مدافع مائية تهدد سور الصحافة الحكومية الاردنية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يتجه عدد من اعضاء نقابة الصحفيين الاردنيين الى الطعن قضائيا في اجراءات اللجنة التى اشرفت على انتخابات نقيب و اعضاء مجلس النقابة التى جرت يوم الجمعة الماضية و قامت بتأجيل الانتخابات اسبوعا اخر في اجتماع مفتوح للهيئة العامة و ذلك لعدم حصول اي من المرشحين لمنصب النقيب على النسب المطلوبة ووجود سته اوراق زائده في صندوق الاقتراع. و يخشى الجسد الصحفي تعيين لجنة ادارة حكومية بديلة لحين التوصل الى حل لما حدث. و لكن قبل الخوض في الانتخابات و تاصيلها لا بد من دراسة حالة نقابة الصحفيين التى توارثتها مؤسستين صحفتين فقط لاكثر دوراتها ضمن لعبة الكراسي الموسيقية الاعلامية الحكومية.
عودة الى سنوات بداية الصحف الحكومية و شبه الحكومية الاردنية، تحت مسميات مختلفة، اغلى ما كان يدفع ثمنه المواطن هو معلومات و اخبار و تحقيقات صحفية من خلال الجرائد المحلية في القرن الماضي. كان يشترى صحفا اخبارها بعض منه موجها و قصاصات في غير مكانها، لانه لم يملك ان يشترى من السوق المحلي غيرها في زمن المنع و الاحكام العرفية و غياب التقنية المعرفية الحالية الالكترونية. هذا الزمن من القرن الماضي الذي فرض " سورا حكوميا عظيما في نظر المانعين " لصد تيار الحقيقة و انتشار المعرفة.
في كل مرحلة يشعر فيها المواطن بالاحباط كان يذهب الى المكتبة ليشتري جريدته المفضله عله يجد ما يفرحه، سواء كانت انذاك الرأي "الحكومية " او " الدستور " شبه الحكومية فقد كانا يشكلان عصب السوق الصحفي الاساسي. لم يكن هنالك بعد الانترنت او الفضائيات او الهواتف الخلوية و الرسائل الالكترونية. و لكن بوابات السور العظيم كانت مغلقة.!!!!
كان المواطن يشتري ايهما لولائه لتوجه ما، الرأي التى كانت اصلا من رحم الدولة،و الدستور التى كانت حملا خارج الرحم، و لكنه شرع بمباركة الحكومة. و كلاهما كانتا مشمولتان بدعم داخلي قوي في مواجهة تيارات خارجية. و لكن تاريخيا كانت "الرأي " ممثلة لسياسة الحكومات، و عندما حدث اختلاف في الرأي السياسي تعرضت، و هي جريدة الدولة الاولي الى الاغلاق و بيع اسهمها و تغيير ادراتها عرفيا و الاتيان بمجالس من خارج الطيف التى تمثله، و مع ذلك صمدت الى يومنا هذا و حملت رؤوساء تحرير ينتمون الى حزب البعث الى منصب نقيب الصحافيين اكثر من دورة، و من ثم انتقلوا الى وظيفة حكومية هي وزراء ثقافة او اعلام او داخلية.
و كانت الرأي الاقرب الى سياسات وزير الداخلية سليمان عرارفي بدايتها و ه المستار الثقافي الاردني لدى السعودية ثم عاد الى "الرأي " و نهج محمود الكايد "البعثي السابق والوزير اللاحق". و تبنت الجريدة مواقف و سياسات احد اهم حملة اسهمها و الذي اصبح رئيس وزراء الاردن المهندس على ابو الراغب، و في وقت لاحق تحولت الى نهج اكثر تاثيرا و انفتاحي في عهد الدكتور الوزير خالد الكركي.
اما " الدستور " و التى اسسها صحفي مقتدر من تيار عقائدي اتى من العريش الى فلسطين واستقر في الاردن في مواجهة المد الناصري، فقد حظى بدعم غير طبيعي داخلي للهجوم على السياسات المصرية ضمنيا في بدايات تأسيسها. و في مراحل مختلفة حملت افكار بعض من تيارات فلسطينية و انحازت الى تيار الاخوان المسلميين و الذي تملك نسبة مؤثرة من اسهمها عبر نقابة المهندسيين الاردنيين، وتداولت تيارات منصب رئيس التحرير و من ثم منصب نقيب الصحفيين الاردنيين اكثر من دورة، و من ثم، كما حدث في "الرأي " تحول النقباء من "الدستور، او بعض منهم للدقة وزراء اعلام و ثقافة و اوقاف. وكانت الدستور الاقرب الى سياسات وزير الاعلام و رئيس الديوان الملكي عدنان ابوعوده و التيار الفلسطيني الذي يمثله هشام شرابي، و حملت فكر قريب من منظمة التحرير عندما ترأس تحريرها الصحفي البارع و نقيب الصحفيين الاردنيين عرفات حجازي و الذي كان عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني. اما اكثر ايامها انفتاحا و مهنية فكانت وقت المرحوم ابراهيم سكجها و الذي دفع ثمن مهنيته باستقالة مشرفة.
و كلا الصحفيتين حملا تيارات متقاطعة و تملكا نسبا من شرائح القراء الاردنيين و لكن لم تفلح اي منهما في الوصول الى "العالمية " او " العربية " مثلما فعلت جرائد اخرى مثل النهار اللبنانية او الاهرام المصرية او الشرق الاوسط السعودية او الحياة. على الرغم من وجود كفاءات و خبرات في كل منهما. و احتفظت الرأي بالتفوق العددي في المبيعات و تميزت الدستور بالانفتاح السياسي الاكثر في الكتابات. و لكن و مع كل هذا و ذاك فقد امتثلت كلتا الجريدتين الى تعليمات مسؤول الصحف الحكومي في العناوين الرئيسة و المواضيع المطروحة سواء كانت تأتي التعليمات من خلال اجتماعات وزير الاعلام او التنسيق مع من يمثله في الحكومة. و اتفقت كلا الجريدتين على موقف واحد في المنع لبعض المواضيع و التزمامعا بحدود السقف الصحفي الاردني، و هذا ليس بغريب في دول العالم الثالث.
اذن "الرأي " كما يعتقد البعض تمثل قوى اردنية و قومية و يسارية مغلفة باطار حكومي، في مواجهة "الدستور " من وجه نظر اخرين هي التى تمثل قوى فلسطينية و تيارات عقائدية مغلفة هى الاخري باطار حكومي، ضمن منظمة اعلامية محكمة الاداء و السيطرة. و هذا الشأن طبيعي في الساحة الاردنية السياسية حيث انعكس ذلك و بدا واضحا في كل الانتخابات النقابية ساء كانت هندسية او طبية او زراعية او صحافية، حيث قوائم بيضاء تمثل الاخوان و تيارات فلسطينية و قوائم خضراء تمثل قوائم اليسار و القوميين و الشيوعيين و غيرهم، و كانت حركة فنح الفلسطينية هى الورقة المتأرجحة بين الكفيتن المتنافستين. و كالعادة ضاع التيار الاردني بين المتصارعين.
انتخابات نقابة الصحافيين الارنيين، يوم الجمعة الماضية، و التى تأجلت لعدم حصول اي من مرشحي منصب النقيب على 319 صوتا، و يشوبها حالة من الاختراق القانوني و التجاوزات لوجود ست اوراق زائدة في صناديق الاقتراع و جدلية التأجيل لاسبوع اخر من عدمه للانتخابات،ونشبت بها معارك بالايدي و ضرب احد المرشحين لمنصب النقيب بزجاجة ماء و تطاير كراسي و تشابك و عراك، و تداخلات من الشرطة لانهاء حالة الفوضى، هي اول انتخابات حقيقية في الجسد الصحفي، بعد ان توارثت الرأي و الدستور تبادل المنصب بمباركة حكومية في لعبة كراسي ادارة النقابة لصالح الصحف اليومية الحكومية و السيطرة على الحريات، على الرغم من انه ما زال منصب النقيب مقصورا واقعيا على مرشح من "الرأي " ومرشح من " الدستور ".
لاول مرة تظهر قضايا جديدة في الطرح الانتخابي، و المداولات بين الصحافيين، و تتدخل بوادر من السياسة و المهنية، و عنفوان الشباب و افكار التجديد في زمن سقط فيه صدام حسين و رموزه، و خرجت حركة فنح الفلسطينية من الساحة الاردنية بعد اتفاقات اوسلوا، و تحرر الجسد الصحفي من بعض القيود الامنية، و لم يعد صوت احد مرتهن بالكامل بوظيفته في الجريدة او بوكالة الانباء التى كانت تحسم ثقل المنصب لطرف ما كونها تشكل اكثر من ثلاثين بالمائة من الناخبين (سابقا).
انتخابات نقابة الصحفيين الاردنيين تاريخيا و الى الان و لكن بصورة اضعف،كانت انتخابات " اصحاب جريدة الرأي " في مواجهة " اصحاب جريدة الدستور "، بمعنى قوى مال في مواجهة اخرى يدعمها توجه حكومي و استرضاء وقتي.
في زمن ازداد فيه عدد الصحفييون الى اكثر من ستمائة صحفي، ينتمون الى اكثر من عشرين اسبوعية و مجلة و ظهور جرائد اخرى غير جريدة الرأي و الدستور مثل "العرب اليوم و الغد" و غيرهما من الاسبوعيات، اضافة الى دخول اصحاب الشهادات و العلم الى الجسد الصحفي بعد زمن كان: من لا مهنة له يتوجه الى الصحف و ان كان بلا شهادة جامعية"، و كان الزمن القديم يعتبر كل من يكتب مقال في جريدة هو صحفي، و بالتالي انقسم كتاب المقالات الى فريق "الرأي " و فريق " الدستور "، بعض منهم يتبع التصويت المصلحي.
و اقصد ان تلك الحالة التوارثية للمنصب انتهت بانتهاج اسلوب ديمقراطي في الاردن، و بتواجد حماية للاراء المخالفة لما يجري في الساحة، و بازدهار الفضائيات و انتشار الانترنت و تقنيات البث اللحظي عبر الرسائل الالكترونية، فلم يعد بالامكان توريث منصب النقيب او تعيينه بانتخابات مسبقة متفق عليها بين رؤوس اللعبة.
و الجمع ينتظر ما ستسفر عنه الحالة الانتفاضية و الطعن الانتخابي في نقابة الصحفيين قبل يوم الجمعة القادم، الذي هو بداية حراك في الجسد الصحفي الاردني، على امل ان نرى ذلك ينعكس على الحريات الصحفية بعد ركود اتربة العاصفة و دخان مدافع الصحف الذي توج بانسحاب احد المرشحين لمنصب النقيب الصحفي سيف الشريف ( و هو نقيب سابق و رئيس مجلس ادارة الدستور ) واصفا الانتخابات بأنها تتم تحت"تأثيرات غير مقبولة و ضغوطات حكومية غير عادية ".انتهى الاقتباس وكأن الانتخابات و بارودها المائي في وجه المرشحين شيئا جديدا على الساحة والذي يقصف سور الصحافة الحكومية الموجهه. و لاتزال بعض الاتربة وبكتريا التداخلاتتثير التحسس و غبارها يعصف بالعين، و لكن ما يحدث هو انتصار مرحلي لجموع الصحفيين في العهد الجديد.
د.عبد الفتاح طوقان
aftoukan@hotmail.com
التعليقات
ضيعتنا
صحفية تعافت مما ألم -ماذا تريد أن تقول يا عبد الفتاح، .بالمختصر المفيد الصحافة الأردنية رهينة رقابة الدولة وسلطتها، ونقابة الصحفيين طوال تاريخها كانت ضعيفة وليس لها تأثير في القرار السياسي أو الاجتماعي. والرقابة موجودة، والحال مايل. ....