أصداء

مقابر العرب الجماعية.. فضائح و تواريخ

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الأوضاع الحركية الساخنة التي يعيشها العالم العربي منذ مطلع الألفية الثالثة و التي تمتد خلفياتها لعقود طويلة ماضية قد أفرزت حالة شاملة من المراجعة التاريخية لحصيلة التجربة التاريخية و السياسية العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم وهي تجارب مرة أزيحت من خلالها كل الأسوار و الأسرار التي كانت تحمي و تسيج الأطر العامة لمواقع النظام السياسي العربي، فبعض المراجعات السياسية الذاتية في العالم العربي حدثت بدوافع و أسباب داخلية محضة عمادها و محورها تجديد الحياة السياسية و إعادة صياغة لنمط العلاقة بين النظام و الجماهير وفق آليات حديثة و متطورة تخفف من مؤثرات الصراعات السياسية و تنقل المجتمع لآفاق جديدة دون الحاجة بالمرور بفترات تحول دموية صعبة وعبر إصلاح ما يمكن إصلاحه كما حصل في التجربة المغربية مثلا من تطورات و متغيرات خلال السنوات الأخيرة من عهد الملك الراحل الحسن الثاني الذي حرص بعد قراءته المتعمقة للتاريخ و المتفهمة لطبيعة المتغيرات الدولية و المحلية على إعادة ترتيب البيت الداخلي المغربي بعد أن تحلى نظامه بفضيلة الإعتراف بالخطأ و الإقرار الواقعي بمراجعة كل الملفات السوداء و قضايا و روايات إنتهاكات حقوق الإنسان و الكشف العلني الشفاف و الواضح و الصريح عن بلاوي سلطوية و عن ملفات رهيبة من ملفات التسلط و الجموح السلطوي و الصراعات الإنقلابية التي رسمت كل معالم التاريخ السياسي المغربي خلال العقود الثلاثة الأخيرة من التاريخ دون خوف و لا وجل و لا تهيب حقبتي الستينيات و السبعينيات وحتى الثمانينيات و يمكن إعتبار التجربة المغربية رغم نواقصها الواضحة واحدة من التجارب الرائدة و النادرة في العالم العربي الراسخ حتى الثمالة و الغارق حتى أذنيه في عوالم الإستبداد و الهيمنة و أساليب القرون الوسطى في التعامل مع المعارضين و الداعين للتغيير، لقد كشف النظام السياسي المغربي دون وجل عن حقائق و ملفات لا يمكن أن تكشف بسهولة و يسر في القسم الشرقي من العالم العربي ووصل نقد الذات و التجربة لمواقع حساسة في عمق النسيج السياسي، و أزاح الستار عن قلاع رهيبة و معاقل مرعبة من السجون و المعتقلات السرية كان أبرزها سجن تازمامرت الصحراوي الذي وجد في المغرب بين أعوام 1973 / 1991 و ألتهمت زنازينه الرهيبة أرواح العشرات من الذين شاء لهم حظهم العاثر أن يوقعهم بين جدران ذلك السجن الرهيب ودفنت في ساحته الموحشة عشرات الجثث لضحاياه التعساء و طبعا كانت هنالك معتقلات سرية أخرى مثل ( قلعة مكونة ) و ( أكدز ) و مقرات المخابرات و البيوت السرية و غيرها الكثير من معالم فيما عرف بسنوات الرصاص المغربية التي تخللتها محاولات إنقلاب عسكرية دموية و توترات شديدة بين السلطة و المعارضة، وقبل أيام تم في شمال المغرب إكتشاف مقبرة جماعية في مدينة الناظور المغربية قيل أنها تعود لأحداث عام 1984 التي عمت المغرب من الدار البيضاء و حتى الشمال و التي لجأت خلالها قوات السلطة لوسائل قمع عنيفة للجماهير و ما زالت التحقيقات مستمرة لمعرفة المزيد من خبايا و إشكاليات تلك المقبرة الجماعية و متعلقاتها وحيث يؤكد العديد من المعارضين على وجود مقابر جماعية أخرى في أماكن أخرى وهي حالات لم تعد تخشى السلطات المغربية من إزاحة الستار عن تلك المواقع إن وجدت ضمن إطار المصالحة مع الذات و مع الجماهير و العبور لمرحلة جديدة بعيدا عن ذكريات و مآسي تلك الأيام و بطريقة قانونية وحضارية تقوم الدولة بموجبها بواجبها الأخلاقي والقانوني في جبر الضرر و التعويض المناسب، أما في المشرق العربي وحيث للإستبداد عالم ووجود وتاريخ يسير بشكل مضطرد مع عقلية الخرافة المعشعشة هناك فإن المقابر الجماعية تشهد إزدهارا لا مثيل له و بشكل يتفوق حتى على عدد آبار النفط الموجودة في الشرق السعيد!

ففي العراق المدمى مثلا و المحتل لم تعرف أنباء و أخبار المقابر الجماعية التي تعود لعهد نظام صدام حسين الحافل بالصراعات و الحروب و الغزوات إلا بعد الإحتلال الأمريكي و الذي و بحكم الضرورة و الواقع أضاف بدوره مقابر جماعية جديدة و مستحدثة دشنت الوجود الأمريكي و ألغت بالكامل أسطورة الديمقراطية و الحرية التي كنا نتوهم أنها قد تأتي مع دبابات المحتل و طائراته، كما أضافت الحرب الأهلية المحدودة و المتنقلة القائمة حاليا في العراق مقابرا جماعية فظيعة أخرى تسببت بها العصابات الطائفية و السلفية المختلفة وتسببت بها أيضا عصابات فرق الموت السلطوية التي نمت كالفطر المسموم في التربة العراقية لتجعل من العراق بأسره واحدا من أكبر المقابر الجماعية في العالم المعاصر؟ وحيث تحولت مدن عراقية كاملة لمقبرة جماعية كما حصل في مدن النجف خلال معارك 2004 و مدن الفلوجة و الأنبار و حتى البصرة خلال المعارك الأخيرة و كما حصل في مواقع حشد جماهيرية تحولت لمأساة كما حصل في حادث جسر الأئمة البغدادي بين الأعظمية و الكاظمية حين غرقت آلاف الأرواح البشرية في زمن حكومة إبراهيم الجعفري عام 2005 و كما حصل فيما بعد في موقعة ( الزركة ) قرب النجف حين قتل المئات من المدنيين في قصف الطائرات الأمريكية فيما عرف في قضية ( جند السماء )!!

و ما تبعها من أحداث دموية مريعة، أما المقابر الجماعية للنظام السوري فما تزال تحيطها الأسوار و الأسرار و كذلك الحال في المقابر الجماعية في اليمن السعيد و في الصحراء الليبية و في أماكن أخرى جميعها تصرخ و تنادي الضمير الإنساني الغائب، فبين قبور المغرب الجماعية و قبور المشرق المشابهة لها و الأسوأ ربما تكمن لحظات قلق تاريخية و تتوارى فروق حضارية كبيرة جدا، فإغلاق الملف في المغرب قد تزامن مع فتحه في المشرق و الملف بأسره هو بمثابة قنبلة موقوتة لا بد أن يسفر إنفجارها عن خسائر مروعة، لقد ضرب المغاربة مثلا كبيرا في التسامح مع التاريخ من أجل ضمان المستقبل، و لكن مقابر الشرق العربي الجماعية لم تزل مفتوحة و شرهة تصرخ بأعلى صوتها.. هل من مزيد؟.. و تلك هي الكارثة؟.

dawoodalbasri@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لماذا التعميم؟
حمد بن خالد - قطر -

لا تعمم على العرب جميعاً، ففي خليجنا العربي لم تحدث قط أية مقابر جماعية، على الأقل في تاريخه الحديث!

مقابر العقول
خالد مجيد فرج -

السيد داود البصري تحية طيبة وبعد.. انک تتحدث عن المقابر الجماعية للأجساد والتي تنتشر في ربوع من هم خير امة اخرجت للناس اي من المحيط الی الخليج ولکن يا صديقي العزيزالأخطر و الأشنع من ذلک هی ان الأمة بکاملها و بمحض ارادتها ومنذ قرون غابرة دفنت عقولها و للأبد في مقابر العقول الجماعية.

مقابر احياء
الليثي -

اخي داود رغم كل اختلافي معك ولكن هنا اريد اوضح لك حقيقه ان مقابر النظام البعثي الصدامي ليس مقابر جماعيه بل هي اكثر من ذلك المقابر الجماعيه يعني دفن الضحايا جميعاً ولكن مقابر نظام البعث وزمره كانت حرق العراقيين في سياراتهم ودفنهم وهم في السيارات ومع السيارات وأزيد على ذلك كان العراقيين يدفنون وهم احياء يعني كان يرى العراقي المظلوم البعثيين يحفروا قبر له وامام عينه انظر وتأمل قليل لو حفر قبر لك امام عينك وانك بعد لحظات تلهم التراب لما اشهد ايها التأريخ ان لاظلم ولاطغيان ولاقتل مثل ايام نظام صدام اليوم يخرج علينا رجال البعث المقيت على الفضائيات ويقولوا اليوم مقابر جماعيه في العراق نعم انها مقابر للظالمين الذين قتلوا العراقيين واليوم الله جل شأنه اخذ حق هؤلاء المساكين من هؤلاء الاوغاد البعثيين الظالمين

حذارِ، حذارِ!
أبومالك -

اقول للأخ الخليجي حمد بن خالد من قطر ان سكان البوادي عندكم وهم بدو افاضل يعترفون بالجميل للمحسن لهم (بما يفيض عنهم من الرفاه الذي يتركونه لاؤلئك المحسنين - ان نراهم لا يجدون سببا للنقمة او الثورة او المطالبة بحقوق ضائعة كما تفعل الشعوب الحية اذا لحقها الضيم والعدوان. وعلى كل هنيئا لكم بما تنعمون به من االسلام والاطمئنان للاصدقاء الجدد ولكني حذارِِ، حذارِِ أن، ;اري بين الرماد وميضَ نارٍ // وأخشى أن يكون لها أوارُ

المقابر الابشع
يونس حنون -

مقابر العقول الجماعية هي الكارثة الاكبر ، علما ان المدفونين في هذا النوع من المقابر لم يقتلوا بل انتحروا عقليا

القبول
برجس شويش -

اذا كان الاغلبية الساحقة في مجتمع ما تحدد المقايس والقيم و وتتفق شفهيا على جملة ما هو مقبول وغير مقبول او يجوز او لا يجوز وستكون رادعا او مشجعا، فالمجتمعات العربية مع المقابر الجماعية مع العقاب الشديد ان كان ضد فرد او جماعة او قوم والمجتمعات العربية اذا كانوا يعتقدون( وهم يعتقدون دائما بانهم على حق)بانهم على الصواب والحق حسب ثقافتهم السائدة وما غرسه انظمتهم فيهم من مفاهيم وتصورات ليست سليمة وغير حقيقية عن اي حدث فان تلك المجتمعات تقف مع الجزار وتبرر جرائمهم، لا يوجد في المجتمعات العربية اي رادع، ولهذا بكل سهولة يرتكب الظالمون جرائمهم بكل حرية لان مجتمعاتهم لا تحقرهم بل يبررون جرائمهم على اساس ان الحق معهم، فمثلا قتل النظام السوري في شوارع قامشلو ثلاث شبان كورد و وزيرة النظام بثينه شعبان لم تقل بان جريمة حصلت ويجب التحقيق فيها بل تلكلمت في موضوع بان الاكراد تسللوا الى سوريا من دول الجوارفي بداية الاستقلال، يا للعجب ما دخل الجريمة بالهجرة، وهكذا الحال مع معظم افراد المجتمعات العربية لا يقولون كلمة حق في الجرائم ولهذا السبب يدفعون الثمن غاليا

الحقيقة المرة
سمير -

ادا كان صدام قد ارتكب مجازر في حق الشعب العراقي فان ماقام به ديمقراطيو العراق الجدد بمساعدة من أسيادهم الامريكان ليعتبر جريمة نكراء في حق هدا الشعب حيث القتل على الهوية والاستعانة بالطائرات لقصف المدنيين الابرياء وعمليات الدهم التي يقوم بها زوار الليل لخطف وقتل الامنيين وسيطرة المليشيات الطائفية وعصابات فرق الموت الارهابية على جميع مناحي الحياة ومن بينها الاعلام وبعد دلك ياتي من يقول لنا اننا نعيش في ديمقراطية بعيدة عن المقابر الجماعية لصدام