أصداء

السياسة بأيدِ ناعمة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عادت الأضواء، التي لم تنجح مساعي إقصاءها أصلا، لتختطف ابتسامة تلك المرأة الجاذبة، وتهديها للملايين من المشاهدين الذين تسمّروا اليوم خلف شاشاتهم التلفزيونية ليشهدوا الحوارات المتواصلة، وطوال يوم 12 نوفمبر، على قناة سي إن إن الأميركية، مع المرشحة السابقة لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية وحاكمة ولاية آلاسكا سارة بيلين؛ وقد أجرى الحوارات علمان من أعلام صحافة اليسار الديمقراطي الأميركي لاري كينغ وولف بليتزر.

ها هي سارة بيلين تتجلى، للمرة الأولى، إثر التعتيم القصري الذي مورس عليها خلال جولات الانتخابات الرئاسية الأميركية العسيرة، لتكون لأول مرة قرينة نفسها، وتتحدث بصوتها عن صوتها، وترسم بذكاء حاد خطوط موقعها على الخارطة السياسية الأميركية بدءا بمنصبها التنفيذي كحاكمة لولاية آلاسكا منذ العام 2006، مرورا برؤاها السياسية كمرشحة سابقة لكرسي نائب رئيس الولايات المتحدة، ووصولا إلى طموحاتها في تمثيل دور قيادي في الحزب الجمهوري في المستقبل القريب، وربما الترشح لرئاسة الولايات المتحدة في انتخابات دورة العام 2012.

وبعيدا عن بروتوكولات الجولات الانتخابية وتعاليم المستشارين السياسيين الصارمة وإملاءاتهم، وكذا حملة التعتيم المتعمّد الذي تعرضت له بيلين، ومن صميم معسكر الجمهوريين الانتخابي التي تمثّله، من طرف بعض المتشددين الذين أرادوا لها أن تكون مجرد بطانة حريرية لعباءة ماكين السميكة الوبر، وصورة "أنثوية" تلميعية في البطاقة الرئاسية الجمهورية لاستمالة أصوات الناخبات الأميركيات بعد تعثّر المرشحة الديمقراطية هيلاي كلينتون في الوصول إلى المرحلة الأخيرة من ترشيح حزبها على المقعد الرئاسي الأميركي أمام الفورة السياسية التي أحدثها باراك أوباما في عقول وقلوب الديمقراطيين وغير الديمقراطيين.

بدت اليوم الحاكمة سارة بيلين في ألق سياسي بليغ تحاور محدثيها في محاور متعددة تنتقل بها من شؤون وشجون المال والأزمة الاقتصادية القابضة، وكذا الأمن القومي ومكافحة الإرهاب، وترشيد السوق، ومشاريع تأمين الطاقة البديلة للاستهلاك الأميركي بدلا من الاعتماد على البترول المستورد والتبعية المقلقة لتقلبات طقس منظمة أوبيك ومزاجيتها النفطية. بدت المرأة التي استشرفتُ منها حماسا سياسيا عميما وإدراكا مبسطا وعفويا للحظة السياسية على دقتها وتعقيدها في منذ إطلالتها الأولى على الجمهور، بدت حاضرة البديهة، عميقة الاستجابة والإجابة على حنكة محاوريها في محاولتهم استدراجها إلى حافات السياسة ومطباتها الوعرة، وذلك بعيدا كل البعد عن الإشاعات المغرضة التي أثيرت حولها خلال الحملة الانتخابية الشرسة التي أدارها المعسكران الانتخابيان المتنافسان على المكتب البيضاوي، والتي تعمدت المساس بكفاءاتها السياسية والمعرفية، وقدراتها القيادية وفطنتها الإعلامية، ونزاهة تجربتها الإدارية كحاكمة ولاية آلاسكا.

