الفياغرا السياسي!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تحمل الولايات المتحدة في جيناتها المؤسساتية ما يلزم من كروموزونات الصبا الدائم والحيوية السياسية الجاذبة، وهي ما زالت منيعة عن الإصابة بوهن وترهّل الدول الشائخة، وهي ستبقى تدير العملية الديمقراطية في الداخل الأميركي، والعالم، لزمن لا يستهان بامتداده في شريان الألفية الثالثة من التاريخ البشري المعاصر.
هذا ما اعتقدتُهُ دائما، وعايشته بعمق هنا في الوطن المختار الولايات المتحدة، وبكافة معانيه ومعطياته الاجتماعية والسياسية والحياتية، بعيدا عن أي انتماء حزبي أو عقائدي أو عرقي ضيق.
قدّمت الولايات المتحدة أمس برهانا آخر على أن الديمقراطية التي تبنّاها الآباء المؤسسون لهذه الدولة منذ إعلان الاستقلال في العام 1776، ليست مجرد نظرية للتصدير أو حبوب تنشيط سياسي مؤقتة المفعول، تكاد أضرارها الجانبية تفوق قدرتها على علاج المرض، بل هي ـ أعني الديمقراطية الأميركية ـ حراك سياسي مؤسساتي يقوم على مبدأ Check Balance، بما معناه أن: اختبرْ وحقّقْ ثم قمْ بالتغييراللازم من أجل تحقيق التوازن السياسي المنشود.
وغالبا ما يشار إلى الديمقراطية الأميركية بالديمقراطية "الجيفرسونية" نسبة إلى الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأميركية والفكر المنظّر للدستور الأميركي توماس جيفرسون، والذي كان تأثيره على سياسة الولايات المتحدة أعظم من تأثير أي زعيم سابق أو لاحق، وحتى هذا اليوم لا تزال تعاليمه تحدّد معالم السياسة الأميركية، ولا تزال مبادؤه تقود هذه الدولة العظمى بحرياتها الشاسعة ودستورها الأقدم في العالم بين الدساتير المدوّنة، والذي هو من أكثر الصادرات الأميركية شعبية. وقد اعتبر جيفرسون الدستور صرحا قائما ونموذجا لشعوب العالم للاقتداء به، فكتب قائلاً "من المستحيل ألا نشعر بأننا نعمل من أجل الإنسانية جمعاء". وقد تبنت العديد من دول العالم الديمقراطية نماذج دستورية مقتبسة من الدستور الأميركي.
خرجت أميركا عن بكرة أبيها في الرابع من شهر نوفمبر 2008 لانتخابات تاريخية لم تعهدها من قبل بسبب تحديات المرحلة سواء على الصعيد الاقتصادي الداخلي الأميركي والسياسي الخارجي الدولي من جهة، ومن جهة أخرى لأن المعسكريين الانتخابيين هذه الدورة ضما شخصيتين جدليتين: رجل ملّون مرشحا لرئاسة أميركا عن الحزب الديمقراطي، وامرأة شابة، غير معروفة نسبية في الأوساط السياسية الواشنطنية، تتقدم إلى مشارف البيت الأبيض كنائب رئيس جمهورية عن الحزب الجمهوري.
أعلن في ليل اليوم عينه عن فوز لافت لباراك أوباما ـ الديمقراطي، على منافسه على المكتب البيضاوي جون ماكين ـ الجمهوري. وقال أوباما في أول ظهور له إثر إعلان النتائج " إن كل من كان يشكّك بقيم الديمقراطية الأميركية، وبالفرص الأميركية المتاحة لكل ذي كفاءة، وباستمرارية المبادئ التي غرسها المؤسسون الآباء الأوائل، يجد جوابا يقينا اليوم على شكوكه مفاده أن هذه الأمة ليست ليبرالية فقط أو محافظة وحسب بل هي خلطة متّحدة وجامعة لكل الاتجاهات والأعراق والمكونات الاجتماعية والسياسية".
أما كونداليزا رايس، الجمهورية الملوّنة العتيدة، فقد صرّحت إثر فوز أوباما، مباركة قدرة أميركا على التجدد والتغيير "إن العرق لم يكن عاملا سياسيا مرجّحا أو إقصائيا في هذه الانتخابات، بل أميركا تؤكد اليوم أنها تنتخب أوبوما لإيمانها بنصه السياسي وبرنامجه الذي يتبناه، وأن انتخابه لا علاقة له بلون جلدته.
وقد أكد كولن باول اليوم هذه المقولة في مقابلة تلفزيزنية معه إثر فوز باراك أوباما بالانتخابات قائلا: "إن أوبوما قدّم نفسه كأميركي، وليس كأميركي من أصل أفريقي وهذا سر من أسرار نجاحه".
