رغم سلبياته: إتفاق الدوحة خير من دولة حزب الله
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ينعقد مجلس النواب اللبناني غداً الأحد لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً جديداً للبلاد. يجيء انتخاب سليمان كنتيجة مباشرة لاتفاق الدوحة الذي أبرمته القوى اللبنانية. ويعد انتخاب رئيس للجمهورية أحد النقاط الثلاث التي أقرها اتفاق الدوحة بالإضافة إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخابات. قد يكون اتفاق الدوحة خطوة مرحلية لا بأس بها ربما تقود إلى انتشال لبنان من فلك دولة حزب الله ومن مستنقع التفكك والتحلل والتشرذم الذي يكاد أن يغرق فيه بعدما قضى نحو ثمانية عشر شهراً مستغرقاً في فوضى واغتيالات واستنفار واستعراض للعضلات من قبل جماعات مسلحة تدين بالولاء لدول إقليمية لا تريد الخير للبنان. ولكن إذا كان اتفاق الدوحة يمد يد المساعدة للبنان في واحدة من أدق المراحل التي يمر بها منذ انتهاء الحرب الاهلية عام 1990، فإنه من المهم التأكيد على أن الاتفاق يمثل الحد الادنى من الأمال والطموحات التي عقدت على حوار الدوحة، لأن الاتفاق لا يقدم حلولاً جذرية ونهائية لمشاكل لبنان المستعصية. ومن ثم فإن الاحتفال بالاتفاق يعد أمراً مبالغاً فيه، اللهم إذا كان المحتفلون يعتبرون بقاء مشاكل لبنان نصراً.
حتى لا تفهم الكلمات هنا على أنها تهدف للنقليل من شأن اتفاق الدوحة أو من الجهود التي بذلها رعاته من مشايخ قطر، فإنه من الإنصاف القول بأن الاتفاق نجح جزئياً في إنهاء حالة الجمود السياسي التي بدأت بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط 2005، وبلغت ذروتها بخلو المقعد الرئاسي في قصر بعبدا، وابتعاد وزراء حزب الله عن المشاركة في اجتماعات الحكومة، وإعلان المعارضة الاعتصام المدني في شوارع العاصمة بيروت. وهي حالة الجمود التي تعذر معها انتخاب رئيس جديد للجمهورية طوال الثمانية عشر شهراً الماضية، واستحال معها الحوار الوطني، وتوقفت فيها عجلة الحياة السياسية عن الدوران.
إذا كان انتخاب رئيس الجمهورية هو أبرز إيجابيات اتفاق الدوحة، فإن ما تم إهماله يعد من أبرز نقاط ضعف الاتفاق. القضية المهمة التي أهملها اتفاق الدوحة هي قضية سلاح حزب الله الذي ينتقص من سيادة لبنان ويتعارض مع القانون ويمنح الحزب الإلهي امتيازات لا تتمتع بها الفرق الاخرى. وعلى الرغم من إشارة اتفاق الدوحة في إحدى فقراته إلى اتفاق الأطراف على "حصر السلطة الأمنية والعسكرية على اللبنانيين والمقيمين بيد الدولة بما يُشكل ضمانة لاستمرار صيغة العيش المشترك والسلم الأهلي للبنانيين كافة" إلا أن الاتفاق تجاهل تماماً موضوع نزع سلاح الحزب كمبدأ تقتضيه سيادة الدولة اللبنانية فوق أراضيها وكضرورة يفرضها حصر السلطة الأمنية العسكرية بيد الدولة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد من مجاملة حزب الله، بل أن نص الاتفاق على "حصر السلطة الأمنية والعسكرية على اللبنانيين والمقيمين بيد الدولة" قد يفسره حزب الله ومريديه على أنه عدم حصر السلطة الأمنية والعسكرية بيد الدولة حين يتعلق الأمر بالتعامل مع القوى الخارجية. وهو الأمر الذي قد يروج له حزب الله على أنه تفويض عربي للتعامل مع إسرائيل. من المؤكد أن صياغة الاتفاق تثير الشكوك والظنون في موضوعيتة، إذ أن مثل هذه الزلة العفوية أو المقصودة قد تجر لبنان لحروب مدمرة أخرى كحرب تموز 2006. وربما جامل الرعاة القطريين هنا أيضاً الأشقاء السورين والجيران الإيرانيين على حساب لبنان ومستقبله واستقراره.
ومن ناحية أخرى يشير البند المتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية بوضوح إلى هشاشة الاتفاق. فقد جاء توزيع المناصب الوزارية مجحفاً لقوى الأغلبية ومنحازاً بشكل كبير لقوى المعارضة. فالثلث المعطل الذي حصلت عليه قوى تتضمن حزب الله والتيار العوني قد يصيب الحكومة بالشلل إذا ما اختلفت الرؤى من جديد. ورغم نص الاتفاق على تعهد الأطراف "بعدم الاستقالة أو إعاقة عمل الحكومة" إلا أن الاتفاق لم يحدد صيغة محددة تضمن التزام أو إلزام الأطراف بالمحافظة على هذا التعهد. ولعل الرعاة القطريين والعرب الذين دفعوا قوى الإغلبية دفعاً للقبول بالاتفاق تغافلوا عن حقيقة مهمة وهي أنه سبق لحزب الله التعهد بعدم استخدام سلاحه في الداخل، ولكن الحزب نسف تعهده ووجه سلاحه نحو اللبنانيين حين واجهته الحكومة بخروقاته للقانون. ولعل التغاضي عن الإشارة إلى توزيع المناصب الوزارية السيادية وعلى رأسها الخارجية والداخلية والدفاع على الطوائف اللبنانية يعد نقطة ضعف هائلة أخرى بالاتفاق، إذ أنه من المحتمل نشوب صراعات بين القوى اللبنانية حول المناصب الحيوية التي قد تريد الأطراف الاستئثار بها، اللهم إذا اتفقت الأطراف على منح رئيس الجمهورية صلاحية اختيار الوزراء السياديين.
وعلى صعيد قانون الانتخاب، أقر اتفاق الدوحة قانوناً جديداً يقوم على قانون انتخابات عام 1960 ويستند إلى القضاء كدائرة انتخابية مع إضافة بعض التعديلات على تقسيم دوائر بيروت. وقد لوحظ أن ما نص عليه اتفاق الدوحة توقف في منتصف الطريق بين دعوة التيار العوني المعارض للعودة إلى نظام القضاء بغرض حصد أكبر عدد من مقاعد المسيحيين، ورغبة الأغلبية في الابتعاد ببيروت عن نظام القضاء ضماناً لحصولها على عدد كاف من المقاعد بالعاصمة. وإذا كان وصول اتفاق الدوحة إلى نقطة التقاء بين الفرقاء يعتبر أمراً جيداً إلى حد ما، إلا أن القانون الجديد ما يزال لا يلبي مطالب كافة الطوائف اللبنانية وبخاصة المسيحيين الذين يرون أن اللجوء إلى النسبية أو ربما الدائرة الأصغر من القضاء قد يعبر بشكل أدق عن رأي الناخب اللبناني بصفة عامة والمسيحي بصفة خاصة. إذ أن التوزيع الجديد للدوائر يحرم المسيحيين من انتخاب ما يزيد عن نصف ممثليهم في مجلس النواب، وهي المشكلة التي واجهها المسيحيون في انتخابات عامي 2000 و2005، والتي أدت إلى تهميش دورهم كقوة مؤثرة على الساحة السياسية اللبنانية بصورة خطيرة.
لقد جاء اتفاق الدوحة ليحرك السكون الذي انتاب الحياة السياسية في لبنان وليوقف التدهور الذي نشأ عن "الغزوة الإلهية" لبيروت. ولكن الاتفاق جاء منقوصاً وغير كافياً، بخاصة حين تجاهل قضية خطورة سلاح حزب الله التي كانت السبب الرئيسي لبدء حوار الدوحة. ولعلقبول قوى الأغلبية بتقديم تنازلات كبيرة في اتفاق الدوحة جاء بعدما واضعت قياداتها في اعتبارها موقفها الضعيف سياسياً وميدانياً على الساحة اللبنانية. ولكن من المؤكد أنه يحسب لقادة الأغلبية وضع مصلحة لبنان فوق مصلحتها، وهو ما لم تراعه المعارضة أبداً، بل أنها استغلت ضعف موقف الأغلبية في تحقيق المزيد من المكاسب.
ربما يصادف النجاح اتفاق الدوحة إذا ما قاد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية إلى إيجاد حالة من الاستقرار السياسي والأمني تفضي إلى استئناف الحوار الوطني وتثمر عن إحكام لبنان سيادته المطلقة فوق كامل أراضيه. والسيادة المطلقة هنا تعني خضوع كافة القوى السياسية والحزبية والطائفية لسلطة الدولة اللبنانية، وعدم خروج أي منها عن طوع القانون، وعدم تمتع أي منها بمزايا خاصة، وعدم حيازة أي منها للسلاح. ولا شك في أن تحقيق التوازن بين الأغلبية والمعارضة يعد الاختبار الأكثر جدية الذي يواجه الرئيس المقبل ميشال سليمان وبخاصة عند تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وإجراء الانتخابات في العام المقبل. مهمة الرجل تبدو ثقيلة للغاية، وربما يزيد من ثقلها تجاهل اتفاق الدوحة لقضية سلاح الخارج عن القانون. ولعل دعم الرعاة العرب لنزع سلاح حزب الله كان من الممكن أن يزيد من ثقتنا في ثبات وموضوعية وقوة اتفاق الدوحة. ولكن الاتفاق يبقى رغم كل نقوصاته أفضل من دولة حزب الله التي كان من الممكن أن تحل محل لبنان في حال استكمل الحزب غزوة الثامن من آيار الجاري.
