أصداء

حوار السلطة أم سلطة الحوار؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

هل من عاقل يرفض الحوار مع سلطة بلده، وطنه، سلطة من المفترض أنها من أبناء جلدته؟
الحوار ليس مفهوما شخصيا أبدا بقدر ما هو مفهوما سياسيا، مدنيا، يؤسس للسلم وعلاقاته بدل الحرب ودمويته، وبديلا للعنف في حالتنا اعتقالات وتعذيب وحصار وملاحقات لا تنتهي، سواء كان ماديا، أو رمزيا. الحوار مع السلطة أمر في غاية الأهمية، وفي وضعيتنا السورية بالذات. ولن أتناول الموضوع من جانبه النظري، أو إن شئت التنظيري، بل سندخل إلى واقعنا العياني والمعين و بشكل مباشر. لماذا تحاور المعارضة السورية السلطة السورية؟ ولماذا الدعوة للحوار مع السلطة؟ أولا أنه إقرار مبدئي بأن البلد في أزمة، وأننا في بلد لا يوجد فيه حد أدنى من الديمقراطية، لأنه في الديمقراطية المعارضة لا تحاور السلطة، بل تنافسها في صندوق الاقتراع. هذه بديهية لا تحتاج إلى كثير كلام. وثانيا لأن السلطة مأزومة، والمعارضة مقموعة في أزمة منعها على أن تكون أصلا طرفا في الحوار، أقصد في أن يكون لها مجرد رأيا في مصير بلدها. من النافل القول أن الوضوح يكون تأسيسا لعلاقة واضحة بين الفعل المعارض ومادته الجماهيرية. الوضوح هذا يقتضي أيضا، العلنية في طرح أي معارض ما يشاء، ومهما كان هذا الطرح شريطة ألا يدعو للعنف بشكليه المادي والرمزي. أعتقد أن المعارضة السورية بكل أطيافها، تنبذ العنف، وتؤسس لسيادة العلاقة السلمية في التغيير السياسي نحو دولة القانون والمواطنة والمؤسسات، دولة تستند في معاييرها الدستورية على شرعة حقوق الإنسان. السلطة بالنسبة لي وإن كانت يمكن أن تكون مشخصنة لكنها في النهاية، جملة من العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تحدد من خلالها مصير بلد بحاله، وشعب بحاله، وأحيانا شعوبا أخرى، وهي علاقات حالة في كل فرد على حدا، حاضرة في سلوكه اليومي، في بيته ومدرسته وحيه، في رؤيته للعالم، في سورية الآن وضع استثنائي بكل ما تعني هذه المفردة من معنى، واستثنائيته فرضتها السلطة عبر أكثر من أربعة عقود، من الممارسات المتنوعة من أجل الحفاظ على السلطة والملك. وهذا تقوم به أية سلطة يغلب عليها الجانب الشخصاني، سواء كان فرديا أو عائليا أو حزبيا أو قوميا أو طائفيا، بداية لا بد من القول أن القمع في سورية ليس له علاقة لا بالوضع في العراق، ولا بالسياسة الأمريكية، ولا بالمستجدات السياسية الراهنة، بمعنى وإن كان هنالك علاقة ما فإنها علاقة واهية، وليست هي أساس ممارسة القمع على المعارضة السورية. هذه نقطة تتعلق بأواليات كرستها السلطة منذ لحظة مجيئها، وبدأت مع سجنها لأشخاص السلطة المنقلب عليها، صلاح جديد ونور الدين الأتاسي وكل القيادة السياسية لحزب البعث آنذاك دخلت إلى سجن المزة العسكري. ودخلت تحت عنوان عريض، إما أن تقبلوا بسلطتي أو مصيركم السجن، والموت فيه حتى، وهذا ما حصل لبعضهم، بعد عقدين من الزمن في السجون. والسؤال هل غيرت هذه المعادلة منذ ذلك الوقت وحتى هذا التاريخ؟ هل تغيرت أم اتخذت أشكالا أخرى، ووسائل أخرى؟ إذن الحوار مع سلطة انبنت على اللا الحوار، ما يدعونا للحوار هو ببساطة ليس ما يحدث في العراق، وليس السياسة الأمريكية، بل هو الوضع الخاص لسورية: طائفيا واثنيا وقمعيا. الخوف من أن تأتي لحظة غفلة كما يقولون وتتبعثر سورية إلى سوريات. هذا الأمر ببساطة هو السبب الذي يدعو للتأكيد على النهج السلمي في التغيير الديمقراطي، وليس أي سبب آخر حتى لو كان مضافا، أو مستجدا. أو كما يقال بلغة بعض رموز المعارضة عندنا: ترك الباب مواربا! في قضية الحوار مع السلطة. وهذه قضية قديمة تتجدد منذ اللحظة الأولى في تاريخ هذه السلطة، لأنه لم يعد هنالك لسوريا تاريخ خارج تاريخ هذه السلطة. انطلاقا من هذا الهم ومن هذا الخوف تصبح الدعوة للحوار مشروعة تماما، مع العلم أن في جوهر المطالبة بالتغيير الديمقراطي سلميا هنالك مبدأ- خذ وطالب- وهو يقتضي أيضا في أحيانا كثيرة الجلوس مع السلطة. في رده على سؤال في أحد لقاءاته، سؤال يقول فيه السائل عن العداء بين السلطة السورية وجماعة الأخوان المسلمين، رد السيد علي صدر الدين البيانوني المراقب العام للجماعة على السائل قائلا: ليس هنالك في سورية أي أعداء لنا، هنالك خصوم سياسيين. أعتقد أن هذا الكلام من معارض سوري، حتى أنه لازال أسير تاريخية جماعته كما يصيغ بعضهم هذا التاريخ، إلا أنه يؤسس لفهم لطبيعة ورؤية المعارضة للعلاقة مع السلطة في سورية. ولكن السؤال: هل السلطة السورية تنظر للمعارضة السورية بكل أطيافها كخصوم سياسيين؟ وهل السجن هو حل للخصومة السياسية أم يستخدم فقط للأعداء؟ إذن المعارضة باتت منذ زمن تنظر للسلطة كخصم سياسي وليس كعدو، وهذه نقلة مهمة حققتها المعارضة السورية بكل أطيافها من خلال تبنيها لنهج التغير السلمي الديمقراطي. والآن العودة لموضوعنا في قضية الحوار مع هذه السلطة بالذات، وفي هذه الوضعية السورية بالذات، ومع هذا الوضع السوري الشعبي المنهك، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، منهك سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا. بعد كل هذا يطرح الموضوع جملة من التساؤلات، في أي حوار بين طرفين، لا بد أن يكون لهذا الحوار سلطة، سلطة الحوار لا بد أن تكون موجودة لكي يكون هنالك حوارا وليس أوامر تعطى. في أي نزاع يتوصل فيه الطرفان لحله بالحوار يكون هنالك طرف ثالث متفق عليه ضمنا أو علنا، هو بالضبط ما يمثل سلطة الحوار، بمعنى السلطة التي من شأنها أن تحكم بين المتحاورين، ويكون لها الحضور المادي أو المعنوي للأخذ بما يتوصل إليه المتحاورين، وبالتالي تأسيسه حلا لهذا النزاع، وحلا سلميا بالطبع، في سورية: السلطة موجودة بقوة ليس كطرف، بل كأمر واقع بالقوة، والمعارضة متعبة معتقلة..الخ من أين لنا في سورية إذن سلطة الحوار هذه؟ وهل يمكن أن يتم أي حوار بغياب سلطة هذا الحوار؟ عندما تتدخل الجامعة العربية في حل الأزمة اللبنانية مثلا، فإن مبادرتها تشكل أرضية للحل من جهة ومن جهة أخرى تمثل هي سلطة الحوار بين الأطراف المختلفة. فأين هي إذن سلطة الحوار في سورية التي تقبل بها سلطة النظام، وتقبل بها المعارضة؟ وإلا تحول الأمر إلى مسرحية حوار لها مخرج واحد يقرر مصيرها منذ البادية، والذي من المفترض هو أن يكون طرفا لا حكما. مع ذلك نحن مع ترك الباب ليس مواربا وحسب بل مفتوحا لقيام مثل هذا الحوار.

