أصداء

ضرورة الانشطار قراءة في مجتمع مشوّه

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

1-
كأن الزمن عندنا توقف عند ساعة واحدة، وثقافة واحدة، وطريقة عيش واحدة، لم يعد أيّ شيء يحرك أي شيء، لم تعد أي مصيبة تحرّك أي لوعة ولا تهزّ أي ضمير. في زمنٍ أصبح فيه "الضمير" من أرخص السلع وأكثرها وفرة ويسراً، في زمن جديد اسمه "سوق الضمائر". شكل كل شيء لا يحيل إلا إلى شيء واحد هو "الضياع": الضياع الفكري والاجتماعي والسياسي المحزن. لم يعد أيّ شيء يثير الاهتمام، حتى الكتابة لم تعد مغرية، لولا أنها تجلب الراحة للكاتب، وتريحه من آلامه، أكثر الآلام تعذيباً وأكثر الآلام تشويهاً، لم تعد-حتى الكتابة- سوى حيلة العاجزين، أو المتسوّلين، باتت لعبة، الكتابة صارت "دكاناً" أصبحت "متجراً" حينما تكتب بضميرٍ حيّ تحت قرع وخزٍ لا فكاك منه تقع تحت قبضة "الألم" الذي يدفعك نحو "الانشطار"، في "الانشطار" نعرف حجم كآبة العالم-كل العالم- وحجم ارتباكه وملله من حمولتنا، من لحومنا الذي نجرها فوقه كل تلك السنين، ملل العالم من ثقافتنا "الصخرة" المرتجّة صمتاً والمتحجرة نوماً وإطباقاً.

2-
ما الانشطار: إنه تعذيب الذات للذات: حينما تحنّ إلى الحركة في بقعة خارج عقارب ساعات كل العالم، تسير أرضك بإيقاع متكرر، وتحت وطأة وجوه مشوّهة، يصبح حينها الانشطار (إحساس متصاعد بحجم التشويه) نرى لحظة "الانشطار" كل الذين راحوا ضحية "التشوّه" بفعل ثقافةٍ ارتجّت على نفسها وضربت رأسها ذات تاريخ فصارت ثقافة "التهريج" صار رموزها مجموعة من "المهرجين" بات ضربها أو نقدها يشبه ضرب "المجنون"، ضرب أساطين التهريج فعل انتحاري بامتياز، أن تقذف بنفسك داخل كومة من المكتملين تشويهاً، هذا يعني أنك تحاول الانتحار، أو تنتحر، أو تبحث عن وسيلة لتجريب الانتحار، لا يقوّيك سوى لحظة "الانشطار" القصوى، اللحظة الملهمة حدّ الروعة والبذاءة معاً، حدّ التناقض، حدّ الوعي المزعج، أن ترصد كل التشويه يعني أن ترصد كل العاهات كل التفاهات، أن تقابل يومياً كمياتٍ من اللحوم المتكوّرة، أكياس اللحم المتنقلة التي تسمى "بشراً".

3-
"مساكين" ضحايا التشوّه، يرفعون أعناقهم إلى السماء.
يظنون أنهم هم كل العالم، أنهم يسيطرون على العالم، يقعون تحت وطأة التشويه، في كبتهم الجسدي الذي يعبرون عنه بطرق شاذة، أو يحاولون رسمه بطرق هابطة، يعبرون عن كبرياء مفقودة في استعبادهم لكل الآخرين، يظنون أن العالم لهم وحدهم، أنْ لا أحد خارج بقعتهم أنْ لا أحد يعيش خارج أرضهم، ضحايا التشويه، يقضون أعمارهم في "الهمس" وفي "التيه" يعيشون لسنوات طويلة من دون حتى أن يدركوا حجم التشويه الذي يسكنهم، أو يدركوا خطر التشويه الذي يسكنونه. لهذا يختلفون دائماً عن كل الثقافات والعالم، في لحظةٍ تتجلى فيها وتشعر معها بالانشطار الحقيقي شاهد هذا المجتمع المريض، المجتمع الموبوء فكرياً ونفسياً وذهنياً؛ المريض بنفسه، وبثقافته، وبعيشه، المريض برموزه الدينية المريض-أيضاً- برموزه الثقافية، والإصلاحية، والسياسية، مريض حد التشوّه، يئنّ من ألم التخبط والتشوّه. ثقافته-المجتمع- لم تسعفه، لقد رسمت له عقارب وقتٍ ضيقة يتحرك داخلها، يعبّر أثناءها عن تشوّهه، إننا أكثر شعوب العالم تشوّها وأكثرها تعبيراً عن التشوّه بإمكان ثقافتنا تشويه أي شيء، كل شيء يأتي يتحوّل إلى مسخ، أي شيء يأتي يمكن تحويله إلى مسخٍ مريب، ثقافتنا ليست مشوّهة فحسب، ولكنها تصدّر التشويه أيضاً، وترعى المشوهين، وتحافظ على ترميز من اشتدّ تشوههم ومن تميزوا بحالات تشوّه كبرى، لذا عمّ التشوّه وساد التشويه، وبتنا في لحظة تشوّه قصوى لا يمكن سترها، أو صدّها، وأنشئت مراكز ومؤسسات لدعم التشويه، ولرعاية المشوهين، ولتنصيب المشوهين.

4-
نحتفظ بأكثر الرؤوس "شيباً" ونعاني من قلة الرؤوس "الناضجة" اشتعلت الرؤوس شيباً، لكن "التهريج" لا ينضج إلا حينما يكبر الكائن في هذه البقعة الجغرافية البائسة، نئنّ من وطأة هذا اللون الأبيض المريض، هذا اللون الذي يصبغ الرؤوس، بينما تسكن "الدود" تلك الرؤوس، فلا تتحرك إلا على وقع أفكارها المشوهة، وتعاني من الكراهية لكل المجتمعات ولكل الثقافات، تأكل كما تأكل الأنعام وأسوأ، ثم تخلد إلى بيتها المشوّه المحصّن كالقلعة، ثم تذهب إلى عملٍ ممل، عملٍ يسكنه الفساد المطبق، ثم تخرج وتتغذى بأغذية بلاستيكية تثير القرف، ثم تنجب كائنات مقرفة ترضع لبن التشوّه، ثم تنام بشكل مشوّه، وتصحوا على وجع التشوّه، تسير برقاب ملتوية، وأعناقٍ مشرئبّة، تظنّ أنها هي "كل شيء" ثم يطمرها الزمن وتذهب إلى الأبد.
:
(يا لأحلام الشباب، الحافلة بالأوهام!
أولئك الذين اندفعت نفسي تناديهم،
من حسبتهم مجدّدين مثلي:
لقد رقاهم راقٍ وكبّلهم.
ما زلتُ أسمع أحياناً إذا ما سجا الليل، أصابع تطرق قلبي،
أو زجاج نافذتي!
إنهم ينظرون إليّ ويقولون لي: نحن مازلنا كما كنا) "نيتشه".

5-
لحظة الانشطار، حينما تشعر بلذّة التناقض، حينما تعصي "الضمير" ساعة ضعف، ثم تعود إلى رشدك.
وترصد تشوّهاتٍ جديدة غزت وجهك وفكرك، تطهّر كل التشوه بـ"الدموع" بها نغسل الأدران.
لحظة الانشطار لحظة عظيمة، حينما توازي بين "بؤسك" و "ضميرك" حينما يكون قلمك هو دبوس الشفاء.
في "الانشطار" نتحرّك خارج الوقت داخل الذات، داخل النفس، نتعارك مع تشوهات تودّ أن تمسّنا على حين غفلة.
كلماتنا لن تغيّر أي شيء، إنها -الأحبار- "دموع الأقلام". إن أحبارنا حالة قصوى من الرثاء لكل من راح ضحية التشوه، أو قدّر له العيش بين كميات من المشوهين.

فهد الشقيران
كاتب سعودي.
shoqiran@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
عرب
يافهد -

صدقت يا فهد نحن نتشوه ونعيش التشوه كلنا نعيش هذا التشويه ماذا نفعل بانفسنا هل نموت؟؟؟؟؟ كيف نهرب من هذا التشويه؟؟؟

يا جماعة الهروب ليس
كركوك أوغلوا -

الدواء , بل الداء نفسه !!00والحل الوحيد هو الأنشطار من الماضي السحيق ؟؟!!00كما فعل الغرب في عهد النهضة الرونايسنس 00