وقد أكدت بنفسي، قبيل الانتخابات، على هذه الرؤيا في حوار تلفزيوني على شاشة البي بي سي عن حال العرب الأميركيين في الولايات المتحدة، وقلت ما مفاده "إن العرب الأميركيين هم مواطنون أميركيون أولا، وكونهم جاؤوا من هويات عرقية ودينية متعددة تضمّها الثقافة العربية الواحدة، من شركسية وآشورية وأمازيغية وقبطية وكردية ومسيحية ويهودية وإسلامية، إنما يشكل عامل إثراء لانتماءهم إلى الوطن الجديد المختار الذي يقوم أصلا على التعدديات الثقافية والعرقية والدينية والسياسية. وقد يكون النسيج الثقافي التعددي في العالم العربي شبيها جدا بنظيره في الولايات المتحدة، إلا أن الفارق الجوهري بين العالمين يكمن في تفعيل مفهوم "المواطنة"، حقا وواجبا، المفهوم الذي تذوب فيه الأعراق والأديان والانتماءات وتكاد تتوحد بهدف تمكين مصلحة الأمة الواحدة.
اليوم يؤكد الشعب الأميركي أنه هو من يدير دفتة السياسة، وأن اختيار الشارع السياسي لا يحكمه انتماء أُسري أو عرقي أو ديني، وإنما تعزّزه قدرة المرشح على تقديم نفسه كشخصية مستقبلية تدفع بالأمة حثيثا إلى الأمام.
أعلنت أميركا اليوم، وبأصوات الملايين من مواطنيها، أن الديمقراطية التي تحاول تدويلها، هي من أول المؤمنين بها ومن أعتى المطبقين لمبادئها، وذلك بما ينفي كل ما تداوله العالم عن زيف المساعي الأميركية التي تدعو إلى إقامة الديمقراطيات في الدول ذات الأنظمة الشمولية، ويكشف مجددا أن العيب كل العيب لا يكمن في المساعي الأميركية تلك، بل هو متجذّر في بنيان تلك الأنظمة المانعة للحراك الديمقراطي، والعصّية على رياح الحريات والتغيير، والراكدة في مستنقعات التاريخ في ظل حكم الرجل الواحد، أوالأسرة الواحدة، وإلى أبد الآبدين.
قال أوبوما أمس متوجها إلى ما يقارب المليون شخص من مؤيديه في شيكاغو: "هذا النصر هو نصركم، أنتم سجلتموه للتاريخ بأصواتكم وإرادتكم وحريتكم في الاختيار". وها هو الرئيس بوش يطلّ من حديقة البيت الأبيض مرحبا بفوز الرئيس أوباما من الحزب الديمقراطي المنافس، ويعد بانتقال سلس للسطلة من قبضة الفريق الجمهوري الحاكم إلى أيدي فريق أوباما من الحزب الديمقراطي القادم إلى أروقة بيت الرئاسة الأميركي في العشرين من شهر يناير 2008.
إن فوز أوباما بالانتخابات الرئاسية للعام 2008 لهو فصل المقال في الجدل القائم حول التغيير الذي تبشر به أميركا في العالم، التغيير الذي ليس بمستحضر أميركي عجائبي للتصدير وحسب، بل هو نسغ الحياة الأميركية وميزان حراكها السياسي الذي لا ترجح كفّته إلا لتحقيق المزيد من الحريات، وهو العلاج الناجع لكل من اختار أن يدقّ باب الحرية ليلج مساحات المستقبل.
يقول جيفرسون:"كل الناس خُلقوا متساوين وخالقهم وهبهم حقوقاً لا يجوز التفريط بها". وهاهو من يلقّب بـ "كيندي الأسود" يتبوأ أعلى كرسي تنفيذي في البلاد بعد أن كان يمنع على الرجل الملوّن مجالسة الرجل الأبيض على المقعد نفسه في حافلات النقل الأميركية، ومنذ فترة زمنية لا تتجاوز البضعة عقود فقط!
حبّة الديمقراطية الأميركية ليست بالفياغرا السياسي سريع المفعول، سريع الزوال، إنما هي ترياق الشعوب التي تعاني من فقر دم مزمن في جهاز الحريّات المناعي.. فهل من يفقه؟!
