أصداء

لماذا لا نبني مشروعنا الثقافي القومي سوياًً

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تناول الدكتور جابرعصفور بقلمه الرشيق النافذ التحليلي - أهرام 6 اكتوبر 2008 - إشكالية المشروع الثقافي المصري وانتقاله من الواحدية إلي التعددية وما عناه عبر انتقاله التاريخي هذا من الاحيائية إلي الليبرالية إلي القومية، ثم اصطدامه المدوي بسلبيات مشروع الدولة القومية الذي ادي إلي سقوطه المدوي كنتيجة أسياسية إولي من نتائج هزيمة عام 1967.. وختم رجل التنوير مقاله الاسبوعي مستخلصا ان هذا السقوط المدوي " رخص لظهور مشروعات سياسية مغايرة تؤكد صفة التعددية كما تؤكد صفة الصراع بهدف فرض هيمنة مشروع بعينه علي غيره من المشروعات " وهنا مكمن الخطر..


وهذا الموقف الذي يعانيه المجتمع منذ ثلاثة عقود علي الاقل، يجب ان يبدأ في التفكك لكي يكون هناك مشروع متمايز يحافظ علي حراك هذه الأمة متوجها إلي الامام نحو التنمية والتطور والتحديث.. لأن القعود عن تفعيله - المشروع - ودفعه دوما إلي الامام ليس له إلا معني واحد هو انتظار الموات السريري طواعية مع سبق الإصرار والترصد، وهذه لم تحدث لشعب مصر طوال تاريخه حتى في ظل معاناته الطويلة تحت رايات الاستعمار الذي جثم علي صدره لمئات السنين..


ازعم ان تجربة المشاريع الثقافية والسياسية المتصارعة ذات الصبغة التعددية - في مصر - أوشكت علي بلوغ دورتها التاريخية والاجتماعية.. كما ازعم ان الجيل المصري الذي تربي في ظلها آن الأوان لأن يشارك في صياغة مشروع جديد يناسب الزمان والمكان والتجربة ويتوافق مع احتياجات المستقبل محليا واقليميا وعالميا، بعد ان تكشفت له مساوئ التصدام والصراع والتناحر التى حرمت مجال حركتة من ان يطلق عنان ابداعاته التي لا زال يبحث عن افقها ويتلمس طريقه اليها لأنه يتخبط في دروبه دون بوصلة وبلا مصباح منير أصيل وحضاري..


التعددية مطلوبة، أما الصراع فلا.. تنوع الاراء والافكار والرؤي يثري الحراك، اما الصراع فيعطله ويفتته ويحوله إلي جزر تصادمية.. الأخذ من المناهل التى تحترم الانسان وتصون له ذاته وتحفظ عليه عقله لا غبار عليه، اما استخدام القوة المبنية علي الصراع لفرض ما يناسب وما لا يناسب بالقهر فلم يبعد له مكان.. اختلاف الرأي يجب أن يؤسس للتفاهم ويمهد لتفاعل وجهات النظر لكي تخرج بمحصلة توافقية متناسقة زمتصالحة مع نفسها، اما الصراع فهو السبيل الوحيد للكراهية ونكران الآخر والعمل علي الازدراء به ثم ارهابه تمهيداً لاقصائه بأي صورة من الصور..


كيف نؤكد صفة التعددية لمشروعنا الثقافي وننمي مسلتزماته، ونأطر الصراع في اضيق نطاقته السلمية؟؟ كيف نرسي دعائم التعددية بلا خلط للاوراق ودون إرهاب وتخوين؟؟ كيف نحفز علي التنوير بكل تجلياته بلا إقصاء أو تهميش للآخر اي كان؟؟ كيف نفتح طاقات الابداع بدون مزايدة جوفاء أو إطراء مزيف؟؟..


أولا.. لا أحد يملك كل الحقيقة، حتى علي مستوي الايدويولوجيات الدينية والسياسية الضاربه في اعماق التاريخ، وفي القرن الحادي والعشرين الذي اصبحت فيه ادوات البحث والتقصي أوسع من كل امكانيات البشر، صار المجموع هو القادر علي جمع جزئيات الحقيقة إلي جوار بعضها حتى تقترب من نسبتها الأكبر دون ان يدعي أحد بلوغه المطلق، لأن المطلق لله جل وعل..


ثانيا.. غوص الشعوب الدؤوب والمتواصل وراء البحث والتطوير والتحديث - كما دللت عليه التجارب السياسية من ماركسية وشيوعية ورأسمالية - اضاف إلي كل منها ابعادا جديدة جعلتها تُغير في كثير من الاحيان من مركزية ثوابتها اقترابا من بعضها البعض إما لإصلاح توجهاتها وإما لتعديل مسارات تعاملها وتطبيقاتها الميدانية الاجتماعية والثقافية والسياسية.. بما جعلها في نهاية المطاف تتشابه في العديد من اهدافها الانسانية إلي درجة بعثت الحيرة في عدد من المجتمعات البشرية حيال امكانية المفاضلة فيما بينها..


ثالثا.. العقلية النقدية اصبحت منذ عدة عقود سمة من سمات غالبية المشاريع السياسية والثقافية، وهذه العقلية التى لا تتصف بالجمود تنحو دائما نحو امعان النظر فيما حولها لأنها من ناحية ترفض مبدئيا مقولة ليس في الامكان ابدع مما تحقق وتأبي علي نفسها من ناحية أخري ان تتجمد ثم تشنق نفسها..
رابعا.. اثبتت التجارب الحياتية للشعوب دائبة الاجتهاد والتنويع والعطاء، ان الاستبداد سواء كان سياسياً او أيديولوجياً أو دينياً هو بداية الطريق نحو نهاية المطاف الحضاري و الابداع والمشاركة في النهضة الانسانية..


خامسا.. الصراع الذي قاد بعض المشاريع الأحادية المتسلطة إلي التسيد علي عدد من المجتمعات لم يدم طويلا مهما مرت عليه من سنوات، لأن التاريخ الانساني سجل بلا تحيز اندحار هذا التسيد وذهابه إلي حيث لا رجعة دون ان يترك بصمة واحدة يقال انها ساهمت في البناء الحضاري الانساني لللبشرية كلها..


وأخيرا حتى حقوق الانسان ودعاوي الاصلاح السياسي والاقتصادي ومنهجيات التطوير والتحديث.. الخ.. نالها الكثير من التطوير واعادة النظر حتي فيما كان مسلماً به منذ عقود محدودة، لذلك علينا ان نفتح كل الابواب أمام ترسيخ مشاركة ايجابية وفعالة من كل مساهم في بناء مشروعنا الثقافي ولكل من يبدي رأيا ولكل من ينتقد ما لا يوافق عليه أو لا يرتضيه بشرط احترام الآخرين والاعتراف لهم بنفس الحقوق واعطائهم ذات المساحات واحتضانهم جميعا إلي صدر الأمة..

الدكتور حسن عبد ربه المصري
* استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف