أصداء

يفخخ المجتمع ثم يتبرأ من تبعات الانفجار

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

رموز التيار الذي يردّد ليلا ونهارا بأنه يتبنى ما يسمى بـ"الإسلام الوسطي"، من دعاة وزعامات وشخصيات كويتية في الجمعيات والحركات والتنظيمات الإسلامية في الكويت، يؤكدون باستمرار على نهج "الوسطية" الدينية وعلى أطروحات "أئمة ورجال الدين الوسط" وعلى "المنهج الديني الوسطي"، باعتبار أن ذلك كفيلا بتوضيح صورة "الإسلام الأصيل" و"الصراط المستقيم"، الذي يساهم، برأيهم، في وضع حد "شرعي" للعنف والإرهاب. هذه المزاعم من جانبهم تحمل ابتعادا شاسعا عن حقائق الواقع، لكونها تبرؤهم من المشاركة في نشر الكراهية والتمايز في المجتمع، ومن مسؤولية دورهم في انتشار الإرهاب بشكل عام.


هذه المزاعم، التي تواصل زعامات هذا التيار ترويجها، سرا وجهرا، وفي مناسبات رسمية وغير رسمية، ليست إلا صورة من صور الإلغاء، لأن أطروحاتهم الفكرية تحث على أن الآخر غير المسلم ليس إلا كافرا، وأن المسلمين من غير أتباع نهج "السنة والجماعة" أو نهج "الولاية" إمّا مشركون وإمّا مرتدّون وإما نواصب وإما فاسدون، وأن مذاهب إسلامية مختلفة، كالصوفية والإسماعيلية وغيرها، والآراء المعارضة للإمامة والولاية، وبالذات الولاية السياسية كولاية الفقيه المطلقة، ليست سوى مذاهب بدعة وآراء ضلال، ناهيك عن موقفهم من الآخر غير الديني، كالعلماني والليبرالي. وهذا الإرهاب الفكري الذي تمارسه هذه الزعامات من شأنه أن يمهد للإرهاب على أرض الواقع. لكن حينما يتم الإعلان عن أي عملية إرهابية، فإنها أول من تتبرأ منه، من دون تبرئة ساحتها الفكرية التي تعتبر أرضية خصبة لتلك العملية. فهي، على سبيل المثال وعيد الأم على الأبواب، تدعو باستمرار إلى رفض المشاركة في أعياد "الكفار" من اليهود والمسيحيين الذين "يذبحون" المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان وفي غيرها، أي هي تطالب بإلغاء هؤلاء من الحياة رغم احتياجها لهم في مختلف مجالات الحياة. فهي تحث على الانتقام منهم لأنهم شاركوا في "ذبح" المسلمين، رغم أنهم أنقذوا المسلمين وساندوهم في مواقع مثل البوسنة و كوسوفو. لذا قاعدتهم "الكفرية الإلغائية" ليست سوى قاعدة إرهابية صريحة تمهد الطريق لممارسي الإرهاب أن يتفننوا في عملياتهم باستنادها إلى فكر "الإسلام الوسطي".


مواقع الانترنت والكتيبات والكاسيتات، المنتشرة كانتشار الأوكسجين في الهواء، مليئة بالشواهد التي تثبت بأن عملية إرهابية ما قد يتم تنفيذها انطلاقا من فكر وفتوى الشيخ الفلاني "الوسطي" والعلامة العلاني "المعتدل". والمشكلة لا تكمن فقط في من يرهب الناس ويذبح المسالمين والمدنيين، بل تكمن في فكر يساهم أيضا في إلغاء ثلث أو نصف أو ثلاثة أرباع أفراد المجتمع، ويعتبرهم إما كفارا ومرتدين أو أناسا من الدرجة الثانية والثالثة وحتى العاشرة. فهذا "الوسطي" الذي ينشر فكره الإرهابي إنما يخفي بارودا من التعاليم ضد الآخر المسلم وغير المسلم، وضد المرأة، وضد وضد وضد... ثم بقدرة قادر يتبرأ من تبعات انفجار هذا البارود وممن يمارسه في الواقع. لذلك، يحتاج واقعنا الراهن إلى هزة فكرية عنيفة.. هزة تزلزل الفكر الإرهابي المعاش تحت يافطة "الإسلام الوسطي".


إن أكثر ما نحتاج إليه هو رؤى تبطل شعار "امتلاك الحقيقة" الإرهابي الذي يرفعه الإسلام "الوسطي"، وهو شعار يناهض في فهمه أي معنى للوسطية والإعتدال.. نحتاج إلى رؤى تعيد صياغة مفاهيمنا الحياتية لكي تتماشى مع قيم الحياة الحديثة، وفي مقدمتها مفهوم المساواة ومفهوم التعددية ومفهوم احترام حقوق الإنسان، لا رؤى تعيش في ظل تناقضات بين الفهم الشرعي والفهم الدستوري، ثم تستغل "وسيلة" الديموقراطية لقبر الدستور بمواده وروحه، وإبراز الفكر الإرهابي الموصوف بـ"الشرع" من خلال نصوص فقهية عفا عليها الزمن. ويعتبر موقف الداعية يوسف القرضاوي، وهو أحد رموز "الإسلام الوسطي"، مثالا بارزا لمدى مناهضة دعواته لمفهوم حقوق الإنسان. كذلك هناك دعوات في إيران في الوقت الراهن من قبل العديد من آيات الله المراجع إلى اعتبار بعض رؤى المفكر عبدالكريم سروش بأنها قريبة مما قاله سلمان رشدي، وأنه يجب الحكم بارتداده. والقرضاوي يطالب في مسألة "الارتداد"، التي هي متعلقة بحق الإنسان في اختيار نوع الاعتقاد ونوع الإيمان، بضرورة تطبيق عقوبة "القتل" على المرتد أو من يعتبر مرتدا، بالرغم من أن حكم المرتد يتنافى مع أبسط قواعد الحريات التي يكفلها المفهوم الحديث لحقوق الإنسان. فهو يقول في موقع إسلام أون لاين: "ومن أحكام الدنيا أن المرتد لا يستحق معونة المجتمع الإسلامي ونصرته بوجه من الوجوه، ولا يجوز أن تقوم حياة زوجية بين مسلم ومرتدة، أو بين مرتد ومسلمة، لا ابتداء و لا بقاء، فمن تزوج مرتدة فنكاحه باطل، وإذا ارتدت بعد الزواج فرّق بينهما حتما، وهذا حكم متفق عليه بين الفقهاء، سواء من قال منهم بقتل المرتد رجلا كان أو امرأة وهم الجمهور، أم من جعل عقوبة المرأة المرتدة الحبس لا القتل، وهم الحنفية". ومن يتابع الموقف الإسلامي من الإرهاب سوف يلحظ أن رجال الدين في مدرسة "الإسلام الوسطي" متفقون على شرعية ممارسة العمليات الإرهابية في مناطق معينة ومختلفون حولها في مناطق أخرى. فهناك اتفاق على "شرعية" العمليات الإرهابية في إسرائيل، كالاتفاق على شرعية عملية قتل طلاب المدرسة الدينية اليهودية في القدس التي وصفها المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله بأنها "عملية بطولية"، لكن هناك اختلاف بشأنها في العراق. إن تلك الإزدواجية تحمّلنا مسؤولية العمل على تغيير الفكر الحاث على إرهاب منطقة واستنكار الإرهاب في أخرى، مستندا إلى قاعدة عنصرية تحث على إجازة ترهيب المشركين والمرتدين وغير المسلمين الكفار.


فالعديد من رجال الدين وحركات الإسلام السياسي "الوسطي" في الكويت وفي غيرها باركوا الإرهاب في العراق وفي إسرائيل وأوروبا وأمريكا، بالرغم من أن نفس الفكر والعمليات والمخططات الإرهابية أصابت الكويت أيضا. فكيف يمكن أن نشجب ونستنكر ترويع الآمنين والمدنيين في الكويت ونعتبره من الذنوب العظيمة، ولا نستنكر ترويع الآمنين والمدنيين في مناطق غيرها؟ إنه الخطاب الديني الصادر عن "الإسلام الوسطي" وليس غيره، المسؤول عن هذه الإزداوجية وهذا والتخبط، الخطاب الذي لا يعتبر الإنسان في حد ذاته هدفا في الحياة، إنما يعتبره "وسيلة" لتنفيذ ما يريده الفهم "الوسطي" المقدس. لذا بات قتل الإنسان في سبيل تحقيق هذا الفهم مطلبا إرهابيا ملحا وسهل التحقيق.


لا يمكن اجتثاث الإرهاب من دون اجتثاث الفكر المستند إليه، سواء دعا هذا الفكر للإرهاب في الكويت والسعودية والعراق أو دعا إليه في إسرائيل أو أمريكا. مارسه الزرقاوي وبن لادن أو مارسه عبدالعزيز الرنتيسي وأحمد ياسين أو مارسه عماد غنية. فتعمد استهداف الآمنين والمدنيين وترويعهم لا يمكن إلا أن يكون إرهابا أينما حصل وحيثما وجد. فنحن أحوج ما نحتاج إليه هو وقف إنتاج الفكر الإرهابي وتغيير الرؤى الحاثة على أن "الله حرم الجنة على كل مشرك، وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد، وأن يتخذوهم عبيدا لهم، وأن المشرك حلال الدم والمال وأنه خالد في نار جهنم، ومن لم يكفّر المشركين، ومن يشك في كفرهم، أو صحح مذهبهم فقد كفر". فهذا الفكر الذي تعتد به العديد من حركات وزعامات ورموز "الإسلام الوسطي" وتؤصل رأيها "الشرعي" من خلاله، هو الذي يحتاج إلى تغيير. فالزعامات التي تتبنى "الإسلام الوسطي" ليست سوى دعاة فكر عنيف بتبنيها تهم التكفير والتشريك والتضليل والتبديع. وإذا ما ألقينا نظرة بسيطة إلى الكتيبات الدينية الصادرة عن شخصيات وجمعيات "الإسلام الوسطي" المنتشرة في مجتمعنا ومجتمعات عديدة أخرى، لشاهدنا إلى أي حد تنظّر للعنف والإلغاء بحجة المحافظة على بيضة الدين والشريعة والدفاع عن العادات والتقاليد المحافظة. فمضحك في حقيقة الأمر أن ينشر هؤلاء فكرهم العنيف ثم يتبرأون من أي ممارس له. فالعنف لا يكمن فقط في حمل السلاح، بالرغم من أن تنظيرات وتشريعات دعاة "الإسلام الوسطي" شجّعت عنف السلاح وفعّلته في الواقع. فالعنف في أصله يكمن في إلغاء حياة ذلك المختلف، سواء بالسلاح أو بغيره. ولنتمعن في هذه الحكاية من موقع "إسلامي وسطي". ففي موقع "الإسلام اليوم" يوجد سؤال تحت قسم الفتاوى يتحدث عن زواج شيعي من امرأة سنّية والزوجة حامل، ويبدو أن والديها قد غيّرا رأيهما بشأن الزواج، وكان رد الشيخ (...) رئيس كتابة العدل بأن "من أعظم الفساد تزويج المؤمنة لكافر لا يؤمن بالله واليوم الآخر، أو تزويجها لمبتدع في الدين". ويضيف "وإذا كان المبتدع عنده بدعة مكفًّرة فكذلك لا يجوز البقاء معه، وأصل النكاح فاسد، يفرق بينهما، ولو كانت المرأة حاملاً". فهل تدل هذه الحكاية على "الوسطية" أم تدل على شيء غير الإرهاب؟

يرفض هذا الشيخ، في فتاوى على نفس الموقع، أن تطلب زوجة الطلاق من زوجها الذي هجرها وخانها مع أخرى بحجة أن الطلاق من أبغض الحلال، بل يطالب الزوجة بحقوقها تجاه زوجها وكأنها مذنبة مسبقاً. هذا الشيخ أيضاً لا يرى غضاضة في تزويج المعاق والمجنون لفتاة عاقلة حتى مع احتمال أن ينتج عن ذلك وجود أطفال معاقين.


إن من الضرورة بمكان مواجهة الشخصيات السياسية والدينية التي ترفع شعار "الإسلام الوسطي"، وفضح أفكارها العنيفة المتطرفة التي تدافع عن المتطرفين في كل مناسبة. فهم، سنة وشيعة، يتفقون في الدفاع عما يسمى بـ"الجهاد" في العراق أو في أفغانستان أو في فلسطين، ويشتركون في أن أمريكا هي "العدو الأكبر للإسلام والمسلمين" وأنه لابد من الترديد باستمرار "الموت لأمريكا"..

فاخر السلطان

كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تحليل جيد
مفكر حر -

&;...إن أكثر ما نحتاج إليه هو رؤى تبطل شعار &;امتلاك الحقيقة&; الإرهابي الذي يرفعه الإسلام &;الوسطي&;، وهو شعار يناهض في فهمه أي معنى للوسطية والإعتدال..&;

ارهابي
يوسف -

اخي العزيز ليتني اهديك كتابا تعرف من خلاله الفرق بين الارهاب والقتل الجماعي والمقابر الجماعية وسجون الرأي وحرية التعبير وإضلال الناس البسطاء وبين الدفاع عن الدين والقيم والعرض والشرف والمال والكلمة الحرة الشريفة .... فمن الجهاد كلمة حق في وجه الظالم .... أم انها كلمة عبثية (و مغامرة غير محسوبة العواقب على حسب تفكيركم المحترم ) تكلفك مالك الذي جمعته وحياتك التي تعبت على حمايتها من الشيطان ووسوسة أبليس ؟؟؟ فلكم دينكم ولي دين وما محمد الا مغامر في سبيل نشر الدعوة في ذاك المجتمع الجاهلي وحيدا بين الاف الفرق والتيارات والعقائد ....فالذي تبغيه انت ماذا ؟

no
noona -

هذه المره جانبك الصواب فيما طرحت

لاتوجد وسطية أطلاقا
كركوك أوغلوا -

لمن يؤمن بالحقيقة المطلقة وقتل المرتد !!00لأن الخالق لا يأمر بالقتل , لأن القتل جريمة مهما كانت الأسباب !!00أليس الله قادر على عقاب المرتد يوم القيامة , وأذن ما هو موضع نار جهنم من الأعراب ؟؟!!00وخاصة وأن الجنة لكل من لم يشرك بالله شيئا , مهما فعل ؟؟!!00وهذا يعني أن نار جهنم فقط للمرتدين والمشركين والكفار ؟؟!!00فأتركوهم لمصيرهم وبئس المصير !!00في يوم القيامة وليس الآن ؟؟!!00

وأطفال غزة من يفخخهم
سعيد العلي -

ياحرام على الانسانية ... هذا المقال الليبرالي والمضاد للارهاب , يتأسف على جنود الصهيونية في المدرسة اللاهوتية المتعصبة ولكنه لاترف له عين على أطفال لبنان في قانا ولاأطفال غزة ولاأطفال العراق الذين مزقتهم الانسانية والليبرالية الامريكية الى ألف جزء وقطعة, والذين قامت اسرائيل بقذفهم بقنابل الحب ورصاص الاخوة , .

براءة
امجد ابويقين -

والله يا اخوان المشكلة ليست في الدين فهو سمح وبسيط ولكن المشكلة بالمتدينين

مثال غير موفق
عمر البحرة -

قد أتفق بالرأي مع كاتب المقال في جميع النقاط في ما عدا المثال عن المدرسة اليهوديةوالذي يخص الأرض المحتلة فلسطين فإسرائيل وإن اعترفنا بها وقبلنا التفاوض معها كحكومات وبارك جزء كبير من الشعوب العربية هذه الإتفاقات والمفاوضات إلا أن هذا لا يعني بشكل او بأخر عدلة قضية اسرائيل وأعتقد ان ما يحدث بين اسرائيل والفلسطينين لا يجوز أن يسمى إرهابا بل هو نضال بكل معنى الكلمة وان كان هذا النضال يمارس بطرق خاطئة وبدون برنامج سياسي واضح أو من قبل فئة ارتضت المزاودة على نضال الأخرين ولم ترضى بخياراتهم التي توجت نضالهم واستشهاد الكثير منهم وافسدت كل فرصة للعيش السلمي فيما بين الشعب الفلسطيني ذات نفسه اولا وثانيا افسدت فرص السلام ومفاوضات السلام اقول فرص السلام لأن أسرائيل هي المفسد الأول لكل اتفاقات السلام وفرص العيش المشترك، وهنا احد النقاط التي يجب التوقف عندهاوهي نقطة مثيرة للجدل حول أسباب فشل عملية السلام ومن يتحمل مسؤوليتهاوأعتقد ان الطرفين يتحملون مسؤوليتها ، لكن الأسماء يجب ان تكون بمسمياتها ، وهنا نقطة على السطر فالكاتب يتحدث عن ممارسة الإرهاب المدني ولكنه غير موفق بمثاله هنالك الاف الأمثلة الأخرى مثل ان يسمى القرضاوي ما يحدث في العراق ويسميه جهادا ويتوقف عند قطر ويسميه ارهابا أو مثل ما يحدث مع اخوتنا المصريين والأردنيين كتأييد ما يحدث في العراق والسعودية وقطر والكويت ويتوقفون عند مصر أو الأردن حين يحدث فيها تفجير او عملية قتل ارهابية

راجعوا المصادر
رافد جزراوي -

مصادر التعليم والتثقيف بالعالم الاسلامي هو المسؤول عن جرائم الارهاب بالدول الاسلامية والعالم , بدل من المحاولات اليائسة بقطع غصون الشر واحدة واحدة( نتائج خطب الكراهيه), تتفرع العشرات بدلآ منها, علينا بمعالجة الجزور واسقائها بمياه عزبة بدلآ من المياة المعكرة على تربه ملوثه.