أصداء

حوار ديني أم تطبيع سياسي؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

طغت السياسة على مؤتمر نيويورك بحوار الأديان. وغابت كاميرات التلفزيونات عن رجال الدين لتسلط على رجال السياسة. كما غاب عنه كبار رجال الدين ذوي التأثير في الشارع الديني والسياسي، وخاصة الشارع العربي والإسلامي حيث لا يمكن فصل الدين عن السياسة، ولا السياسة عن الدين، وحيث يتداخل كل شيء في كل شيء. وبالقراءة السريعة لأسماء الحاضرين والفاعلين يخلص المراقب إلى نتيجة قاطعة، وواحدة، بأنه ليس أكثر من اجتماع آخر للجمعية العمومية للأمم المتحدة مكرس، مثلاً، لبحث قضية سياسية كالملف الفلسطيني أو النووي الإيراني، أولعرض وجهات نظر سياسية، وتحقيق اختراقات دبلوماسية أكثر مما هو محاولة لحوار ديني، حيث أن معظم أولئك الحاضرين البارزين هم رجال دولة وسياسة وليسوا رجال دين. وفي المقابل هناك غياب لافت لفاعلين دينيين على الساحة السياسية ولا يوجد وفد ديني موحد، يتفق عليه، ويمثل الطيف الإسلامي العريض الواسع.

والجانب الآخر والأهم، إن من يسيطر اليوم على الشارع الديني، وخاصة العربي والإسلامي، هم المتطرفون، وليس الساسة المعتدلون. ناهيكم عن افتقار بعض الحاضرين للصفة التمثيلية العادلة التي يتطلبها حضور مثل هذه المؤتمرات، في ظل شارع منقسم بشكل حاد بين طوائف متنوعة لا تعد ولا تحصى هذا من الجانب العربي والإسلامي فقط، وفي ظل وجود تيارات سياسية متعددة داخل التيارات الدينية نفسها وتتجاذبها تيارات سياسية مختلفة. تيارات تتفاوت في مواقفها من شتى القضايا الإشكالية المطروحة على الساحة. فهل من حضر بصفته ممثلاً لهذا الدين، أو ذاك، هو يمثله فعلاً حق تمثيل و يعكس تطلعاته السياسية قبل الدينية؟

الأمر اللافت الآخر الذي يعزز الطابع السياسي لهذا المؤتمر، وليس الطابع الديني، هو غياب التمثيل الإيراني الفاعل والرفيع، واقتصاره على بعض الموظفين والمندوبين الدائمين لدى الأمم المتحدة والذي يعكس عدم جدية النظرة الإيرانية لهذا المؤتمر، وطغيان العامل السياسي في ضوء العلاقات الإيرانية المتوترة مع الداعين للمؤتمر، ومع الغرب والولايات المتحدة بشكل عام، وإسرائيل بشكل خاص. بعكس التمثيل الرفيع الذي تجلى بحضور هاشمي رفسنجاني لمؤتمر التقريب بين المذاهب الذي انتهى الآن، وبمشيئة لله، إلى غير رجعة.

وإذا كان الحوار السياسي ممكنا ووارداً بين السياسيين،، فإن القضية ليست بنفس السهولة فيما يتعلق برجال الدين الذين لديهم الكثير من التابوهات واليقينيات التي ليس من السهل تخطيها كما هو الحال بالنسبة للسياسيين. وإذا كان التحول الفكري وارداً بين تيار سياسي وآخر، فإن هذا الأمر ليس بنفس السهولة فيما يتعلق بالجانب الديني والروحي فهناك الكثير من الحواجز والمعوقات والممنوعات؟

ولا تزال كل مؤتمرات الحوار الديني تراوح في مكانها. لا بل فإن مؤتمرات التقارب بين المذاهب الإسلامية ذاتها قد تعرضت لنكسة كبيرة وفشلت، فشلاً ذريعاً والله وحده يعلم متى ستعاود الانطلاق، وخصوصاً بعد تصريحات شيخ الإسلام الكبير يوسف القرضاوي عن الشيعة المبتدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. فكيف يذهب لحوار الآخرين من ليس منسجماً مع ذاته، ومع أبناء نفس الدين ونفس اليقين؟ ألا يبدو الأمر غريباً وقفزة في فراغ؟

إن أي "اتفاق" وحوار ديني "ناجح" سيعني نسفاً جذرياً للأسطورة الدينية لكل فريق من جوهرها وهذا أمر شبه مستحيل. فالأسطورة الدينية العامة لأي دين من الأديان قائمة على فكرة احتكار الحق والحقيقة والنجاة والخلاص، وعدم الاعتراف بالآخر. ( صرح، مثلاً، شيخ الإسلام الإخواني المعروف يوسف القرضاوي الذي يعتبره كثيرون كابن تيميه لهذا العصر، بأنه لوحده كفرقة دينية ناج من النار، وحتى جميع أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، الذين ينطقون مثل سماحته بالشهادتين هم في النار.، من سيتحاور مع من في هذه الحالة، وهل هناك أية أرضية لأي حوار بوجود خطاب كهذا؟ وهل من مجال هنا للتحاور بين المسلمين أنفسهم قبل التفكير بحوار مع مجوس وهندس وصفويين وسيخ وبوذيين ووثنيين وعبدة نار وأباليس وشياطين وكفار؟ أليست هذه كلها معتقدات وأديان؟ وكيف سننزع من مخ الشيخ، وأمثاله، مثل هذه الوساوس؟

