أصداء

لابد من التفرقة بين حقوق الله وحقوق الناس

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

في خطاب هيئة الأمر بالمعروف:

أذكر أنني كتبت مقالا في جريدة الرياض عن التكييف الشرعي الصحيح للعلاقة الفردية/ الروحية بين الإنسان و ربه، http://www.alriyadh.com/2007/06/26/article259769.html
حاولت من خلاله أن أوضح أن مفردات تلك العلاقة تخضع، في صدق وديمومة أدائها، للاقتناع الشخصي من قبل المكلف بها. وهي من ثم ليست قابلة لإكراه الإنسان على أدائها. لا بل إن الإكراه ربما يتسبب في (تقزيم) المكلف لتلك العلاقة من منطلق سيكولوجي بحت
كانت التعليقات على ذلك المقال في موقع الرياض الإلكتروني، محتجة، في غالبها، على ما ذهبت إليه من ضرورة بناء تلك العلاقة على الاختيار الشخصي الحر. ولخص أحد المحتجين رؤية المعارضين للرؤية التي طرحتها من خلال المقال بقوله:( إذاَ لنترك المجرمين، يزنون ويسرقون ويغتصبون، بلا عقوبة، طالما أن تصرفاتهم تلك مبنية على الاختيار الشخصي!!!). وهو تعليق يختصر، بما يغني عن تأليف الأسفار، توصيف مشكلة ثقافية تتمثل في عدم التفرقة بين حقوق الله وحقوق الناس، رغم أنها ــ أي التفرقة تلك ــ في أساسها ثقافة دينية منبثقة من صميم أدبيات الإسلام.ناهيك عن التذكير بأنها أيضا أساس قامت عليه فلسفة حقوق الإنسان بجانبها الوضعي المعاصر.


ما أعادني إلى ذلك الموضوع ما قرأته مؤخرا من تصريح منسوب لفضيلة الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول فيه:" إن كانت لرجال الهيئة أخطاء فلعل أخطاءهم تُغمر وتضيع في بحر حسناتهم". إذ أن مثل هذا التصريح، يمكن موضعته في تقديري، ضمن نفس المشكلة، مشكلة عدم التفرقة بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين.


ولفض الالتباس بين المفهومين، يجد بنا أن نذكٍّر أن فلسفة الحقوق في الإسلام تقوم على الفصل التام بين جانبين من الحقوق، أحدهما حق خالص لله تعالى، وأحدهما حقوق للآدميين. والفصل الذي بناه الإسلام بين جانبي تلك الحقوق يأتي من ناحية إلزامية أدائها من جهة، ومن ناحية العقوبة المقررة على التقصير في أداء كل منها من ناحية أخرى، فحقوق الله تعالى، خاصة منها ماهو محسوب على جانب العبادات، بالإضافة إلى أنه لا يترتب على التقصير فيها عقوبة دنيوية، فهي مبنية أيضا على (مسامحة) المقصر فيها من عقوبتها الأخروية، فقد يغفر تعالى للإنسان تقصيره في جانب حقه متى ما علم صدق نيته. قال تعالى:( إن الحسنات يذهبن السيئات)
أما حقوق الآدميين فمبنية على المشاحة، ومعناها أن كل إنسان شحيح بالمطالبة بحقه كاملا ولا شأن له بحقوق غيره. دليل ذلك ما جاء عند البخاري ومسلم وأهل السنن من أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بجنازة ليصلي عليها فقال: هل عليه من دين؟ قالوا: لا فصلى عليه ثم أُتي بجنازة أخرى فقال: هل عليه دين؟ قالوا: نعم قال: صلوا على صاحبكم قال: أبو قتادة: على دينه يا رسول الله، فصلى عليه.


ومن ناحية أخرى فإن حقوق الآدميين لا تتداخل، بمعنى أن قيام الإنسان بواجبه تجاه مراعاة حقوق البعض من الناس، لا يعفيه من تقصيره تجاه البعض الآخر، حتى ولو كان فردا واحدا. فلا يمكن مثلا أن نقول: إنه ما دام أن ذلك الإنسان قد قام بواجبه تجاه الغالبية من الناس فلا مانع من مسامحته عن تقصيره بحق الأقلية منهم، فكل حق من تلك الحقوق يُعامل بصفته الفردية الغير قابلة للتداخل مع حقوق الآخرين. فلو أن إنسانا أُتي به وقد قذف إنسانا آخر، وأكل مال آخر، وفقأ عين آخر. فهذه تعديات على حقوق عدد من الناس، وهي لا تتداخل بين بعضها من الناحية الشرعية كما الوضعية، بمعنى أن بعضها لا يحل محل البعض الآخر، بل يعاقب الجاني ــ وفقا للشريعة الإسلامية ــ بجلده حد القذف، ثم بقطع يده جزاء السرقة، ثم بفقئ عينه جزاء فقئه عين غيره.


بل إن مما يؤكد بناء حقوق الآدميين على المشاحة من جهة، وأن القيام ببعضها لا يجزئ عن التقصير ببعضها الآخر، أنه في حالة عدم مقاضاة المجرم عن جرائمه المتعددة التي اقترفها في الدنيا، فإن الله تعالى يعاقبه على كل واحدة منها يوم القيامة بشكل مستقل عما عداها. فقد أخرج مسلم في صحيحه rlm;عن rlm; rlm;أبي هريرة rlm; أن رسول الله rlm; rlm;صلى الله عليه وسلم rlm; rlm;قال: rlm; rlm; (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة. ويأتي قد شتم هذا rlm;rlm;وقذف rlm;هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن rlm; rlm;يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار).


وبالعودة إلى ما صرح به معالي الرئيس العام للهيئات، واعتمادا على التكييف الشرعي لفلسفة الحقوق في الإسلام، فإنه يمكن لنا القول بأن أخطاء منسوبي الهيئات ــ في حالة حدوثها ــ لا يمكن اعتبارها، سواء من الناحية الشرعية أو القانونية،" مغموسة" في بحر حسناتهم. فمن الناحية القانونية، سيتم ــ أو هكذا يفترض ــ محاسبة المخطئ ضمن ما يقرره نظام عمل الهيئة ولائحته التنفيذية، وما تقرره الأنظمة الأخرى كنظام تأديب الموظفين. أما من الناحية الشرعية فسيطالِب المخطى عليه بحقه مشاحة بصفته المنفردة، ولا شأن له بحقوق الناس الآخرين التي لن يطالب بها نيابة عنهم، مثلما لن يرضى أن" يُغمس" انتهاك حقه في"بحر" الوفاء بحقوق الآخرين.

يوسف أباالخيل

foltair89@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
أتدرون ما المفلس؟
ناديا -

اثارت قراءة المقال في ذهني مجددا التساؤلات ذاتها و التي ما فتئت تلح على تفكيري و لا اجد لها اجابة.-باية كيفية يصنع اكراهي على اقامة طقوس العبادة مني انسانة مؤمنة؟-و اذا لم تكن الغاية جعلي مؤمنة , فما الغاية اذا من تسليط السيف على رقبتي كي اؤدي الصلاة على سبيل المثال لا الحصر؟-كيف لاي شخص ان يجزم ان التسلط على حياة الناس بهذا الشكل الممجوج االمهين لكرامة النفس البشرية ليس اثما كبيرا , و كيف يكون مرضاة لله بالرغم من خلوه من اي ذرة من الانسانية؟-هل لي ان اعمل من السيئات ما يحلو لي ايمانا مني بان حسناتي سوف تمحيها, و ذلك حسب فهمي ل "ان الحسنات يذهبن السيئات"؟ و يا ترى هل امة الاسلام تعمل بهذا المبدأ فتفسد بالارض من كذب و غش و سرقة و خداع و نفاق و قتل و تفجير ظنا منها بانه سيمحى عند اقامة الصلاة او الزكاة او الصيام او الحج؟-العالم ينادي بحرية الدين و المعتقد, و الاسلام يأبى الاعتراف بحرية الفرد المسلم في اداء فروض العبادة ضمن الاسلام نفسه! -هل مر على امة الاسلام عصورا اشد حلكة؟