أصداء

التواطؤ الاميركي والغربي على لبنان

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

من المسائل المحيرة مدى انعدام كفاءة الغرب عندما يتعلق الامر بايجاد حل للمشكلة اللبنانية، وبعد كل تلك الوساطات الاوروبية والعربية، وكل تلك التهديدات والاغراءات، وبعد عقود طويلة من ارسال قوات الامم المتحدة بموجب قرارات دولية لا تعد ولا تحصى، وبعد خروج الشعب اللبناني الى الشوارع بالملايين من الناس المطالبين بحل نهائي ودائم لمعاناتهم المستمرة منذ عشرات السنين.

بعد كل هذا، فقد حان الوقت لتوجيه اصابع الاتهام نحو الجهة الحقيقية المسؤولة عن هذه "الخبيصة": وهي تضم جميع اولئك الذين باعوا لبنان الى سوريا لأكثر من ثلاثين عاماً وهم يدعون اليوم بأنهم غيروا مسلكهم بعدما شاهدوا النور واصابتهم الصحوة نتيجة لاحداث 11 ايلول/ سبتمبر 2001، وبعد اغتيال الوسيط الاول في هذه الصفقة، رفيق الحريري، عام 2005.

فما حدث هو انه بعد وقف اطلاق النار على جبهة الجولان في عام 1974 (وهو ما زال ساري المفعول الى الآن)، قام وزير الخارجية الاميركي آنذاك، هنري كيسينجر، باطلاق يد سوريا في لبنان، في محاولة من مخططي السياسة الخارجية الاميركية لخلق "بؤرة حرب" يسيطر عليها الفلسطينيون فيبتعدون ببنادقهم عن مقاومة اسرائيل، وحيث تستطيع سوريا تحقيق حلمها القديم بضم لبنان اليها، فتبتعد هي الاخرى عن محاربة اسرائيل.

وقامت هذه الخطة لهندسة حالة زعزعة الاستقرار في لبنان على جعل سوريا وكيلاً رئيسياً ينسق بدوره ثلة من الوكلاء المحليين الثانويين، مثل منظمة التحرير الفلسطينية، والحركة الوطنية اللبنانية (وهي خليط من الميليشيات، وجماعات اليسار، والاسلاميين، والقوميين العرب، ومجموعات فلسطينية متنوعة)، و"حزب الله" بعد ذلك. ثم قام التحالف بين الولايات المتحدة واوروبا واسرائيل والدول العربية بتنفيذ برنامج، كل من جهته، يقضي بتدمير لبنان تحت شعار ظل سائداً طيلة ثلاثة عقود من الزمن، وهو "قيام سوريا باشاعة الاستقرار في لبنان".

او بكلام آخر، لعب الغرب والعرب واسرائيل في لبنان لعبة مشعل الحريق ورجل الاطفاء: جهات تقوم بزعزعة استقراره، ثم يرسلون سوريا لتثبيت الاستقرار.

ان التاريخ لا يملك ان ينسى ان الولايات المتحدة هي التي شجعت سوريا ودعمتها لتكون الناطق الاول باسم لبنان المكمم المسحوق، والحارس القانوني للبنان المعوق طيلة تلك العقود، حتى عندما كان السوريون ووكلاؤهم المحليون يقومون باعمال القتل والخطف والنهب والتفجير والقصف.

وكانت اللغة الدارجة في وزارة الخارجية الاميركية خلال تلك الفترة تصف الدور السوري في لبنان بأنه "وجود" لا احتلال، وان هذا "الوجود" هو "عنصر استقرار". وكان يجري دائماً استبعاد لبنان عن مفاوضات السلام في الشرق الاوسط، بالنظر الى ان سوريا هي المكلفة بالتفاوض نيابة عن لبنان. فلم يكن لبنان طرفاً في المفاوضات، بل كان هو موضوع التفاوض. وحتى في تلك الفترات النادرة التي تمكن فيها لبنان من ازاحة النير السوري عن كاهله، عندما فاوض اسرائيل على معاهدة للسلام في ايار/ مايو 1983، سهّل الغرب لسوريا احباط ذلك الجهد، ودفع لبنان من جديد الى دوامة العنف وتشديد القبضة السورية عليه. وعندما قام "حزب الله" وهو من وكلاء سوريا بتفجير مقرات للقوات المتعددة الجنسيات في لبنان في شهر تشرين الاول / اكتوبر من عام 1983، هربت الولايات المتحدة وحلفاؤها في تلك القوات مذعورين كالأرانب. وقد بلغت تلك المهزلة ذروتها في اتفاق الطائف لعام 1990، حين اجبر مجلس نيابي لبناني ممدد له لأكثر من عشرين سنة ولا يمثل احداً على تعديل الدستور اللبناني وتحويل البنية السياسية اللبنانية من نظام فاعل، وان لم يكن مثالياً، الى نظام محاصصة كارثي بثلاثة رؤوس لا يستطيع ان يكون فاعلاً في اي امر كما نشهد اليوم على الطبيعة.

