رسالة سريّة من أرملة كُردية في إقليم الكوارث
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أيتامٌ خرجوا في الصباح من بيوتهم
يصطادون الدفئ من شمس تختفي
وراء غيوم مثقلة
البرد يسرج حملته
والصقيع
يجمّد أمام أنظارهم المستقبلَ
والدمع في المآقي
تجفه ريح العذاب عاصفاً
ورعشة الخوف
من كلّ شئ تثور
ولا بهجةٌ في البيت أو دفئ
لا طعامٌ ولا فطور
يدركون الآن أنهم زوائد العصر
ليس لهم في الحياة ناقةٌ أو راحلة.
ترتعد يداها من البرد
تغسل أردية القهر
في وعاء اليأس
وبواكير الحزن تنزل بهدوء
مع الثلج مع البرد مع الفاقة
وشبح الحياة يرعبها
أين تأتي بالطعام والحاجيات
فالأطفال يئنون؟
هكذا تفكرُ غارقةً تلك الأرملة
يبكي الطفل الجائع خلف أمه جالساً
يعبث بالتراب
يزيد الطين بلّة
لا شئ في البيت، بماذا تسكتُ
طفلها الباكي؟
تبكي الأرملة
رأسها مملوء بحسرة الحرمان
تعلم أن همومها ستطولْ
وغيمة النعم تظل تحوم فوق بيت الزعيم
فوق بيت المسئولْ
تشعر بإعياء روحها والجسد مال معقوفاً
من حمل الزمان
فهل تلوم هاطلةً دموعها المسلسلة؟
طرقت مليّاً عساها تلقى حلّاً
للمسئلة
همّت بطرق باب المسئول
لكنها أطرقت في همٍّ:
زوجي ليس من شهداء المرحلة
فشرطة الحزب قتلته
لمّا بنى بيتاً ترابياً لأولاده
تجاوزاً على أملاك الدولة
لكنها مضت تتشبث بخيط المنى:
قد أنال قتات العيش
فهل يبخل المسئول بالمزبلة؟
مضت في الطريق قاصدةً قصر الحزب
مسيّجاً بالجماجم ودماء شعبٍ
لم يتعب بعد من الإنبطاح
تحت راية المهزلة!
لا.. لا
الشعب هالكٌ لكنه أسيرٌ
في خيمة الجُبن، ينحني للسلطان
خشية المقصلة!
تتفيئ كلّما تعبت في الطريق
تحت جدار مائلٍ أو شجرةٍ بلا خضار
(لا خضرة في البلد
فهي للزعيم وحده
قصوره بها مكلّلة)
تتأمل عتمة الظهيرة
تخيّم على المدينة التي مثلها أرملة!
نعالها المشقوقة أوصلتها باب المسئول
رغم الخطى المثقلة
سلّمت على الحارس الأول وسألت:
رضاك من الربّ
ذرني أرى المسئول...
يبتسم الحارس خفيةً
(ففي ذهنه يرمي فضلته على المسئول والمسئلة)
كيف يحكم الشعبَ مخبولْ؟
يتصل، فيأتي الجواب:
المسئول مشغولٌ في المرجلة
يسوس فيها لعدالة ما أحلاها
فحيّ هلا
ومضت ثلاث ساعاتٍ تنتظر لدى الباب
تبدد الضجر بالإستماع لخطاب الزعيم
يظهر على الشاشة بشوشاً
في البرلمان يبشر بالعدل والرفاه!
الحمد لَهْ
انتهى المسئول في اجتماعه سرّاً
بالمغنية الصاعدة لتوها
لديها نهودٌ ومؤخرةٌ مبجّلة
خرجت قابضةً كيساً من المال
(كانت بالأمس عند الزعيم)
تبتسم للحارس ذاهبةً وتمشي بغنجٍ تهز مؤخرتها (المركّلة)!
ضربت موعداً مع المسئول
في يومٍ غير مشهود
يلعن الحارس: يا لهم من سفلة!
يخبر سرّاً كادر الإذاعةِ
لكن إعلام الحزب لا يبت في المسئلة
فللإعلام همّ أشغله
كوادر الحزب يبحثون عن كواعب أترابا
ذات صدور مسنجلة
يفتحونهن بسيوفهم المصقلة
ذلك يلحقنا بركب الشعوب المتقدمة المكملة
وتضيف قارئة الأخبار تستقذر الرجعيين:
لا يسرفنّ النقاد في لوم الحزب
تلك هي متطلبات المرحلة.
ينادي المسئول
والفرحة على وجنتيه تلمع
أين هي؟
فلتدخل الأرملة
تأتي بحياء ووجل:
سيدي الخبز معدوم في البيتْ
لا نورٌ ولا دفئ ولا زيتْ
لا مالٌ ولا قوت ولا أفراح
يومنا بالهموم مجبولْ
أحسبك مناضلاً رؤوفاً
أوفدتُ إليك شكواي عساك تشيلنا
من حالنا المزرية المهلهلة.
أطرق المسئول قليلاً وتمتم
حدّق فيها وفي قوامها
كأنه يبتاع حاجةً
قائلاً في نفسه:
( تفيد ليلةً وليلتين و...
لن تكون هكذا ملفوفةً بالعبائة
ولا شك تخفي طراوةً في نفسها
تؤنس لمسي
وتجاليدها الملساء حتماً مدللة...)
يتـــنزه المسئول يقظاً في حلمه
ويبتسم:
أبشري يا إمرأة كالشجر
تخفين لموسم القطف ما لديك من ثمر
في لقياك يهون عندي الطلب
فزوريني الليلة في القصر
هناك النور والدفئ والطعام والسهر
أدلك على واحد من قصوري!
هناك في المزرعة خارج المدينة
تأتي النِعم إليّ مرسلة!
يلعق ريق الجشع وأهدابه في نعاس
يستفيق ممسداً شاربيه
تتلمظ أنظاره هيفاء الأرملة
وهي واقفة عند الباب
ناشفة الريق وبرق الهمّ في الصدر يجولْ
تهمّ بالحديث، يقاطعها المسئولْ:
نعرف زوجكِ قتلناه يتجاوز أملاك الدولة
لكننا نقطع لك مرتباً شهرياً
ونعدّ زوجك شهيد الوطن
تلك ليست بمشكلة!
تنهدت أمّ الأيتام في غيرةٍ
ولملمت عزتها، تستجمع القوى:
يا إبن النابغة
لقيط العواصم
يا عبدأ ذليلاً أمام العدى
يا بائع البلاد كبائعة الهوى
أوَجدتنا أنذالاً نبتاع الخبز
بشرفٍ تحمّلنا قدسه وثقله؟
تخرج بإباء
تسدّ الباب تبعث في قلبه الزلزلة:
الموت لك يا جبانُ
خنتنا وخنت الوطن
تترك الأرملة قصر الحزب المفدّى
بعد أن لبغت وجهه ووجه المسئول ببصقة مثقلة!
الحارس واقفٌ
تدمع عيناه مفتخراً:
أمّاه أعذريني، خذي ليتاماك مالي
هذا كلّ ما لديّ
فتقبّل رأسه
ويقبّل الحارسُ يد الأرملة.
علي سيريني
alisirini1@gmail.com
التعليقات
تعليق
أبو سفيان -في هذا النص الأدبي يحمل سيريني هموم إنسانيته المعذبة ويلقيها على أكتاف أرملة، أناخ عليها زمن ( أحزاب القبائل ) بكلكله، ليشبعها بؤسا وشقاء..من يعرف حياة الشرق ومكنوناته العميقة، يعرف كيف يتحول ( الجنس ) إلى ملاذ للسلطة الغاشمة ، وبنفس الوقت وسيلة للإذلال والتشفي وإحتقار الآخر ( وفق ناموس الروح القبلية وعنجهيتها ) كلنا نذكر المقولة( التي نسبت إلى أحد قادة الكويت ) والذي أبلغ صدام بأنه سيجعل العراقيين يُبيعون بناتهم بعشرة دنانير!!صحيح أن السلطة والجنس صنوان، لكنها في أحوال القبائل الحزبية ذات التراث القروسطي، وتقاليد الكبت ، وعقد الطفولة ( والضعف الجنسي الذين يعاني منه سياسيو خريف العمر)فإن الجنس يصبح محركا للسلطة وطرفا رئيسا في لعبة القوة.. تمنيت من السيد سيريني لو أنه ، ابتعد عن بعض الصياغات الأدبية القديمة ، على طريقة المقامات السجعية ..فيكفي أنه يمتك لغة ثرية وشكرا
تعليق
أبو سفيان -في هذا النص الأدبي يحمل سيريني هموم إنسانيته المعذبة ويلقيها على أكتاف أرملة، أناخ عليها زمن ( أحزاب القبائل ) بكلكله، ليشبعها بؤسا وشقاء..من يعرف حياة الشرق ومكنوناته العميقة، يعرف كيف يتحول ( الجنس ) إلى ملاذ للسلطة الغاشمة ، وبنفس الوقت وسيلة للإذلال والتشفي وإحتقار الآخر ( وفق ناموس الروح القبلية وعنجهيتها ) كلنا نذكر المقولة( التي نسبت إلى أحد قادة الكويت ) والذي أبلغ صدام بأنه سيجعل العراقيين يُبيعون بناتهم بعشرة دنانير!!صحيح أن السلطة والجنس صنوان، لكنها في أحوال القبائل الحزبية ذات التراث القروسطي، وتقاليد الكبت ، وعقد الطفولة ( والضعف الجنسي الذين يعاني منه سياسيو خريف العمر)فإن الجنس يصبح محركا للسلطة وطرفا رئيسا في لعبة القوة.. تمنيت من السيد سيريني لو أنه ، ابتعد عن بعض الصياغات الأدبية القديمة ، على طريقة المقامات السجعية ..فيكفي أنه يمتك لغة ثرية وشكرا
يوم ولادة الشاعر
سامان -قطعة ادبية في غاية الجمال.لقد اسهب علي السيريني في طرح معانات شعبه متمثلة في ارملة(وما اكثرهن في بلده)فابدع في وضع الاحزان على الاوراق.صح لسانك لقد ذكرتني بقصيدة المرحوم نزار القباني عن الديك ومزرعة الدجاج
يوم ولادة الشاعر
سامان -قطعة ادبية في غاية الجمال.لقد اسهب علي السيريني في طرح معانات شعبه متمثلة في ارملة(وما اكثرهن في بلده)فابدع في وضع الاحزان على الاوراق.صح لسانك لقد ذكرتني بقصيدة المرحوم نزار القباني عن الديك ومزرعة الدجاج
تحية عربية لكردي
إنجي -ليس أولاً ولا أخراً-من إحسان الأستاذ سيريني إجادة الكتابة-وإستمتاع القاريء بها بل وإحترامه لها-ولكــــن حال إمرأته يشبه الكثيرات-وإن كُن إختلفن العرق أو اللون!-فذاك النوع من النساء-(إن أطلقوا رصاصة عليها..فتحيا هي وتموت الرصاصة!)-وأبلغ الأستاذ سيريني أني من المداومات-على قراءة..إجادة التحرر من ((الإنغلاق القومي ))الكردي-وأكرر منعاً لسوء الفهم..(تحرر من الإنغلاق-وليس تحرر من القومية)ففرقهما كبير-لذا له مني كل التقدير0
تحية عربية لكردي
إنجي -ليس أولاً ولا أخراً-من إحسان الأستاذ سيريني إجادة الكتابة-وإستمتاع القاريء بها بل وإحترامه لها-ولكــــن حال إمرأته يشبه الكثيرات-وإن كُن إختلفن العرق أو اللون!-فذاك النوع من النساء-(إن أطلقوا رصاصة عليها..فتحيا هي وتموت الرصاصة!)-وأبلغ الأستاذ سيريني أني من المداومات-على قراءة..إجادة التحرر من ((الإنغلاق القومي ))الكردي-وأكرر منعاً لسوء الفهم..(تحرر من الإنغلاق-وليس تحرر من القومية)ففرقهما كبير-لذا له مني كل التقدير0
الى الاخ سيريني
sami -تحية الك اخي علي اراك مفتوح الشهية على الكتابة هذه الايام انا اعرفك جيدا واعرف لماذا تكتب بهذه اللهجة عن شعبك
الى الاخ سيريني
sami -تحية الك اخي علي اراك مفتوح الشهية على الكتابة هذه الايام انا اعرفك جيدا واعرف لماذا تكتب بهذه اللهجة عن شعبك
بوركت يداك يا علي
ريبوار مصطفى -قصيدة في غاية السحر والبيان.. وفي نفس الوقت تستجمع ذروة النار والحزن العميقين وتستكشف عن معانات الشعب ومناجات الثكالي وتستشف عن ما يدور في ادمغة النوابغ! وما يجري وراء كواليس المسئولين وشرارة دعْبُلهم! استمر على هذا المنوال واكتب قصائد اخرى قاصمة حول الاوضاع التعيسة دون كدّ ووجع...
بوركت يداك يا علي
ريبوار مصطفى -قصيدة في غاية السحر والبيان.. وفي نفس الوقت تستجمع ذروة النار والحزن العميقين وتستكشف عن معانات الشعب ومناجات الثكالي وتستشف عن ما يدور في ادمغة النوابغ! وما يجري وراء كواليس المسئولين وشرارة دعْبُلهم! استمر على هذا المنوال واكتب قصائد اخرى قاصمة حول الاوضاع التعيسة دون كدّ ووجع...
كلمة .یراد بھا باطل
Wandering -كلمة حق یراد بهاباطل....
كلمة .یراد بھا باطل
Wandering -كلمة حق یراد بهاباطل....
البذرة
نذير شيخ سيدا -عقلية البعث لاتنتج إلأ ماهو نازي وكره لابناء كوردستان، وليس على المريض من حرج.
البذرة
نذير شيخ سيدا -عقلية البعث لاتنتج إلأ ماهو نازي وكره لابناء كوردستان، وليس على المريض من حرج.