما ينفذون حرفيا ما جاء بآيات بينات أخرى وهي آيات الجهاد والسيف , بالخصوص (المائدة 33), بينما يشير الدكتور رسول الى آية الصفح (الصفح الجميل ), في الآية (الحجر 85). ؟؟!!00وكما جاء بالمقولة الشهيرة للأمام علي بن أبي طالب (رض) :- جمال ذو أوجه000الرجاء من الكاتب القدير الأجابة على الرد وشكرا 000

حقاً أنك كبير
قاسم ماضي -

كم تمنيت أن ياخذ الجميع هذه المشورة ويطبقها في حياته .ونحن الان في أمس الحاجة اليها .ولانك أنسان ومبدع وباحث عن الجمال في زمن يتهالك ويضمحل ويتحول الى وحوش كاسرة تقتل كل من يقف أمامها صدقني الان حتى المثقف الذي يقال عنه بأنه حساس وهو مراة صادقة تحول الى قاتل ومجرم في هذا الزمن الاغبر .تحياتي اليك أيها المبدع رسول محمد رسول

دعوة جميلة
جاسم محمد جرجيس -

أتمنى ان تستمع الناس الى مثل هذه الدعوات وأتمنى ان تسود بيننا ثقافة التسامح خاصة في البلدان العربية والأسلامية التي أصبحت تعاني من العنف والحرائق المتسببة بفعل فاعل

كركوك يا كركوك ؟؟
اوس العربي -

خليك محضر خير يا كركوك آيا ت السيف يا كركوك افندي انما شرعت لرد العدوان الذي بدأ به المشركون بتأييد من اولاد خؤلتك اليهود ، والصفح الجميل مارسة الرسول صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة عندما قال لهم اذهبوا انتم الطلقاء وكان بامكانه وهو المنتصر ان يبيدهم ، اما عن المقولة التي تكرر نصفها دائما مقولة علي ابن طالب رضي الله عنه القرآن حمال اوجه فهذا في المتشابه منه ولها تكملة فاحملوه على احسن الوجوه او المعاني ، اما آن لك ان تتخلص من عقدة الاسلام وتغدو انسانا كونيا يحب الخير للناس ويصفح عنهم ولايضع العثرات في طريق دعاة الخير من البشر وشكرا للكاتب على تذكيره لنا بقيمة عظيمة كدنا ننساها الصفح الجميل

أخي أوس العربي تحية
كركوك أوغلوا -

عقدتي وعقدة العالم والبشرية جمعاء هي : التعصب الديني والأرهاب !!00ألم تلاحظ مشاهد الذبح والقتل والتفخيخ تبدأ بتلك الآيات وفتاوى فقهاء الأرهاب محشوة بها ؟؟!!00وشكرا لصفحك عني بالصفح الجميل وحبذا لو شمل ذلك أخوالي وأعمامي أيضا !!!00

الارهاب الاصلي
اوس العربي -

اخي كروكوك هل شاهدت صواريخ كروز والتوماهوك وهي تشوي اجساد الاطفال والمدنيين في العراق وفلسطين وافغانستان ام انك راض عما يفعله ابناء خؤلتك وعمومتك مادامت تطال المسلمين ؟!!