أصداء

الإعلام العربي، رصد لعمليات "التفريخ"

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

1-
أظنّ أن معادلة قناة عربية لكل مواطن عربيّ لم تعد نكتة، خاصةً وأن هذا النموذج يكاد أن يطبّق في لبنان فمحنة "تفريخ القنوات" مستمرّة، ويمكن اعتبار هذا التفريخ الإعلامي جزء من الحالة الكرتونية السياسية، حيث تنشط مجموعة من الكائنات المتدحرجة فكراً ووعياً التي تودّ لو أن العالم كله مجرد كوخ يقوم هو على حكمه. ولعل التمزّق حدّ الحرب بين السياسيين في لبنان وخارج لبنان جعل من مهمة إيجاد قناة لكل حزب مهمة رئيسية من مهام فخامة الزعيم. المشكلة ليست في ولادة قناة جديدة أو "فرخ قنواتي" جديد، وإنما في الادعاءات التي تصحب عملية التفريخ، ولعل أبرز ادعاء تطلقه القنوات العربية قاطبة هو "ادعاء الاستقلال"، وهذا أمر مثير للاشمئزاز ليس لكون المعلومة خاطئة فحسب، وإنما لكون هذا الادعاء هو كذبٌ صريح وغشّ فادح، ولعلي هنا أشير إلى كتابٍ أنيق من تأليف: مأمون فندي، بعنوان "حروب كلامية، الإعلام والسياسة في العالم العربي 2008" ولعل أبرز ما جاء في نتائجه نفي المؤلف صفة "الاستقلال" عن أي وسيلة إعلامية عربية.

2-
والتفريخ الإعلامي أنواع، منه التفريخ من، والتفريخ عن، والتفريخ على، ولعلي أقف على معنى التفريخ من، ومن الممكن تطبيق هذا المبدأ على الحالة الإعلامية اللبنانية، فهي حالة مثيرة للدهشة، عشرات البرامج السياسية الصباحية التي تبثّ في وقتٍ متقارب، والضيف الذي يأتي لهذه القناة يأتي غداً للقناة المجاورة، من دون كللٍ أو ملل، لكن السخف الذي يمكن قراءته يكمن في "طريقة المعالجة الخبرية" التي تتم في مطبخ الأخبار، تطبخ الأخبار بتحريض واضح ضد القناة المجاورة، والقناة المجاورة تحرض ضد جارتها التالية وهكذا في مشهد مسرحي شديد الإزعاج، مثله في الخليج-في فترة مضت بالذات- التنافي الذي نشط بين "العربية" السعودية، و "الجزيرة" القطرية، حيث ينشط التنافي والتنابز من دون إدراك لأبجديات العمل الإعلامي، إن كتاب مأمون فندي الآنف ذكره يشرح عبر سرد معلوماتي لمصادر التمويل ومآزق الغياب المهني كيف سارت الوسائل الإعلامية بالمعلومة والمرجع.