وإذا كان من ثمة حاجة لحوار وتقارب واعتراف ديني متبادل جدي وفعلي هو أقرب للمستحيل، فإن ذلك يمكن اختزاله واقتصاره على مجرد تطبيع ديني، في الوقت الحالي في ضوء هذا الوضع التنافري. وإذا كان التطبيع الديني ممكناً بتلك الحدود الدنيا، فهو بحاجة إلى تطبيع سياسي، أولاً، وهو ما حاصل فعلاً في هذا اللقاء ذي الطابع والوجه السياسي، ويؤكد على تداخل الديني والسياسي في أغلب الصراعات القائمة اليوم.

من خلال كل تلك المعطيات، وبقراءة سريعة لما تبدى، ورشح، حتى الآن، يمكن، هنا، قبول فكرة أن هذا المؤتمر هو مؤتمر سياسي بالدرجة الأولى قبل أن يكون مؤتمراً دينياً، وهو أدعى للنجاح وتحقيق أي إنجاز. أما أطروحة أنه حوار بين أديان، لا يكن أحدها للآخر سوى التوجس والريبة والإنكار والبغضاء، فلا يمكن قبولها بما يتوفر من معطيات بهذا الشأن. مع الإيمان المطلق، والمسبق، بلا جدوى أي حوار بين الأديان.

نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقالة ذات مصداقية !!
كركوك أوغلوا -

ذات معيار ثقيل ؟؟!!..كالعادة من هذا الكاتب القدير

كـتـابـة ضـائـعـة
أحـمـد بــســمــار -

مقالك اليوم يا سيد نضال نعيسة, رغم موافقتي عليه وتأييدي له 100%, كـالـعـادة, صرخة في وادي الطرشان, ولن يجلب لك سوى الاتهام أنك تهاجم الإسلام مدافعا عن عشيرتك. هل تفكر يوما أنك تستطيع إقناع متعصب ديني بآرائك الصحيحة الحيادية, أو بفكرك العلماني المتطور المستحدث مع متطلبات العصر والزمان؟ هل تفكر باستطاعة تطوير شارعنا, الذي سيطر عليه شيوخنا من قرون بعيدة؟ هل تفكر أن كلماتك المختارة حرفا حرفا, والمصاغة كلمة كلمة, ستغير مجرى الانحدار الفكري التعصبي الذي يزداد يوما عن يوم في غالب البلاد العربية والإسلامية رغم الواجهات المظهرية التي تنكر ذلك بصوت باهت مخنوق غير مقنع. ألم تسمع بتكفير أدونيس من مشايخ الجزائر, لأنه يرغب إعطاء الكلمة قليلا من الأوكسيجين؟؟؟ اليوم تستطيع أن تعبر عن جزء مما تفكر وتحس وتشعر وتحلل.. ولكن غدا.. إذا تابعنا هذه المسيرة المعتمة.. لن تتمكن حتى من التفكير بصمت خانق!!!...أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الله الواسعة.

مجرد رأي
وائل -

لمادا هدا الحقد على الدكتور القرضاوي الدي له شعبية كبيرة في العالمين العربي والاسلامي. بحيث كلما اقام ندوة او محاضرة في بلد ما استطاع ان يجلب الالاف من الحضور في الوقت الدي يعجز فيه بعض المثقفين على احضار بضع عشرات لالقاء محاضرة يتيمة في قاعة شبه فارغة.

تأييد كامل
ريم سلمان -

تأييد كامل للكاتب الأستاذ نضال نعيسةمع كل التأييد والتحيات للمعلق السيد أحمد بسمار لوضوح كتابته وقوة تعليقه.

عن القرضاوي
كاتب سوري -

إلى وائل اذا تكلم الكاتب عن حقائق دامغة تحيق بسلوك القرضاوي فهذا لا يعني أنه يحقد عليه. بعدين حكاية جمع الناس في الندوات فهذا يقودنا إلى نوعية ومستوى من يحضر ندوات القرضاوي ومن يحضر ندوات كبار المفكرين والمثقفين. ألا ترى أن الشارع كله بثقافته الضحلة من النوع المؤهل لمتابعة ما يقوله القرضاوي وليس لفهم أو لمجرد قبول أفكار مثقفين تنويريين ونهضويين وبالبركة بأنظمة الاستبداد الشامل التي مسحت عقول شعوبها. وأن شعوبك بكل أسف غير مؤهلة بما تملك من بنية معرفية عملت أنظمة الاستبداد الشامل على تجذيرها وتكريسها للسمو بفكرها وعقلها بأكثر مما رسم وخطط لها بمشيئة الجنرالات والحكام. وتحية لك من أرض الشام

تطبيع سياسي
احمد بشير معصراني- -

فعلا ما رأيناه كان تجمعا سياسيا لا علاقة للأديان به وهو للتطبيع السياسي فقط لا غير.

