أصداء

د. النابلسي من الإخوان الجدد إلى المعتزلة الجدد(2/2)

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بعد هذا المديح الساخن، ل"دولة الإخوان الذهبية الجديدة" القادمة المنتظرة، وطوفانها المنتظر، عاد د. النابلسي من "مصر الطوفان الإخواني الأكبر" التي ما أتت(وإن أتت فسوف لن تكون، بالتأكيد، "ليبرالية"، "ديمقراطية"، وديعة"، كما توقعها الكاتب، وإنما ستأتي داخل حدود الإسلام السلفي، أو حدود الخلافة الماضية، التي فصّلها الإخوانيون الآباء الأوائل، كحلٍ وحيدٍ أكيدٍ لحكمها وملكها)، عاد بخفي حنين، وتوجه إلى التفرغ لشئون مصر الأخرى، مصر القبطية، أو مصر الخارجة، لا بل المطرودة من حدود مصر الإخوان المسلمين، القدامى السلفيين والجدد "الذهبيين"، سواءً بسواء.

"أقليات ميموا على صفيح باردٍ جداً"..قبل ما يقارب العامين أو أقل، سمعنا وقرأنا الكثير بخصوص العكوس الساخنة جداً، لهذا العنوان

النابلسي من الاخوان الجدد للمعتزلة الجدد1-2

الصقيعي، بإمتياز. إنه عنوان يحمل في طياته عناوين أخرى سابقة طالعناها ك"بشرى سارة" إلى أبناء الأقليات المضطهدة في "الشرق السعيد". لا بد وأنّ المهتمين بالحرف وشئونه، قد قرأوا "بشريات سارة" من هذا القبيل، كان يبثها علينا، في حينه، بعض الكتاب والمفكرين الليبراليين، بقيادة د. النابلسي، الذين عزفوا على هذا الوتر "الملتهب، والمعروفين دون أدنى شك، بمواقفهم المساندة والمناصرة لحقوق الأقليات...وهنا لا أنكر بالطبع، بأني كنت واحداً من المشاركين في هذا العزف الليبرالي "الخالص"، ولكن من دون "آمال كبيرة ساخنة"، ودون "تسخين" لوعودٍ محتملة قادمة.

في 07 ديسمبر 2006، كتب د. شاكر النابلسي، "العازف" الأشهر على هذا الوتر، والمعروف بمواقفه الشجاعة، والإستثنائية في بعضها، مع أقليات شرقه المنكوب، الذي كلنا فيه همٌ، مقالاً تحت عنوان "غداً... الأقليات فوق سطح صفيح ملتهب!"، نشر في إيلاف وجهات إلكترونية أخرى، مبشراً فيه ب"عهد جديد" ل"100 مليون من الأقليات الدينية والعرقية في العالم العربي" التي ستصبح "على سطح من الصفيح الملتهب وليس الساخن فقط. يسمعون صوتهم للضمير العالمي، ولمنظمات حقوق الإنسان. وسوف يتولى المثقفون الليبراليون وغير الليبراليين قيادة هذه المسيرة الحضارية، جنباً إلى جنب مع مسيرة الحرية والديمقراطية عامة. فالاستحقاقات الديمقراطية واستحقاقات الأقليات صنوان، وتوأمان لا يختلفان. وهما يولدان في وقت واحد، ويشبّان تحت سقف واحد"(يُنظر المقال الآنف الذكر).

هناك في "مصر الإخوان"، من قبل، عزف النابلسي على وتر "الأكثرية الإخوانية"، وطوفانها الأكثر الأكبر القادم، وتغنى ب"ذهبها" و"قفصها" العاجلين القادمين، ك"خير أهلٍ لخير مصر"، أو "خير ذهبٍ لخير قفصٍ وخير ملك". أما في خطابه اللاحق، المشار آنفاً أعلاه، فهتف د. النابلسي ذاته، للنشيد الملتهب، في الطالع الساخن، لتوه، من حناجر الأقليات الملتهبة(والأقباط في أولها) فوق صفيح ملتهب، أكثر من ساخن.
في كلا الخطابين الملتهبين، على صفيح ملتهب؛ خطاب التنبؤ ب"مصر إخوانية ذهبية جديدة"، وخطاب التبشير ب"عصر جديد للأقليات"، يبدو النابلسي، مبشراً أكثر من متفائلٍ، بقرب الساعة الملتهبة، أو "قيامة" الدنيا "الذهبية"، لأولي الخطابين والمعنيين بهما، للعبور إلى مستقبل كبيرٍ ملتهب(بمعناه الإيجابي طبعاً)، قريب على وشك الحدوث، والدخول في النصر "الليبرالي" المبين.
هناك، بحسب د. النابلسي، سيكون النصر "طوفاناً كبيراً" تركبه الأكثرية الإخوانية الجديدة، لبناء "مصر إخوانية ليبرالية جديدة"، وهنا سيكون النصر "لهيباً كبيراً"، تركبه الأقليات الملتهبة الجديدة، لتحرق كل قديم ديكتاتور، للولوج إلى "عصر ليبرالي"، خالٍ من الإضطهاد والعنصرية والتفرقة بين أبناء الوطن، ليصبح الكل سواسية كأسنان المشط!

بعد هذه البشرى "الليبرالية" بإميتاز، بقرب ساعة قيام الأقليات المنتهكة، كالفينيق من رمادها، وقرب أوان "اشتعالها"، في أوطانها الواقفة على "صفيح ملتهب"، وبعد هذا "الإنذار الليبرالي"، للشرق الديكتاتور، بدنو عصر جديد، ربما يمكن تسميته ب"عصر الأقليات الذهبي"، تطورت فكرة "الأقليات الملتهبة"، بعد شهورٍ قلائل، إلى مؤتمرٍ كبير في مدينة زيوريخ السويسرية(24ـ26 مارس 2007) رعاه رجل الأعمال المصري الباش مهندس عدلي أبادير(89 عاماً)، المعروف ب"زعيم أقبط المهجر"(الذي رشح نفسه لرئاسة مصر سنة 2005، وقال في حينه: إذا كان يحق لكردي أن يحكم العراق فبالقطع يمكن لمسيحي أن يحكم مصر)، دُعي إليه نخبة من المثقفين والكتاب والمفكرين الليبرالين العرب من مختلف الأنحاء، إلى جانب ممثلي عدد كبير من أقليات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كالأقباط والكرد والأمازيغيين والمسيحيين(من لبنان والسودان) واليهود والشيعة والعلويين والإيزيديين والصابئة المندائيين، وسواهم.

د. سعدالدين إبراهيم وصف المؤتمر بأنه "الأول والأكبر من نوعه في تاريخ العرب قاطبةً، منذ 1400 سنة". بعد ثلاثة أيام مكثفة من المحاضرات والمناقشات والمناكفات والمقاطعات، خرج المؤتمر في جلسته الختامية ب"إعلان" سمي ب"اعلان زيورخ لتاسيس منظمة للدفاع عن حقوق الاقليات والمرأة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا"، التي سميت اختصاراً ب"ميموا"/ MEMWA ( MidMiddle East Minorities And Women Association ).

بعد أقل من إسبوع كتب د. النابلسي، الذي اختير رئيساً للمنظمة، مقالاً نشر في إيلاف(31 مارس 2007)، تحت عنوان "لكي لا ننام على الإسفلت مرة أخرى!"، مطالباً العالم، "ليحفظوا إسم هذه المنظمة جيداً"، "لأنه اسم أول منظمة في تاريخ العرب منذ 14 قرناً، تقوم بالدفاع عن حقوق الأقليات في الشرق الأوسط وشرق افريقيا"، و"لأنه جمع نخبة من أرقى المثقفين والمفكرين والباحثين والاعلاميين ليس من بني قومي العرب فقط، ولكن من معظم الأقليات في الشرق الأوسط وشمال افريقيا"، و"لأنه يريد أن يُسمع صوت الأقليات والمرأة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ليس للأنظمة العربية والإسلامية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا فقط، ولكن لكل صُنّاع القرار في العالم، والمدافعين عن حق الانسان بالعدالة والمساواة في المواطنة. و"لأن المنظمة جاهدة وجادة ومصممة على وضع القيم السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الانسانية، في موضعها الصحيح والسليم، بالنسبة لكل فرد في الشرق الأوسط وشمال افريقيا". و"لأنها سوف تقوم بمعارضة قوية ضد اقامة الأحزاب الدينية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وهي التي بقيامها ابتليت هذه المنطقة من العالم بكل هذا التمزق والتشرذم والارهاب وعدم الاستقرار.
فلا مشروعية للأحزاب الدينية، وليبق الدين مقدساً، بعيداً عن نجاسة السياسة ودنسها".

من الجملة الأخيرة في هذا الخطاب، يتبين انقلاب النابلسي على فكرة "جمهورية الطوفان الأكبر الإخوانية"، التي تنبأ بقدوم فجر بزوغها، أواسط يونيو 2005.
هنا، في خطاب الأقليات "الملتهبة"، يحجب النابلسي كل المشروعية عن كل الأحزاب الدينية(من الإخوان القدامى إلى الإخوان الجدد)، ويأمرها بضرورة بقاء الدين في المقدس فحسب، بعيداً عن "نجاسة السياسة ودنسها".
أما هناك، فيبشر بتحول الأحزاب الدينية الداخلة في كل الشرعية، وعلى رأسها جماعة الأخوان المسلمون "الجدد"، إلى أحزاب "سياسية"، "واقعية براغماتية"، "مرنة"، "تقدمية"، "رافضة للخلافة"، تؤمن بالدولة المدنية العلمانية كبديل للدولة الدينية"، "ديمقراطية"، "تؤمن بالإنتخابات والحقوق المدنية"، "مفتوحة على حقوق المرأة"، "ليبرالية"، على غرار أحزاب اوروبا المسيحية، كحزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني، والديمقراطي المسيحي في كل من سويسرا وإيطاليا!!!

من تابع، في الآونة الأخير، الأخذ والرد "القاسيين"، اللامألوفين، الخارجين على العادة بعض الشيء، بين خطاب النابلسي(الذي اعتاد عليه القارئ في كونه "خطاباً صديقاً" في صف القضية القبطية منذ سنوات) وخطاب بعض الكتاب الليبراليين من أقباط مصر، والذين يدرجهم النابلسي تحت إسم "الكتاب الأقباط"(علماً أن بعضهم لا سيما صديقه الكاتب كمال غابريال، رفض أكثر من مرة، اختزال كل مكتوبه، كقبطي، مصري، شرق أوسطي، إنساني كوني في هكذا تسمية ضيقة/ يُنظر مقال للكاتب نشر في الفضاء الإنترنتي، تحت عنوان "عفواً د. شاكر النابلسي، في 5 يوليو 2005)، وقرأ مابين السطور في كلا الخطابين، وتفاصيل الدخان المتصاعد، من "نيرانهما الصديقة"، سيتوضح لديه بأن د. النابلسي ما عاد "قبطياً أكثر من عدلي أبادير" كما كان، مثلما هو يسعى جاهداًَ، لأن يكون "كردياً داخلاً في حرير كردستان، أكثر من مسعود البارزاني" منذ سنواتٍ خلت ولا يزال.

في مقاله المنشور في إيلاف(06.10.08)، تحت عنوان "الأرثوذكسية بين الأقباط والإخوان المسلمين"، والذي أثار أسئلةً وردود أفعال كثيرة، بدا انقلاب د.النالبلسي، على نفسه، مرةً أخرى، واضحاً. فبالرغم من أن العنوان يشي ب"التقاء" كل من الأقباط والإخوان المسلمين، في قواسم "ارثودكسية" مشتركة واحدة، إلا أن وقوف النابلسي في هذا المقال، إلى جانب "تسامح الإخوان" ضد "تشدد وتعصب الأقباط" يبدو صريحاً وواضحاً، حين يقول: "ونلاحظ أن الإخوان المسلمين ـ من خلال الإسلام ـ أكثر تسامحاً من الأقباط في النواحي الإجتماعية. (...) وفي حين، لا يمانع الإخوان المسلمون ـ وباقي المسلمين ـ زواج المسلم السُنّي من المرأة الشيعية أو المسلم الشيعي من المرأة السُنّية، تُحرّم الكنيسة القبطية زواج الأرثوذكسي من الكاثوليكية أو البروتستانتية، وتعتبر الكنيسة القبطية مثل هذا الزواج بمثابة زنى".
الواضح، هنا، هو أن د. النابلسي قرأ هذا "التسامح الإخواني" "المتفوق"، من "نافذة دينية" بحتة، وليس من نافذته الليبرالية التي اعتاد عليها قراءه ومتابعوه.
هو قرأ ظاهرة الزواج التي أسند إليها "تسامح الإخوان" في إتجاه واحد، وكأنه يسوق عربة هذا التسامح في آينبانشتراسيه/ Einbahnstrsse، على حد المصطلح الألماني، أي طريق في اتجاه واحد، ذهاب من دون إياب. ولن أضيف في هذا السياق، على ما قاله الكاتب الزميل مدحت قلادة، حين قال في رده على رؤية النابلسي الأحادية هذه: "يشرح النابلسي ذلك على طريقة لا تقربوا لصلاة!!؟ فلماذا لا يسمح الإخوان للمسيحي بالزواج من مسلمة بما انه كتابي أيضا؟!!! آم أن النكاح لابد أن يكون نكاح مسلم لقبطية وليس العكس!!"(يُنظر: مدحت قلادة: النابلسي والأقباط والإخوان، إيلاف، 7 أوكتوبر 2008).

ولكن لماذا هذا الحنين الدفين، من جهة د. النابلسي، إلى "التسامح الإخواني"، في هذا الزمان، تحديداً، حيث يبكي فيه كلٌّ على "ليلى طائفته"؟

والسؤال الأكثر من مشروع، ههنا، على مستوى "ميموا"، يوم حفظّنا د. النابلسي، إياها؛ السؤال الذي لم يطرح للآن، بعد كل هذه "البشريات السارة"، والعسل الذي وعدته ميموا لأقلياتها كي ينام أبناؤها فيه، و"الصفيح الأكثر من ساخن، الملتهب، الذي كان من المفترض أن تطفو الأقليات على سطحه، كي تحرق الديكتاتور وكل شرقٍ لفّ لفه، هو: أين هي ميموا(التي كانت الأول من نوعها منذ 14 قرناً في كل تاريخ العرب)، التي سقطت في أكثر من نسيان، وفي خبر أكثر من كان؟
أين هي الأقليات وحقوقها المفترضة، الآن، من ميموا التي أنامتهم في عسلٍ كثير، وأين هو د. النابلسي مما قاله بالأمس القريب جداً، وأين هي الليبرالية العربية التي تقول في الكل كل شيء، ولا تقول عن نفسها وعن المقيمين الدائمين في كلامها الشغال أربع وعشرين ساعة شيئاً؟

في البند ال19 مما سماه النابلسي ب"مسودة مانيفستو الليبراليين العرب الجدد"، المنشور في مقال تحت عنوان "من هم الليبرايليون العرب الجدد، وما هو خطابهم، يؤكد الكاتب على "الضرورة الليبرالية" ل"العودة إلى الذات ونقدها، والعودة إلى الوعي بالذات لا كأفراد ولكن كأمة".
ولكن الغريب هو أن د. النابلسي، بإعتباره رقماً كبيراً في معادلة الليبرالية العربية الجديدة، خصوصاً بعد "البيان الليبرالي" الموقع بإسمه وبإسم المفكر التونسي المعروف العفيف الأخضر، و وزير التخطيط العراقي السابق الدكتور جواد هاشم، المرفوع إلى الأمم المتحدة، والمنشور في إيلاف بتاريخ 24 أوكتوبر 2004، ولكونه الرأس الأول ل"ميموا"، الغريب هو أننا لم نرَه حتى الساعة، بحث في مقالٍ، أو بعض مقالٍ، في أسباب وعوامل وخفايا "اختفاء" ميموا، بإعتبارها "المنظمة الأولى من نوعها على طول تاريخ العرب وعرضه، منذ 1400 سنة". لم نرَ النابلسي يكشف للمعنيين من أبناء الأقليات المليونية وأصدقائها وأعدائها، عن سرّ "سقوط ميموا"، مثلما كان يكشف بحماسٍ كبير جداً عن سرّانيات "صعودها الملتهب". لم نرَه يطرح سؤالاً عن "ميموا السقوط" وتداعيات اختفائها السريع جداً، وهو صاحب مؤلف "لماذا/ 2006" كبيرة، الباحثة عن السقوط العربي في أسئلة الألفية الثالثة؟

وعلى اعتبار أن د. النابلسي قد صدر كتابه(لماذا) هذا، بعبارة شهيرة للفيلسوف والشاعر الألماني الشهير نيتشه(15 أوكتوبر 1844ـ25 أغسطس 1900)، تقول: "من أراد أن يرتاح فليعتقد، ومن أراد أن يكون من حواريي الحقيقة فليسأل"، أسأل بدوري، ربما اتقاءً من شرّ الوقوع أو السقوط في أي اعتقادٍ، لماذا ميموا: لماذا قامت ميموا، نجحت ميموا، التهبت ميموا، صاحت ميموا، جاءت ميموا، نادت ميموا، راحت ميموا، كانت ميموا، سقطت ميموا، طارت ميموا، غابت ميموا؟؟؟

والآن، بعد ترك النابلسي، للتنظير ل"جمهورية الطوفان الإخوانية"، التي بشّر بذهبها الكثير في "مصر الذهبية"، وتركه للتنظير الملتهب ل"ميموا" الملتهبة، التي سقطت في تاريخٍ من جليد، توجه النابلسي صوب "مغرب العقل العربي"، كي يعلنه عنواناً مسقبلياً، ل"العقل العربي" القادم، من مشرقه إلى مغربه.
في مقاله المشار أعلاه، ينتقل النابلسي، من التنظير لفكر "الإخوان الجدد"، الذي سماهم هذه المرة، مع كل الحركات الإسلاموية ب"الأشاعرة الجدد"، إلى التنظير لفكر "المعتزلة الجدد" وشتان ما بين الفكرين، و"الإخوانين"، و"الجديدن" منهما.
شتان ما بين كلام المعتزلة، ونقل الإخوان.
شتان ما بين كلام المعتزلة الكثير، ونص الإخوان الواحد الأحد.
شتان ما بين ديمقراطية وعدالة الكلام المعتزلي، وديكتاتورية النص الإخواني.
شتان ما بين ليبرالية المعتزلة الممكنة "المجازية"، و"ليبرالية" الإخوان اللاممكنة المستحيلة(راهناً وفي المسقبل المنظور في الأقل).
شتان ما بين العقل لدى المعتزلة، والنقل لدى الإخوان.
شتان ما بين "عقل الكلام" عند المعتزلة و"عقل النص" لدى الإخوان.
شتان ما بين الله العقل في عقل المعتزلة والله النص في عقل الإخوان.
شتان ما بين فلسفة المعتزلة، وسياسة الإخوان.
شتان ما بين "جديد" المعتزلة و"جديد" الإخوان.
شتان ما بين "المعتزلة الجدد" و"الإخوان الجدد".
شتان ما بين العفيف الأخضر ومحمد أركون وسواهم ممن سماهم النابلسي ب"المعتزلة الجدد"، وبين عصام االعريان، ومحمد السيد حبيب، وعبد المنعم أبو الفتوح وخلاهم ممن وصفهم النابلسي، بحماسٍ كبير ب"الإخوان الجدد"، أو "الإخوان الليبراليون الجدد".
شتان ما بين ليبرالية النابلسي الداخلة في العقل المعتزلي الجديد، راهناً، وبين ليبراليته المداحة للعقل الإخواني الجديد، سابقاً.
شتان ما بين النابلسي الليبرالي ههنا، والنابلسي "الإخواني"، هناك؟
كيف يمكن أن يستوي المتكلمون الجدد(المعتزلة الجدد)، الذين يدخلون النص في العقل أو العقل في النص، مع النصوصيون الجدد(الإخوان الجدد)، الذين يخرجون العقل من كل النص؟
كيف يمكن أن يستوي الله، حراً، طليقاً، في العقل، عند المعتزلة الجدد، مع الله، مسجوناً، مدفوناً، في النص، عند "الإخوان الجدد".

كيف يمكن قراءة مستقبل العقل الليبرالي التنويري، في نقيضين متوازيين، لن يلتقيا مهما امتدا: "المعتزلة الجدد"، الذين يجيزون(بحكم تأسيس الفكر المعتزلي على القراءة المجازية المتعددة) الذات في الآخر، والآخر في الذات، و"الإخوان الجدد" الذين يزجّون(بحكم تأسيس الفكر الإخواني على القراءة الواحدية) الآخر، سواء أن شاء أم أبى، في الذات الواحدة، التي اختارها الله، ك"خير ذاتٍ أخرجت للناس"؟

