أصداء

الأشكالية اللبنانية ما بين السياسة ونقيضها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يقول المفكر اللبناني مهدي عامل في مؤلفه ( النظرية في الممارسة السياسية ): " ليست موضوعية الفكر في حياده الطبقي، بل هي، بالعكس، في قدرة الفكر على النظر في الواقع الأجتماعي من زاوية نظر الطبقة الثورية التي يحملها التاريخ إلى ضرورة تغيير الواقع، حتى يتمكن التاريخ من تحقيق ضرورته ".


لاأحد ينازع أو يعارض الأداء السياسي الفريد و الأستثنائي والمميز للساسة اللبنانيين، الذين ما فتئووا يبدعون في رسم الخطوط البيانية للصادرات و الواردات المتعلقة باللمعادلات المفتوحة والمنغلقة في سياسيات الشرق الأوسط. ولاأحد ينفي أو يشيح بناظريه عن الوجه الديمقراطي السائد في منطوق الحيثيات العامة والخاصة. ولا أحد يجادل في المحتوى و القيمة الموضوعية للوسائل الأعلامية اللبنانية ( النهار. السفير. الحياة..الخ ) ورؤياها التمايزية التزامنية. ثم لاأحد يجحد بفحوى مسألتين تلجان جميع الملفات، وكافة الأبواب، ومعظم الأصعدة، وهما ( النقد، والتحرر). وبالتضاد لا أحد ينكر أنقسام هذا المجتمع في ذاتيته، في اطروحاته، في وجدانياته، في تطلعاته وآماله ~ على الأقل ~ ما بين محورين، الأول هو ايراني سوري لبناني ايديولوجي سياسي تزمتي محلي. والثاني هو ديمقراطي سياسي لبيرالي لبناني سلمي معياري دولي. ومابين الأثنين لبنان ( دولة، شعب، مجتمع ) ينزف، يرعف، ويذرف الدموع الأخيرة، ويسعى إلى إيجاد الشخصية الرئاسية المطلوبة، تلك الشخصية التي من المفروض أن ترضي كافة الأطراف في كلي المحورين. بيد إن هذه الغاية السياسية القانونية أضحت بعيدة المنال، صعبة التحقيق، شائكة السبل. لاسيما إن هذه المسألة لم تعد تعالج يصورة مستقلة منفصلة عن بقية ( السلة المشتركة )، وكأننا إزاء قانون بيوفيزبائي ( قانون الكل أو اللاشيء ). وهذه هي الأشكالية اللبنانية بقضها و فضيضها. إلى ذلك سعى فريق الموالاة، بعد أن تنازل عن مرشحيه للرئاسة، ومحاولة منه إلى إيجاد مخرج طبيعي غير مكلف لهذه الأزمة، إلى تحطيم المسافة السياسية مابين الفريقين بترشيح الشخصية العسكرية قائد الجيش العماد ميشيل سليمان، كمفصل توافقي قد يرضي الطرفين، وبالتالي يسترد لبنان جزءاً من عافيته التي غدت ضحبة وفريسة لقدر أرعن ولمسطحات رملية. إلا أن الفريق الثاني ( فريق المعارضة ) أحتسب ذلك نوعاً وشكلاً من أشكال المناورة كسياسة بيوفيزيولوجية أرتكاسية، وتشبث بصورة إرادية / لاإرادية بمرشحها ( الضعيف جداً ) العماد ميشيل عون. وبين الأخذ والرد، المد والجزر، كان لابد من تدخل الجامعة العربية ( في أجتماع وزراء الخارجية للدول العربية ) وبشخصية أمينها العام السيد عمروموسى، من خلال تفدبم مشروع أو مقترح يتضمن نقطتين أساسيتين، الأولى.أنتخاب السيد العماد ميشيل سليمان رئيساً للجمهورية فوراً ( طبعاً بعد التحوير القانوني المناسب )، والثانية. انشاء حكومة وحدة وطنية توافقية. وهنا يبرز التساؤل الجوهري، هل أنتخاب السيد العماد ميشيل سليمان رئيساً للجمهورية هو إنقاذ للبلاد من هذا المستنقع التراكمي؟؟!! بكل صراحة ووضوح أنا لا أعتقد ذلك..لنحلل المسألة الرياضية السياسية إلى عواملها الأولية.


أولاً. الثابت الرياضي الأول ( السيد ميشيل عون )، إن استنطاق التاريخ العوني يقدم لنا استنباطاً لاشك فيه ولالبس ولاألتباس هو تنابذه الأكيد مع محوره الحالي، الذي لاينسجم ولايناغي الرؤيا العونية، لكنه يوافق الغاية الأسترآسية لديه. فالسيد ميشيل عون الذي أرضخ ويرضخ كافة المعطيات اللبنانية لهدف ذاتي آني هو رئاسة الجمهورية لايبتغي ولايروم سوى احرازه. أي أنه لايمارس السياسة طبقاً لأسها الأدراكي المعرفي ولاحسباً لعواملها الأستبطانية الأحتراسية. ولا يجتهد في وعي معالمها، إنما يسعى إلى ( تفصيل ) ها حسب مقاسه الخاص وبأسلوب قسري محض. بذلك قد أهدر المضمون الموضوعي ( في السياسة والمجتمع ) لأستلامه رئاسة الجمهورية.وفقد صلاحيته في الأنقاذ. وأمسى من نفس الزاوية تحديداً المرشح الأضعف، بعد أن كان ( ربما ) الأقوى...