ومن أشرس ما تعرضت له سارة بيلين كامرأة أولا، وأم تاليا، هو تلك الانتقادات المغرضة التي تسللت إلى عقر دارها والزوايا شديدة الخصوصية من علاقاتها مع أفراد عائلتها، بدءا من مساءلتها عن حمل ابنتها غير الشرعي وهي السيدة المحافظة التي لم تستطع حماية ابنتها المراهقة من الوقوع في مشكلة الحمل خارج الزواج، مرورا بالاتهم الذي وجهت إليها باستخدام نفوذها كحاكمة لآلاسكا للانتقام من طليق شقيقتها والعمل على طرده من عمله، وصولا إلى محاكمة قدرتها كأم لخمسة أبناء وبنات على إدارة منصب شديد الحساسية كمنصب ناب رئيس الولايات المتحدة. وأنا لا أجد في هذا الأخير إلا افتراء وانتهاك تعرضت له بيلين لمجرد كونها امرأة تترشح إلى "منصب تنفيذي"، فهل سبق أن سئل مرشح "رجل" lsquo;لى نفس المنصب، وله عدد من الأولاد، عن قدرته في إدارة عمله بما لا يتنافي مع مسؤوليته كأب؟!

هذا التمييز الذي تعرضت له بيلين قد يكون مبررا عنما يأتي من طرف الخصم السياسي المنافس على المنصب نفسه، لكن أن يتطور داخل المعسكر الذي تنتمي إليه بيلين، والذي تحارب تحت لوائه وبسلاحه، فهذا والله لمن الكبائر! فقبل أن تضع الحملة أوزارها بدأ توجيه أصابع الاتهام إلى بيلين، ومن داخل المعسكر الجمهوري، بأنها كانت السبب المباشر لخسارة السيناتور ماكين، وتاليا الحزب الجمهوري، كرسي البيت الأبيض.

أمس قام تلفزيون فوكس ـ اليميني بامتيازـ بزيارة إلى منزل سارة بيلين في آلاسكا، وأجرت معها الإعلامية المخضرمة غريتا فان حوارا ذا شجون بث على حلقتين ليومين متتاليين. ومن اللافت أن كافة الإعلاميين الذين حاوروا بيلين في اليومين الأخيرين قالوا على الملأ أنهم لم يتوصلوا إلى الحوار معها أثناء الانتخابات ـ رغهم إلحاحهم على لقائها ـ بسبب الحصار الذي كان مضروبا عليها من قبل مستشاري ومدراء الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري، والذين كانوا يريدون تحويل الأضواء عن الحاكمة بيلين بأي ثمن، والسبب في رأيهم يعود إلى كونها لا تقبل توجيهات المستشارين وترفض أن تتلقى تدريباتهم قبل ظهورها العلني في الإعلام أو المناسبات الخطابية العامة، أي باختصار (رغبتها أن تكون صورة نفسها لا "دمية" الحزب المتحركة منه وبه).

أميركا الفرص والخيارات الكبرى لم تبدُ لي مهيّأة لتنصّب "امرأة" على الكرسي التنفيذي الأعلى لدولتها العظمى ولا على نيابته، بينما قررت بإجماع منقطع النظير، في الرابع من هذا الشهر، أن تمنحه إلى رجل"أسود"، ولأول مرة في تاريخها منذ تحرير السود. فهل التمييز ضد المرأة هو آخر أعراض التفرقة العنصرية التي مازالت تنخر المخ البشري مهما ارتقى في سلم المعرفة والحضارة؟ وهل تنجح أميركا في السنوات الأربع القادمة أن تتحرر من عقدة الفصل العنصري على أساس الانتماء "الجنسي" كما نجحت في حسم أمرها على أساس "العرقي" منه، وانتخبت أوباما الأسود سيدا للبيت الأبيض؟

كل الإشارات تنبئ أن سارة بيلين، وبذكائها السياسي الغرائزي، ستخرج من التجربة العسيرة بزاد أغنى وشعبية أوسع وتصميم أكبر على خوض المعركة الانتخابية مجددا في العام 2012، ولكن مباشرة إلى سدة الرئاسة، وليس النيابة، هذه المرة، بعد أن يدخل الحزب الجمهوري في عملية إسعافية باتت ملحّة من أجل إعادة إنتاج خلاياه الضامرة، والدفع باتجاه التحديث والوسطية في صفوفه بعيدا عن مغالاة أصحاب اليمين المتطرف منه، الذي بات يأكل أول ما يأكل أبناء جلدته السياسية.