لقد تدهور النظام اللبناني من نظام رئاسي ـ برلماني قوي الى نظام محاصصة مثلث الرؤوس حيث لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي سلطات متساوية (وكل منهم له صفة "الرئيس"). ففي النظام السابق القائم على الميثاق الوطني لعام 1943، وهو عبارة عن كلمة شرف غير مكتوبة، توزعت الرئاسات الثلاث على الطوائف الثلاث الرئيسية ليس على اساس عدد كل منها، كما هو شائع على نطاق واسع، انما كفعل اعتراف متبادل من قبل المسيحيين والمسلمين بالتنوع الذاتي والمصير المشترك. اما اتفاق الطائف فقد كرس التقسيم الطائفي للسلطة وجعل من لبنان وحشاً طائفياً مشلول الحركة.

وما الازمة الراهنة التي يمر بها لبنان اليوم سوى شاهد على هذا التحول، حيث تعجز البلاد عن انتخاب رئيس للجمهورية منذ اشهر عديدة. فرئيس الحكومة، "الرئيس" فؤاد السنيورة، بطة عرجاء مقعدة يرأس نصف حكومة تدير ادارة ينخرها الفساد ولا تستطيع ان تلبي حتى ابسط حاجات المواطنين. ورئيس المجلس النيابي، "الرئيس" نبيه بري، خطف البرلمان واختصر الهيئة التشريعية بشخصه، فأقفل المجلس ولا يسمح للنواب بالاجتماع للقيام بأي عمل تشريعي. هذا ما فعله اتفاق الطائف بلبنان.

ان المشكلة اللبنانية القائمة اليوم والمستعصية على الحل تعود بصورة مباشرة الى الخيانة الكبرى التي ارتكبها المجتمع الدولي بحق واحد من اقدم اعضائه، وان كان اضعفهم. وهي تمثل فشلاً ذريعاً وصارخاً لعدم التطابق بين المبدأ وبين الممارسة. ذلك ان لبنان حتى العام 1970 كان ارفع منارة للديموقراطية والحريات وسط محيط من الدول الدينية والديكتاتورية، لكن الغرب امعن في اغتيال شخصية لبنان، خصوصاً الولايات المتحدة واوروبا ذات الميول اليسارية، من خلال الاذعان للدول العربية الغنية بالنفط، فصاروا يصفونه بأنه "غابة"، وانه "بلد من قبائل متعددة ومتناحرة"، و"كيان مصطنع"، و"خبيصة" صعبة الحكم والمراس، وما الى ذلك من نعوت.

والى الآن، هناك معلقون امثال روبرت فيسك في جريدة "إنديبندنت" البريطانية، يمعنون في التشكيك بحق لبنان في العيش كدولة مستقلة من خلال الطرق المستمر على نقطة محددة مفادها ان لبنان ارض اقتطعتها فرنسا من سوريا في العام 1920، غافلين عن حقيقة ساطعة وهي ان هذا الزعم يسري على جميع البلدان القائمة اليوم في الشرق الاوسط وافريقيا. فهؤلاء المغفلون يتجاهلون التفكيك المحتوم للامبراطورية العثمانية الذي افرز كل هذه الدول التي نراها اليوم والتي يتحدثون عنها في تعليقاتهم كالعراق، وسوريا، والاردن، واسرائيل، والكويت، ومصر، والاردن، والسودان، وجميع البلدان التي نشأت في الشرق الاوسط وافريقيا بعد نهاية الاستعمار الاوروبي، بما فيه الاستعمار العثماني.

ومن العجب العجاب، ولسبب من الاسباب، تراهم لا يذكرون سوى لبنان كنتاج مصطنع للتفكيك المذكور، وعلى نحو يقلل من شأنه ويبرر الجرائم التي ارتكبتها سوريا ضده بدعم من الغرب.

ان الغرب بقيادة الولايات المتحدة يقف متهماً اليوم بما آل اليه الوضع في لبنان بعد اخفاق مزر للسياسة الدولية استمر اكثر من 30 عاماً. فلا شيء يفسر عجز المجتمع الدولي، او عدم رغبته، في اتخاذ خطوة نهائية وحاسمة بانتشال لبنان من بؤرة الصراع العربي ـ الاسرائيلي ـ الايراني. فعندما استخدم صدام حسين في اجتياحه الكويت الحجة البعثية ذاتها التي تستخدمها سوريا بالنسبة الى لبنان، تحرك المجتمع الدولي كله لطرده منها في غضون اشهر قليلة. اما في لبنان فانه يلقون باللائمة على الضحية.

وهناك امثلة اخرى من هذا النوع. ففي كوسوفو لم يكتف حلف شمال الاطلسي والغرب ببسط الحماية على تلك المقاطعة بدعوى حماية المسلمين الالبان من الوحشية الصربية، بل انتزعوها انتزاعاً متعمداً عن جسم بلاد الصرب. كذلك قام الغرب بتشكيل قوة عسكرية هادفة لفرض انفصال تيمور الشرقية البالغ عدد سكانها 200 الف نسمة فقط عن اندونيسيا البالغ عدد سكانها 250 مليون نسمة، وجعلوها دولة مكونة من نصف جزيرة صغيرة وسط الارخبيل الاندونيسي المكون من آلاف الجزر.

اما في لبنان، فان ما قدم اليه من مساعدة طيلة اربعين سنة لم يصل قط الى الحد الذي يمكنه من تثبيت حل حاسم ونهائي. وجميع الاجراءات والتدابير التي اتخذت خلال تلك الفترة كانت حلولاً جزئية قصيرة الاجل مما خلق مشكلات جديدة تراكمت فوق المشكلات القديمة بحيث بات حلها مستعصياً.

فاذا كان "حزب الله" اليوم يملك نحو 30 الف قذيفة وصاروخ بعيد المدى، فان مرد ذلك الى الوصاية التي اعطاها الغرب لسوريا على لبنان من 1975 الى 2005. وحتى في هذه الايام التي ينهال فيها الجميع بالاتهامات ضد سوريا بدعوى زعزعة الاستقرار في لبنان، لا توجد اي رقابة على الحدود السورية ـ اللبنانية لرصد مرور الاسلحة والقتلة عبر تلك الحدود. بينما في المقابل، وطيلة 30 سنة، قام الطيران الاسرائيلي بالتحليق آلاف الطلعات فوق الاجواء اللبنانية وقصف الاراضي اللبنانية عدة مرات بحيث كاد يعيدها الى العصر الحجري.

ومع ذلك، فقد حرصت اسرائيل حرصاً شديداً على عدم التحليق فوق الاراضي السورية سوى مرتين وكلتاهما بعد العام 2005: مرة ضد مخيم تدريب فلسطيني مهجور، ومرة ضد موقع في العمق السوري مشتبه بأنه منشأة نووية.

فاذا كانت سوريا قد "اُجبرت" على سحب قواتها من لبنان في العام 2005 تحت ضغط دولي، فلماذا لا يجبرونها اليوم، بأدوات الضغط الدولية ذاتها التي استخدمت يومئذ، على وقف تسليح "حزب الله"، ووقف التفجيرات والاغتيالات في لبنان، واقامة علاقات ديبلوماسية بين دمشق وبيروت، وعلى تسوية الحدود المتنازع عليها في مزارع شبعا، واخيراً على الاعتراف بحق لبنان في الوجود كدولة مستقلة، وفك لبنان عن المسار السوري ـ الاسرائيلي في الجولان، او عن المشكلة الفلسطينية ـ الاسرائيلية؟

ليس هناك من جواب يفسر اخفاقات الغرب في لبنان والتواطؤ مع العرب ضده، اللهم سوى استحضار نوع من المؤامرة، فلا بد ان هناك سبباً للسماح باستمرار معاناة لبنان منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي الى اليوم. ولا بد ان هناك هدفاً للسماح بانحلال وانهيار عضو مؤسس للامم المتحدة، وارض تعايش بين "حضارات متصارعة".

فهل الغرب متواطئ فعلاً مع العرب واسرائيل لانهاء لبنان وجعله وطناً بديلاً للفلسطينيين، كما اراده هنري كيسينجر في عام 1974؟


الدكتور جوزيف حتي من العلماء في علم الجينوميكيات، ومترجم عربي مرخص من رابطة المترجمين الاميركيين، وكاتب تعليقات حول لبنان والشرق الاوسط. ولد وترعرع في بيروت ويعيش حالياً في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس الاميركية.

الدكتور جوزيف حتي


المقال تنشره ldquo;ايلافrdquo; بالاتفاق مع ldquo;الديبلوماسيrdquo; النشرة الاخبارية الشهرية التي تصدر في لندن

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الحقيقه مرُه!!!
Ziad -

يعلمنا التاريخ دائما الدروس والعبر ولكن وللاسف الشديد لايريد الانسان الرجوع لاخد العبر والاستفاده فيقع بالمحطور.نعم لايريد احدا استقرار لبنان لان التاريخ انتصر للبنان طويلا وبدل ان يحتفل اهله بذلك فهم مرهنون بالسياسيات القذره لبعض الدول العربيه والاوروبيه بالاضافه الامريكا واسرائيل وايران ايضا.فهل لبنان هولا اللذين يدعون الزعامه وهم لايملكون قرارا الا بالرجوع لاخد الموافقهرفقا بلبنان بلد المحبه والسلام.بلد فيروز والرومي والصافي اللذين تغنوا بلبنان الوطن.

تأرجح لبنان
محمد ابو عزيز -

ياسيدي قد نتحدث الى يوم الحشر عن المؤامرات الحقيقية و المفترضة و الخيالية لاكن ذلك لن يغير من الحقيقة البسيطة التي تقول ان اللبنانيون انفسهم لم يتفقوا بينهم على ما يريدون ولو كان الهدف الرئيس من ذلك كله توطين الفلسطينيين فيه لكان حدث ذلك في احلك الاوقات و اضعف الظروف التي مرت على لبنان ولاكن ذلك لم يحصل. مشكلة اللبنانيون ولاءاتهم كثيرة ومتعددة وباعتقادي هم مثل بقية العرب الآخرين لم يجد الغرب قوة بينة و متمكنه تمثل معظم اللبنانيين -ليس عسكريا فحسب- ليسمع منها مطالبها و احتياجاتها. دول الخليج ساعدت و دعمت لبنان كثيرا من اجل الصمود و الوقوف في وجه المؤامرات في حدود ماتسمح به الظروف السياسية اكثر من مرة حتى وان كان ذلك ليس في مستوى المأمول،لاكن ماهي النتيجة ، غالبا ما يخذل لبنان دول الخليج احيانا كثيرة خصوصا اذا كانت خلافاتهم مع سوريا او ايران عليك انت يالبنان. فليحسم اللبنانيون امر مستقبلهم فبل اي شيء ثم سنرى.

عون عماد الوطن
اللبناني -

لا تنسى ان البطرك صفير هو من يشجع جعجع وجنبلاط على رفض عون الذي انتخبه المسيحيون و يريدونه رئيس للجمهورية

الكنيسة الغربية
اوس العربي -

لا تعولوا على الغرب فالغرب المسيحي رفد الكيان الصهيوني بكل اشكال الدعم المالي والسياسي والعسكري الامر الذي ادى الى هجرة المسيحيين الفلسطينيين فبعد ان كانوا يشكلون 22بالمائةمن السكان نزلت نسبتهم في فلسطين الى 2 بالمائة وتعرضت مقدساتهم للانتهاك من اليهود وبيعت اراضيهم ودورهم بالتواطيء مع القساوسة الغربيين خاصة اليونانيين منهم كما ان الاحتلال الامريكي المسيحي للعراق تسبب في معاناة المسيحيين العراقيين وهجرتهم بالمحصلة فان الغرب المسيحي لا يحب المسيحية المشرقية ويسعى الى اذابتها واستبدالها بالكنيسة الغربية ان المسيحية المتصهينة لا يمكن ان توجد حلا للمشاكل وانما تعمل على ادارتها من غير حسم

تعليق
amadi -

بالنسبة لروبرت فيسك الرجل اعتاد الكتابة بعيدا عن كل منطق سوى منطق اليسار المتطرف الدَي لا يرى في امريكا والغرب كله اي خير والدَي يرى في الارهاب الاسلامي مقاومة ودفاع ويعتبر شافيز واحمدي نجاد واي دكتاتور اخر مناضلين ووفق هدَا السياق حسن نصرالله في نظره مقاوم حتى وهو يقاوم وجود الدولة اللبنانية وبالطبع حزب الله بعيد عن الارهاب بل ان القاعدة نفسها مجرد مقاومة للمحتل الامريكي في نظر هؤلاء الشيوعيين الم يقلها ليفنغستون عمدة لندن السابق بان هؤلاء مقاومين؟الم يصرح زميله غالاوي بان الحكومة اللبنانية هي المعتدية على حزب الله. هؤلاء تعودوا على قلب الحقائق خدمة لايديولوجيتهم.

هدف الغرب
متابع عراقي -

أدخل كسينجر سوريا الى لبنان لتدمير الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية آنذاك بعد فشل الكتائب بالمهمة، ونفذت سوريا المخطط الطائفي المعروف في لبنان وجعلت حزب الله شكليا مقاوما وفعليا حاميا حدود اسرائيل، وقد ادخلت سوريا ايران الى لبنان لنفس المهمة وكل ذلك برضا امريكا وموافقتها.