غسان المفلح

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
حوارالسلطة منعدم ...
عبد البا سط البيك -

موقف السلطة عندنا مثل موقف فرعون , فلا رأي الا ماتراه هي ..و ليس للرعية حق التفكير أو التدبير ..و الويل لمن تسول له نفسه بأن يكون له رأي مخالف . السلطة عندنا تلجأ الى وسائل الإرهاب في مواجهة من يعصي أمرها و يخرج عن طوعها ..و أي حوار معها يجب أن لا يخرج عن ما ترسمه من سيناريو ينسجم مع ظلمها و جورها و الا إتهم المعارض و المخالف بإتهامات شتى.الندية بين السلطة و معارضيها غير موجودة على الإطلاق , و السلطة تنظر الى معارضيها ليس كخصوم سياسيين بل كأعداء للوطن و هكذا توهم المواطنيين عبر و سائل الإعلام التي تحتكر الإشراف عليها.مفاهيم السلطة بكامله وهي تطبق بقوة الأجهزة البوليسية التي تخمد أي صوت معارض .الحاكم الظالم لا يعرف معنى الحوار السياسي بين مختلف أطياف المجتمع لأنه غير جدير أصلا بالحكم و إسلوب تسييره للبلد يماثل إسلوب تسيير عصابة, و هولاء لا يخضعون لأي قانون سوى قانون البقاء في السلطةو المحافظة عليه مهما كانت التكاليف ...لا فائدة من التفكير بأ ي حوار في ظل وجود مثل هذه العقلية العدمية المتحجرة التي لا تعترف بغيرها من مكونات المجتمع الإجتماعي و السياسي و الثقافي .