هم التجار ونحن البضاعة!!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أنا وبلا فخر أو عرنطة من قطاع غزة المحاصر..أعيش فيه منذ ولدت..ولم أغادره إلا لأسابيع قليلة إلى مصر.. هواؤه يسبح في رئتي.. ونبضه في دمي.. أعشق تتابع الفصول الأربعة على وجهه المعروق..وأعشق أكثر ضحكات أطفاله الصافية وحياء صباياه وقصص المسنين في حواريه..!!
لا أحس بوجودي إلا على ترابه ولا أتخيل أن يزايد علي أحد مهما كان في حبه ومن هنا كان لابد أن أكتب ما يمليه على ضميري في شأن يخصه وجعله يتصدر نشرات الأخبار ويستحق البكاء على الهواء من خديجة بن قنة والصراخ المشبع بالألم من جمال ريان ولسان الحال يقول :الحقوا..يا ناس..!!
نعم إن قطاع غزة يختنق..
نعم إن قطاع غزة يعيش الآن في ظروف خمسمائة سنة إلى الوراء..!!
الطرق الموحشة..العتمة شبه الكاملة.. الكآبة القلق..التوجس الشموع..القصف..طنين طائرات الاستطلاع....150صاروخ أطلقت نحو سديروت نتج عنها إصابات طفيفة بينما يصعد فورا أربعة شهداء من صاروخ إسرائيلي واحد..!! أخبار عاجلة عن سقوط أسرة بكاملها شهيدة لمجرد خطأ في التوجيه من طيار محترف حسب رواية جيش الدفاع..!!
قافلة من المرضى تسافر بهدوء إلى بارئها دون الحاجة إلى معابر..وقائمة الانتظار في تزايد!!
كل هذا وأكثر في قطاع غزة..وهذا الذي يعرفه أهلنا وعربنا في الخارج ويشاهدونه في الفضائيات كما المسلسلات الرمضانية بصحبة الشيشة أو فنجان النسكافي قرب المدفأة ولهذا من الطبيعي أن تثور حمياتهم و تنتفض نخواتهم للخروج من غرف النوم إلى الشارع للتنفيس عن الغضب الساطع بالهتاف..يسقط..بعيش.. وانتهى الأمر..
ومن الطبيعي أن تجد قناة اخبارية فقدت عذريتها وموضوعيتها منذ زمن تشمر عن ساعديها وتغطي الاحداث بلون وطعم الإمارة..!! حتى بدت وكأنها ناطق رسمى أو وزارة اعلام للجهة التي تنال رضا قطر..!!
في خضم هذه المعمعة شاهدت صحفيا ثوريا تنتفخ أوداجه ويكاد ينفجر زعيقا في فضائية خاصة فيشتم ويخون ويلوح بسيفه الدونكيشوطي شمال يمين ويصرخ بأمته.. حتى خشيت والله أن يطق له عرق.فيموت فيها،وهو يعلم تماما أن أمته ودعت كجدته من زمان فغصا تحت نعال الحكام المماليك وقرأنا خبر نعيها بأكثر من لغة وصورة ومشهد.. مرة في مذبحة مخيم جنين ومرة أخرى في أثناء حصار المرحوم"عرفات"الطويل في المقاطعة..!!
والمصيبة ان هذا الصحفي المفوه نسي أن السفارة لاتزال في العمارة وهو-يدري أو لا يدري- انما يحاول صب الزيت على النار وينفخ فيها بين الفلسطينيين حين يصنفهم بين نبلاء وعملاء.. وإحنا مش ناقصين فتن..!!
وقرأت في نفس الاتجاه رسالتين مدويتين عبر الانترنت موجهتين لكاتب سياسي محلي حامل للدكتوراة..!! دأب على وضع كل ما يملك من بيضات أفكاره في سلة واحدة وأخذ في تحليلاته يقسم الحلاوة على قد أسنان كبير الأمراء..!!
الرسالتان القاسيتان المؤدبتان كانتا من تلميذين مخلصين في المعين الإسلامي لا يشك في معدنهما وتكشفان ما خفي عن عيون الكاتب الجهبذ وكان أعظم، وتجبراه في نفس الوقت على مراجعة منظومة اعتقاداته لكي يحافظ على الحد الأدنى من الموضوعية التي يجب أن يكون عليها مفكر ومحلل سياسي في حجمه..!!
وللأسف فان الذي لا يراه وربما لا يحسه بعض أهلنا في الخارج أو حتى في الداخل هو أن حصار وموت مليون ونصف إنسان في غزة كأمر واقع بات تجارة رائجة لزعامات وتنظيمات وطنية و دينية..!!
كل يحاول بطريقته وأبواقه وشطارته أن يكسب من دمنا ومعاناتنا نقاطا تقوي موقفه السياسي والتفاوضي والالتصاقي بكرسي الوجاهة..!!
تجارة وطنية تسعى إلى استغلال معاناتنا من أجل ترجيح سيناريوهات السلام عبر أنا بوليس وشرم الشيخ وربما طابة وبالتالي إضعاف أمراء حماس وعودة القطاع في النهاية إلى عباس..!!
وتجارة دينية تسعى إلى استغلال محنتنا من أجل فك عزلة القادة الربانيين وترسيخ وجودهم بوسائل دعم خارجية وداخلية عنكبوتية مالية و إعلامية قوية و ذكية.!!
أولها :توظيف فاعل لأثر العامل الديني على الشعب العربي المسلم خاصة وأنهم يقدمون أنفسهم على أنهم حصريا الناطقون الرسميون المخولون للحديث باسم الدين وباسم المقاومة
وثانيها: إطلاق المزيد من الصواريخ البدائية قي مواجهة عدو متطور مع معرفة قوة وحجم الرد وهذا ما يريده وبسعى إليه الإسرائيليون والحمساويون معا كل حسب هدفه بغرض إحراج رام الله و الضغط اما لقبولها مصالحة لا تتنازل فيها حماس عن شيء أو لانخراطها في مفاوضات غير متكافئة مع إسرائيل تتخلى فيه مرغمة وسط حالة موات عربية ومباركة عالمية عن القدس وحق العودة..!!
وثالثها : إظهار غزة للعالم وأنها كلها حماس من خلال افتعال نفيرات موجهة مع تغطية إعلامية واسعة تشارك فيها قنوات إخبارية متعاطفة..!!
مع ملاحظة -وهذه كلمة حق لامراء فيها- أن الجهاد وسراياه يقاومون.. ويحتسبون شهداء كثر محافظين على جلال الموقف دون ضجيج أو تحريض مسيس..!!
إن من المضحك أن تدعي أطراف عديدة انها صاحبة الفضل في عودة الوقود جزئيا إلى غزة..
ولا ندري أي "جميلة" من الجمايل نحمل على أكتافنا..
جميلة حماس التي يعلن زعيقها الصامد ان هذا من بشائر التمكين و الانتصار..!!
أم جميلة عباس الذي يبلغنا باستمرار عن جهوده الحثيثة ومساعيه..!!
أم جميلة مبارك وخادم الحرمين و...و...
أم جميلة ضغوط الأوروبيين.....!!
والحقيقة..كل الحقيقة أن غزة كلها ضد الحصار..تجوع..تتألم.. تتظاهر ضد القهر المركب من الداخل والخارج على السواء..وترفض الغالبية الصامتة فيها أن تكون رأس مال التجار القدامى و الجدد،أولئك الذين ارتكبوا ولا زالوا يرتكبون عشرات الأخطاء والخطايا يوميا في حقها بعيدا عن الاضواءو الإعلام..!!
وليسأل كل واحد من أهلنا وكتابنا الأفاضل في الخارج
عما يفعله أولئك في غزة ورام الله وكيف سمموا روح الإخوة في الأسرة الواحدة بدكاكينهم الإعلامية المحرضة..!!
اسألوهم عن عشرات المعتقلين السياسيين في زنازينهم التي ورثوها عن الاحتلال..!!
اسألوهم عن مصير الصحفيين عمر الغول ومنير أبو رزق.. واسألوهم كذلك عن مصير الشيخ تحسين أبو كويك..!!
اسألوهم عن الممارسات اللا انسانية والقمع الصامت المنظم حتى للاعتصامات السلمية..!!
اسألوهم عن الممارسات والملاحقات المستمرة ضد الحمساويين في الضفة وبالمقابل ضد الفتحاويين في غزة..!!
اسألوا عن التمزق والغربة الداخلية التي بات يعانيها الفلسطيني العادي والأشد فتكا وألما من الحصار..!!
