أصداء

المرتدون على ماركس

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الحزب المعروف باسم يوسف فيصل في سوريا والموصوف افتئاتاً بالشيوعي، مثله مثل حزب وصال بكداش، دعا رهطاً من المثقفين والأكاديميين الذين هم على شاكلته من طبقة البورجوازية الوضيعة، دعاهم لينظروا في المسالك التي تؤدي إلى تهديم الماركسية كما حددوا دون حياء أو خجل، الماركسية التي غدت، كما تراها البورجوازية الوضيعة، قيداً صدئاً يعيق حركتهم نحو تحقيق طموحاتهم البورجوازية الوضيعة ويشوّه أزياءهم بعد أن نجحوا في التزيّي بأزياء أنيقة لم يسبق أن عرفها وضعاء البورجوازية.

في البدء أشكر السيد معتز حيسو الذي سمح لنا أن نستعرض أسلحة طلائعي البورجوازية الوضيعة الصدئة والبالية في حربهم على الماركسية ونتفرج على أبهة جنرالهم رئيس هيئة الأركان يوسف فيصل. ليس من باب الحرص على مستقبل يوسف فيصل وحزبه البورجوازي الوضيع، والذي لا يهمني بقليل أو كثير بعد كل الذي جرى، بل من باب تنبيه جماعات من البسطاء كيلا تشارك في حرب يوسف فيصل على الماركسية فيتكبدون خسائر لها أثر بليغ في بناء مستقبلهم أتعرض إلى ما توصلت إليه ندوة يوسف فيصل وتعرية مراميها الشيطانية في تهديم الماركسية. كما إني أحس ببعض الشكر أيضاً للمثقفين والأكاديميين المنتدين بالرغم من مشاركتهم في تهديم الماركسية ـ وهم لن يستطيعوا أن ينقضوا منها حجراً ـ لأنهم فقط توصلوا أخيراً إلى فضح الممارسات السياسية لحزبي يوسف فيصل ووصال بكداش " الشيوعيين " التي تتناقض " مع مصالح كافة الفئات الإجتماعية التي يدعون تمثيلها " كما أعلنت الندوة.

الإشكال الأساس الذي يأسر يوسف فيصل وكل الذين دعاهم للنظر في المسالك التي تؤدي إلى تهديم الماركسية هو أنهم لا يفهمون حرفاً من ماركس. لا أقول هذا من باب المبالغة أو التحقير المقصود بل أؤكده لأنه هو الحقيقة. يوسف فيصل وبعد أن قضى في العمل الشيوعي أكثر من نصف قرن، مثله مثل كريم مروة في لبنان، ما زال لا يفهم حرفاً من الإشتراكية إذ يقول وحواريوه.. " إن القيادات الصينية تحافظ حتى اللحظة نسبياً على العدالة الإجتماعية وبالتالي فإن تحقيق العدالة الإجتماعية ليس مرهوناً بأشكال من الممارسة الماركسية/الشيوعية وليس مرهوناً بتحقيق دكتاتورية البروليتاريا " ـ يا للسخافة التي لا تثير غير الضحك من كثرة الألم ـ مع الإعتذار من الأطباء النفسيين!! الحقيقة الكبرى التي نود أن نصفع بها وجوه هؤلاء القوّالين ليست هي أن الإستغلال الذي يقع اليوم على العمال الصينيين قد تجاوز في وحشيته ما كان العمال قد عانوا منه أيام الإستعمار الياباني وأن هناك أكثر من ثورة يقوم بها الفلاحون في أرجاء مختلفة من الصين بعد أن سحقهم الجوع الحقيقي، لا ليس هذا، بل هو أن الإشتراكية ليست نظاماً إجتماعياً وأن ما يسمى زوراً بالعدالة الإجتماعية ليس من مفردات الإشتراكية. الإشتراكية أيها المجندون في الحرب على الماركسية بقيادة يوسف فيصل هي فترة قصيرة تقوم خلالها الطبقة العاملة، وليس غير الطبقة العاملة، بإلغاء كل علاقات الإنتاج، أكانت عادلة أم غير عادلة ـ ولكم أن تعلموا أن ميزان العدل ليس موجوداً في هذه الدنيا الفانية ـ ويتم ذلك من خلال إلغاء تقسيم العمل الإجتماعي أي محو الطبقات بتعبير لينين وإلغاء وسائل الإنتاج الخاصة بها. ولعلي أعذر يوسف فيصل فقد شاغله عمله السياسي ولم يسمح له بدراسة ماركس، لكن ما عساه يكون عذر المثقفين والأكاديميين الذين جمعهم يوسف فيصل لمعاونته في تهديم الماركسية؟ نسأل.. في أي مدرسة بعثية درس هؤلاء الماركسية؟ بحدود ما أعلم فإن البعث لم تتوفر لديه الأموال ينفقها على مدارس حزبيه. النتائج التي توصلت إليها ندوة يوسف فيصل للنظر في المسالك المؤدية للتخلص من الماركسية هي تلك النتائج التي توصل إليها نفر من البعثيين الذين استهووا ممارسة السلطة والتنعم بامتيازاتها الوفيرة. سبق هذا النفر يوسف فيصل وحزبه بالقول أن الماركسية لا تناسب مجتمعاتنا ولا عصرنا والحزب الشيوعي ليس ضروريا ودكتاتورية البروليتاريا غير ديموقراطية ويتوجب تناسيها. ونسأل الشيوعي الهمام يوسف فيصل.. ماذا بقي من الثورة الإشتراكية؟ ولماذا لا تحل حزبك وتتوحد مع حزب البعث كي ينال القادة الآخرون في حزبك سيارات خاصة بهم ومعاشات جزلة ومناصب رفيعة؟ ـ إفعلها يا يوسف فالماركسية انهزمت!!! لا تضيّع اللبن في الصيف!!!