3-
آخر القنوات اللبنانية هي الفرخة العونية "OTV"، ولئن كانت هذه القناة جميلة من حيث الشكل حيث انتقت الألوان الهادئة، لدرجةٍ تجعلك تظنّ أنها قناة "لبرامج الأطفال"!، هذه القناة محدودة الإمكانيات خاصةً من جهة "الأفلام الوثائقية بالذات" وتقوم على مهمة التكرير، أذكّر هنا بالفيلم الوثائقي المخصص عن "ستالين" لا أدري عن سرّ إعادة هذا الفيلم الوحشي بالذات الذي يذكرنا بحمّامات الدم التي جاءت عبر هذه الشخصية الإجرامية الجزّارة لقد كُرر عرضه مراراً منذ افتتاح القناة، المشكلة أن هذا الفيلم المترجم لا يأتي على إدانة ستالين بأي كلمة وإنما يعرض شخصيته بوصفها شخصية طبيعية. القصد أن القناة فقيرة بأرشيفها، لذا تجنح نحو البرامج الحوارية "الرخيصة" حيث يستدعى من لديه "شبق الظهور" ليثرثر بما أفاء الله به عليه، ثم يذهب إلى بيته وتغلق القناة وينام الناس.
الجيد في القناة-الفرخ العوني الجديد- أنها تضم بعض المذيعين المميزين، يجمع بينهم "الارتعاش" حينما يستضيفون من يختلف معهم، ولعل المذيعة "ديما صادق" خير نموذج للإبداع من جهة وللتعصب من جهةٍ أخرى، فهي مقتدرة إعلامياً ولغوياً ولديها معلومات ثرية عن الصراع الدائر في لبنان، لكنها وأثناء استضافتها مؤخراً لمسئول في حزب القوات اللبنانية كانت فرائصها ترتعد وبشدة، ويذهب شعرها يمنة ويسرة، وأصابعها الطويلة تدور بشكلٍ بهلواني وهي تعترض وتقاطع، مرةً تأتي أمام الطاولة، ومرة أخرى تهوي بظهرها على الكرسي، من شدة الاستفزاز، مع أنها كانت-قبل أن تتجه للقناة- صحافية جيدة و معلوم أن الصحافة في جزئها الأكبر تقوم على "برود الأعصاب" والهدوء، وسماع كل الآراء، وهذه مرحلة يمكن أن يصل إليها الصحافي بعد طول مجاهدةٍ مع النفس. إن المقابلة تختلف عن المقالة، فأرى أن الصحافي يجب أن يبدي رأيه في كثير من الأحيان بأقصى ما يمكن من حدّة في مقالته وأن يرقص على نهاية الخط الأحمر في كثير من الأحايين، لكن في حالة الحوار يصبح الأمر غاية في الاختلاف، وهي تعرف هذا -ربما-من كمية الدورات التي عرضتْها في حوار معها أجرته روزي الخوري في صحيفة الحياة 12-4-2008. إن موهبة جيدة كهذه من المزعج أن تضيع لصالح كراتين الزعامات السياسية، الذين نعلم أنهم يقومون بمصالحهم الخاصة وبكتابة أمجادهم الوهمية، فهم في غيّهم يعمهون.
على هذا الرابط نكتشف كمية الزعق وآثار "دلع البلعوم" وإخفاق المذيعة في الحوار.
http://www.youtube.com/watch?v=04OHlSxadcY

4-
أظن أن قناة "أخبار المستقبل"،هي القناة الأكثر هدوءاً من بين القنوات اللبنانية، وهذا لا يعني كونها مستقلة، فهي بطبيعة الحال تخدم مصالح تيارٍ سياسي كبير ليس في لبنان فقط وإنما في العالم العربي كله، ولهذا كان استهدافها الأليم في 7 مايو، لقد أثّرت هذه القناة على المعادلة الإعلامية في لبنان، وهذا يعود إلى مهنية (نسبية) تقوم عليها القناة "من حيث الأبعاد الإخبارية". وهذا يعود إلى كوادر بشرية ضخمة وإلى أرشيف هائل وتجربة ثرية مكّنت القناة من السير في خطّ هو "مهني" -على المستوى الصحافي- و "منحاز" على مستوى المعالجة، إن في أخبار قناة المستقبل أكبر نسبة بناء صحافي من بين القنوات اللبنانية، لقد تحوّلت أخبار بعض القنوات-خاصة القناة المفرّخة حديثاًOTV- إلى "بيانات السياسية" ولا ننسى أن قناة "المستقبل" يقوم بالإشراف على برامجها خبرات عريقة أخصّ بالذكر "ديانا مقلد" مشرفة صفحات الإعلام في الشرق الأوسط ومديرة البرامج في المستقبل.
وأخيراً فإن حرارة المناخ السياسي العربي سهّل عملية التفريخ الإعلامي المنتشر عربياً، ولعل الخدعة التي يريدها الزعيم -من خلال صرفه على الدكاكين الإعلامية- أن يسيطر على العقول عبر الصورة جرياً على قاعدة الفيلسوف والمتخصص في الميديولوجيا ريجيس دوبريه حينما كتب: "من يملك الصورة يملك السلطة" لكن هذه القاعدة ولّت ولعل ريجيس دوبريه أن يقوم بمراجعتها -كما راجع من قبل بعض محتويات كتابه الشهير "نقد العقل السياسي" -إن العقل الجديد لا يوجّه في الصورة فحسب وإنما في "المعنى"، العربي الآن يدور حول نفسه يبحث عن معنى من وجوده في هذه الدوّامة المرهقة، فهو في تعاسة، في عيشه، وصحته، ودينه، وثقافته، وفي ولائه ووطنيته، إنه يرتحل من كارثةٍ إلى كارثةٍ أخرى، فهو شبع من الصور، إنه يبحث عن "معنى" ماذا تحمل كل تلك الصور؟

فهد الشقيران
كاتب سعودي
shoqiran@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف