أصداء

تحية.. الى نفايات نابولي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تثار في ايطاليا الجميلة هذه الايام مسالة تكدس النفايات في مدينة نابولي التاريخية، وبغض النظر عن اسباب التكدس هذا. فان الموضوع والضجة التي رافقته تستحق اكثر من مجرد متابعة، ولما لا أليس هذه نفايات نابولي!! في البداية انا " أبصم " بعشرة اصابع ان في نابولي جميلات من جنس الانوثة النادرة والفاخرة واللذيذة جدا جدا، ولااعرف لماذا طول نساء نابولي يذكرني بالطول المتميز والشامخ لنخلة العراق السابقة، واقول السابقة لان لانخيل في العراق اليوم وهو كان بلد النخيل الاول في العالم سابقا اما الان فهو يستحق وصف بلد اشباح النخيل، والى هنا ساترك موضوع نخيل العراق الى القاريء الكريم لكي يحمل المسؤولية او يشتم من يراه السبب في ذلك وكلا حسب اهوائه وعشقه لفريق ماقبل عام 2003 اوفريق مابعد 2003.


وحتى لانفسد صورة نساء نابولي باخبار العراق، فان لنساء نابولي ومن باب الامانة التاريخية "ابتسامة " تكاد تكون جهنمية جدا جدا، وللاسف مضطر ان اعود مرة ثانية الى احوال العراق لان هذه الابتسامة النابولية تذكرني بما كان يطلق عليها ثغر العراق الباسم " مدينة البصرة " وقد فاجئني احد الوزراء العراقيين الحالين قبل ايام عندما وصف ميناء ام قصر بثغر العراق الباسم!! وحقيقة الامر ان هذا الميناء عبارة عن خرابة ومقبرة للسفن والبواخر وهو يستحق وصف عين العراق الباكية في الخليج العربي. من جانب اخر اسجل تعاطفي وتفهمي للسيدة النابولية وزوجها المحترم الذين طلبوا اللجؤ في جنيف، كان مبرر هذا اللجؤ الايطالي في جنيف هو ان السيدة النابولية الجميلة تنتظر مولودها الجديد، ولم تستطيع تصور ولادته وسط هذا الركام من النفايات التي تكدست في المدينة حسب تصريحها. والمراقب المنصف لايستطيع الا ان يتفهم ويقدر هذه مشاعر الامومة الرقيقة جدا والجميلة جدا والايطالية ايضآ جدا. لكن لااعرف لماذا خطر في بالي وجود على الارض وليس في بطون الامهات، حوالي خمسة ملايين طفل عراقي " يتيم " زائدآ حوالي 800 الف طفل عراقي مهجر في الداخل ومثلهم في بعض الدول العربية وهولاء جميعا يعيشون حياة العوز والحزن والالم، ناهيك عن مليونين طفل عراقي في البلد نفسه لايذهبون الى المدارس!! وايضا ناهيك مرة اخرى عن جيل كامل من اطفال العراق ولد او تربى ا وعاش وكبر في المهجر في بلاد الغرب وكثير منهم بالكاد يعرف شيء عن بلده العراق، بل وجميعهم تربوا على نمط من الحياة وحرية الاختيار والبناء الشخصي المختلف تماما عما يوجد في موطن الديكتاتورية الذي اسمه العراق. ولااعتقد يضاهي حياتهم شيء في العراق الا " مسطرة المعلم " الخائبة التي تنزل على الاكف الرقيقة لطلبة العراق، ولا يضاهي ايضا طريقة ثقافة تربية الطفل في الغرب لهولاء الاطفال العراقيين الا طريقة بعض المعلمين في بداية كل سنة دراسية عند سوال التلاميذ الاطفال الجدد الذين لاتتجاوز اعمارهم الستة سنوات " هل انت شيعي او سني!!؟ ".

ومن جانب اخر اسجل تعاطفي مع رئيس الحكومة الايطالية وهو يطالب بشدة من وزارئه في اجتماعه قبل يومين ببذل كل جهودهم واستخدام كل طاقاتهم وافكارهم لايجاد حل لرفع هذه النفايات، لكني للامانة لم اسمع منه تحفيز قادة الجيش الايطالي لاستخدام كل القوات الجوية والمدرعة والقوات الخاصة او الحرس الرئاسي لابادة عمال النفايات الرافضين الرجوع الى عملهم.


لكني أحسست ان الرجل قلق على صحة وراحة مواطنيه وايضا قلق على وضعه السياسي و وهذا بالضبط ذكرني بكل بلادنا العربية من الباب الى المحراب باستثناء بلد عربي واحد، اترك تسميته واختياره الى القراء الكرام كلا حسب مزاجه والجهة التي يصفق لها. ومن ارض نابولي الحرة البطلة اسجل احترامي الكبير الى " جماعة الحفاظ على البيئة " لانهم اعترضوا على حرق النفايات من بعض اهالي الضيعه النابولية الكريمة، لان ذلك يؤثر على الهواء والارض والماء والطيور الايطالية. بينما رافدي العراق دجلة والفرات العظمين يصب فيهما يوميا اغلب مجاري المياه الثقيلة في بغداد والمدن الاخرى، ولااعرف ماذا سيقول شاعر العصر الجواهري عن " طين دجلة ورياحينها او عن ام الفراتين " والرافدين يعيشون اتعس سنين عمرهم الطويل والذي كان له يوما ما عبقه العطر.

واعتقد التحية الاكبر تستحقها عصابات ومافيات نابولي، لانها اولا ذكرتنا باهمية الانسان من خلال استخدامها سلاح منع جمع النفايات في وقت بلدان كثيرة اخرى يولد بعض ابنائها ويعيش في النفايات، وثانيا لانها لم تستخدم تفجير الاسواق بالناس الابرياء كورقة ضغط سياسية، فاستخدمت تكدس النفايات كسلاح فعال فقامت الدنيا ولم تقعد، لكن في العراق تكدست المقابر الجماعية في زمن الصنم الساقط وبعد سقوطه تكدست الجثث في الشوارع بسبب الاستهداف الطائفي المقيت، ومع كل ذلك بقيت الدنيا جالسة في مكانها دون أدنى حراك!!

اعتقد في موضوع نقايات نابولي الكثير من الاشارات المهمة والخطيرة والمفيدة ايضا، وكانت الامة العربية احوج الناس لمثل هكذا مثال ودرس حي ومباشر ومجاني، لكن مثلما نحن دائما يفوتنا القطار ليس بسبب عدم المبالات بل ايضا لاننا اصلا لاندري ان القطار مر من جانبنا!! لذلك انا كلي يقين ان الكثير من العرب اعتبروا موضوع نفايات نابولي " نكته تستحق الضحك ". وحقيقة الامر نحن من يستحق الضحك عليه للاسف الشديد. لذلك وفي محاولة متواضعة لتحفيز واستفزاز الفكر والدماغ العربي، سوف اوجه من هنا تحية كبرى الى نفايات نابولي، لانها على الاقل وبدون التفاصيل الكثيرة يجب ان تذكرنا بقيمة الانسان، وقيمة احترام حياته وراحته وانسانيته. لهذا السبب الرئيسي الذي تتفرع منه مئات الاسباب اعتقد ان نفايات نابولي تستحق التحية اكثر بكثير من " معظم " الذين تؤخذ لهم التحية والسلام في بلداننا العربية. وايضا اكثر بكثير على وجه الخصوص من بعض المجرمين الذين فتكوا بالعراق والعراقيين وامالهم الانسانية ما قبل 2003 ومابعد 2003 بدون استثناء.
فتحية الى نفايات نابولي.

محمد الوادي
al-wadi@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
المراجعة
رشيد راشدي -

لعلك تبينت من خلال خلو هذا المقال غير الطائفي من أي تعليق عليه يمدح فيك ويطري عليك، من أن الأغلبية المطلقة من مقالاتك كانت كلها طائفية بامتياز، وأن تك التعليقات التي كانت تأتي في ذيلها من صنف: أنت كاتب رائع.. أصبت كبد أو رئة الحقيقة يا الوادي.. تلك التعليقات كانت تجاوبا غريزيا مع كتابات طائفية ليس فيها عمق ولا بعد نظر، ولا أي محاولة لمقاربة مشاكل العراقيين بمنطق يوحدهم ولا يميز بينهم وفقا لطائفتهم. هل ستراجع منطلقاتك ودوافعك للكتابة؟ أتمنى ذلك، حتى وإن كنت أشك في الأمر، فالطائفية مرض يصعب على المرء التخلص منه.