أصداء

عن "العراب" وحفلات التصفيق

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

1-
أن تكون مذيعاً فهذا جيد، لكن ما سأنتقده هنا هي هوامش على مهنة المذيع، في ديوان بلند الحيدري شذرة من شعر يحكي فيها ملل الأذن من المذيع، لم أكلف نفسي عناء البحث عن تلك الشذرة في ديوان علاه الغبار، الذي أودّ أن أغرق فيه، أن أقتصّ من "المذيع" الذي أجدني على علاقة متوترة معه، لأن "المذيع" يستخدم اللسان والبلعوم وأنا لدي مشكلة متأصّلة مع "الأصوات" صوت واحد كفيل باغتيال يومي لأبقى حبيس انفعال غامض جراء زعقة تسربت إلى أذني، أما أن يصرخ أحدهم بأذنك "مفشياً السلام" بشكل فيه الكثير من الصراخ فإنني سأبادر إلى التكويش والفزع فالأصوات التي قاطعْتها في وحدتي منذ بضع سنوات لم تعد تثير اهتمامي، حتى الفن الزاعق يثير الاشمئزاز، لا أدري إلى هذه الساعة كيف يتمكن الناس من سماع بعض المغنين التعساء الذين يحتفظون بقدرة كبيرة وإمكانيات نادرة على التصويت والاستبواق، بينما لا يطيقون صوتاً هادئاً مثل صوت فيروز أو طلال مداح.

2-
أما المعلق الرياضي فطالما نال شتائمي التي لا أبخل بها عليه أبداً، فحينما ألفّ على القنوات بشكل سريع لأرى إن كان بالإمكان وجود ما يستحق، يفاجئني أحياناً صوت المعلّق اللاهث، وهو يبرطم بلكنات متعددة الأشكال والطرق، فتارة تراه في حالةٍ من القنوت والابتهال، ومرةً أخرى في حالة إفتاء، وأخرى يشارف على الإغماء بعد أن تأتي كرة تشبه الهدف، وبعضهم يبتهج لسبب أو لغير سبب، فسرعان ما أغيّر هذا الزعق، وإن اضطررت لمتابعة مباراة مثلاً للمنتخب السعودي -حينما تجتاحني مشاعر وطنية زائدة عن اللزوم- أكتم الصوت، فأنا ممتن لمن وضع في الريموت كنترول خدمة "الكتم" أو "الإخراس"، وأعني به الزرّ النافر الذي يكتم الصوت بسرعة، من دون الوقوع تحت رحمة خفض الصوت المتدرج الذي ربما لا تفي بغرض الكتم الوسيلة الوحيدة اللائقة بحفلات الصراخ، وقناتنا الرياضية (السعودية) ملئت بالسذج والعامة من المعلقين العاطلين عن العمل، الذين صار التلفزيون بالنسبة لهم أحد روافد الضمان الاجتماعي لذا يسترزقون بإفزاعنا، ويقتاتون على محاربة الهدوء الذي ننعم به.

3-
أما عن القناة الأولى التي نشأنا على برامجها، تليها القناة الثانية، وتسمى القناة الأولى بـ"غصب رقم 1" والقناة الثانية "غصب رقم 2" وهذا الاغتصاب الذي تمارسه القنوات هذه لحسن الحظ لم يستمر، صحيح أن التلفزيون لا زال يحتفظ بنسبة مشاهدة عالية-وفق الإحصائيات- خاصةً إذا أخذنا بالاعتبار "صوالين الحلاقة" التي تقدم خدمة "مشاهدة القناة الأولى" نعرف أن نسبة المشاهدة عالية، فقط تحتاج إلى حسبة بسيطة تعرف فيها عدد صوالين الحلاقة لتعرف نسبة المشاهدة على نحوٍ جيد، تضم قناتنا الأولى بعض البرامج المملة، أبرزها البرنامج السياسي الذي يثير تثاؤبي ويحرس نعاسي ويحافظ على مستوى تحضّري للنوم، فكم يسرني هذا البرنامج، هذا البرنامج لا يجذب أحداً باستثناء النعاس، لذا أحرص على مشاهدته قبل إغلاق الأنوار والخلود بأمانٍ إلى النوم. ويبدو أن استراتيجية التلفزيون السعودي تقوم على انتقاء المذيعين الذين يعانون من "احتباس صوتي" وهي ليست عيباً على المستوى الإنساني، ولكن يبدو لي أن القناة الوحيدة التي توظف بعض من لديهم احتباس صوتي بمناصب عالية في التلفزيون هي القناة الأولى، لأن إذاعة الخبر تتطلب بلعوماً يجيد إخراج الـ28 حرفاً العربية على نحو واضح، وهو ما لا يتحقق لمن لديه احتباس صوتي أو لكنة أو ثقل في إخراج الصوت. فمن الحقوق التي كفلها التلفزيون لأذن المشاهد إيجاد مذيع قادر على إخراج الحروف بشكل سليم، بعضهم لا يفرق بين إخراج الحرف من موقعه الصحيح، وبين إخراج النفَس، لذا يخلطون بين الصراخ وبين الإلقاء.