جوزيف بشارة
josephhbishara@hotmail.com
التعليقات
كلام سليم
ابن شبرا الفقير -انا اتفق مع الكاتب 100% الطائفيه والعنصريه وحكم مدعى وتجار الاديان لعنه وتخلف ولا ارى فرق بين طائفيه حزب الله وطائفيه وعنصريه وتفاهه الدوله التى يريدها اقباط المهجر. كلاها شر وكلاهما وسيله للتكسب على حساب البسطاء. لعنه الله على تجار الاديان
لكل مقام مقال
سليم -عندما أقرأ تعليقك، لا أجد شيئا جديدا ... السلاح الإلاهي ، ;دولة حزب الله هي عمق التشنج الذي وصلت اليه اللأقطاب بلبنان ، يكاد ان ينسف بأبناء الوطن الواحد. ثم هناك عبارات مضادة بنفس الحدة من الفريق الأخر. وبعد ، ماذا بعد الدوحة ؟ والواقع تاريخيا انه لا يوجد اتفاق ; او ;تسوية تنهي جذريا المواضيع المصيرية في آن واحد. وهذا ما لا نعاتبه على اتفاق الدوحة. و لكن قيمة هذا الإتفاق تُقدر بطبيعة الأزمة التي وصلت اليها الأطراف في لبنان. إتفاق في تقديري اعاد التواصل بين المتنافرين بعدما تقطعت بهم السبل و تجاذبتهم الحسابات الإقليمية. والمعالجة تأتي بعد بناء الثقةمرحليا. بناء الدولة الكامل لا ينجز باتفاق مهما كان مثاليا ، و المهم هو ابقاء التواصل و الإعتراف بالآخر المختلف و الإبتعاد عن التعبير الإتهامي المشنج. لست مقتنعا بقيام دولة حزب الله ، فهذا توهيم عن قصد او غير قصد كما ان السلاح القانوني بيد الدولة بالنهاية يجب ان يجد حله بمراحل يقرره كل الأطراف عند الإقتناع باستراتيجية للدفاع عن بلد كلبـنان و خصوصية المنطقة . نتمنى التوفيق لإخوتنا في لبنان و هذا دور مشرف لكل العرب في الدوحة ندعو لمزيد من الجهود مهما اختلفت الآراء ...
لماذا التفرقه
شكوكو -لماذا تصمم امريكا على الحق ان تقوم دوله اساسها الدين لليهود على ارض مغتصبه ولكن عندما يحاول حزب الله او غيره تبنى نفس الفكره ومحاوله تكوين دوله دينينه نجد موجه من الهجوم الشديد. انا لست مع تدخل حزب الله فى السياسه ولكن لماذا مرغوب فيه لاسرائيل ومغضوب عليه للعرب. ليس هناك مكان لدول دينيه فى المنطقه ولكن يجب ان يكون هناك حريه دينينه.
لماذا الصهاينه تنعق
abuyazen -انا سني ولكن الا نسان الصالح من له انتماء لامته وتاريخه وحضارته اليس الصهاينه من احتلوا فلسطين والقدس وقتلوا الاطفال والنساء اليس الصهاينه من احتلوا لبنان ودمر بيروت عام 1982, الم يقل الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم لتجدن اشد الناس عدواة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا, لذلك صراعنا مع اليهود هو صراع عقائدي, والذي يقاتل اليهود هو المؤمن الحقيقي, والذي يقف ضد الذي يعادي من يقاتل اليهود فهو بنفس منزلة اليهود اعداء البشر والشجر والحجر, مهما كانت عقيدته ودينه وهو متامر مع اليهود وقتاله واجب, ولو ادعى انه مسلم او مسيحي, ونحن نرى ان حزب الله هو الذي يقاتل اليهود وان نصرته واجبه من جميع المسلمين والمسيحيين على سواء رضي من رضي او ابى من ابى
لبنان
خالد ح. -قضايا تكونت في سنوات عده لايمكن ردمها في يوم او اثنين اعطوا اللبنانيين فرصة
حزب الله غير طائفي
حسين التميمي -حزب الله غير طائفي والمنصفون يعرفون ذلك.
لا يا سيدي...ما هكدا
ابو الاكثم -..لا يا سيدي لو اراد حزب الله الحكم لاستولى عليه وانت تعلم وموالات يعلمون دلك..من يتحدى الثريا تنكص نفسه وتهون..ان بث روح المقاومة في الامة لم يكن طابعها ديني بقدر ما كان عروبي وانساني للتحرر من الهوان والتبعية الخانعة لاعداء الامة ...يا سيدي كفانا ..