لا مشكلة بالطبع، في أن يتحول الكاتب، لا سيما الكاتب الليبرالي، في سياق تأريخه لشؤون الحرف والكتاب، من فكر إلى فكرٍ آخر، ومن قناعةٍ إلى أخرى، ومن "جديدٍ" إلى "جديدٍ آخر"، أو من "حقيقةٍ" إلى "حقيقةٍ آخرى". ولكن المشكلة الكبرى، في ليبرالية د. النابلسي، هو تحوله من "الحقيقة" إلى نقيضها، ووقوعه في فخ التنظير للنقيضين، بذات المستوى من الحماس والقناعة والإيمان.
فهو نظّر، من قبل، ل"الحقيقة الإخوانية الجديدة"، التي هي "حقيقة" واحدة ثابتة، تدعو إلى "دولة الخلافة"، لم تتغير في جوهرها، منذ شيخها الأول حسن البنا، إلى شيخها الأخير المرشد السابع للجماعة محمد مهدي عاكف(المعروف بمقولة "طظ في مصر وأبو مصر" وب"أنه لا يعنيه أن يحكم مصر مصري أو تركي أو حتى ماليزي، فالمهم أن يكون مسلما")، وأعربها بإعتبارها "حقيقة ليبرالية جديدة"، تحولت من "السلفية النصوصية"، إلى "الحداثة التأويلية"، ومن "حقيقة واحدية، دينية، ديكتاتورية، لا تعترف بالآخر" إلى "حقيقة كثيرة، علمانية، ديمقراطية، ليبرالية، تؤمن بالمشاركة مع الآخر"، تماماً مثلما هو ينظّر الآن ل"الحقيقة المعتزلية الجديدة"، بإعتبارها "حقيقة تنويرية، حداثوية"، يتوقف عليها مستقبل العقل العربي، على حد رأي النابلسي.

د. النابلسي، منذ خطابه المداح، ل"جمهورية الإخوان الطوفانية"، ووصفه ل"الإخوان الجدد"، بأنهم "واقعيون"، "ليبراليون"، ولا يتخذون من الإسلام السياسي، سوى الظاهر، ك"قشرة طلاء ذهبية، لأغراض التسويق السياسي، وإرضاءً لغريزة الدين المسيطرة على الشارع العربي!"؛ منذ هذا الخطاب الطائر في فضاء التمني، يبدو أنه يقرأ الإخوان المسلمين، في كفٍ من خيال، أكثر من قراءته لهم في كف الواقع منهم ومن ثقافة شيوخهم، القادمة من ماضٍ سلفيٍّ سحيق.
ترى هل سيخرج علينا د. النابلسي بعد توجهه صوب "مغرب العقل العربي" الذي يمكن تسميته، ب"العقل المعتزلي الجديد"، وقراءته له بإعتباره "مسقبلاً لكل القادم من العقل العربي"، وكل الحداثة وكل التنوير منه، من المحيط إلى الخليج، كما قرأنا في مقاله "صراع الإسلام والعقل، في معركة الأفكار"، هل سيخرج علينا في القادم من فكره، والقادم من كتابه، منقلباً، على هذا "العقل المستقبل"، ليوقعنا، مرةً أخرى، في فخاخ "العقل الإخواني الماضي"، عبر "نظريات طوفانية، تسامحية"، و"ليبراليات إخوانية"، أخرى جديدة؟
لا أتمنى ذلك.

سقت كل هذا الأخذ والرد، والبحث في الماضي القريب من حروف وكتابات د. شاكر النابلسي، المتناقضة، على مستوى التنظير، مع الحاضر والآن منها، بإعتباره واحداً من أنشط وأكبر الأسماء الليبرالية في المشهد الثقافي العربي، كي أسأله، وأسأل من خلاله كل الليبراليين المعنيين بهذا الشأن، ب"لماذا(ه) الجميلة، دون أدنى أيّ شك: لماذا لا تسقطون ذات ال"لماذا" على ذواتكم، كي تحفروا بها عما وقعتم فيه من التنظير اللاصواب، والتفكير الخارج عن كل توقع وكل حساب، أم أن ال"لماذا" في جمهورياتكم الفكرية، ليس لها أي محل الإعراب، أو هي ضرب من قبيل اللامفكر به وفيه؟

أسأل، هكذا ناطقاً، فصيحاً، في مكتوبٍ معلومٍ، كي لا أسقط في سكوت الصامتين، الذين أهدى النابلسي "لماذا"(ه) إليهم، حين قال..إلى الصامتين لعلهم ينطقون.


هوشنك بروكا


hoshengbroka@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شكراً
أسامة خليل -

شكراً لـمنظمة أقباط متحدون شكراً لعدلي أبادير، وشكراً لمدحت قلادة، فقد نجحتم في مهمتكم، وتمَّ المطلوب.Done

انصحه بالتقاعد
الايلافي -

اعتقد ان النابلسي يعمل وفق مقولة الغاية تبرر الوسيلة وهذا يفسر قفزاته من مكان الى مكان انصحه بالتقاعد

ربما أستلم تهديد قتل
كركوك أوغلوا -

ولايريد الشهادة !!..(ربما) وليس (لماذا) ؟؟!!..