الى وائل
احمد بشير معصراني- -

القر ضاوي أفتى علنا واستباح دماء الشيعة ولا ذنب ولا تجني للكاتب عليه فلا ادري كيف تقيس الامور وناقل الكفر ليس بكافر وهذا من صلب عقيدة القرضاوي انت حاولت الدفاع عن القرضاوي بإدانة الكاتب وهذا ما لم تفلح فيه

من يرد على هذا الكلا
judy -

( صرح، مثلاً، شيخ الإسلام الإخواني المعروف يوسف القرضاوي الذي يعتبره كثيرون كابن تيميه لهذا العصر، بأنه لوحده كفرقة دينية ناج من النار، وحتى جميع أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، الذين ينطقون مثل سماحته بالشهادتين هم في النار.، من سيتحاور مع من في هذه الحالة، وهل هناك أية أرضية لأي حوار بوجود خطاب كهذا؟ وهل من مجال هنا للتحاور بين المسلمين أنفسهم قبل التفكير بحوار مع مجوس وهندس وصفويين وسيخ وبوذيين ووثنيين وعبدة نار وأباليس وشياطين وكفار؟ أليست هذه كلها معتقدات وأديان؟ وكيف سننزع مثل هذه الوساوس؟

تحية لكاتب المقال
لبنى إسماعيل -

أوافق الكاتب الجريء مئة بالمئة أن لاجدوى من حوار الأديان على الاطلاق. وكم يلزمنا من هؤلاء الفدائيين والشجعان ليقولوا لنا كلمة الحق في زمن كثرت فيه المراوغة والرياء.

صوت الأمة
مؤيد شلهوب -

الكتاب الأحرار هم صوت الأمة ووجدانها وضمير شعبها الصامت الغلبان فتحية لهم في كل مكان.

تعليق
عصام -

أخالفك الرأي ان هذا المؤتمر مهم جدا وللأسباب التاليه=1-اعتراف ملك اهم واكثر تأثير دوله اسلاميه بان جميع الديانات الموجوده في عالمنا تعبد الله الواحد وهي ليست كافره كما يدّعي المتطرفون الأسلاميون 2-ان جميع الديانات وجدت لمصلحة البشريه وهي تطالب بمحبة الآخرين جميعا مهما كانت ديانتهم.3-تأكيد مبدأ التسامح وقبول جميع اتباع الديانات المختلفه 4- أن جميع الديانات اتت للتقريب بين البشر وليس للتفريق بينهم.5-هذا المؤتمر عباره عن خطوه اولى على طريق التغيير والتحديث الديني في الدّول الأسلاميه.6-التزام سياسي من قبل الدّول الأسلاميه بنبذ المتطرفين الأسلاميين

حتى انت؟؟
احمد -

حنى انت يااستاذ؟؟ لقد كنت دوما تهاجم (بحق) كل المتخلفين المتعصبين والان وحيث ان العاهل السعودي قد قام بخطوة مهمة جدا وخاصة انها بالتاكيد لم ولن تسر المتطرفين فيجب عليك ان تقف مع هذه المبادرة بغض النظر عن اي موضوع اخر. اما عدم وجود رجال الدين فهذا ايجابي بنظري لان الموضوع هنا هو (التقارب بين الاديان ) بمعنى اننا لايجب ان نتحارب من اجل الدين وان نعطي كل انسان الحق ان يعتقد كما يحلو له, ولكن بنفس الوقت لا يمكننا ان نغير معتقدات الاديان المتناقضة بالضرورة. اذا دع رجال السياسة يجتمعون ويقررون واما رجال الدين فليبقوا في دور العبادة وليبتعدوا عن السياسة والعلاقات بين حملة الديانات المختلفة

إلى كافة المسلمين
الشامي -

الى كافة المسلمين تسامحوا وتصالحوا وتحاوروا مع انفسكم قبل ان تفعلوا اي شيء مع الآخرين. كيف ستتحاورون مع الآخرين وكل واحد منكم دولة وعامل راس؟

حوار سياسي
ابن الرافدين -

لقد صدق الكاتب فيما كتبه فلم يكن هذا الحوار حوارا لللأديان بل للتطبيع السياسي ولا علاقة له بالاديان كان على المجتمعين ان يتركوا المجال لرجال الدين البارزين من المسلمين المنفتحين والذين لديهم تاثيرا دينيا مهما في الشارع الاسلامي مافائدة الحوار والمسيحيون يقتلون في العراق ولا شجب او استنكار لا من رجال الدين المسلم ولا من قادتهم وكيف سينجح مثل هذا المؤتمر في تغيير عقلية امثال وائل وزمرته