فيما تجهله ندوة يوسف فيصل من الماركسية ـ وهي تجهل كل شيء ـ تحدثت عن الإيديولوجيا وتقديس النص. الخبثاء يتخابثون فيعرّضون بتقديس النص كخطوة لازمة لرفض العديد من المبادئ الماركسية التي لا تخضع للتقادم. ولفضح مثل هذا التخابث ـ إن لم يكن غباء في الأصل ـ نشير إلى ما كان كارل ماركس قد أكدّه وهو أن الماركسية لا تكون ماركسية إذا ما ارتدت رداء الإيديولوجيا. كارل ماركس هو العالم الأول والأخير الذي وجه ضربة قاتلة لكل الإيديولوجيات على مدى تباينها. لقد قال ماركس أن الشيء ليس هو نفسه في ذات اللحظة بفعل قانون الحركة الديالكتيكية في الطبيعة وقانون نفي النفي. الإيديولوجيا تتقيد بالضرورة بالثابت وماركس نفى كل ثابت على الإطلاق. فكيف والحالة هذه يتحدث مثقفو البورجوازية الوضيعة عن النص الثابت في الماركسية. ما يشبك في زور هؤلاء هو تحديداً النص المتعلق بدكتاتورية البروليتاريا، لكن هذا النص ليس ثابتاً فليس من دكتاتورية للبروليتاريا سواء قبل الإشتراكية أم بعد الإشتراكية. دكتاتورية البروليتاريا شرط لازم في مرحلة الإشتراكية القصيرة بغض النظر عن زمن تلك المرحلة إذ لا يمكن إلغاء وسائل الإنتاج الخاصة بالطبقات غير البروليتارية بدون دولة البروليتاريا الدكتاتورية. أما أن يستبدل هؤلاء المنتدون دكتاتورية البروليتاريا بالديموقراطية والاعتراف بالآخر فذلك يعني مباشرة الإستغناء عن الإشتراكية بعجرها وبجرها والقبول بالمجتمعات الطبقية التي أفضلها المجتمع الرأسمالي حيث يعترف الرأسماليون بالعمال ويسمحون لهم بالإقتراع في كل انتخابات نيابية؛ لكن جديد الندوة هو مطالبة العمال بالإعتراف بالرأسماليين وبدولتهم القمعية. أما الإشكال الذي على هؤلاء المنتدين معالجته بصورة جدية هو أن الرأسماليين يعترفون بالطبقة العاملة التي من دمائها يحصلون فائض القيمة، لكنهم لا يعترفون بطبقة الفلاحين وسرعان ما يستولون على أراضيهم مقابل فوائد القروض البنكية المتراكمة عليهم ـ ما عساهم إذاً يفعلون لتحقيق عدالتهم الإجتماعية؟!!

قال لينين.. " ما من مفهوم لحق به تشويه مثل مفهوم الدولة وقد شوهته عن عمد البورجوازية والرجعية ". اليوم ينضم يوسف فيصل إلى البورجوازية والرجعية ليشوه أكثر فأكثر مفهوم الدولة. تطالب ندوة يوسف فيصل ب.. " ضرورة بحث دور الدولة على أسس سياسية علمية بعيدة عن الهيمنة الإيديولوجية ( الماركسية، النيوليبرالية) وفي كلا الحالتين نرى (الندوة ترى) التأكيد على تغييب دور الدولة في مرحلة محددة من تطورها الموضوعي، لكن من منطلقات مختلفة للوصول لنتائج مختلفة ومتناقضة، الأولى تهدف للوصول إلى دولة دكتاتورية الطبقة العاملة والثانية لضمان الحرية المطلقة لرأس المال ". يعتقد هؤلاء أن لينين لم يكن مؤهلاً للبحث في طبيعة الدولة ودورها في المجتمع وذلك لأنه محكوم بالإيديولوجية الماركسية كما يزعمون. يدّعون بأنهم متحررون من كل الإيديولوجيات ولذلك فهم يرون أن الدولة كائن مستقل يتطور موضوعياً ـ والدولة ليست كائناً مستقلاً إلا إذا كان الله قد خلقها مع آدم وحواء!! كان يلزم أن يقوم دركي صغير باعتقالهم وجلدهم بضعة سياط على مؤخراتهم كي يدركوا حالتذاك أن الدولة ليست كائناً مستقلاً يتطور بصورة موضوعية على حد وصفهم، بل إنها تحمل دائماً وأبداً خصائص المجتمع الذي تقوم فيه حتى في تلك المجتمعات المتخلفة حيث تقوم الدولة المتخلفة، دولة العصابة والدائرة المغلقة (Closed Circle) التي لا تمثل إلا نفسها. في المجتمع الرعوي البطريركي قامت الدولة البطريركية كدول الخلافات والعديد من الدول القائمة حالياً في المشرق العربي. وفي المجتمع الرأسمالي كما في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة قامت الدولة الرأسمالية فيما قبل انهيار النظام الرأسمالي بعد عام 1975 والتحول إلى الإقتصاد الإستهلاكي وإنتاج الخدمات والذي معه تمددت الطبقة الوسطى وقامت إثر ذلك دولة الرفاه (Welfare State) دولة الطبقة الوسطى. وفي المجتمع الإشتراكي قامت دولة دكتاتورية البروليتاريا حتى أواسط خمسينيات القرن الماضي حيث تمددت الطبقة الوسطى بأثر الحرب العظمى وتحولت الدولة على يد العسكر وخروشتشوف إلى " دولة الشعب كله " كما سماها خروشتشوف بقصد تزوير طبيعتها التي هي طبيعة الطبقة الوسطى ثم قام علناً بإلغاء دكتاتورية البروليتاريا في المؤتمر الحادي والعشرين الإستثنائي للحزب الشيوعي عام 1959. الدولة ليست كائناً مستقلاً عن مجتمعها ولا تتطور بصورة موضوعية كما زعم حواريو يوسف فيصل بل إنها تتغير تبعاً لتغيّر المجتمع ونظام الإنتاج فيه. وهكذا وبدون التقيّد بأية إيديولوجيات يمكننا أن نتعرّف على الدولة ووظيفتها. إنها المؤسسة التي تقوم برعاية وحماية وسائل الإنتاج السائدة في المجتمع وتوفير كل المجالات الحيوية اللازمة لها. ومن أجل القيام بمثل هذه الوظيفة الحيوية الخطيرة لا بد من استخدام الأدوات اللازمة وهي أدوات القمع بكل أشكالها. الدولة هي الدولة التي تتشكل وتقوم بوظيفتها كضرورة إجتماعية في المجتمعات الطبقية ودون أن تخضع لرغبات الأفراد إذ ليس بقدرة أحد أن يغيّر من طبيعتها أو يحرف وظيفتها. ماركس وإنجلز ولينين ليسوا بحاجة ليوسف فيصل وحوارييه لأن يعلموهم عن طبيعة ووظيفة الدولة ـ سخرية الأقدار لم ولن تصل إلى هذا الحد!

