كتَّاب إيلاف

جري الوحوش

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لا أعتقد أن الله خلق شعبا أكثر إستعجالا من الشعب العراقي، حتى لأني ظننت أن الآية الكريمة الواردة في سورة الإنبياء بقوله تعالى ( خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون ) تكاد تنطبق عليهم دون غيرهم من عباد الرحمن..
ففي تفسبره للآية المذكورة، يذكر القرطبي نقلا عن سعيد بن جبير والسدي قولهما " أنه لما دخل الروح في عيني آدم عليه السلام نظر في ثمار الجنة، فلما دخل جوفه إشتهى الطعام، فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان الى ثمار الجنة "؟!.
وهكذا لم يكد العراقيون يستعيدون حياتهم بعد زوال دكتاتورية صدام الجاثمة على صدورهم منذ نيف وثلاثين سنة، حتى رأيت بعض ساستهم يستعجلون المغانم وأطايب الطعام، ويلهثون وراء الجاه والسلطان والأموال، كأنهم وحوش برية تجري وراء طريدة مرتعبة، فلم يبالوا بالصبر والتريث الى حين أن يسترد الشعب أنفاسه وعافيته، وتستقر أوضاع البلد بعد أن تتم إعادة بنائه من جديد، ليعم السلام والرخاء أرجاء البلد من شماله الى جنوبه،ثم يكافأ كل من وضع حجرا على حجر لبناء هذا البلد المنهار، فرأيت معظمهم وهم يلهثون وراء المغانم وسرقة الأموال وقضم القطعة اللذيذة من خيرات العراق، وكأن الحياة مجرد ثوان معدودات، فعرضوا البلد بفسادهم الى خراب ما بعده خراب، وشرعوا الأبواب أمام الغرباء ليأتوا الى البلاد من كل فج عميق ليعيثوا فيه الفساد من القتل والتدمير وإغتيال الحرية التي سالت من أجلها أنهار من الدماء!.
دخل الكل في سباق محموم من أجل كسب المصالح، وسرقة المال العام، وتشكيل الميليشات،وسوق البلاد الى شفير حرب طائفية لا تبقي ولا تذر، كاد البلد أن ينزلق معها الى فتنة مدمرة لولا أن وقانا الله نحن العراقيين شرها.

والتاريخ يذكر لنا الكثير من السوابق عن عجالة العراقيين في مواضع عدة من بطون كتب التاريخ. فلم يكد معاوية ينشيء دولته المتنكرة للخلافة الراشدة، وعين إبنه يزيدا وليا لعهد الملك الخليفة، حتى رأيتهم يستعجلون الحسين حفيد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ليأتيهم الى العراق ويقود منه ثورة عارمة ضد خلافة يزيد، ولكنهم بنفس درجة العجالة ملوا حسينا، وتركوه يصارع أكبر قوة عسكرية على الأرض بنفسه وعدد قليل من أفراد أسرته، فمات شهيدا مرفوعا الى جنات الخلد، فيما بقوا هم على الأرض ينتحبون لأجله قرونا طوال؟!..
وما كادت الدولة الأموية تستقر أرجائها بعد حملات طويلة من الفتوحات الإسلامية، حتى ملوها وأخذوا يلمون الشمل للإنقلاب عليها ومناصرة العباسيين ضدها؟!.
ولكنهم سرعان ما ملوا العباسيين أيضا، فثاروا ضد المهدي وأبو جعفر والرشيد وغيره من الخلفاء، ولكن خلفاء بني العباس كانوا أشطر من آل بني مروان، فضربوهم بالأغراب من المماليك وصبيان الأتراك؟!.
وفي التاريخ الحديث ما كاد الإنكليز يحتلون العراق في مبتدئات القرن الماضي، حتى ثاروا عليهم أيضا في ثورة العشرين، فقوضوا كل جهودهم منذ البداية لإخراج العراق من دياجير الظلام الى ركب الحضارة والتقدم والرخاء؟!.
وهكذا فعلوا مع جميع الحكومات العراقية في العهدين الملكي والجمهوري، فكانت الوزارات تتشكل في العهد الملكي لأسابيع أو أيام، فيما الإنقلابات العسكرية تتوالى في العهد الجمهوري واحدة تلو أخرى، فوقعت أربعة إنقلابات عسكرية في ظرف عشر سنوات بالعراق؟!..

هذا هو ديدنهم وطبعهم في الإستعجال، لذا ترى أحفاد عراقيي ذلك الزمن، وأبناء إنقلابيي الستينات الذين يحكم معظمهم عراق اليوم يستجعلون بالسيئة الحسنة. فيسعون الى الثراء السريع، سياسييهم وتجارهم وموظفهيم وعمالهم، وحتى حمالهم في سوق الشورجة الذي بات إما قائدا للميليشيات، أو مسؤولا كبيرا في جهاز الأمن الخاص، يسرقون من أموال البلد في صفقة واحدة ما لا يحلم به الكثير من الملوك والرؤساء؟!..
فلا يتحرج وزير الدفاع الذي عين لستة أشهر فقط، أن يسرق مليار دولار بصفقة واحدة، مثلما لم يتحرج مسؤول في وزارة الصحة، أن ينهب عشرات الأطنان من الأدوية المشتراة بأموال العراق ويبيعها في السوق السوداء، كما لم يتحرج قادة الميليشات وزعماء الكتل البرلمانية من أن يكون لهم حصة في كوبونات النفط، أو يطالبوا بجزء من ميزانية دولة العراق؟!.
فما دام وضع الساسة الجدد هكذا في العراق، فلماذا يتحرج تجاره مما لا يستحي منه السياسيين. فما يمنعه أن يبحث في أسواق مدن العالم أو مزابل نفاياتها عن مواد غذائية فاقدة الصلاحية يطعمها لأطفال العراق، أو أن يستورد موادا وسلعا ترمى في الكثير من دول العالم بسلال القمامات، فيوردها للعراق ليبيعها لمواطنيه تحت سمع وبصر شرذمة من الفاسدين والمفسدين من ساسة العراق؟!. فالبلد أصبح مستباحا ليس من قبل جنود الإحتلال وهذه ليست تبرئة ذمتهم مما يجري في العراق، بل أستبيح هذا البلد من قبل أبنائه الذين كان الكثيرون منهم يحلمون بالأمس، بنسمة هواء تهب من العراق نحوهم وهم يعيشون تحت خيم دول الجوار؟!.
يكفي قادة دولة العراق إستحياءا، أن يهرب رئيس هيئة نزاهته بجلده، ويرتعب كل من يترشح بديلا عنه، أو يلبس هذا البديل كفنه وهو يدخل أو يخرج من بوابة مكتبه؟!.
هي لعمري دولة ساقطة في مستنقع عميق، غارقة الى الأذقان في فساد عظيم؟!..

شيرزاد شيخاني

sherzadshekhani@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
معك حق
Someone -

الحقيقة شهدت على هذا الجري البربري فمنذ 2004 أخبرني أحد رجال الاعمال العراقيين في دبي أنه ينهل عقود وشراكات وأشياء في العراق وأخذ يطلب من الشركات المواطنة في دبي لتتقدم معه كشريك ليصبح مؤهل لأنه في النهاية سمسار مقرب من أحد وجهاء السياسة (دون تسمية لعدم التجريح) والمضحك أن عدة شركات في الامارات دست الوضع على الأرض ووجدوا أن لا يمكن أن يستطيعوا التأمين على معداتهم وعمالهم واستثماراتهم ولا يمكن الوثوق في اي شراكة عملية على مواقع المشاريع لأن الفوضى على أشدها والخطر يجعلها استحالة للتفكير في الموضوع... فرد عليه أحد كبار رجال الأعمال في الامارات: يا أخي البلد في جهنم وانت تنهم وتلتهم؟؟؟ ما هذا التفكير الغير مستقسم وكأنه جوع مدقع للنهب والسلب ونصحه أنه حتى لو العقود خيالية تبقى معرضة للزوال تحت بنود المخاطر الغير خاضعة للسيطرة (فورس ماجيور)... هكذا هم بكل أسف

التاريخ الحديث
على عجيل منهل -

من الواضح ان السيد الكاتب لم يطلع على المنهج التاريخى وكيف يفسر الاحداث التاربخية التى مر بها المجتمع العراقى وموضوعةالذى كتبة خليط بين السياسة والانشاء رغم صحة محتوى المقال ولكن حتى الانشاء السياسى لايحمل الشعب العراقى بشكل مطلق ماحصل ومايحصل حاليا للشعب العراقى ان التدهور المريع للمجتمع العراقى فى كل المجالات امر تتحمله الحكومة القائمة ونلاحظ اليوم ان مجلس الوزراء العراقى اعطى صلاحيات واسعة لاستيراد محتويات البطاقة التمونية وخاصة القمح والرز وبدلا ان تشجع الانتاج الزراعى لانتاج الحبوب حيث العراق فى الخمسينيات احد الدول المنتجة للحبوب والتمور خولت الوزير المتهم بالاستيراد وبشكل مباشر وهذا يحقق مصالحهم المالية الانانية

هذا توصيف ظالم
حكمت النعمة -

يا أخي الكاتب ..لو ان ما حصل في العراق حصل في ايّ مكان في العالم لربما حدث الاسوأ.. هنالك حوادث عارضة حدثت في امريكا ام الدنيا كحوادث الفيضانات والزوابع التي تفقد فيها السيطرة الامنية جزئيا حدثت سرقات ونهب للمال العام والخاص ..اصحاب النفوس الضعيفة والانتهازيين والنفعيين موجودون في كل بقاع الارض وهم يتحينون الفرص..لماذا يا أخي لا تذكر الشهور الاولى للاحتلال حين غابت كافة مؤسسات الدولة ومع ذلك لم يحدث ألا النزر اليسير على ايدي اناس مشخصين بين محترفي السرقة وبين بقايا النظام البائد وأمثالهم..لماذا لاتقارن ببلدان امريكا الجنوبية التي تضرب المافيات اطنابها فسادا وخرابا هذه فضلا عن مافيات روسيا القيصرية وباقي دول اوربا الشرقية..

ماذا تتوقع من أحفاد
كركوك أوغلوا -

تلك القبائل التي كانت ولاتزال تمارس غزوات أسلافهم وأجدادهم , في السبي والغنائم !!00ولكن دائما ما يتنازعون ويقتتلون على توزيعها ؟؟!!00لذا كانت العجلة قبل وصول الآخرين (خير الغنيمة عاجلها) ؟؟!!00

لماذا خلط الأوراق؟
اللامي -

من 14 تموز 1958 إلى 14 تموز 1959 لم تُسجل مراكز الشرطة حوادث جنائية تُذكر، لأن الشعب العراقي كان يأمل خيراً في التحولات التي حدثت، ثم بدأت التدخلات الاقليمية والدولية تُجهز للثورة المضادة بقيادة البعثيين والرجعية الدينية وبمساندة مصطفى البارزاني حيث حلَّ الخراب في انقلاب 63 الأسود. فهل يتحمل الشعب العراقي المسؤولية؟ أنت تنسى بأن معاوية كتب للعراقيين ( لم أحاربكم لأنكم لا تقيمون الصلاة وتأتون الزكاة وتجاهدون في سبيل الله، بل حاربتكم كي أتأمر عليكم) فكيف تلقي اللوم على العراقيين وتبريء ساحة معاوية؟ ولماذا تنسى أن العراقيين بنوا أعظم حضارة عرفتها الإنسانية في العصر العباسي أيام الرشيد والمأمون، ثم تمدح موبقات الخلفاء اللاحقين الذين سلطوا علينا غلمان الأتراك والمماليك والفرس وسواهم؟ هل هذا عجز فكري من قبلك أم عنصرية؟ نرجو من الكاتب أن يُجيب على الأسئلة.

حكومة فرهود
IRAQI -

هي لعمري دولة ساقطة في مستنقع عميق، غارقة الى الأذقان في فساد عظيم؟!..البرلمانيون منكبون علی تشريع الامتيازات الخاصة لهم وكل واحد منهم يستلم راتبا شهريا اكثر من ثلاثين الف دولار والشعب بدون كهرباء وماء وخدمات وبريد وجوعان . اللهم انصر الحق علی الباطل .

الفساد الرسمى
كرار الخزاعى -

تجنب الكاتب الحديث عن الفساد المستشرى فى كردستان و ركز على فساد المركز. و لكن من تجربتى رأيت ان الفساد فى كردستان أشد خطرا و أسوأ من المركز، ذلك ان الفساد فى هذا الأقليم متركز فى قمة السلطة و هى التى تجبر كبار الموظفين على العمل لصالحها و بعكسه لن يبقى اى مسؤول فى منصبه أى اذا لم يعمل لصالح القمة . و لقد سمعت من بعض الأخوة الأكراد ، ان شركة كورك للأتصالات لم تدفع المليار و ربع المليار دولار لقاء اشتراكها فى مناقصة الهاتف الجوال فى العراق بل تم استقطاعها من قبل المركز من حصة 17% المخصصة للأقليم . السمكة تفسد من رأسها، وهذه جوهر مشكلة الفساد فى الأقليم .

الم اقل لك
دحام العراقي -

الم اقل انك تتكلم بروح الانسان المستقيم الصارم الثوري بعيدا عن كوبونات النفط ..... ولكن اعاتبك لهجومك المستمر حول فساد القادة الاكراد فها ترى كل قادة العراق في نهب وسلب واغتنام الغنيمة على الطريقة البدوية .

انهم الخوانة
روز \ اربيل -

كاك شيرزاد تحياتي يقول فولتير " اينما وجد الظلم فالكتاب هم المسؤولون عنه " ولذا يجب محاربتهم وفضخهم لانهم خانوا الشعب والوطن وسيذهبون الى مزبلة التاريخ كما ذهب المقبور الطاغية صدام واعوانه...ولتاريخ سيحسابهم حساب العسير ...