ثانياً. الثابت الرياضي الجذري ( ايران ).هي من الدول القلائل في العالم برمته، التي تجمع ما بين التثليث شبه المستحيل ( الأستراتيجيا، الأيديولوجيا، السياسة ) و ( العمل السياسي و العمل التاريخي ). وتتقن معظم فنون العلوم الأنسانية والتقنية، لذا هي تعتبر بحق من أقوى لاعبي التزاوج مابين ( الدومبنو والشطرنج ) ومن أكثرهم خطراً على مستقبل الشرق الأوسط قاطبة ( وليس على مصير لبنانا الصغير فقط ). وهي لا تتورع عن أختراق الحدود الآمنة هنا و هناك طالما ذلك يخدم العمل التراكمي التاريخي. وهذا هو المقصود وليس الحراك السياسي الأعتيادي. ومن هنا تحديداً هي تلج الشعور الجمعي العربي المخترق أصلاً ( بعد أن أحبطت كافة المحاولات في أفغانستان وباكستان ) من خلال الشعارات الكلية الشاملة واستطالاتها ( معاداة الولايات المتحدة وأسرائيل، محور في أمريكا اللاتينية، الحماس، حزب الله، روافد في البحرين والكويت ) لتمرير معادلتها الخاصة، وحربها بالوكالة لاسيما في لبنان. ناهيكم عن العراق.


ثالثاً. الثابت اللارياضي ( سوريا ).هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتصرف بمنطق هو تخارجي عن التاريخ وصيرورته وسيرورته وميكانيزمه، وبالتالي لا تألو جهداً سلبياً / إيجابياً في سبيل مغامرة ومقامرة هنا وهناك، نحيلكم مؤخراً إلى فحوى كلام السيد الدكتور رئيس الجمهورية بشار الأسد في أنقرة، وكذلك منطوق كلام السيد فاروق الشرع بصدد حلفاء سوريا في لبنان، وكذلك الرسالة التهديدية التي بعثها السيد آصف شوكت إلى قرينه الأسباني. فسوريا لاتملك شيئاً من الأستراتيجيا، ولا من الدبلوماسية، ولا من المعادلة السياسية، ولا حتى حراكها، إنما تعتمد على كوامنها العدوانية و(سياسة ) الفعل الأرتكاسي ضمن مقاس معادلاتي حسابي بسيط ( إما تدخل خارجي عسكري أو الحفاظ على الحكم إلى الأبد )، إما أو حسب تعبير هيدجر.


رابعاً. التفاضل الرياضي مابين المعارضة والموالاة. ثمة خلط استدراجي استنزافي ما بين خطاب الموالاة وخطاب المعارصة، على أساس إن الخطاب اللبناني ( وهو المهم ) منقسم مابين معادلتين متناقضتين، الأولى معادلة دولية بحتة ذات بعد أمريكي أسرائيلي فرنسي، والثانية معادلة محلية ( مقاومة ) ذات بعد إيراني سوري. هذه مغالطة في الجوهر وفي الأداء. فالموالاة تمتلك معادلتها الخاصة يها وهي لبنانية الطابع والنسق وتسعى من خلال المساندة والدعم الدوليين إلى إقامة ( لبنان ) ليبرالي ديمقراطي خال من الأعتيالات ومن الجرائم، في حين إن المعارضة تصادر لبنان وتقدمه هدية مضرجة بالدم لنوايا خبيئة دفينة تعلو على السطح من حين لآخر.


خامساً. المعادلة الأقوى. ( ميشيل سليمان و فرانسوا الحاج ~ المرحوم ~ ) قد يفسر البعض إن أغتيال المرحوم فرانسوا الحاج يندرج ضمن نتائج ( حرب نهر البارد )، لاسيما بعد التصريح الأخير الذي أدلى به الأرهابي شاكر العبسي، لكنني أعتقد إن الجهة التي أغتالته، كانت تدرك تماماً عمق الوحدة التكاملية مابين الشخصيتين ( ميشيل سليمان كرئيس للجمهورية، وفرانسوا الحاج كقائد للجيش )، وكانت تعي أيضاً إن التوازي والأتساق مابين الرئاسة والجيش هما المدخل المنطقي الأكيد لأنقاذ لينان، لذلك هي أغتالت لبنان على طريقتها الخاصة. لكن بما إن الأمور قد آلت إلى ما آلت إليه الآن، فأعتقد إن بفاء العماد ميشيل سليمان كقائد للجيش هو الضمانة الصعبة لمنع تدهور الأوضاع في لبنان وبالتالي انقاذ السياسة من الأندحار وردعها من الأيلاج في مجال النقيض. فإن تاهت السياسة في لبنان وضلت، تغدو عملية التقويم في حكم الأستحالة. فماالفائدة من انقاذ رئاسة الجمهورية من الشغور، إن تاه لبنان؟؟!!