مرح البقاعي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
رجاحة العقل
مروان سمعان - واشنطن -

لقد نجح باراك أوباما في انتخابات الرئاسه لرجاحة عقله وشخصه وليس للون بشرته . أما ساره بالين فقد بهرت جمهورها أول مرة ظهرت له ولكن عندما ذاب ثلج ألآسكا تبين أن مايخفيه تحته لم يكن مرجا أخضر بل شيئا آخر!!! وأن مسحة الجمال والملابس الفاخرة التي كانت ترتديها ساره بالين ودفع ثمنها عن طريق ماكينه الحزب اليميني المتطرف لم تستطع خديعة الناخب الأمريكي عن مدى ضحالة فكر ساره بالين التي سقطت عند أول اختبار لها أمام صاحبة الجلالة الصحافة والاعلام والتي تمثل السلطة الرابعة في النظام السياسي الامريكي. ان من الأفضل الكف عن الثرثرة وكلام النواعم وعن ساره بالين . فهو كمن يصب الماء في اناء مثقوب .

بامتياز
ربيع حيدر -

أي ذكاء سياسي يا سيدة مرح، وبيلين هي الشخصية المنعدمة المؤهلات لمنصب الرئاسة. بيلين التي تتحدثين عنها، لم تتخطى حتى 2006 حدود الولايات المتحدة، سياستها الخارجية اليمينية والعنصرية كانت وراء الهجوم على أوباما لصلاته برشيد الخالدي وآخرين عرب. بيلين لم تفشل لأنها امرأة، بل لأنها غير مؤهلة على الاطلاق للمنصب ولأن شكلها وتقاسيم جسمها لم تساعدها في مجتمع تخطى هذه السخافات انما لم نتخطاها نحن. عجزت بيلين في مقابلاتها عن تسمية صحيفة واحدة تقرأها أو التمييز بين القارة الافريقية وجنوب افريقيا ولم تسمع قبلا بعقيدة مثالها الأعلى جورج بوش. انها عار على حقوق المرأة والنساء المناضلات في الولايات المتحدة وخارجها. اذا كان الغرض من المقال انتقاد أوباما، فلماذا اللف والدوران؟

النقد السياسي الذاتي
حمد عارف -

السيدة مرح تتحدث عن الإصلاح داخل الحزب الجمهوري وعن الوسطية فيه وعن أهمية الفكر النقدي الذي يمارسه السياسيون في أميركا لتصويب أدائهم السياسي .. ولنا في ذلك نحن العرب عبرة. ثم إن الإعلام هو من أعاد لسارة بيلين اعتبارها.. ولم تنقطع المحطات التلفزيونية التلفزيونية حتى الساعة، ومنذ يومين، عن نقل خطابات وتحركات سارة بيلين وكأنها هي الرئيس الفائز!

انسنة بالين
جهاد الرنتيسي -

محاولة راقية لتلمس الجانب الانثوي من شخصية بالين

الحرية ووجه امرأة
ماجدة داري -

جلجامش كان يفتش عن عشبة تطيل عمره فإذا بحية تلتهم عشبة الحياة الدائمة، الشاعرة الكاتبة مرح البقاعي ما زالت الحية رمزا للطب والصيدلة بسمها الذي يبلسم الأمراض المستعصية. قرأت لها بعض المقالات والأشعار فعرفتها من خلالهم ، لأقرأ روحها قبل شخصها الإنساني ، قادرة بكل الثواني وأنواع الخيوط حياكة قصيدة أو مقالة مترعة بالصدق والعفوية لتحويلها إلى تحفة تعلق بأذهان كل من يمر بحديقتها لتفوح بثقافتها الراقية وتهب على مسامع كل الجنسيات المتعطشة للكلمة الحرة حمامة تصنع نزقا فوضويا وتمضي ثملة في يومياتها . أرصفة الأمكنة تحتويها لتبعثر وقع أقدام الآلهة، فلسفة متعطشة لتغني سريالتها على قمم تصنعها بأشيائها وتمضي في الغربة ونمضي مع تكهناتها. هناك بعض الكتاب يقيمّون كتابات النساء ويقولون ( كتابات أنثوية) ( كتابات ذكورية) تفرقة عنصرية من الرجل حتى في الأدب. احترم الأستاذة مرح البقاعي لأنها اخترقت هذه المقولة الذكورية وحطمتها، أحترم قلمها الجريء . الفياجرا السياسي كانت مقالة واضحة عكست الديمقراطية الأمريكية وحرية الإنسان فيها، دون تمايز بين عرق ولون وثقافة. كما يقول جبران خليل جبران : ( إذا ارتفعت عن التعصب لجنسك أو ذاتك ذراعا واحدا، صرت بالحقيقة مثل ربك). حقيقة أن أمريكا لها أن تفتخر بديمقراطيتها الكبيرة وحجم الإنسانية في قوانينها الفدرالية، وانطلقتُ من ذات مرح البقاعي التي انطلقت من الشرق لتبدع وتصنع الحياة في الوطن الأمريكي المختار ، وبددت بقلمها وحبرها كل الثقافات المشوهة عن الحياة الأمريكية. فعلا الحرية ومناخاتها الديمقراطية تدفع بالإنسان لأن يبدع ويخط سطرا للحقيقة عن بلاد العم سام.

