الشرطة العربية في المخفر التلفزيوني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حين نتحدث عن الشرطة العربية والفساد الذي يضرب أوصالها لا بد من العودة إلى الأساس الذي مهد لظهور الفساد باختلاف أنواعه. والأساس هنا يتمايز بين جانبين أو جهتين هما الدولة والشعب.
وطالما أن الأمر كذلك فيمكننا القول ببساطة أنه لم توجد بعد دولة عربية عصمت عن الفساد في كل مرافقها بين الحين والآخر. وليس الأمر بخاف مع نشوء وزارات وهيئات في بعض تلك الدول تعنى بهذه الناحية على شاكلة هيئات ووزارات الإصلاح الإداري والشفافية ووقف الفساد والهدر.
أما من الجهة المقابلة فنجد الشعب الذي هو الأساس والذخر البشري لأجهزة الشرطة العربية. وهنا تكمن المعضلة الأكبر حين نجده مقموعا بشكل دائم من دولته عبر الأجهزة التي تكونها الدولة من أفراده وأبنائه. فإذا أخذنا أقرب مثل من بلداننا البوليسية نجد الهوة واسعة بين النظام الغني غالبا بفضل موارد الدولة والشعب الذي يعيش أكثره التقنين على كل المستويات وبتفاوت دائم بين بلد وآخر.
هنا ينشأ ما يسمى بالـ "وظيفة" فيسعى العاطلون عن العمل أو الذين لا يملكون أي فرص في الوصول إلى أحلامهم في مختلف الإختصاصات المهنية - وذلك بفضل الدولة غالبا- يسعون لدخول أجهزة الدولة على وجه الخصوص وحتما ستكون الأجهزة المتصلة بالمعاملات الإدارية والحياتية هي الأقرب إلى مطامحهم بسبب ما تعارفوا عليه من أنها "الوظيفة الحكومية" أو الكنز المنشود.
وغني عن التعريف أنه وبحسب قانون العرض والطلب الذي يحول المجتمع بحد ذاته إلى سوق سيكثر الراغبون بالدخول إلى أجهزة "الأحلام والمطامح"، وبالمقابل ستكتفي الدولة بجزء منهم بطبيعة الحال كي يتسنى لها عبر من وظفت منهم قمع الجزء الأكبر المتبقي. هنا تكمن المشكلة في طريقة الدخول إلى أجهزة الشرطة التي يعيد المجتمع والدولة معا إنتاجها عبر التوصيات والوسائط. فيصبح لدينا عند ذلك طبقة إجتماعية معينة بحد ذاتها هي طبقة "إبن الدولة" وحامل لوائها وشعارها تجاه باقي الطبقات التي ستكون بشكل منطقي للغاية في هذا المقام العربي "عدو الدولة".
ونجد المفارقة واضحة جلية في كثير من البلدان العربية - وأقصد لبنان منها على وجه الخصوص- بين تعامل الشعب مع الجيش الذي يشعرون فعلا أنه من صميم وطنيتهم، وتعاملهم مع الشرطة في المقابل كأعداء لهم. المسألة ليست متأتية من فراغ رغم أن الشرطة أيضا من أبناء الشعب لكن ثقافة مترسخة لدى هذه الفئة التي تحولت إلى طبقة تحتم عليها الوقوف دائما في خط النار كحماة للدولة المهددة دوما في ثقافتهم من أبناء الشعب.
الأغرب في المسألة أن أحد الأشخاص مثلا يقوم بالشغب وغيره من الأمور المخلة بالأمن -بتصنيف الدولة- وهو نفسه حين يدخل في سلك الشرطة يضرب ويقمع من كان مثله. هذه ازدواجية شخصية واضحة تغذيها وترعاها وزارات الداخلية العربية.
مساء الثلاثاء تجسد أمر مماثل للغاية على شاشة الجزيرة مع برنامج الإتجاه المعاكس حيث كانت الشرطة العربية موضوعا الحلقة. والإتجاه المعاكس فعلا تجلى، من خلال الضيفين اللذين حلا بها، أكثر مما توقعه فيصل القاسم. فالأول اعتبر نفسه ممثلا للشرطة العربية بصفته لواء مصريا ومساعدا سابقا لوزير الداخلية وحيا أفرادها برمتهم في ختام الحلقة على جهودهم. والثاني اعتبر تلقائيا ممثلا عن الشعب العربي بصفته حقوقيا في ظل الفجوة الكبيرة بين الحكومات والمواطنين.
لست هنا بصدد استعراض الحلقة بل الإشارة لا غير إلى أمر واحد فقط. فالغريب بالأمر أن الضيف الذي تولى الدفاع عن الشرطة العربية قد مثل كل ما تتميز به من قمع وتلفيق اتهامات وتهديد بملفات فتحول البرنامج بشكل كوميدي للغاية إلى مشهد من أحد مخافر الشرطة العربية ولو بصورة رمزية أبعدنا الله وإياكم عن صورتها الحقيقية الفعلية.
عصام سحمراني
essamsahmarani@hotmail.com
http://essam.maktoobblog.com/
التعليقات
ما جابوا خبري
عماد -تحية بدا الضابط الذي استقبلني غير راض عن عمل فريق من المخبرين، إذ إن اضبارتي الشخصية الموجودة أمامه على المكتب، لم تكن تحتوي على أي معلومة مفيدة. بدا المخبرون مرتبكين، ولسان حالهم يقول: "يا أرض انشقي وابلعيني". فيكيف يعقل أنه لم "يجيبوا خبري"، وأنا.. أنا شخصياً بدوت راضياً عن نفسي، وارتسمت الابتسامة على وجهي، في ذلك المكتب المرتجل المقيت. عامان مرا على ذلك المشهد الغريب، بعد أن اقتادني الأشاوس معصوب العينين من قارعة الطريق. بربك يا عصام. إن تكرر المشهد، وأراه سيتكرر، ما الذي ستحويه إضبارتي هذه المرة؟