سادساً. المنقذ الرياضي. ( أمين الجميل ).من خلال رؤيا متعمقة في المراحل المفصلية لهذه الشخصية، موقفه الشخصي من الحرب الأهلية (1975 - 1989 )، ثم آرائه من الدستور البناني منذ عام 1943، وكذلك من أتفاقية الطائف عام 1989، مروراً يروح المسؤولية التي تمتع بها أثر أغتيال شقيقه الرئيس بشير الجميل وكذلك أغتيال نجله النائب بيير الجميل، تتضح لنا خطوطً بيانية ً مليئة بدلالات واستدلالات إيجابية. فالسياسة لديه مستقيمات متوازية لجوهر لبنان، والمواقف هي في الديمومة الكينونية لروحه وفي الحس الموضوعي لتلمس مشاكله. لذا يات لدي بحكم المؤكد والضروري إنه خير من يمثل الرئاسة في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الشرق الأوسط.


سابعاً. المعادلة الرياضية التامة. إن الأداء الحكومي برئاسة دولة الرئيس فؤاد السينورة، وبالتوازي مع القراءة الأيجابية للحيثيات من جانب القوة الرابعة عشر من آذار يقيادة ( سعد الحريري، أمين الجميل، وليد جنبلاط، سمير جعجع )، وبالتفاهم مع بقية القوى الأخرى المحبة للسلام و للديمقراطية والمحافظة على ( مفهوم ) لبنان، يرتقي بنفسه ومستجداتها إلى مستوى محمود يضاهي ويماثل ~ هو الآخر ~ ميكانيزم السياسة كعلم، كمعرفة، كتصور موضوعي.


إلى هذا وذاك، وضمن المنظور العام والشامل، إنني على يقين ذي أبعاد متعددة، الذي حسبه أمهد للتصور التالي ( إن الحفاظ على حيادية وفعالية الجيش بقيادة العماد ميشيل سليمان، يمثل ركيزة تنأى بنفسها عن الحطم والهشم، ويجسد ~ على الأقل ~ الأمل المتبقى المستقبلي والضامن لوحدة لبنان ). لكن على ما يبدوللجامعة العربية رأي آخر ينسجم مع رؤياها في الأعتدالية. تلك الأعتدالية التي أثبتت عقمها في الشأن الفلسطيني. وجل ما أخشاه أن يتكرر ذلك في لبنان، ويفقد ~ بالتالي ~ الساسة اللبنانيون ذاك الأداء السياسي الفربد المتميز، وينقطع الجوار. ذلك الحوار الذي شدد عليه الشهيد كمال جنيلاط بقوله " إن أزمة الحكم في لبنان هي تعبير عن مأزق الحوار الفاعل ما بين الأطراف اللبنانية ". وهذاما نبهت إليه ( الندوة اللبنانية ) في محاضراتها، حسب المؤرخ اللبناني ~ مسعود ضاهر ~ " إن مخاطر بناء النظام السياسي اللبناني على أساس صيغة ميثاقية طوائفية يمكن أن تتحجر وتصيب الإدارة اللبنانية بالشلل أثناء الممارسة العملية.فصيغة الميثاق الوطني، وكل صيغة وفاقية مشابهة لها كصيغة الطائف مثلاً، ليست حلاً لمأزق النظام السياسي اللبناني، بل إطاراً عاماً لإعادة الحوار المقطوع أو الثقة المفقودة بين اللبنانيين ".....

هيبت بافي حلبجة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شكراً
ليلى -

مقال عميق، شكراً للكاتب. لكنني كقارئة عادية،واجهت صعوبة في فهم بعض المقردات ، وما شدني الى المقال(كأي مقال يتناول السياسة والأزمة اللبنانية) هي محاولتي اليائسة الى تلمس أي بصيص أمل ولو ضعيف لوجود مخرج لما نمر به..فنحن اللبنانيين، المواطنين البسطاء لا يهمنا من امر ساستناوقادة أحزابنا وطوائفنا سوى أمر واحد ووحيد هو أن يشعرونا بالأمان،البقية نحن كفيلين بها.لم نعد نسأل عن الفساد الاداري والرشوة والهدر وسرقة المال العام وتعب الفقراء وانعدام الفرص والبطالة والفقر..الخ.هذه المسائل بتنا معتادين عليها،بل مختصين في التكيف مع الظروف السيئة التي نعيشها منذ منتصف السبعينيات، وان وجد ما يخفف من وطأتهاأقصد به ما سميناه صمامات الأمان كالهجرة وتحويلات المغتربين ومقدرة اللبناني العالية على التكيف مع الظروف ووتصميمه وحبه للحياة.مع هذا لا زلنا مهددين في وجودنا وكياننا،لازلنا حجارة في رقعة شطرنج، وقود لنار الآخرين..مقصدي هنا، وما اتمناه وأفتش عنه ليس دراسة بسيكولوجية وتحليلية لشخصيات ساستنا أو فلسفة الوضع القائم بل محاولةللبحث عن اجابة لسؤالي الأبدي: متى الخلاص؟