أصداء

وداعا زمن الثقافة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

صديقان نشآ معأ فى حى واحد وتعلما فى نفس المدارس بمراحلها المختلفة حتى الجامعة فقد التحقا بنفس كلية التجارة بنفس الجامعة وتخرجا منها فى نفس العام وأديا الخدمة العسكرية ثم بدآ فى البحث عن العمل ففشلا فى عدة محاولات حيث يحتاج العمل إلى وسائط وظهور -جمع ظهرأى سند يقوّيه mdash;ومال وفير ونفاق وتملق وتردى أخلاقى كأننا سمك يتعارك على قطعة طعام فى البحر وأقول سمك حتى لا أجرح الكرامة الإنسانية، أما الصديقان فلم يكن أمامهما بد سوى السفر لدول الخليج ولكنهما أخفقا أيضأ بسبب الإرتفاع الباهظ لسعر العقد فى مافيا مكاتب إلحاق العمالة بالخارج ألمنتشرة كالسرطان فى كل مكان من مصر والتى يجب إستئصالها من جذورها وإستبدالها بمصلحة حكومية مخلصة بلا رشوة -طبعأ حلم خيالى- توفر هذه العقود للراغبين فى السفر بدون أن يضطر الواحد منهم لبيع كل ما يملك من أجل السفر حتى إنهم ليذكروننى بذلك الرجل الذى باع بيته لكى يتزوج فأضحك من شدة الغم وأبكى من فرط الضحك ألمهم نعود إلى الصديقين الحميمين الذين قررا بعد تفكير عميق السفر للأردن ولقد كانت مفتوحة فى السابق لكل مصرى يرغب فى كسب لقمة عيشه بدون التعقيدات المستحدثة فى هذه الأيام الغبراء وكأن كل شىء يقف فى وجه لقمة عيش المصرى حتى الأردن ألتى شيّدها المصريون بأيديهم أصبحت تغلق أبوابها فى وجوههم وتشترط عليهم الحصول على عقد أى ترمى بهم فى أحضان اللصوص والسماسرة من أجل توفير العقد المزعوم فلك الله يا شعب مصر الطيب العريق المكافح الصابر على كل بلاء، فسافرالصديقان عن طريق البر بأقل الأسعار وعملا معأ فى مصنع بلاط ثم فى محل لبيع الأسماك لعدة سنوات ثم قررا العودة بعد ان فقدا نصف صحتيهما وصارا كالعجوزين الهرمين ولكنهما استردا جزءأ كبيرأ من هذه الصحة المفقودة بعد العودة لأرض مصر الغالية والتغذى على طعامها الرائع والشرب من نيلها الخالد
كان احدهما مولعأ بقراءة الكتب محبأ للفكر والمفكرين والثقافة والمثقفين والعلم والمتعلمين فكان لا يكف عن شراء الكتب والبحوث وقراءة المقالات والمذكرات والبحث عن الآراء فى كل اتجاه وفى كل حدب، اما الآخر فكان عاديأ لا يهتم بما يهتم به صاحبه ويعتبر ذلك مضيعة للوقت وإهدارأ لعمر الإنسان القصير الذى يجب إضاعته فى التجارة والمكسب وتكوين الثروات وبناء العمارات، وجهات نظر يجب إحترامها مع شجبنا الاكيد لها وتأييدنا العميق لمحبى الفكر والقراءة والثقافة قرر محب الثقافة ان يفتح مكتبة لبيع الكتب والمؤلفات القديمة والحديثة فقام بإنفاق كل ما يملك على تجهيز المكتبة على أحدث طراز حتى تجذب الزبائن وجعلها كالحديقة حيث وزّع بها الزهور والورود فى كل جهة ونشر بها البخور والعطور ففاحت رائحتها العبقة فى كل الإتجاهات اما الآخر فقد خرج بفكرة رهيبة تقشعر منها الأبدان أتعرفون ما هى؟ لقد فتح محل فسخانى mdash; نوع من السمك المملح يصنعه المصريونmdash; قائلأ انها الطريقة البسيطة والسريعة لتكوين ثروة من حلال فى مصر -عليك ببيع الطعامmdash; وهو يعلم جيدأ حب
المصريين للفسيخ ليس فى شم النسيم -عيد الربيع فى مصرmdash; فحسب بل على مدار العام وخصوصأ النساء فالواحدة منهن بمجرد أن تذكر أمامها كلمة فسيخ بالبصل والليمون قد تسقط مغشيأ عليها من شدة النشوة والتلذذ بهذه الكلمات وقد تنقل إلى غرفة العناية المركزة لو لم يجرى المسكين زوجها لإحضار الفسيخ ولوازمه من ليمون وبصل وخلافهgt;


ارأيتم ذلك الشاب الذكى المفترى كيف فكّر؟ وكيف قدّر؟ وكيف تبحّر فى علوم الأكل المصرى وكيف توصّل إلى ان الفسيخ هو سيد الأطعمة لدى نصف الرجال وكل النساء واتحدى أن تقوم سيدة بالتعليق تحت مقالى بأنها لا تحب الفسيخ بالبصل والليمون حتى لو كانت طبيبة وأنا طبيب واعرف ماذا اقول ولا أريد الإطالة عن الطبيبات المحبات للفسيخ رغم معرفتهن الأكيدة بما قد يجلبه من أمراض وابتلاءات ألمهم نعود إلى الصديقين المتناقضين ويجدر هنا ألا نطلق عليهما صديقين ولكن نقول زميلان لبعد المسافة الفكرية بينهما ووجود هوة سحيقة تفصلهما فلا يليق ان يتصادقا وهذا رأييى ولا افرضه على أحد، مرت الأيام والشهور وكانت المكتبة فى بداية الأمر يفد عليها الناس يقلبون الكتب ويقرؤن عناوينها وأسعارها المدونة عليها ثم يضعونها ويخرجون ومن النادر أن يشترى أحدهم كتابأ ومع هذا فقد كان أخونا المثقف سعيدأ وكان يعتقد أن الخير قادم وأن سوق الثقافة سيزدهر وفى نفس الوقت كان الناس يتوافدون أفواجأ على محل الفسيخ المواجه له فى نفس الشارع والذى يملكه زميله ولا يخرج الرجل أو المرأة إلا ومعه لفة الفسيخ المعتبرة ولا يعانى فى البحث عن أهل الليمون والبصل فقد تزاحموا فى المكان لبيع منتجاتهم التى لا تحلو إلا مع الفسيخ فكان صاحبنا محب الثقافة يتعجب مما يرى ولا ينبس بحرف حتى لا يظن زميله أنه حاقد عليه أو مستكثر رزقه عليه وهى تهمة خطيرة وكفيلة بقطع الصلة بينهما إلى يوم يبعثون ظل الأمر هكذا يا سادة حتى مر عام كامل فماذا كانت النتيجة؟
كانت مخزية ومخجلة فى ذات الوقت فها هو الفسخانى يشترى سيارة حديثة ويضع رصيدا بالبنك ويجرى الناس بين يديه وتحت قدميه من العاملين لديه والراغبين فى كسب رضاه والمتقربين له حتى يتزوج من واحدة من بناتهم وصار يلبس افخر الثياب ويوجد لديه صبيان يكنسون له المكان ويرشونه بالماء فى كل أوان ويحضرون له الشيشة والدخان، ويقفون رهن إشارته، لتنفيذ كل ما يطلب سيادته.


أما محب الثقافة فقد انزوى، ولأحلامه قد طوى، فأمله قد هوى، وبدأ يبيع الكتب بالجملة لمكتبات أخرى بخسارة فادحة فعطف عليه الولد الأصيل، الشهم النبيل بائع الفسيخ ولكى لا يجرح شعوره لم يعرض عليه أن يكون صبيأ من صبيانه فهو مهما كان صديق العمر ورفيق الكفاح والعرق والألم فقال له بصوت خفيض:
لماذا لا تحول محلك إلى محل مأكولات؟ فقال كيف ذلك؟
قال له فول وطعمية وبازنجان مخلل ومقلى وبهارات وسترى ماذا ستكسب؟ فقال والمكتبة والكتب هل أتركها؟ فقال والله انت حر أنا نصحتك وفلوسى كلها تحت أمرك، طبعأ رفض المثقف الفكرة لأنه فقرى - - من الفقرmdash;وأغلق محله وجمع البقية الباقية من فلوسه وحصل بشكل أو بآخر على فيزة سياحة لهولندا واستقر فيها منذ تسع سنوات وأخيرأ رجع وقابلته وعرفت منه أنه صار هولنديأ وله مطعم بفتيك مصرىmdash;فول وطعميةmdash;فى قلب أمستردام فعحبت منه وقلت لماذا لم تفتحه فى مصر فقال انا الآن لى ثلاث عمارات فى مصر يا صديقى فقلت وما أخبار الثقافة فقال مبروكة عليكم يا عم
!!!!
فحزنت حزنأ شديدأ على الثقافة والمثقفين وتعجبت من الناس والزمان الذى لا مكان فيه للفكر وأهله إلا على صفحات الجرائد الإلكترونية التى جمعتنا بعد شتات وأحيتنا بعد ممات وأيقظتنا بعد سبات، وقلت فى نفسى فعلأ نحن فى زمن الفسيخ!!!



د.حسن أحمد عمر
كاتب وشاعر مصرى
عاشق الحب والسلام

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لا اتعجب
دارا خسرو حميد -

الثقافة اصبحت هواية الفقريين، الانسان يحب ويركض وراء العمل الذي ياتيه بالنتيجة مربحة في حياته اليومية، اهنيء صاحبنا الثاني الذي ذهب الى هولندا وفتح مطعما للفول والطعمية، قبل ان يقتله داء القراءة والكتابة.اكتب هذه الاسطر وانا من الذين اصابهم داء الثقافة، فالثقافة عندنا انعزال,فقر،غبن.اما في الدول الغربية فان درجة الثقافة والتعلم له من الاساسيات التي ترفع شان الشخص في المجتمع.ربنا ابلينا بداء الفول ولا داء الثقافة.دارا خسرو حميد-جريدة الصباح الجديد

صدقت
فقرية -

هذا حال المثقفين العرب والثقافة العربية , ونجد المنتقدين للكتاب والجارحين كثيرين لكنهم لايتجرأون على انتقاد اصحاب الملايين من التجار النصابين او من السياسيين المستغلين لمناصبهم والمرتشين وما الى ذلك لانهم بمنأى عن التجريح واختلاق الاخبار عنهم , والعرب يقدرون فقط ان يرموا باحقادهم واكاذيبهم على الكتاب والمثقفين, بسبب العقد والغيرة والحسد غالبا , يحسدونهم لمجرد القدرة على قول كلمة حق . شكرا للكاتب على القصة الواقعية جدا..

نعم للفسيخ لاللتشاؤم
إنجي -

تحياتي دكتور حسن..بعد قراءة مقالك (الشهي)-ومؤكد لن أتحداك-أو بالأحرى لن أتحدى الفسيخ..-لضعف بنا ولقوة به!؟-فأعاد بذاكرتي لنموذجان من أقاربي الأعزاء للأسف..أحدهما كان مثقفاً ثورياً ناصرياً شاباً سجيناً-إنما الأن فهلوياً بهلوانياً فهو رئيس لمنظمة لحقوق الإنسان(وهذا يكفي)-وأدرك مؤخرأ فقط-أن ناصر.. مجرماً!!؟؟؟-فالحقيقة ولا غيرها أن ذلك المثقف القريب-يعرف فن العوم وخيال كبير-وإنما خيال على ظهور أمواج!!!-أما الآخر فهو أحد مشاهير السياسة ونجومها-فمجرد أن إرتدى الشورت الأمريكي-بعد حصوله على الدكتوراه-أصبح ماهراً في غسيل الأدمغة.. والشورتات ربما!!؟؟-أقربائي إنما ليس هناك أكثر من الرحم صلة بيننا!-فصديقك المثقف سابقاً وصاحب البفتيك والطعمية والفول حالياً-على الأقل هناك إستفاده ما!!-ولا آراه مرحوماً لا يُغفر له أكثر من السالفان الذكر!-أو مذنباً كما هما!-ورغم تشاؤم المقال-مع هذا أنا مُصره على إننا في غيبوبة-تتبعها إفاقة-أو أمتنا..هي أمة في الغار وما يتبعه!-وسلاماً0

الحل في أيديهم
mido edo -

في جعبتي، كما في جعبتك وجعبة كثيرين، نماذج وأمثلة لما نراه نجاحا أو فشلا، بيد أن الأمر في النهاية والبداية مرتبط بثقافة أمة ووعي شعب، وأحسب أن شبابنا لو تخلى عن فكرة الوظيفة التي تحتاج وسائط، وأظنك تقصد وساطات (جمع واسطة) أي المحسوبيةـ لو أن الشباب فكر على طريقة ابن شقيقتي الذي وضع شهادة بكالريوس التجارة فوق رأسه وذهب إلى المدن السياحية فصال وجال وشبع وجاع وجرب وتعلم وصار إنسانا قادرا على أن يقتات من كد جبينه، ولو أنهم مثل ابن صديقي الذي لاحظ أن التدريس الخصوصي منجم ذهب، فصقل معارفه في تخصصه وصار إمبراطور مادته، وغيرهما كثر. قد تقول إنني متفائل أو إنني حكومي، ولكن لا أنا هذا ولا ذاك، نحن في حاجة إلى ثقافة أخرى، ثقافة عملية تخلع رداء الدروشة والتنبلة، أبواب الرزق كثيرة. يجب أن نعلم أولادنا أننا نرسلهم إلى المدارس والجامعات ليتعلموا، ليتثقفوا ليعرفوا، ليمارسوا الحرية، وليس من أجل تأمين وظيفة في وزارة الحكم المحلي أو مكاتب وزارة الصحة. وفي النهاية، كلامك عن الفسيخ فتح شهيتي يا دكتور، وأنا في بلد لو شم أهله رائحة الفسيخ لأصيبوا بإغمائة على المستوى الوطني، هل أطالبك بإرسال لفة فسيخ؟

السادة الأفاضل
حسن أحمد عمر -

السادة الأفاضل الذين أكرمونى بالتعليقات الطيبةتحياتى لحضراتكمالأستاذ دارا خسرو حميد : شكراً و أتفق معكالأستاذة فقرية ( معذرةفلا أظنك كذلك ) شكراً على التعليق الجميل وهو يعبر عن حقيقة واقعية فى مجتمعاتنا العربية .الأستاذة الفاضلة إنجى : تحياتى لك على تعليقك والحقيقة أنك تحدثتى عن أمثلة تعرفينها ولا أعرفها وأنت فقط تستطيعين إبداء الرأى فيهم . تحياتى لكالأستاذ الفاضل mido edoتحياتى لك وأشكرك على تعليقك وتحت أمرك فى لفة الفسيخ ولكن أين العنوان ؟؟

كلنا في الهم شرق
سامر -

لا أدري لماذ يصر الأخوة المثقفين والسياسيين في مصر على تثبيت مقمولة أن مصر صاحبة فضل على كل العالم العربي , فهم - أي الأخوة في مصر - بنوا الإردن , وشيدوا الخليج وحاربوا نيابة عن سوريا , وزرعوا لبنان و....و....و... بينما الشعب في مصر يعاني أسوأ من معاناة الإردني واللبناني , ألا تعتقدوا أن فاقد الشيء لا يعطيه , ولو أن مصر قدمت وبنت وزرعت وحاربت عن وفي كل قطر عربي , فكان الأحرى بها أن تبني داخلها سياسياًالذي ينخر فيه الظلم والقهر على الشعب , واقتصادياً الذي ينخر فيه فساد الطبقة الحاكمة . وثقافياً الذي اقتصر على ما يعرضه المهرج عادل إمام ,... أيها الأخوة في مصر الحبيبية - كلنا في الهم شرق - وقول معروف خير من صدقة يتبعها أذى ... وتحية وأمنية إلى مصر وشعبها ثماثل أمنيتي لكل الشعب العربي أن يحقق دولة القانون والحق وأن يتخلص من كل هذا الفساد الذي يعشش في أمتنا من المحيط إلى الخليج بأشكاله الملونة الكثيرة ولكنها في ذات الإطار ...

كرم من أهل كرم
mido edo -

أجد نفسي مضطرا للتعليق مرة ثانية على ذات الموضوع، وهو أمر لا أحبذه، ولكن الأخ سامر قد يحتاج إلى شيء من التوضيح، أما أن مصر صاحبة فضل على العرب فذلك أمر لا يحتاج دليلا، فأبناء مصر هم الذين علموا وشيدوا ونصحوا وأرشدوا، ربما لا تعلم ذلك أنت ولكن اسأل عقلاء الأحيال السابقة. صحيح أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولكن المصريين يا عزيزي لا يفتقدون الأشياء، الفارق أننا في مصر نكشف الفساد وننتقد الحكم ونعلن كل شيء، بعبارة أخرى نحن مجتمع شفاف، لا تلفه عباءة ولا تكتم أنفاسه سلطة أيا كانت. نحن شعب مستعد أن يخرج إلى اللارع ويقول ما يريد ولا يعنيه ما يحدث بعد ذلك، المصريون ليسوا مثل العراقيين ينتظرون سقوط الفارس من على حصانه ثم يرجمونه، المصريون يقولون للفارس أنت مخطئ قبل أن يترجل. مصر صاحبة أكبر اقتصاد عربي من حيث الناتج المحلي، لا يسبقها إلا السعودية بفضل عائد النفط. ليس صحيحا أن المصري يعاني أكثر من الأردني واللبناني لأن شعبي الدولتين الشقيقين، بالكاد يملأ ركنا من حي شبرا القاهري. لو أن تعلم الإحصاء لعرفت أنه مقابل كل فقير لبناني ينبغي أن يكون هناك مائة فقير مصري، نسبة وتناسب يا عم سامر. وشكرلاا للدكتور حسن على عرضه الفسيخي، كرم من أهل كرم