إن على كل مفكر مستقل إلا يصمت على انتهاك الحريات واغتيال الديمقراطية والاستهانة بالمواطنة تحت أي مسمى وأن يحترم عقول الآخرين و يعترف و لو بينه وبين نفسه أن حال غزة حق أريد به باطل تدفع من خلاله ثمن صراع تجار متناكفين غاية في الأنانية والجشع.
ولهذا فإنني ارثي لحال بعض الكتاب والمفكرين العرب والمحليين الذين لم يكتووا لحظة بعذاب غزة..وهم يلقون بأنفسهم من جدار إلى جدار لسبب شخصى أو لآخر ويجعلون من أنفسهم أحيانا ملكيين أكثر من الملك..!! فليس كل ما يلمع ذهبا.. وعلينا أن نتبصر ما وراء الأكمة قبل أن نبدي إعجابنا بها ونغفل من فرط الحب عن أخطائها..!!
فدفع النساء للتظاهر أمام معبر رفح مثلا قد يكون وسيلة ناجعة لاستدرار العطف وتهييج المشاعر لتنفيذ الأغراض السياسية المطلوبة ولكنه كان خطأ ومغامرة غير محسوبة جيدا وتوثر سلبيا على العلاقة مع مصر وعلى إمكانية فتح المعبر مستقبلا..!!
كذلك تفجير الجدار الفاصل مع انه يبدو عملا عفويا وشعبيا دراماتيكيا الا أنه موجه بالريموت كونترول لإخراج قادة غزة من خانة اليك ولحل أزمة الحصار جزئيا ليوم أو يومين وهو في اعتقادي لم يكن ليتم دون تفويت مصري رسمى تحت ضغوط الاحراجات المتلاحقة..!!
وهذه الخطوة التي تحدث للمرة الثانية على اختلاف الآراء حولها سوف يكون لها بالتأكيد ما بعدها وأول المتوقع رجوع إسرائيل عن تزويد الوقود..!!
والسؤال : هل ستزودنا مصر حينئذ بما نحتاج أم سيعيدنا أولمرت كالدجاج إلى الخم من جديد..؟!!
أقول
بالمنطق الملامس للواقع وبعيدا عن شحن العواطف واللعب على أوتار القلوب المنهكة والرجم المتسرع للآخرين بالخيانة والتخاذل والنفاق وما الى ذلك من كلام فاضي..أعتقد - وهذه وجهة نظر قابلة للاختلاف و للمناقشة-
أن قيام إسرائيل تحت ضغط ما بإمداد غزة بالوقود جزئيا وربط ذلك بعدم إطلاق الصواريخ قد سحب بذكاء الورقة الجوكر في آخر لحظة من يد حماس ورفع الحرج الشديد ولو مؤقتا عن مصر وبالتالي ليس أمام حماس في الواقع إلا قبول استلام عباس للمعابر تمهيدا لمصالحة لابد منها بعد الرجوع عما جرى في حزيران وتبعاته وهذا مالا تتمناه إسرائيل..ففيه نهاية لشهور السعادة التي قدمنا ها لها بأيدينا للأسف الشديد..!!
وباختصار..
من يرفض المصالحة الوطنية في هذه اللحظات العصيبة ويهرب إلى الأمام أو يلجأ إلى مؤتمرات وفعاليات تظاهرية تكرس الانقسام لن يختلف مضمون موقفه في رأيي عن موقف إسرائيل وان اختلف شكلا أو هدفا..!!
إن مقاومة الاحتلال وبشتى السبل حق مشروع ولا جدال فيه..ولكن في الظروف الحالية القاسية يجب أن نعيد النظر في إطلاق الصواريخ ونوقفها لمقتضيات المصلحة الوطنية في إطار هدنة أو ما شابه لأنها تكلفنا بالمقابل خسائر سياسية و بشرية مضاعفة هي اثمن وأغلى من أي كسب لتأثيرات معنوية على العدو قد تحققها.
فالمصالحة باتت أكثر أهمية وإلحاحا من إطلاق الصواريخ.بمعنى أن نرتب البيت أولا قبل أن نلجأ نهائيا وبقرار وطني موحد إلى خيار المقاومة أم المفاوضات..!!
وفي النهاية..
أسالك اللهم أن تغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
توفيق الحاج