بالين الشرق وامريكا
جهاد صالح -

بلغت عمليات البحث على الشبكة العالمية عن سارة بالين مستويات قياسية، وبمجرد أن أعلن ماكين عن أن حاكمة ولاية آلاسكا ستكون نائبته، حتى قفز المقياس إلى 10 درجات كاملة، رغم أن مقياس ريختر للزلازل لا يزيد على 9 درجات..وإذا ما قورنت علميات البحث عن جون ماكين; وباراك أوباما; و;جو بايدن بعمليات البحث عن سارة بالين فإن المرء لن يجد أي مجال للمقارنة على الإطلاق..فخلال يومين فقط، بلغت عمليات البحث في الولايات المتحدة الأمريكية عن سارة بالين الذروة، وزادت على عمليات البحث عن أي شخصية أمريكية خلال الأعوام الثلاثة الماضية. الشيء الغريب والساذج لدى البعض هو كلامهم أن الحديث عن بالين وشخصيتها المميزة هو ( ثرثرة) في حين لن نجد في الشرق الأوسط امرأة وصلت إلى ما وصلت إليه بالين إلا عن طريق الوساطة والتعيينات. وكذلك حول الديمقراطية الأمريكية والانتخابات التي أذهلت العالم كله دفعة واحدة. الثرثرة هي طقوس الضعف لهؤلاء الذين يحكمون على بالين ومن يكتبون عنها وعن أمريكا ، ببهلوانية مرضية متناقضة ومتشظية الأبعاد والرؤى، من مناخات هم أنفسهم لا يستطيعون الانتخاب الحر والمباشر ، فبدلا من العمل بشجاعة لأجل بناء مجتمعات ديمقراطية وحرة مثل المجتمع الأمريكي ، ونقد الديكتاتوريات في الشرق الفاسد،نجدهم يثرثرون من على الكرسي ومن وراء الكمبيوتر، ويضربون نسائهم ويعتبرونهم جارية وتابعة. جاذبية سارة بالين الشخصية، مثالية وصرامة أنثوية تلمع بذهب من العيار الثقيل، وأنا أرى في الأستاذة (مرح البقاعي) هذه الجاذبية والكاريزما ، بالين نائبة الرئيس التي اختارها مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين لتخوض الانتخابات الرئاسية معه، فالمرأة كانت ملكة جمال ألاسكا ذات يوم ـ وما زالت جميلة ـ وقد ظهرت أكثر من مرة كمعلقة رياضية حيث يعرف أنها رياضية وشغوفة بالرياضة ـ بطلة في عدة ألعاب وأهمها السباحة ـ تهوى السلاح والصيد، فضلاً عن كونها امرأة شابة تحمل بلاغة وفصاحة جيدتين، وتمثل الشخصية الأميركية التقليدية، العصامية والمؤمنة بتحقيق الحلم الشخصي من خلال العمل الجاد.. خير تمثيل، وكل من يحمل هذه الروح العصامية يجد قبولا في الثقافة الأميركية، خصوصا في الأوساط المحافظة والتقليدية من المجتمع الأميركي. بالين نجمة سياسية صاعدة في سماء الولايات المتحدة اليوم.. وهذه هي الطينة العجيبة إلى جانب الصفات الأخرى ، وراء اختيارها من طرف الم