مرح البقاعي
التعليقات
الدرس الأخير
ناصر السباعي -العزيزة مرح مبروك للشعب الأمريكي مبروك للديمقراطية مبروك للتعددية الحضارية شاهدت بعض لقطات الحملة الانتخابية الأخيرة وتهنئة ماكين لأوباما التي تشي أن كلاهما منتصر وسمعت خطاب الرئيس المعجزة هزني المشهد بما احتوى من ابسامات ودموع بشدة غريبة لاتفسير لها سوى ولوج مرحلة إنسانية جديدة المفرح فيها هو عودة ملكة الإختيار لتأخذ دورها في التأسيس لمرحلة تاريخية جديدة عل الحلم يكون باللون الإنساني لون المستقبل الإنساني المشترك في بعض جوانبها درساً بليغاً لنا لإعادة تصفيف رؤانا وتهذيب برامجنا وأنسنة مشاعرنا وتفعيل جرأتنا وصراحتنا والإقرار بحاجتنا إلى التجديد والتغيير هو الدرس الأخير للجميع للحاق بالركب أو البقاء على هامش التاريخ
العرب قومية والاكراد
جيهان كوردستان -مقالك رائع وموضوعي ولا خلاف عليه ولكن وقعت في خطا قاتل حين وضعت الكورد والامازيغ داخل بيت العروبةفالكورد هم شعب وقومية يصل عددهم الى 60 مليون والامازيغ شعب وقومية يصل الى 40 مليونولا علاقة بالعرب بهم فكيف لم تفرقي بينهماتمنى منك التصحيح والتوضيحلانك بذلك ظلمت القوميتين الكردية والامازيغيةشكرا سيدة مرح البقاعي
ذروة الديمقراطية
محمد جبلي -فليتعلم العالم فن الديمقراطية من امريكا ويعد ذلك انتصارا لقيم الديمقراطية الحقةشكرا للصديقة مرح
أوباما يصنع التاريخ
جيهان منصور -لقد فعلها أوباما، لأول مرة منذ خمس سنوات عشتها في أمريكا ارى هذا الحشدالضخم في العاصمة واشنطن من كل أطياف الشعب بالسيارات وسيرا على الأقدام، يحتفلون في نشوة غامرة بفوز أوباما حتى صباح اليوم التالي، انه رئيس الجميع، جمهوري وديمقراطي وابيض واسود ولاتيني وعربي ومسلم ويهودي ومسيحي، انه بكل المقاييس رجل هذا العصر، عصر التعايش والتفاعل، أهم ما يميز أوباما انه يؤمن بحق الآخر في الوجود، تصريحاته لم تكن ابدا نارية ولا ينتمي لمعسكر الحرب البوشي، هاديء ومتوازن ، يتقبل النقد بابتسامة، وينتقد الآخرين بموضوعية، ولأنه من الطبقة المتوسطة ومن أصول أفريقية ولأن والده كان مسلما، فهو خير من يتحاور مع العالم العربي على اساس ليس فيه عنصرية ولا فوقية ولا نظرة مكين الدونية للعرب حين اطلق علينا تارة الدول التي تكره امريكا وتارة أخرى الوحوش الارهابيين او نظرة رودي جولياني للمسلمين حين قال يجب اعادة المسلمين الى كهوفهم الاولى فأناس بهذه الأفكار لا يمكن اقامة علاقة سليمة معهم ولن يساهموا بتلك العنصرية والغرور والعنجهية في تأمين أمريكا شرور الكراهية التي هي غرس أيديهم، اما أوباما رجل الدبلوماسية والحوار، عارض الحرب ، متعاطف مع القضية الفلسطينية، يحترم تعدد الاديان، وهو محسوب على الجناح اليسار من الحزب الديمقراطي، لذلك أعتقد أن واشنطن وروسيا مع رئيسين شابين، كأوباما ومدفيديف، سيفتحان صفحة علاقات جديدة مضيئة بين القطبين، بعيدا عن أجواء الحرب الباردة، قائمة على مبدأ احترام المصالح المشتركة، تعرف كل قوة اين تتوقف حدود قوتها، فليس من المعقول ان تنصب امريكا منصات صواريخها في الحديقة الخلفية للكرملين، ويقف الدب القطبي بلا اي رد فعل، منتظرا الخطوة التالية، وأعتقد أن الثلاثة حروف التي يراها مكين في اعين القادة الروس ك جي بي لم تكن اشارة على عهد جديد بين الدولتين اذا فاز بالبيت الابيض ، والحمد لله انه لم يفز، فما بال هؤلاء الناس لا يفهمون ان من حقهم ان يمارسوا الديمقراطية في بلادهم، على ان يحترموا حقوق الدول الاخرى، ان يصدروا الديمقراطية قولا ونصحا وعملا ومثالا كما حدث في انتخاب اوباما، وليس على ظهور الدبابات.أوباما بين ليلة وضحاها اعاد لأمريكا سمعتها، العالم كله هلل لفوز أوباما، فالعالم لا يكره أمريكا كما يقول مكين، امريكا هي الحلم، أمريكا تمثال الحرية، أمريكا جيفرسون، فوز اوباما واحتفالات العالم بهذا ا
