الام ايمانوئيل في مزابل القاهرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هل كنا بحاجة الى راهبة بلجيكية - فرنسية، لتأتي الى القاهرة وتعيش على مزابل الفقراء، وتعتني بالمشردين ؟ لا نخوض هنا ما تقوم به السلطات المصرية للتخفيف من معاناة فقرائها، والحد من ظاهرة القاطنين في المزابل. فالاخت ايمانوئيل المولودة عام 1908 وتوفيت قبل أيام، وندعوها اليوم بالأم، نظرا لما قامت به على مدار قرن الا نيف، في النضال من أجل الفقراء، لا بثورات مسلحة، ولا بأبحاث جامعية للحد من الفقر وتقليص أعداد الفقراء، وانما بشهادة المحبة، والعطاء المجاني بلا حدود، وتعريض الذات للأمراض والمخاطر والفقر الاختياري، قد تركت، بيتها وعشيرتها وبلدها، لتقدم صورة زاهية لما يجب أن يكون عليه الدين والتدين السلم المنفتح المعطاء. وحطت الرحال، بعد أن ارتدت ثوبها الرهباني، في القاهرة، تهتم بالاطفال والعائلات التي تعيش على مزابل عزبة النخل في ضواحي العاصمة القاهرة.
وفي تلك الظروف القاهرة في القاهرة، سطع نجم ايمانوئيل، ومعنى اسمها، الله معنا، من القرن العشرين، كما كان نجم الام تريزيا يسطع في الهند، وكما كان نجم الابي بيير يسطع في فرنسا، مدافعا عن الأشخاص ذوي اللا ملاجئ اللا سكن اي المشردين في الشوارع الذين لم يجدوا سوى حضن الاب بيير. ايمانوئيل وتريزا وبيير، كلهم انتقلوا من هذه الحياة الفانية، في العشر سنوات الأخيرة، ليلاقوا وجه ربهم الذي كرسوا له نفوسهم، واعتزلوا من العالم مكانا قصيا، في أحد أديرة العالم، ليخرجوا منه الى دير العالم الفسيح، مكرسين كل حياتهم، لخدمة القريب، واي قريب ؟ انه أي انسان نهشته الحياة بأنيابها ورمته في شوراع كلكتا أو مزابل القاهرة أو شوراع باريس، البعيدة عن أضواء الشانزليزيه ومباهج برج ايفل...
لماذا يقوم رجال الدين اليوم بهذه الأعمال ؟ يدفعهم الى ذلك الانجيل الذي يدعو الى المحبة والى اقران الايمان بالاعمال، أو، كما يقول القديس بولس : مسلحين بالايمان العامل بالمحبة. الانجيل هو الاساس، وهو المنبع الذي يتخذ منه رجل الدين أن يذهب الى خدمة الانسان في كافة مواقع ضعفه وفقره ومعاناته. ونقول هنا الانجيل، ولا نقصد به الفروقات بين الأديان، فالانجيل يعلم التوحيد والايمان بالله الواحد، وان اختلفت بعض الصيغ والتعابير الايمانية واللاهوتية عن الاديان الأخرى وبخاصة الاسلامية واليهودية. الايمان بالله الواحد هو الذي يوحد البشر ويجعلهم يعملون معا من أجل خدمة الانسان، وبخاصة الفقير والطفل والمحروم والمنسي الا من عين الله والا من قلب الله الرحمن الرحيم.
والى جانب هذا المنطلق أو الدافع الروحي، هنالك المنطلق الانساني، وتحسس معاناة الناس في مواقع الضعف تلك، فالانسانية ومعاناتها المتنوعة هي الاساس الذي تبنى عليه المشاريع التنموية والاجتماعية والانسانية، الانسان الذي يصارع ويجاهد ويقتل في سبيل الحصول على لقمة العيش الكريم، هو الاساس الذي تبنى عليه أعمال الايمان الصادقة والصريحة والمعطرة بالقداسة، الانسان واحترام كرامته وعدم النظر الى الفروقات الخارجية بينه وبين غيره على أساس ديني أو عرقي أو لساني أو لون بشرته أو جنسه، هو النار التي تمتحن التدين الصادق وتميزه عن التدين الكاذب والفاشل والمظهري.
والدافع الثالث لهذه الاعمال "البطولية" التي قام بها هؤلاء الاشخاص وغيرهم كثر ممن يعملون بصمت هي الكاريزما الخاصة التي يسبغها الخالق على بعض الاشخاص الذي يكرسون ذواتهم لخدمته تعالى ولخدمة القريب من أجل وجه الله. الكاريزما هبة خاصة، يجعل الله تعالى الانسان يسير الى درب الملكوت، أي الى الغاية الاسمى، من خلال الحب والابداع في الحب والعطاء الى أقصى الحدود، وان تطلب ذلك من الانسان المكرس أن يترك وراءه أهله وذويه وبلده وآمال وأحلام الشباب الغربي المعاصر في تكديس الشهادات والثروات. الكاريزما هي الثروة الحقيقية التي يطلبها الانسان من خالقه، لتبين له أي طريق عليه أن يسلك.
وبعد، فرحيل الام ايمانوئيل، يجعل الانسان يفكر من جديد، هل علينا أن ننتظر من الغرب أن يصدر لنا أبطالا جدد، يحلون محل الام تريزيا في كلكتا والام ايمانوئيل في مزابل القاهرة. أليس حريا بالشرق أن يخرج من بين ثناياه الممزقة والمتناحرة من يجند النفس والذات ويفني العمر لخدمة القريب في الشرق. وهل يحتوي الشرق اليوم أشخاصا يلتزمون بالايمان الروحاني الصادق والحس الانساني النبيل والكاريزما الخدمية الدافعة نحو الخير والابداع في تجلياته؟
وهكذا، ما زلنا نأمل من الشرق أن يخرج من بين بلدانه من يتحلى بكاريزما المحبة وأن يتسلح بالتدين الصادق، وأن يعمل باخلاص وتفان على تنمية المجتمعات من خلال العمل الصادق للتخفيف من المعاناة الانسانية في الشرق، والتخفيف من الفقر والامية والعيش فوق المزابل. لكن كلمة ختامية ما فتئت تحاول الخروج، وعلينا أن "نبق البحصة" ونقولها بالفم الملآن: أصحاب كاريزما الغرب يأتون الى الشرق لخدمة الانسان بغض النظر عن جنسه أو دينه أو قوميته. بينما اصحاب الكاريزما في الشرق يطردون الانسان بسبب اختلافه بجنسه ودينه وقوميته. عنيت هنا ما يحصل للمسيحيين من قتل وتهجير في كل من الهند والموصل.
الأب رفعـت بدر
Abouna.org@gmail.com
www.abouna.org
التعليقات
نماذج انسانية رائعة
مالك نصراوين -هذه نماذج من المسيحيين الغربيين ، قاموا باعمال خيرية متميزة على مستوى العالم ، فتذكرهم بعض الاعلام ، لكن اخرين لم يسلط عليهم الضؤ ، ليس غريبا على المسيحية انجاب مثل هولاء العظام بانسانيتهم ، فالمحبة هي العنوان الابرز للمسيحية ، محبة جميع الناس بغض النظر عن جتسهم ولونهم ودينهم ، ما احوجنا الى مثل هولاء العظام ، في عالم اليوم اللانساني ، وما احوجنا الى تقديرهم ، وتقدير انسانيتهم ، وما احوجنا للتعمق بدراسة مثل هذه النماذج الانسانية الرائعة ، وما احوجناالى سماع كلمة ثناء لمثل هذه الراهبة المتفانية
اصبعك على الوجع
مسيحي -اولا: اتمنى من ايلاف الاكثار من مقالات ابونا رفعت بدر لانه صحاب فكر مبدع وجرأة محترمة في تناول المواضيع خاصة في الحوار بين الاديانثانيا: اعتقد يا ابونا انك تخاطب ليس فقط رجال الدين المسيحي الشرقيين بل ايضا رجال الدين الاسلامي بان يحذو حذو هؤلاء القديسيينثالثا: لقد وضعت اصبعك على وجعنا يا ابونا , واللبيب من الاشارة يفهم , حين اشرت ان المسيحي ليس عليه فقط مساعدة المسيحي فقط بل ايضا اخيه الانسان بغض النظر عن معتقداته اتباعا ليسوع المسيح , رابعا: اشكرك ان اوصلت اننا موحدون بالله لا شريك له , ولنا تفسيرنا اللاهوتي الخاص بوحدانية الله , وهو ما يرد على بعض المتطفليين اننا نعبد ثلاث الهة , حاشا ذلكخامسا : نشكرك يا ابونا على خدمة رعيتك وجرأتك المحترمة التي نفتخر بها كمسيحيين واتمنى منك ان تثرينا بمقالاتك في ايلاف وكافة الجرائد اطال الله في عمرك
Mother Emmanuelle
Iraqi American -An excellent and factual article. Perhaps all the clerics that are busy issuing fatwas to kill this and destroy that will will read it and learn something from it.
شكرا
الام ايمانوئيل -اولا: اشكر الاب رفعت بدر على هذا المقال الرائع وعلى كل مقالاته السابقة. اتفق معك باننا في امس الحاجة لاناس يقدمون ذواتهم لخدمة البشرية وبالاخص في مجتمعنا العربي، اناس يعيشون الحب -الذي هو عطاء مجاني- في كل ميادين الحياة و لكل الناس بدون تفرقة. ثانيا: اقدم عتاب اخوي لكل وسائل اعلامنا العربي وبالاخص الرسمي الذي لم يكتب عن هذه الانسانة و الام الرائعة التي بذلت نفسها لخدمة مجتمعنا. لماذا لانقدم في وسائل اعلامنا نماذج مضيئة، نماذج عاشت المحبة وخدمت البشرية في كل الميادين، سواء عالميا او محليا؟
انا مسلم .. مسلم انا
الاماراتي_اليافعي -الاول بسم الله و اشكر ابونا رفعت بدر على مقاله التي تدعو الشرقين الى اقتداء بها وانا ادعو الى اقتداء بها من رجال الدين المسلمين واليهود والمسيحييه ...الخ لان نحن بلاد العرب مهد الاديان السماويه(الاسلام واليهوديه والمسيحيه) ونحن الشرق مهد الاديان غير السماويه (الهندوسيه وسيخ الاحمديه وشبك وزيديه وصابئه......الخوكل الاديان تدعو الى اخلاق الفضيله مثل مساعده الفقراء وفي المسيحيه انجيل يقول إفتح فمك لأجل الأخرس في دعوى كل يتيم. إفتح فمك، اقض بالعدل و حام عن الفقير والمسكين. أمثال 8:31-9 وفي ديني الاسلام الذي انشقه اسمه من سلام العالمي والحب مساعده الفقراءوقال تعالى في القران الكريم: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها (التوبة - 103). وقال حبيبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ينقطع عمل ابن أدم إلا من ثلاث ( صدقه جاريه أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) وفي ايات واحاديث النبويه .... ولا اله الا الله محمد رسول الله
الى الاماراتي
مسيحي -اشكرك اخي على ثقافتك , وانارة عقلك وانفتاحك على كافة المعتقدات , واستشهادك بآيات الانجيل دليل على نقائك وحسن حوارك , ابقى دائما قارئا لمقالات ابونا رفعت