" فاصل وسنعود" شعار التيار الصدري

كنت في بغداد قبل حوالي شهرين ووجدت هذه العبارة " فاصل وسنعود " قد كتبت بشكل لافت للنظر على الجدران وفي الشوارع، لكن في زيارتي الاخيرة الى بغداد قبل ايام وبعد العملية الارهابية التي أدت الى استشهاد صلاح العكيلي عضو البرلمان العراقي عن القائمة الصدرية، انتشرت هذه العبارة بشكل كبير واكثر من ملفت للنظر، وهي بطبيعة الحال طريقة اقتباس " صدرية " ماخوذة بشكل جميل من الفضائيات العراقية والعربية، حيث تكون كما هو معتاد فترة قصيرة مستقطعة من برنامج معين لغرض بث بعض الدعايات او لترتيب بعض الامور في داخل البرنامج نفسه. ستكتمل جمالية هذا الاقتباس لو ان قيادة التيار الصدري السياسي منها على وجوه الخصوص أستغلت هذا الفاصل لغرض مراجعة النفس وترتيب الاوراق وتنقية الصفوف من البعض الذي استغل قوة وامكانية الصدريين لغرض تنفيذ أجندة خارجية وأجندة داخلية لاتمت بصلة قريبة او بعيدة الى السادة من أل الصدر الكرام ولا الى الشهيد الصدر الثاني والذي تشرفت بمعرفته الشخصية واللقاء به في وقت سابق بعيد عن طريق احد الاخوة البارزين في التيار الصدري في وقتنا الحالي.

لقد اشار السيد مقتدى الصدر في احدى رسائله الى حقيقة اختراق التيار الصدري من بعض العناصر المخربة والدخيلة كما اشار الى خروج بعض الاشخاص عن التعليمات الصادرة منه شخصيا او من مكتب الشهيد الصدر. ومثل هكذا اشارة واضحة وصريحة تستحق الثناء والتقدير، لكن يجب ان تكون هي الاساس المتين لترتيب الاوراق الصدرية بما يضمن لها الاستمرار بنفس القوة والزخم الكبيرين في الشارع العراقي. واعتقد ان التغير الاول يجب ان يكون بممثلي هذا التيار على مستوى البرلمان او الواجهات السياسية لانهم بالفعل عكسوا صورة الفشل الكبير التي تجسدت بطريقة عملهم و تصريحاتهم ومواقفهم العشوائية خلال خمسة سنوات من تاريخ سقوط نظام الصنم الديكتاتوري. ولقد تم اختزال هذا التيار الاكبر والاوسع في الشارع العراقي ببعض هذه الوجوه الانتهازية ذات المنافع الشخصية التي كانت تحمل عنوان وهوية التيار الصدري لكن بسلوك هو الابعد أطلاقا عن الأسس العظيمة التي صنعها وبذرها الشهيد الصدر الثاني. واجزم ان الاغلب والاعظم من قواعد الصدريين كانت تتقدم بشكل كبير على هذه الواجهات السياسية البائسة لهذا التيار الشعبي العراقي الكبير.

لكن الوجه الثاني للعملة يجب ان لايكون غافلا.. وقد يكون كلامي في بغداد قبل اربعة ايام مع احد المسؤولين العراقيين هو الاجدر بالانتباه اليه بعد نقاش مشترك طويل حول التيار الصدري رغم ان هذا المسؤول لاينتمي الى التيار بل الى واجهة اخرى قد تكون منافسة لهم، لذلك اعتقد هنا تكمن أهمية هذا الكلام لانه جاء مباشرة بعد استشهاد العكيلي وايضا مع شخص في موقع المسؤولية الاولى في الدولة العراقية ينتمي الى جهة سياسية منافسة بقوة للتيار الصدري. ومن باب الامانة الاخلاقية سوف لن اشير الى اسم او جواب هذه الشخصية لكني اختصر رأي الشخصي بهذا الموضوع. حيث أشرت وبالنص ( ان التيار الصدري يشعر في الاشهر الماضية بالهوان وبالجرح العميق نتيجة بعض المواقف السياسية والعسكرية اتجاه انصاره قد يكون على حق في بعض الجوانب وعلى خطا في جوانب اخرى، لكن لاهذا الحق ولاذلك الخطأ يلغي حقيقة وجود وثقل هذا التيار الكبير في الشارع والمدن العراقية خاصة في الجنوب والفرات الاوسط وبغداد، ومثل هكذا شعور بالغبن والاستهداف يولد مشاعر انفعالية ستساعد بتكوين مع الايام جاهزية لرد فعل قوي قد يكون غير محسوب سوف يستغل أقرب فرصة مناسبة للانطلاق، وسيدخلنا جميعا في دوامة لابداية او نهاية لها، ويقع في وهم وخطأ كبير من يظن ان الانعكاسات السلبية سوف تنحصر فقط في هذه المدن بل ستمتد الى الجميع دون استثناء وفي مقدمتهم من يمارس التحريض العلني والسري لغرض شق الصف الشيعي الوطني والذي تمثله واجهات سياسية بارزة مثل التيار الصدري والمجلس الاعلى والفضيلة والدعوة والمستقلين وغيرهم. لذلك فان التقرب الى التيار وتفهم بعض اطروحاته الرئيسية هو بمثابة واجب وطني عراقي كبير، وهذا يلزم جميع القوائم الاخرى بتفهمه من الاكراد الى السنة العرب وغيرهم، اما العمل على تمزيق الصف السياسي الشيعي لايحمل أدنى حكمة وعلى مستوى العراق كله في المدى القريب او البعيد ).

وبطبيعة الحال قد يكون كوني شخص مستقل ولاانتمي الى اي حزب او جهة سياسية يمنحني مساحة وفرصة اكبر للكلام بهذه الصراحة والوضوح مع البعض. لكن للتيار الصدري مواقف أنسانية عراقية لايجب ان لايتم تجاهلها، فلقد وقف ابناء هذا التيار وبعد سقوط نظام الصنم لاملاء الفراغ من خلال تنظيم السير في الشوارع وحراسة الازقة والمدن من اللصوص والحرامية وايضا من خلال ايصال وتوزيع المنتوجات النفطية الى البيوت كذلك توفير حصص الغذاء وحراسة المستشفيات، وموقفهم الاكبر والذي سيجل في التاريخ المنصف بكل تقدير واكبار، ان التيار الصدري وقبل ان تكتمل قوة وجاهزية قوى الجيش و الامن العراقية البطلة هو الذي وقف في شوارع بغداد يحارب اوباش القاعدة من بهائم التفجير والتفخيخ والذباحين، الذين فشلوا بتحويل بغداد الى عاصمة للتخلف والذبح والطائفية من اتباع مشاريع قندهار. او تحويل بغداد الى كابول اخرى يحكمها ملا طلباني متخلف وحاقد طائفي. وقد يكون هذا اهم اسرار حقد الكثيرين من الخارج والقلة من الداخل العراقي على هذا التيار العراقي الوطني. لكن كل هذه المواقف يجب ان لاتكون مبرر لمنح التيار الصدري ما يتقاطع مع قوة وسلطة القانون والدستور في العراق الجديد. لذلك فليكن " الفاصل " فصل حقيقي للمراجعة والانطلاق مرة اخرى في مسار صحيح ومبرمج لخدمة العراق والعراقيين وللمساهمة الجادة والعلمية في بناء فكر عراقي جديد يقاوم الاضطهاد والاقصاء والحرمان. وستكون رجعة ميمونة اذا ترافق ذلك بمساهمة التيار الصدري ببناء المدارس وتقديم الخدمات وانشاء مسارح عراقية حرة الاتجاه وفرق رياضية لكل العراقيين واعلام عراقي متطور وحر وفرق للموسيقى والباليه وكل النشاطات الفنية العراقية المميزة وايضا مهرجانات للشعر والادب، لكن شرط كل ذلك يجب ان يكون حرية الفكر والاتجاه والاختيار حينها سيكون الفاصل والعودة جميلة ومميزة لهذا التيار العراقي الاصيل، وهذه فرصة كبيرة يمنحها التيار لنفسه لذلك يجب ان لايصيب محبيه وداعميه بخيبة الامل التي ستنعكس اولا على قواعده الواسعة من ابناء الفقر والعوز والحرمان العراقي المزمن والطويل منذ اكثر من ثمانية عقود على تأسيس دول الاقصاء والظلم والموت وعدم الانصاف التي تسمى العراق.

محمد الوادي
m.alwadi@hotmail.com