لقد أوغل يوسف فيصل ومنتداه في ردِّتهم على الماركسية وفي عدائهم لها؛ ولعلهم تعلموا من البعثيين بعضاً من هذا. ويبدو ذلك ليس من خلال تمنيهم.. " أن يقود التطور الإجتماعي المستقبلي في تهديم المنظومة الماركسية بالكامل "، بل بإنكار أبسط الحقائق في العلوم السياسية ومطالبتهم بأن يكف الحزب الشيوعي عن أن يكون.. " محصوراً بتمثيل الطبقة العاملة للوصول إلى دكتاتوريتها، بل يجب أن يكون معبراً عن مصالح كافة الفئات الإجتماعية المتضررة "!! بالرغم من أنهم يقولون بمثل هذه الأقوال السخيفة جداً إلا أن الكاتب وصفهم بالمثقفين والأكاديميين!! نسأل هؤلاء من أرباع المثقفين والأكاديميين عن معيارهم في الضرر الإجتماعيي؟! وكيف تتم معالجة مثل هذا الضرر؟! ثم من قال أن اقتصاد السوق لا يوفر مثل عدالتكم في المجتمع؟ كل الطبقات تعرض منتوجاتها في السوق ومن خلال قوانين السوق يجري توزيع الثروة على كل المشاركين في الإنتاج ـ العمال يعرضون قوة عملهم في السوق، والفلاحون يعرضون محاصيلهم، والرأسماليون يعرضون منتوجاتهم من السلع، والطبقة الوسطى تعرض منتوجاتها من الخدمات. والمجتمع يلبي حاجياته في السوق بصورة ديموقراطية ويحدد بالتالي بدلات المنتوجات المختلفة. فلماذا إذاً الأحزاب؟ بل لماذا العمل السياسي أصلاً؟ أيها السادة من أرباع المثقفين والأكاديميين، الطبقات تتصارع من خلال الإنتاج في السوق، وكل طبقة تحارب بكل أسلحتها من أجل زيادة حصتها في الكعكة الوطنية. وليس ثمة من مجلس أمن يستطيع أن يضع حداً لهذه الحرب بصورة عادلة أم غير عادلة. لو توفر مثل هذا المجلس لما احتاجت المجتمعات المختلفة إلى أحزاب. أما وأن الحرب مستمرة فلا بد للطبقات المختلفة أن تجهز لها كتائب محاربة. هذه الكتائب هي الأحزاب. وليس من حزب لا يحارب الأحزاب الثلاثة الأخرى. البروليتاريا وحدها ومن خلال دولتها الدكتاتورية في فترة الإشتراكية تستطيع أن تضع حداً لهذه الحروب الطبقية التي عرفتها البشرية منذ فجر التاريخ.

لا يوسف فيصل ولا حوارييه أدركوا شيئاً من طبيعة دولة البلاشفة ومسيرتها الفريدة في تاريخ الإنسانية. إجتمع العالم كله على محاربة البلاشفة منذ اليوم الأول لاستلامهم السلطة في 7 نوفمبر 1917 مستخدما كل صنوف أسلحته وكتائبه الرأسمالية الإمبريالية والفاشية والنازية، إلاّ أن حزب البلاشفة الروس استطاع أن ينتصر في كل الحروب والمعارك وينقل روسيا مع ذلك من دولة تعتمد في معاشها على المحراث الخشبي الذي تجره الحيوانات إلى دولة تشق الفضاء عام 1957 وتتقدم سائر دول العالم في العلوم والهندسة والتقنيات. يزعم هؤلاء المنتدون، ولعلهم اقتبسوا غورباتشوف في مقدمته لكتاب (البريسترويكا)، بأن الشعوب السوفياتية كانت قد أُخذت بالإيديولوجيا الشيوعية وحققت بذلك ما حققت. نقول هنا لغورباتشوف ويوسف فيصل وأضرابهم أن الماركسية ليست إيديولوجيا بل هي الحرب الماحقة على الإيديولوجيا. ومع ذلك نقول أيضاً أن الإيديولوجيا بكل ألوانها وتشكيلاتها لا تستطيع أن تحقق شيئاً مهما كان بسيطاً وتافهاً وما ذلك إلا لأنها مجرد رداء ترتديه قوى اجتماعية لها أسبابها ومبرراتها في المجتمع والرداء بدوره لا يحمل السيف بل يستر عورة حامل السيف. وإذا ما حوكمت دولة البلاشفة بمحكمة الإيديولوجيات فسيكون الحكم سريعاً بالبراءة وذلك ليس لأنها فقط غير قابلة للدخول بهكذا محكمة بل لأن دولة البلاشفة كانت تتقدم سريعاً على طريق عبور الإشتراكية وتغير توجهها التنموي بين سنة وأخرى وهو ما يناقض طبيعة الإيديولوجيات الثابتة على الدوام. في العام 1921 قرر البلاشفة بعد أن انهارت كل الطبقات الأخرى بفعل الحرب التي شنتها على البلاشفة، قرروا أن يشرعوا في بناء الإشتراكية أو عبور الإشتراكية لدقة التعبير. بعد سنة فقط قرروا تطبيق السياسة الإقتصادية الجديدة (NEP) المعاكسة للإشتراكية. في العام 26 قرروا التخلص تدريجياً من اقتصاد النيب. في العام 28 قرروا الخطة الخماسية الأولى وكانت أول خطة خماسية في التاريخ ولم يرد ذكرها في دفاتر الماركسية. وفي العام 29 قرروا التحول من الفلاحة الفردية إلى الفلاحة التعاونية. السلطة المؤدلجة لا تغير برنامجها في إدارة الدولة والمثل على ذلك سلطة الملالي في إيران وسبب ذلك ليس الأدلجة بل استهدافات السلطة في المجتمع وقد ظلت هي نفسها لأكثر من ربع قرن.

بالرغم من كل السطحية التي رانت على بحث الندوة في وسائل تهديم الماركسية إلا أن الندوة لم تستطع أن تتغافل عن حقيقة كبرى من حقائق النظام العالمي القائم حالياً وهي بكلماتهم.. " تحول رأس المال نسبياً من رأس مال صناعي إلى رأس مال مالي مضارب في أسواق المال العالمية إضافة إلى التحول النسبي إلى رأس مال خدمي ". لكن بالنظر إلى جهل المنتدين بعلم الإقتصاد والذي هو شرط أساسي في النقد السياسي كما يجمع أهل الإختصاص، بالإضافة إلى جهلهم بالنقد الماركسي للإقتصاد الرأسمالي والذي هو شرط أساسي يؤهلهم لنقد الماركسية، بالنظر إلى هذا وذاك لم تستطع الندوة استخلاص المعاني من هذه التحولات في رأس المال وهي المعاني التي من شأنها أن تنسف كل تنظيراتهم حول سبل تهديم الماركسية. لعلنا لا نحتاج هنا على الأقل إلى الإستدلال على أن انتقال الأموال من حقول الإنتاج إلى حقل المضاربة في البورصة إن هو إلا تهديم لنظام الإنتاج الرأسمالي. الأموال في البورصة لا توظف عمالاً ولا تنتج سلعاً، بل تقوم بحجب الأموال المتوفرة عن الإستخدام في الصناعة. وتقول الإحصاءات العامة في هذا الشأن أن 97.5% من الأموال المتوفرة تذهب إلى المضاربة في البورصة. هؤلاء المضاربون هم أنشط الطبقات في تهديم النظام الرأسمالي. أما الأموال المتحولة لإنتاج الخدمات فهي زهيدة نسبياً وذلك لأن إنتاج الخدمات لا يقع في خانة الإنتاج الرأسمالي ليس لأنه لا يحتاج إلى رأس مال في الأصل أو لأنه لا يحتاج إلى مكائن وأدوات إنتاج بل لأنه قبل هذا وذاك إنتاج فردي يبلغ فيه تقسيم العمل درجة الكمال ولأن إنتاجه لا يذهب السوق للعرض واكتساب صفة الصنمية (Fetishism). إنه إنتاج فردي بورجوازي (Individual Production) لا يتضمن فائض القيمة وهو العنصر الأساس في نظام الإنتاج الرأسمالي. ثم في المعايير الماركسية يجب ألا توصف الأموال العاملة في مضاربات البورصة ب " رأس المال " لأن الرأس (Caput) هو من خصيصة الأموال المنتجة.

ما لا يجوز أن نختتم مقالتنا قبل الإشارة إليه هو النقيصة المعتادة في البحث لدى العرب بشكل خاص. ما درج عليه أهل العروبة هو أن يقرروا نتيجة البحث قبل الشروع به وهذا مفسدة للبحث وأية مفسدة. ندوة يوسف فيصل إجتمعت بداية لتصل إلى اكتشاف سبل تهديم الماركسية وهو ما أفسد كل اللت والعجن الذي دار في الندوة وضيّع بالتالي أهداف الندوة.

وأخيراً فإننا نتحدى يوسف فيصل ونخبته من المثقفين والأكاديميين أن ينبسوا ببنت شفة أو أن يقولوا كلمة واحدة حول كل هذه الإنكشافات. ولئن امتنعوا واستمروا خرساً بكماً لا يفقهون فإيّاهم ثم إيّاهم أن يقولوا بعد اليوم كلمة واحدة عما انتدوا لتعميده وهو " تهديم الماركسية" فقد بانت معموديتهم معمودية شيطانية.

فؤاد النمري

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف