أصداء

حكام في بحبوحة الأوهام

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ينشر الرئيس الايراني ابتسامته الباهتة وهو يرد ـ في أثناء زيارته للولايات المتحدة ـ على سؤال الصحفيين عن "الديمقراطية في إيران" بالقول بأن الشعب الايراني سعيد بالديمقراطية التي ينعم بها، وأن بامكان الصحفيين الغربيين أن يسألوا أي مواطن في شوارع طهران ليتأكدوا بأنفسهم من ذلك. وكان في الزيارة نفسها قد أضاف الى علم النفس حقيقة فريدة عندما قال في جامعة كولومبيا أن إيران خالية تماما من المثليين، فايران المقدسة تخلو من هذه الأمور. وفي خطابه في مقر الأمم المتحدة، الذي نسي فيه نفسه وتصور أنه في جامع فراح يدعو رؤساء العالم الى "الهداية" الى السراط المستقيم، يلمس المرء كم أن هذا الرجل ماض بعيداً في انفصامه عن الواقع حتى بات متعذراً شفاؤه.

التشخيص المرضي ذاته يحوم حول إجابة "القائد" معمر القذافي على أسئلة الصحفيين الغربيين عن "الديمقراطية في ليبيا"، عندما فاجأهم بالقول بأن ليبيا أعظم بلد ديمقراطي في العالم.
أما رئيس زيمبابوي روبرت موغابي الذي يمسك بالسلطة منذ أكثر من عقدين فيرد على المطالبين بالتداول الديمقراطي للسلطة بأنه هو من جاء بالديمقراطية الى البلاد!
لكن شيخ المنفصمين عن العالم هو بلا شك جورج دبليو بوش الذي لم تفلح أرقام الضحايا من العراقيين ومن الأمريكيين معاً ولا الأرقام الفلكية لتكاليف الحرب، ولا الوقائع الدموية اليومية، في إخراجه من وهم أن الحرب جلبت للعراق الخير.. كل الخير!

يبدو أنه حتى لو كان السياسي على اتصال بالحياة العامة قبل وصوله الى الحكم فانه ما أن يحكم حتى يدخل في عالم منعزل تفرضه ضرورات كثيرة: أمنية وبيروقراطية وسياسية، ويغدو من الصعب عليه أن ينظر الى الواقع بعينيه فينظر إليه بعيون مساعديه ومساعدي مساعديه، الذين سيكوّنون شبكة أو عدة شبكات من المصالح والنفوذ ترسل الى الحاكم ماشاء لها من التقارير التي تخدم منظورها وتلبي مصالحها، فتستخدمه بينما هو يتخيل أنه يستخدمها. أكثر الأمثلة تراجيدية على ذلك وقوف صدام حسين مذهولا إزاء "اختفاء" جيشه في لمح البصر ما أن دخل الأمريكان بغداد التي كان قد أعدها جيداً كمقبرة للغزاة! كل ذاك الولاء المطلق من الرتب العسكرية المتزاحمة على الأكتاف، ومن "الرفاق" الحزبيين، كل أفواج شيوخ العشائر التي كانت تزحف للقصر الجمهوري لتعلن "البيعة"، والآلاف التي كانت "تفديه بالروح، بالدم!"، وجوقات الشعراء، والمغنين، والتقارير اليومية التي تؤكد "متانة الجبهة الداخلية" و"جاهزية القوات"، ونسبة الـ 100% التي بايعته في آخر "استفتاء" أجراه...كلها تبخرت في دقائق. المثير للدهشة أن هذه الصدمة لم توقضه. وحتى حين رأى بعينيه العراقيين يتحدون الموت ويتوجهون بالملايين، وأحياناً مشيا على الأقدام عدة كيلومترات، الى صناديق الانتخاب وينتخبون غيره ويلعنون زمانه، فانه يصر على عدم اليقضة، واصفا كل هذه الملايين بالغوغاء، مع أن هؤلاء أنفسهم هم من "بايعوه" بنسبة 100% قبل سنة واحدة فقط من الغزو، لكن آنذاك كان إسمهم الشعب العظيم وليس الغوغاء.

ثم تتكشف يوما بعد يوم خفايا الحقبة الصدامية ليتبين أن شبكات المصالح والنفوذ، إضافة الى شبكة الخوف الشاملة، قد أخفت عن قائدها المفدى الكثير من المعلومات الخطيرة، وضللته بتقارير كاذبة وحتى بمشاريع تسليحية كبرى كانت مجرد حبر على ورق يعرف واضعوها أنها مستحيلة التنفيذ بينما يتبجح هو بها ويهدد بها القوى العظمى! إذا كانت التراتبية البيروقراطية حالة رئيسية في الجهاز الاداري للدول فانها في عراق صدام كانت حالة ثانوية فيما كان الرئيسي هو تراتبية القمع ومعادلتها تراتبية الخوف: كلٌ يقمع الأدنى منه، وكلٌ يخاف ممن أعلى منه رتبة أو وظيفة أو "درجة حزبية"، وهذا الخوف يؤدي بطبيعة الحال الى الكذب، فيخفي الموظف المدني والضابط العسكري الخطأ والعجز عن مسؤوله خوفا من عقاب مرعب. أما حين نصل بهذه التراتبية الى مستوى "القيادة" فان مجرد مناقشة أفكار أو أحلام القائد بدلا من التأييد المطلق لها كانت ترقى الى الخيانة (يعني الاعدام!) فكان القادة والمسؤولون يؤيدون أي جنون يصدر عن القائد، ويمضون الى تنفيذه رغم علمهم باستحالته، وبالتالي يضطرون الى تدبيج تقارير كاذبة عن مراحل العمل لانجاز ذلك الجنون! حتى جاءت ساعة الحقيقة: دخول الغزاة بغداد. انكشف عندها كل شيء، وزيف كل شيء. صرخت الحقيقة بلا رحمة: أن كل العالم الذي أنشأه صدام، بكل ما يملك من دهاء وقسوة وإرادة حديدية، طوال ربع قرن، كان عالماً وهميا.. لا قوته المادية حقيقية ولا قوته النفسية (سلطة الخوف) حقيقية. وإذ ظل هو يكابر حتى اللحظة الأخيرة ملقيا باللوم على الصهيونية و"الغوغاء" فالحق أنه وحده الملوم على هذه النتيجة، لأنه ارتضى لنفسه أن يتشرنق في نرجسيته، يصغي الى صدى صوته في أفواه المنافقين والمتملقين والمنتفعين منه، مخرساً أصوات الناصحين المخلصين، مكتفيا بالصورة الزاهية التي تزوده بها أجهزته عن دولة مثالية وشعب يذوب حبا فيه.

إذا كانت هذه الكارثة لم توقض صدام حسين فانها كذلك لم توقض زملاء له في قصر الأوهام ممن يرون بلدانهم "تتقدم بهم" كما يقول شعار الحزب الوطني الحاكم في مصر، الذي يرأسه زميل آخر من زملاء صدام في قصر الأوهام. ففي الوقت الذي تعاني فيه مصر من جمود التنمية والفساد الشامل والقهر الاجتماعي، يعلن رئيس الوزراء أمام الملأ بأن مصر قد حققت معدل تنمية يتجاوز 7%!! الشعب جائع وضائع ومسحوق وهذا يتحدث عن نمو يقارب نمو الصين. عندما أطلق رئيس الوزراء هذه الكذبة تلفت المصريون الى بعضهم البعض متسائلين: هل يتكلم عن مصر أم عن بلد آخر؟! وجاءت التظاهرات والاضرابات هذه السنة لتحاول إيقاض السادرين في بحبوحة الأوهام. ونموذج الحكم في مصر له خصوصيته من حيث انه لم ينفصل عن الواقع بسبب ثقته (البريئة!) بالطبقة المستفيدة المحيطة به وإنما لأنه هو الذي خلق هذه الطبقة الفاسدة وهو متواطئ معها: يقبض منها حصته ويستلم أفرادها منه المناصب والمنشآت العامة المباعة لهم بسعر التراب. في البال مشهد له رمزيته: عندما انفجرت انتفاضة الجياع المصريين في 18 يناير 1977 كان السادات في استراحته في أسوان يجري لقاء مع صحفية فسألته الأخيرة عن رأيه بالمظاهرات الحاصلة، فسألها بدوره: "مظاهرات إيه؟!" قبل أن يدخل محافظ أسوان ويخبره بأن المظاهرات تتجه صوب الاستراحة ليهرب الرئيس المؤمن على الفور بطائرة هليكوبتر! وحين نسمع أكاذيب الحزب الوطني الحاكم اليوم وتبريراته المتحذلقة لسياسة تدمير الاقتصاد المصري وسرقة المال العام وسحق الطبقات الفقيرة لا نجده أقل اغتراباً عن الواقع من السادات بل إنه أكثر منه اغترابا، ومع هذا الحراك الجماهيري فقد لا يكون بعيدا ذلك اليوم الذي تحيط فيه المظاهرات بقصر مبارك وحاشيته فيما هم يتساءلون: مظاهرات إيه؟

لم يفرض أحد عالم الأوهام على هؤلاء الحكام والطبقة المحيطة بهم، إنما هو النعيم الذي اختاروه برغبتهم، ويدفعون في النهاية ثمنه غير مأسوف عليهم.

سمير طاهر

samirtahir@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ياريت يدفعو الثمن؟
طارق الخطاب .مصر -

والله ياريت يدفعوا الثمن لكن الواقع للاسف الشديد ان صدام فقط الذي دفع الثمن منهم لكن لبقية الباقية منهم يجعلوننا نحن ندفع الثمن ولا اعرف ماذ فعلنا بهم ليفعلوا بنا ذلك ؟ هؤلاء الطغاة ليس لهم شبيه من اي -----متوحش سادي انهم عينة غريبة من المخلوقات مزورين مزيفين قتله ولصوص شيئ غريب والاغرب انهم يصدقون انفسهم والاشد غرابة انك قد تجد من يصدقهم ان لهم فائدة هؤلاء جميعا دمروا الشعوب العربية شعبا شعبا فاصبحنا شعوب خارج التاريخ علميا وثقافيا لانملك حتي طعامنا ولانملك قرارانا في اي شيء بفضلهم اصبحنا عالة لا تطوير لا تقدم لاشيء نفعله الا التمني من الله ان يفك الكرب المثير للغراية هنا انك قد لا تجد واقعا اشد غرابة من واقعنا المزري فهل سمعت في عمرك ولا عمر ابائك او اجدادك عن لص يسرق من الفقراء ليعطي الاغنياء كنا قبل سمعنا قصة روبين هود عن سرقته من الاغنياء ليعطي الفقراء لكن لص مصر الاكبر يابي هذا انه يسرق من الفقراء ليعطي الاغنياء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟بالله عليكم هل سمعتم من قبل مثل هذا ولكن نقول مرة اخري هذه المصائب كلها سببها سكوتنا علي الام والاب لك المصائب الا وهي التزوير والتزييف للانتخابات وللارادة الشعبية حتي صار التزوير والتزييف هو كل شيء يجب ان نفهم جميعا ونقتنع ثم نحدد اسلوبا لمقاومة التزوير والتزييف للانتخابات لان هذا الذي نحن نستهين به في مصر وغيرنا من الدول العربية ونتندر عليه فقط هو سلاح الطاغية لاحتقار واذلال الشعب وتدميره وهو بهذا التزوير والتزييف وبناء عليه نصبح جميعا عدد لا قيمة له لذا ارجو من كل مفكر وكاتب وكل صاحب راي حر ان نتبني ونحدد طريقة للايقاظ من الغفلة لمقاومة التزوير والتزييف ونعتبرها هي الكفر هي الخيانة العظمي تري هل هناك حاكم اوربي يفكر في تزوير الانتخابات ؟؟؟؟؟ لماذا لا يحدث لانها خيانه كبري. اذا يجب علينا جميعا ان نحدد افضل الطرق لمقاومة تزوير وتزييف الانتخابات وهذه في رايي المتواضع هي البداية للتخلص من اليناصور التي تغتصب بلدنا وشعبنا يجب ان نعبأثقافة شعبية هائلة ضد التزوير والتزييف وانا انتظر اي حل لاساهم به يجعلنا نقف علي بداية الطريق الصواب طريق النور طريق الديمقراطية والحكم للشعب وليس للديناصور وشلته من الطبالين والقوادين واللصوص المتخفين في بدل انيقة مسروقه من دم الشعب هي وكل ما يحوزون وكل ما يتمتعون به ولا حول ولا قوة الا بالله

عودة الى الحرية
محمد تالاتي -

هذا اول مقال اقرأه للكاتب يقف فيه الى جانب الحق والعدل والحرية،واشكره عليه واتمنى ان يستمر في الكتابة على طريق الحرية.وفي الواقع انفصلت الانظمة العربية الحاكمة حاليا عن الواقع وعن حال المحكومين بالحديد والنار في دولهم الفاسدة،انظمة مختلفة الالوان والاحجام ولكنها كلها من نوع واحد لايتغير ولا يتبدل، حكامها أبطال امثال صدام والاسد ومبارك والقذافي وغيرهم،وكلهم بعيدون عن الواقع وترافقهم طائرات خاصة تحسبا لاي طارئ او لمواجهة الحقيقة.وقد ضرب وزير الاعلام الصدامي محمد سعيد الصحاف ابشع مثال على الكذب والخداع وتحريف الحقيقة،فكان يقول منتفخا كديك خشبي عن الجنود والدبابات الامريكية التي كانت تسقط تمثال الطاغية في ساحة الفردوس في بغداد(لقد حاصرناهم في دباباتهم)ويقسم كذبا امام العالم كله على ان لاوجود للامريكيين.هكذا يفعل بالشعوب العربية حكامهم من اكبر رأس الى اصغر رأس فيهم،وهم لايعرفون او يعرفون انهم في طريقهم لمواجهة الحقيقة كماهي لاكما يشاؤون.أود ان اختم تعليقي بملاحظة صغيرة وهي ان كثيرا من الكتاب العراقيين يستخدمون في كتاباتهم حرف الضاد(ض)بدلا من الظاء(ظ) في كلماتهم مثل(توقضه)بدلا من (توقظه)ولا أعرف هل هذا خطأ شائع أم لا .