welcome to America
Sirwan Kajjo -yes.. i agree with Pr. Marah, and i think that the american election and its result, was a great lesson for eastern peoples.I want to say that, there are some secrets in the American democracy, we can''t find it.. because we didn''t understand the Democracy yet.Just go head dear Marah and stay write in this way because you are so special
العدالة الامريكية
xebato -نعم انها امريكا بلاد الحرية والديمقراطيةوالانسان ولا تماييز فيها بين ابيض واسود فهذه رايس والان اوباما كما ذكرت مرح البقاعي في مقالهاوحين تحدثت عن الاعراق والقوميات والهويات من عربية وكوردية واشورية وامازيغية فهي قصدت ان الامة الامريكية تجمع في ظلالها خلطة جامعة لمختلف الاعراق تحت الانتماء للامة الامريكية فهم امريكييون رغم اصلهم ولا تفرق بينهم وبين الامريكيون الاصليين وهم يعيشون معهم ضمن الوطن الامريكي الواحد. وفي الشرق حيث الانظمة العربية المتسلطة على الشعوب والقوميات المختلفة من كورد واشوريين وامازيغ وتحاول صهر هوياتهم وثقافاتهم في بوتقة العروبة بالحديد والنار وانتهاكات بحق المواطنة والانسان. فاين امريكا من بلدان الشرق الاوسط.نعم استاذة مرح فعلا وضعت يدك على الجرح النازف وتحدثتي بشفافية يخشى الكثيرون ان يجاهروا بها حتى وهم ياكلون من خبز امريكا ومائها.انت كلمة حرة وقلم ديمقراطي جامع للجرأة مهما كان لون الحبر في محبرتك.
امريكا العظيمة
خلف -نعم، هذه هي امريكا..امريكا التي لا تقف بوجه حلم الفرد .. كنت اريد أن اكتب عن لحظة اعلان فوز اوباما.. لم يعد بنا حيل لأن نكتب شيئا.. وسأكتفي بما ورد في مقالك لاعتبر أني قلته او كتبته..
سورية ام امريكية
مثقف سوري -السيدة البقاعي تتحدث وكانها ليست سوريةكان يجب عليكي ان تكتبي عن سوريابدلا من الحديث عن امريكاثم انه في بلادنا العربية الجميع عرب وليس هناك شيء اسمه كردي واشوري وقبطي ووووووولان الارض بتتكلم عربيمش امريكيوانت بالظاهر نسيتي اصليك وفصليك السوريمبروك عليكي امريكا
إلى المثقف السوري !!
فرمان بونجق -السيدة مرح البقاعي كتبت الكثير عن سوريا ، وتحديداً عن سوريا الوطن ، بما يحمل هذا الوطن ، ولكنك ربما لست من قرائها ، أرجو أن تعود إلى كتاباتها ، ففيها الكثير مما يفيد دعاة الثقافة ، فالثقافة ليست ادعاءً ياعزيزي ، وإنما هي ممارسة وفعل خلاّق ، تماماً كما تفعل السيدة مرح وأقرانها . وإذا كنت لم تتعلم من الدرس الأخير ، فإنني واثق بأنك لن تتعلم أبداً .
تعليق
!!!!!!!! -تحية للسوري الأصيل رقم 8. السوري لايتكلم بعرق أو طائفية وهذا مغروس بكل من قال عن نفسه/نفسها أنهم سوريون. أما عن أوباما فرأي الشخصي أنه أتى في الوقت المناسب ليحصد كره الشعب لحكم الجمهوريون. صوتت أمريكا له لأن الشباب صوتوا له.أما عن التغيير فلاأعتقد أنه آتي وعيش ياكديش لينبت الحشيش
اي ديمقراطية
جمال -ياسيدة مرح أسألك فقط أين هذه الديمقراطية التي تتبناها أمريكا وهي الدولة البراجماتية العظمى التي دعمت ولاتزال تدعم طوابير الديكتاتوريات وتغض الطرف عن بعضها الأخرى منذ مايزيد على خمسين عاماً وتقف حائلاً أمام طموحات الشعوب التواقة إلى الحرية بوقوفها وراء الطغاة ومن بينهم القذافي وحسني مبارك. وهل مثال العراق يكفي لكي نعطي أمريكا شهادة براءة من مما ارتكبته في حق الشعوب المقهورة خشية من تأثر مصالحها. نرجو أن تسمعينا رأيك.
jbaili@msn.com
Khaldoon -Marah - you never fail to capture the spirit of the moment, excellent article
5/5
Mohammed EL HADAOUI -Bonjour MarahC''est un excellent article du votre plume.Vous avez donne l''exemple d''une ilntellectuelle vaccin.Bravo, vous avez un courage d''idees.Rares sont les intello de ce courage.