4-
سمعت عن برنامج اسمه "العراب" على قناة إم بي سي التي أحترمها جداً، وأردت رؤية هذا البرنامج، اسم البرنامج أخّاذ فمن من العالم لم يشاهد سلسلة "العراب" التحفة الفنية السينمائية الاستثنائية، ووجدتُ أن برنامجاً يحمل هذا الاسم جدير بالاكتشاف، لم أشاهد الحلقة التي تحوّل فيها محمد عبده إلى عضو في هيئة كبار العلماء حينما حرّم 95 بالمائة من الأغاني، باستثناء أغانيه هو وأغاني أم كلثوم وفيروز، لكنني شاهدت الحلقة التي ظهرت فيها "أحلام" كبيرة الزاعقات العربيات، وهي أسطورة في الصراخ والهيجان الصوتي والعبث اللساني، فأجهزتها التصويتية متوزعة تماماً، وقد وقعت فريسة حوارٍ ممل، ابتداء من هذا المذيع الذي ميّز نفسه بكرسيٍ أكبر منه، وبدا في حالة يرثى لها.


أثناء وقوعي فريسة متابعته هذه استفزني أنه بدا وكأنه هو الضيف، وأن أحلام هي المذيعة، وقد انشغل بإدارته للتصفيق المبرْمج كما أكثر من التحرّك يمنة ويسرة. لا أدري هل كان يقابل مع مروان البرغوثي أم مع محمود عباس أم مع أحلام، فهي ادّعت أنها ناضلت وكافحت من أجل القضية الفلسطينية، وهو في حالة يرثى لها من التصديق والتحديق، قد بدا في حالة من التكلف الفضيع وادعاء التركيز، واستدرار دموع التماسيح، وهو بأسلوبه، وطريقة حديثة، وبالتمطيط الذي يمارسه بين كلمة وأخرى يبدو أنه يعاني من امتلاء ذاتي هو فوق احتياجات المذيع، فالمذيع ليس هو الضيف، حتى يكثر من الحديث وإلقاء الندوات في البرنامج، وتكلّف ادعاء سرعة البديهة، لطالما حاول أن يثبتها في برنامجه المليء بالديكورات والكراسي والورود اليابسة.


إنه برنامج لا يليق بمجموعة "الإم بي سي" فكثافة الديكور، وإهدار الوقت في الصعود والهبوط من الدرج، والإكثار من حركة المذيع تستفزّ المشاهد، كما أن المذيع يجب أن يعرف المساحات التي يتحرك فيها الفنان، لا أن نفاجأ ذات مساء بالفنان العامي وقد أصبح فيلسوفاً ومفتياً وإنما يحرّك المذيع الإيقاع الجميل، بدل حفلات استعراض الورود والديكور والسلالم الاسمنتية. كما أتمنى أن نكفّ عن استئجار المصفّقين والضيوف الذين يخيفون الأطفال والعجائز والمرضى والمسنين، كما أن دور المذيع ليس الإكثار من عضّ الشفائف وضرب الطاولة بالقلم، وأن لا يكون كالصبي لا يستقرّ على كرسيه بل أن يكون دوره طرح الأسئلة المجدية، وليس استحلاب التصفيق من جمهور عاطل عن العمل.

فهد الشقيران
كاتب سعودي.
shoqiran@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
فظيعة المقالة!
rahman -

هههههههه المقالة طالعة من قلبك وكانك خارج لتوك من معتقل ،اسلوب حلو وتعبيراتك اللغوية اقرب الى كاتب مسرحي او روائي.فعلا استمتعت بقراءة المقالة واتفق معك مع ما ذكرته من تصنع المذيعين وتمثيل الذهول لكل حرف يخرج من فم الضيف ..وقضية محمد عبدة في الافتاء بتحريم اغاني غيره كان ذلك غلطة عمره لا ادري لماذا في العالم العربي حين يصفق الجهور كثيرا لمغني او فنان او رئيس يصدق بانه تحول الى مصدر لتشريع القوانين وانه هو الواحد الاحد!التصفيق سهل جدا عبارة عن ضرب كفين ببعض لاسباب متعددة لكن الحكمة والثقافة الحقة لا تاتي بالتصفيق فقط!مع الشكر الجزيل لايلاف

نسخ ولصق
سامي حمامدة -

اسمح لي يا اخي فهد ان انسخ مقالتك حرفيا والصقها على برنامج العراب وعلى احلام وعلى معظم المذيعين الرياضيين العرب الا عدد قليل جدا،لان رايي في العراب وفي نيشان وفي احلام وفي معلقينا الرياضيين مطابق لما قلته مئة بالمئة،وشكرا جزيلا لك وارجو ان تستمر في نقدك لكل من يحاول ان يضحك علينا او يستهبلنا.

جميل جميل...
أنس -

مقال جميل و أسلوب مميز... يا أخي هؤلاء المغنيين و المغنييات,, يظهروا على الشاشة و يبدأ كل منهم بالتنظير و الفلسفة و كأنهم علماء ذرة أو خبراء بعلو الفضاء..!! ما أدري ما هذا الأسلوب.. هل هناك برنامج عربي يستقبل أحد العلماء؟ ممن لهم وزن و هدف و غاية بدلاً من المغنيين و المغنيات .. صار العرب يفرخوا مغنيين ... برامج لا تعد و لا تحصى؟؟؟

مقالة
تميم -

تفاهة القنوات التي تحرص علي متابعتها...هزلت قنوات الام بي سي...اصبحت الرائدة في امركنة الشعوب العربية...و لا يوم شاهدت فلم تونسي او مغاربي...فقط برامج امريكية لا تمت للواقع العربي بصلة...فهمناك و فهمنا شغفك بتلك القناة الرائدة في التنظير لكل ماهو غربي...هنئها واخبرها انها نجحت باقتدار في اضهار الوجه الحقيقي لدعاة التشيع الامريكي

اتفق واختلف
مثقف مسيحي معتدل -

ان تحدثنا على المباريات فلا يمكن ان تحضر مباراة دون صراخ المذيع وبدت كاحدى العناصر المهمة لزيادة حماسة المشاهدين , وانا اتفق معك في مبالغة البعض في الصراخ ولكن مع اعطاء تاثيرات , اما عن العراب اتفق معك كثيرا بكثرة تكلف المعلق وتصنعه المالغ فيه , ولكن لا ننكر ان هناك حلقات رائعة من اهمها حلقة الاسطورة ماجدا الرومي , واعتبرها منقذة للبرنامج اذا حكمت انت عليه بالسقوط

رأي مغربي
رضوان -

مجموعة ام بي سي استطاعت ان تحدم الثقافة الامريكية وترويجها للشعوب العربية في الوقت الدي عجزت فيه الادارات الامريكية المتعاقبة على القيام به. اما السيد نيشان مقدم برنامج العراب فحقيقة ولازال الطريق طويلا أمامه ليكون مديعا يستطيع احترام دكاء المشاهد

قلت الحقيقة
فوفو التونسية -

كل كلمة قلتها صحيحة و أنا شخصيا أستهجن طريقة نيشان في التنشيط . و إذا كنت لم تشاهد حلقة محمد عبده فدعني أتحفك بإحدى الأفكار الخلاقة التي طرحها في العالم العربي يوجد حكام ممتازون و العيب في الشعوب التي لا تستحق هؤلاء الحكام أما في الغرب فالشعوب واعية و ناضجة و الرؤساء هم الفاسدون كلام لم يخرج حتى من أفواه أشد المطبلين لحكامنا .. بدون تعليق

الى نيشان
د. عبدالله عقروق -

الى نيشانفكلكم قد ابدعتم كلا باختصاصه أو أختصاصهاولا بد الى أن اشير بنجاح الحلقة الأخيرة بوجود الفنانة أحلام والفنان الفلسطيني الأردني ياسر المصري.ولكن قد تأثرت جدا بأن يقف هذا الفنان الكبير ويرقص الدبكة الفلسطينية التي يعود تاريخها الى مئات السنين لوحده كأنه راقص بالية ..فيبدو أن ضيق الوقت قد منعكم من احضار فرقة فلسطسنية لتحي هذا الطراز الفلولكلوري من فلسطين ليرقصون معه الدبكة ، على اعتبار ان الدبكة رقصة جماعية ، ولم تكن ابدا رقصة انفراديةفأنا كأردني من اصل فلسطين قد اعتبرتها أهانة كبيرة أن يطلب من الفنان الكبير ان يرقص وحده ويبدو كالمهرج على المسرح .كانت هذه اللفته وصمة عار للفولكلور الفلسطيني ، ولكل فلسطيني على وحه هذه المعمورة .فلذا أنا اقترح ما يلي ..على اعتبار أن الحلقة الأخيرة هي في نهاية هذا الأسبوع فمن الصعب استدعاء فرقة من فلسطين نظرا لضيق الوقت ، وتأشيرات السفر الى أخره ..فأقترح بأن تصوروا مشهدا فلوكلوريا من فلسطين وتعرضوه في ختام البرنامج القادم ، مع الأعتذار الشديد للفنان الكبير ياسر المصري ،وكافة الشعب الفلسطيني.