أصداء

لئلا يصبح العراق على كفّ عشيرة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تعدد الإعلام فضائياً قد يكون له صبغة إيجابية حينما يكون التعدد غير مرتبط بالاختلاف الحاد الذي يحدث على الأرض، أما في الحالة العراقية الحالية فإن الجوّ مختلف تقريباً، فالإعلام العراقي فضائياً يعكس الاختلاف الميداني. العراق بآخر المطاف سؤال كبير ومن المبكر الإجابة على كل سؤال يتعلق بالعراق. خاصةً حينما نشاهده عن بُعد فمنذ سقوط بغداد في 9 أبريل 2003 وأنا أشعر بالعجز عن الربط بين العراق قبل السقوط وبعده، لقد تبدل الحال جذرياً.


بعد الغزو لم تعد المسالة العراقية مجرد غزو أمريكي تقف ضده ميليشيات عراقية، بل أصبح العراق ساحة للسلب والنهب، والعجب الذي يتملك الباحث لماذا مرّ زلزال بغداد مرور الكرام من جهة "البحث" والأسئلة، كما مرت نكسة 67 أو أسوأ. إن الذي حدث في العراق غيّر كل الموازين ونحن لم نزل ننتج الأجوبة وراء الأجوبة من دون استيعاب للذي يحدث على الأرض باستمرار وتحويلها من أسئلة صحافية إلى أسئلة علمية تعنى بالبحث عن الآثار الحقيقية، آثار الحرب على الروح، آثارها الوجودية كيف يفكر العراقي في المستقبل كيف يفكر في العالم هل نحن في حالة جمود قصوى تبدلت معه الذوات لتصبح مجرد أحجار تستقبل كل الكوارث بحكة أنف!


ولأنني سُئلت عن الدور الذي يلعبه الإعلام العراقي فإنني أحاول مقاربة ذلك الاستفهام عبر مقاربات استفهامية أيضاً، يمكن أن ألخصها بالآتي:
-الإعلام العراقي يطبّق -وإن بغير وعي- تجربة الإعلام "اللبناني" أن يكون لكل توجه طائفي أو ميلشياوي أو سياسي وحدات إعلامية "تزعق" باسم "الزعيم" وتلك التجربة برغم ايجابية التعدد الذي تطرحه في حال وجود التفاهمات السياسية إلا أنها سلبية جداً في حال احتدام الحرب السياسية وفي ظلّ التشابك السياسي البيني على الشكل الذي يحدث الآن في لبنان، بل توظّف حتى المسلسلات في سبيل استفزاز القناة الأخرى المجاورة، وقصة لبنان مع الإعلام الفضائي وحدها تحتاج إلى رصد وتشخيص مستقل، الآن الإعلام العراقي يتجه نحو هذا المنحى بل انزلق إلى ما هو أسوأ فأصبحت القنوات الفضائية وسيلة لكل ناعق يريد أن يجتزّ كتف زميله في الوطن، عبر التشهير والتصعيد أو التشويه والإلغاء. وهي التجربة العربية الثانية بعد لبنان. هذا فضلاً عن الصحف العراقية والتي تنتشر وتكثر باستمرار والتي تعكس حجم الحرب الشرسة التي تحدث داخل الكيانات السياسية الواحدة أو بين الكيانات المختلفة نفسها.


-أشعر أن الحالة العراقية الحالية حالة سياسية "متهورة" ثقافياً! من كان يفكّر أن بلداً مثل العراق بشموخ تاريخه وعظمة جذوره أن يتحوّل إلى بلد يستنجد برؤساء العشائر غير أن المشكلة الأمنية لا تحل بميلشيات أخرى بديلة، خاصةً وأنها ليست ميلشيات مدنية وإنما "عشائرية" وقد ينقلب سحرها على الساحر نفسه، ونستذكر هنا "الميلشيات" اللبنانية وتاريخها الطويل وكيف كان التعقيد أشدّ التعقيد في طريقة "تفكيكها" ذلك أنها كانت ميلشيات طائفية وليست مدنية! إن ذلك الاستنجاد يشرح الحالة المزرية التي يمرّ بها البلد. حينما تتخطى الحلول عباقرة العراق وعلمائه وفلاسفته والنشطاء في السياسة والصحافة والإعلام ليصبح مستقبل البلد على كفّ عشيرة أو عشائر حينها سينفلت ولو بعد حين زمام أم السيطرة عليها في أي وقت. يجسد ذلك التهور الثقافي أيضاً رجوع العمامة المختفية تحت الكرافات لحكم البلاد لتعيد "ديمقراطيات التخلف" إلى الحياة بين ديمقراطية "الطوائف" اللبنانية وديمقراطية "العشائر" العراقية أهذه هي الديمقراطية التي تزرعها "الشركات" الأمريكية في المنطقة؟


-لا يمكن الحديث عن الإعلام العراقي إلا عبر مدخل واحد هو الوضع في العراق، ذلك أن هذا الهيجان الفضائي السياسي بالنسبة لشرح ما يحدث في العراق يعيد إلى أذهاننا حيلة "المعالجة" والتي يستخدمها الأتباع حينما يريدون تحسين زعاماتهم فالخطوط الأولى للخبر هي الواقع، والبقية معالجات تقصد إغاضة الآخر عبر استعمال الخبر وتوظيفه من قبل كل طائفة أو زعيم أو تيار. لقد ذكرت مراراً أن المشهد العراقي يذكّر دائماً بنظرية "الاستبداد العادل" ولن أعيد الشرح. إن الذي يحدث في العراق هي ديمقراطية توزيع "الاستبداد" وللأسف فإن الاستبداد والطغبان الذي يحدث في العراق يصاغ برؤى دينية بحتة طائفية بحتة وكل النزاع السياسي له أبعاده الذاتية النزقة والتي تجد في الدين ملاذاً.


العراق كان قِدراً يبقبق بصمت وهدوء بداخله الملايين من المشردين الذين يتزاحمون داخل القدر، أمريكا تهوّرت قليلاً حينما فتحت القدر لأنها رأت ثقافة كاملة أطبق على نفَسها على مدى ثلاثة عقود! خرج المارد من قمقمه وبدأ يضرب بلا وعي في كل اتجاه. لم تفاجأ الولايات المتحدة بالهجوم الحربي الشرس ضدها بقدر ما فوجئت بـجحيم "الثقافة" وهو ما كتُبته في مقالة بعنوان "ليست نكتة إيران قد تسعف أمريكا" ذلك أن إيران تفوق أمريكا في "فهمها لطبيعة الثقافة العراقية" وهو العنصر الذي لم تلتفت له أمريكا، باستثناء هنري كسينجر الذي نصح بوش بدراسة "تجربة الجزائر" وهي إيماءة منه إلى ضرورة دراسة تاريخ وثقافة العراق. لقد نجح الغزو في تحويل العراق إلى مجرد "شركة قابضة" يسرح ويمرح فيها بعض المقاولين. أما بالنسبة للإعلام العراقي ومدى تأثره بما يحدث فهو يعكس كل تلك الضوضاء ويجسد الاختلاف والنزاع بامتياز.

فهد الشقيران
كاتب سعودي

shoqiran@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
جحيم الثقافة
مؤرخ الاضطهاد -

اشكر الكاتب على الموضوع وخاصة استخدامه اصطلاح جحيم الثقافة التي واجهها الامريكان في العراق واود ان ابين ان العمود الفقري لهذه الثقافة هو تقدبس الاخوة العراقيين لمفهوم الثاءروخاصة اذا ما اعتدي عليهم بدون سبب والله يا اخي ان بعضهم يعبد هذه الكلمة حيث يكبر المسلمون الله واكبر باذان مواليدهم الجدد ويصرخ بعض العراقيين وين يروح المطلوبنا في اذان مواليدهم نعم انه التكوين الثاءري للاخوة العراقيين مع الاسف

لك الله يا عراق
د.عبد الجبار العبيدي -

لا احد يستطيع ان يقرأ الحالة العراقية الراهنة مثلما يقرؤها العراقيون انفسهم.بلد كان متكاملا بملكه وبرلمانه ووزارته،يخطو نحو التقدم والتطلع الحضاري بثقة الدولة المؤسساتية،لكن القدر كان يخبأ له المحضور فيقع في براثن الانقلابات العسكرية التي لم يجني منها الا الدمار والتعسف والحكم الفردي،فضيع كل شيْ الا الشخصية العراقية،بقيت متماسكة ومهيوبة اكثر من هيبة الاسد.لكن الناس كانت تتطلع للحرية والديمقراطية، فحل التغيير املا في الاحسن،لكن الاحسن احل الفاجعة بضياع الدولة والوطن واشخصية العراقية معا.فالدولة والوطن تحت الاحتلال البغيض والثروةبيد اعدائها المالكين لها والحارمين الناس منها ،والشخصية العراقية القوية اصبحت تابعه لمن غلب ولمن هو اصغر منها قوة زمنعة،فأين اعلامنا ورجال صحافتنا من هذا الواقع المؤلم الذي به نستجدي العشيرة على الجيش المنظم والمليشية على الشرطة القوية ودعاة التخريف على العلم والتحضر؟لك الله ياعراق اليوم.