أصداء

صلة الرحم الإليكترونية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لصلة الرحم منعكسات جمة وهامة على حياة المجتمعات ككل، نظراً لما تخلفه من أثر طيب في نفوس عامة الناس وتقوي من أواصر ووشائج ولحمة وقوّة المجتمعات. وتعتبر صلة الرحم هذه واحدة من سمات وخاصيات المجتمعات الشرقية الأساسية التي ما زالت تتأثر بأطوار الحياة وأنماط الإنتاج الزراعية والمشاعية والتي كانت فيها العلاقات الاجتماعية الحميمة والانغلاق على الذوات سمة من سماتها البارزة. وكلما أوغلت المجتمعات تقنياً وصناعياً كلما، وعلى ما يبدو، ازدادت واشتدت فيها النزعات الفردية، التي تقف بالضد من النزعات الجماعية والقبلية.

وظن كثيرون، أنه مع هذا الانفتاح العولمي المبارك، وتزايد الهجرات والسفر والترحال، وزوال الحواجز والحدود بين الناس، وطبعاً باستثناء ديار الإسلام والحمد لله، بأن علاقات القربي ستندثر وتتلاشى، إلا أنه يبدو أننا في أطوار جديدة من العلاقات وصلات الرحم أقوى مما سبق، وتعوض عن ذاك النقص الحاصل والقصور في العلاقات والواجبات الاجتماعية جرّاء التحولات الجذرية التي طرأت على حياة الإنسان اقتصاديا واجتماعياً وسياسياً. إنها صلة الرحم الإليكترونية التي بدأت تعوض كثيراً مما افتقده الإنسان من علاقات إنسانية رحموية بسبب طغيان نمط العلاقات الرأسمالي الذي لا يعطي أي بال لعاطفة، وشعور، ودفء العلاقات الإنسانية. وقد حملت ثورة المعلومات والاتصالات الهائلة جملة من الفوائد الطيبة على صعيد التواصل الإنساني والاجتماعي كادت الثورة الصناعية أن تطيح به وإلى الأبد. إنها آلية المسنجرات، وبرامج الاتصال الإليكترونية المختلفة التي تتيح للمرء الاتصال بأبعد نقطة في الأرض بمن هم أعزاء عليه، أو تكاد تعرفه بأناس، وأفراد وجماعات، وهيئات ومنظمات، ودون أن يبرح مكانه. وما كان هذا متاحاً لولا ثورة المعلومات والاتصالات الإليكترونية. وصار بإمكان المرء أن يستعيد صداقات قديمة ما كان له أن يحلم بإحيائها، و يتعرف على أشخاص كان من المستحيل أن يشعر بوجودهم أو يعرف أنهم هناك، ويستطيع أن يمارس حياته الاجتماعية ويصل رحمه ويعايد على محبيه وإخوانه صوتاً وصورة، ويتعرف على أنماط جديدة من الناس، والتواصل من خلال رسائل إليكترونية تعبر من ألاسكا إلى أوستراليا برمشة عين. هذه هي أعجوبة الحضارة الغربية الكبرى الأعظم التي تضعها بين أيدي شعوب العالم، وقد بزّت بها كل أعاجيب العالم الشرقي القديم حيث نشأت الحضارات القديمة الكبرى التي اعتمدت بشكل عام على فنون الحجارة بغالبيتها، وما لذلك من رمزية طوطمية صنمية تعكس كنه العقل الشرقي المتيم بالغيب والأسطورة والجماد، وظلت حتى يومنا هذا تدور في فلك هذه المتاهات والمدارات من اللغز والسحر والغيب ولم تستطع تجاوزه على الإطلاق ولذا تراها تراوح في مكانها بطريقة جد عقيمة.

ونشأت على هامش هذا التطور العجيب الصداقات الإليكترونية والمسنجرية التي باتت تعوض فعلاً عن الكثير من العلاقات الاجتماعية البائدة بطابعها القديم، ولاسيما فيما بين أفراد وأشخاص من نفس السوية والشريحة الثقافية والعمرية، التي تتشاطر نفس الهمّ والاهتمام، وبغض النظر عن الجنسية، والعرق واللون والانتماء. وقد بات المرء يتنقل بين عدة عواصم ومدن في الشرق والغرب وهو في غرفته، يحيي هذا، ويسلم على ذاك، ويسأل عن صديق، ويستفسر عن أمر ما. وبات ذلك يشعره بنوع من الالتزام الأدبي تجاه أصدقائه الإليكترونيين، يسأل عنهم، ويترك لهم رسائل الـ"أوف لاينز Offline، للاطمئنان عن أحوالهم، والاستفسار عن أوضاعهم في حال طال غيابهم أكثر من المعهود. وباتت هذه العوالم الافتراضية تشكل تعويضاً حقيقياً عن العوالم الاجتماعية الطبيعي والواقعية التي اعتادها الناس قبل أن تحل عليهم ولا أدري، نقمة، أو نعمة أنماط الحياة والاستهلاك الرأسمالي التي تغرّب الإنسان، وتعزله، كثيراً وتبعده عن محيطه الاجتماعي والعائلي، وجعلته عبداً، وبمشيئته، للمؤسسات الاحتكارية، والشركات الكبرى، والتروستات والبنوك والتكتلات المالية، يجري من الصباح ولغاية المساء ليلبي نهمها ويسدد ديونها وفواتيرها، ومن ثم تنهار وينهار هو ومعها كل شيء، أحلامه وطموحاته وأمنياته، وتذهب إلى الجحيم كل حساباته.

ولا ينسى كثيرون كيف تعوّض لهم هذه التكنولوجيا الفذة عن حياتهم الاجتماعية التي لعبت بتلابيبها ضغوطات الحياة والتزاماتها، ووصلت أرحامهم وعمقت صداقاتهم مع من يحبون وجعلتهم يتقابلون وجهاً لوجه يختصرون المحيطات واليابسة والمسافات، وبأبخس الأسعار، بعد أن هاجروا وتركوا الجمل بما حمل، ليعملوا في أحد أطرف الأرض، وييمموا وجوهم شطر البلاد الأخرى للعيش بعز وكرامة بعدما ضاقت بهم سبل الحياة في أرض أجدادهم حيث تتخلف الحياة بشكل ممنهج ومتعمد، وتـُفقر العباد وتموت الأحلام وتوأد الأمنيات البريئة الطاهرة العذراء.

وبات المرء يتواصل يومياً، صوتاً، وصورة، مع من يعز عليه أو من أرحامه، ودون أي عناء، ولساعات، وبأبسط التكاليف التي لا تكاد تذكر، وكل ما عليه فعله هو امتلاك جهاز كومبيوتر شخصي PC أو الـ Personal Computer، والدخول للشبكة العنكبوتية التي تكون، على الأغلب، بالمجان، وحسب تقنية الـ Wireless المنتشرة بكثرة في أغلب المناطق الأوروبية، على عكس ديار الإيمان وحكومات الإسلام التي تحرم مواطنيها من هذه الخدمات، لا بل تبتزهم فيها دون أي وجه حق كونها لم تساهم في أي من هذه الاختراعات الإنسانية العظيمة بل تتطفل عليها وعلى جهود الآخرين، وتعتبرها مصدر رزق واستغلال جديد لها وتفرض ضرائبها القراقوشية عليها، ولا تسعى البتة لتقديم أي نوع من الخدمات لـ"رعاياها" هكذا، ولوجه الله، أو بالمجان، وهذا متأت من طبيعة العقل الشرقي الاستبداي المتعيش على ثقافة الابتزاز والنهب والاسترقاق والاستعباد. وبات التواصل الإنساني وصلة الرحم عبر هذه التقنية العجيبة واجب"كفاية" يسقط عن الإنسان أية التزامات تجاه أصدقائه ومحبيه ومعارفه. وصارت المعايدة، والاطمئنان، وقضاء مختلف الواجبات الاجتماعية، والتهاني، والتبريكات، وحتى العزاء، يتم عبر هذا الفضاء، برضا، وقبول ودونما أي إحراج.

وتماماً، وكما في العوالم الواقعية، ففي العوالم الافتراضية، أيضاً، وعلى هامش هذه التقنية الجديدة نشأت تقاليد، وأعراف، وأخلاقيات جديدة صار كثيرون يعرفونها، ويقرّون بها، وبات من غير الطبيعي، أو الجائز اختراقها، ويعمل الجميع على التمسك بها واحترام قوانينها.

نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
what?
free syrian -

reading your article is a waste of time. this article is a change from the normal attack you usually do against free writers and anti syrian dectator. so i wonder, are you on vacation nedal to not attack the free syrian!

مهزلة الانترنت السور
جورج -

ونظامك يحارب بلا كلل الانترنت ويحجبه عن الشعب السوري, اعرف ان النظام قد سمح مؤخرا بدخول الانترنت لسورية ولكن الحال يشبه شخصا جائعا يسأل عن طعام فترة طويلة واخيرا يعطى طعاما ...ولكنه عفن وقديم..الانترنت في سورية مقرف لأنه كثير الأنقطاع وتحتاج لنصف ساعة لتحميل صفحة من الانترنت بحيث تقرف عمرك وتغلق جهازك وانت تلعن الرأس الكبير بائع المسخرات باني سورية الحديثة وبعده الرأس الصغير المتشدق بالانجازات الخلبية الوهمية الدعائية, والانترنت في سورية اغلى تكلفة في العالم بالنسبة لدخل المواطن ومعظم المواقع محجوبة...والحياة في سورية كلها قرف بقرف فيما عدا اقلية صغيرة تمتهن اللصوصية والسلبطة بحماية السلاح الرسمي والجزمة المخابراتية والعسكرية

ماعلاقة سوريا
أبو الجوج -

ماعلاقة سوريا بالموضوع؟ مقال جيد لكاتب متميز أقرأ له بإستمرار ومن الممتع أن يكتب بعيداً عن السياسة أو الدين وأوجاعهما..شكراً

هذا جيد
عربي مقيم في أمريكا -

...أشد على يد أبو الجوج وأنصح الكاتب بالابتعاد عن الكتابة بالدين أو السياسة لأنها تحتاج أدوات لا يملكها ومنها العلم التخصصي ومنها الشجاعة في قول الحق دون الانحياز الواضح والمكشوف لطرف ما...وبالمناسبة يا إيلاف أرجو نشر ثقافة التخصص في عالمنا العربي ...فليس كل من أمسك بأدوات اللغة العربية وامتلك جزالة وسبكاً جيداً يحق له الكتابة بالاقتصاد والسياسة والاجتماع والتاريخ والدين والطبخ والهندسة على مبدأ أبو العريف...الكتابة في موضوع ما تحتاج فكر وعلم وليس فقط بلاغة وعروض... وشكراً لهذه الجريدة الرائعة

الى جورج وفري سيريان
متابع -

لماذا لا تعلقون على المقال ؟ ما رأيكم كل ما قرأنا مقال أن نعلق عن بلد صاحب المقال ... مثلا اذا نشرت ايلاف قصة لنجيب محفوظ يكون التعليق عن مصر والمشاكل فيها ... واذا كان المقال عن أنيستون يكون التعليق عن الانتخابات في الولايات المتحدة ووصول أوباما ...واذا كان الخبر عن الطب الصيني يكون التعليق على النظام الشيوعي في الصين ... ما رأيكم ؟؟؟؟