أصداء

عبد المعطي حجازي ومقارنة أنصاف المواهب بين فيروز وأم كلثوم

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد المعطي حجازي ومقارنة أنصاف المواهب بين فيروز وأم كلثوم

منذ ظهرت السيدة فيروز على ساحة الغناء قبل ما يزيد عن خمسين عاماً لم تتوقف المقارنة بينها وبين السيدة أم كلثوم. وارتبطت المقارنة بين القمتين الغنائيتين بعوامل كثيرة كان من أهمها التنافس الكبير على الريادة الثقافية في المنطقة بين لبنان ومصر في حقبة الستينيات، والفتور السياسي في العلاقات المصرية اللبنانية خلال الحقبة الناصرية، فضلاً عن التناطح الفني والنقدي بين محبي الفنانتين حول العالم. لم تكن المقارنة بين المطربتين منصفة لكلا منهما لعدة أسباب يأتي على رأسها أولاً أن لكلا من السيدتين قدراتها الخاصة التي لا تنازعها فيها الأخرى أو ربما أية مطربة أخرى في عالم الناطقين بالعربية، ثانياً أن لكلا منهما إسلوبها المتفرد والمختلف في الغناء، ثالثاً أن لكلا منهما جيشها الخاص من الجمهور والمعجبين والعشاق. ومن ثم فقد سعى الكثير من كبار النقاد والكتاب والمثقفين للنأي بأنفسهم عن عقد مقارنة بين من يعتقد على نطاق واسع بأنهما خير صوتين أنجبتهما البلاد العربية.

لذا أُصِبْتَ بالصدمة حين قرأت مقالاً ينتقص من السيدة فيروز نشرته جريدة الأهرام المصرية لشخصية مثقفة واعية وكبيرة بحجم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي الذي أحرص بصفة منتظمة على متابعة أعماله الشعرية وإسهاماته الثقافية. قال حجازي في مقاله بتاريخ الأربعاء 28 مايو 2008، "ولقد كنت أقيم في باريس حين تآمر بعض أنصاف المواهب علي إصدار بيان من منظمة اليونسكو ينددون فيه بالموسيقار العظيم محمد عبد الوهاب ويتهمونه بالسرقةrlm;، كما تنطع آخرون مثلهم فأخذوا يعقدون مقارنات لا محل لها بين أم كلثوم وفيروزrlm;، فيظلمون أم كلثوم التي لا يقارن بصوتها صوت آخرrlm;، ويظلمون فيروز التي نعرف حدود صوتها ونقدر مزاياه ونحبه ضمن هذه المزايا وهذه الحدودrlm;."

لم أصدق في بداية الأمر أن قلم الشاعر عبد المعظي حجازي سقط أمام إغراءات عقد مقارنة بين الصوتين، بعدما انتقد هو نفسه في مقاله من أسماهم "أنصاف المواهب" بسب مقارناتهم التي وصفها شخصياً بالـ"ظالمة" بين صوتي فيروز وأم كلثوم. ولكن الشاعر الكبير الذي نحترمه جميعاً انزلق، للأسف، عمداً ومع سبق الإصرار، إلى صفوف "أنصاف المواهب" حين وصف صوت فيروز بالمحدود وأصر على وضعه في مرتبة أدنى من مرتبة صوت أم كلثوم. وأقول هنا عمداً ومع سبق الإصرار لأن حجازي لو أراد حقاً الابتعاد عن المقارنة لاكتفى بالقول بأن لكلاً من الصوتين مميزاته الخاصة أو ما شابه ذلك، ولكن الكاتب عمد إلى وصف صوت فيروز بالمحدود لشعوره بالغضب من مقارنة فيروز بأم كلثوم.

يبدو أن انتماء الشاعر عبد المعطي حجازي الكلثومي قد حجب عنه رؤية الأمور في وضعها الصحيح فرأى أن تقييم كلا من فيروز وأم كلثوم يقوم فقط على حجم ومساحة صوتيهما. فلم ينفر حجازي في الحقيقة من المقارنة بين فيروز وأم كلثوم، ولكنه نفر من وضع فيروز في مرتبة واحدة مع أم كلثوم. ولعل حجازي أراد بمنطقه الغريب أن يضع من أم كلثوم في منزلة أعلى من فيروز باعتبار أن الأولى امتلكت مساحة صوت أكبر من نلك التي تمتلكها الثانية. ويبدو أن كلثومية حجازي جعلته يتغاضى عن الكثير من الجماليات والمزايا التي تضع فيروز في مرتبة لم يضاهيها فيها مطرب أو مطربة أخرى بمن فيهم أم كلثوم نفسها. و تناسى حجازي أيضاً أن صوتي مطربتين بحجم فيروز وأم كلثوم لا يقاسا بحجمهما أو بعدد النوت الموسيقية أو الأوكتافات التي يمكنهما بلوغها، وإنما يقاسا برسالتيهما. وأعتقد أن محبي فيروز وأم كلثوم يعرفون جيداً رسالتيهما ويدركون تماماً أهميتهما والفوارق الجوهرية بينهما.

لن أنزلق شخصياً وراء الضغوط والمحاولات الفاشلة للمقارنة بين صوت فيروز وأصوات أي من المطربين أو المطربات، لإيماني بتفرد فيروز، وليقيني بأن ارتباطي صوت الجوهرة فيروز لا يدفعني أبداً للغيرة من أو للحقد على أي من الأصوات الأخرى. وبعيداً عن المقارنات العقيمة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وبعيداً عن التعدي على أي من القمم الغنائية دعونا نقول أنه إذا كان البعض يدّعون بأن صوت فيروز محدود القدرات، فإننا نقول أن صوت فيروز هو الصوت الصوفي الذي يسمو بالروح فوق الجسد، وهو الصوت الفريد الذي يسحبنا برومانسية من العالم المادي المليء بالآلام والأوجاع إلى العالم اللامادي حيث الجمال والحرية والحب، وهو أيضاً الصوت المرهف القادر دون غيره على حملنا بوداعة من العالم الحسي الغريزي إلى العالم الروحي اللامحسوس. إنه الصوت الذي تنشد على جاذبيته البلابل البريئة وتتفتح على سحره الورود الجميلة، وهو الصوت الذي يحلق بالروح في فضاء غير محدود ويسبح بها بين النجوم والكواكب، وهو الصوت الحنون الذي يطهر القلوب وينقيها من الذنوب، ويصالح الإنسان مع نفسه من دون آهات وتأوهات ولوعة وحسرة ومواجع وندم.

لقد غنت أصوات كثير للحب ولكن صوت سفيرة النجوم إلينا هو الذي يتغنى بالحب ويخطف القلوب من الصدور ويهديها إلى الحب النقي الحقيقي. وغنت أصوات كثيرة للوطن ولكن صوت جارة القمر هو الذي يتغنى بالوطن ويصنع منه ترنيمة جميلة ترتلها العقول والأفئدة قبل الأفواه.. وغنت أصوات كثيرة للطبيعة، ولكن صوت كوكب السماء هو الذي يتغنى بجمال وروعة الطبيعة ويوحدنا بها لأنه جزء لا يتجزأ من سرها الكبير. هذا الصوت هو صوت السيدة فيروز. لقد حمل صوت فيروز مواهب روح الله القدس، فتحول الصوت إلى نبع للقيم والمباديء الرائعة منها الحب والبراءة والصدق، والإيمان، والسلام، والوطنية، والجمال، والحنان، والرقة، والشفافية، والوداعة.

لكم عز علىّ أن أقرأ كلمات لشاعرنا المحبوب عبد المعطي حجازي تقلل من شأن كل هذا الذي يحمله صوت فيروز. لا أحد يختلف على مساحة صوت أم كلثوم، مصدر فخر الكلثوميين، ولكن من الضروري التأكيد هنا على أن صوت السيدة فيروز يختلف عن جميع الأصوات التي عرفتها الساحة الغنائية، فهو لا يصدح بغرض إبراز مساحته وجماله أو بغرض استهلاك أذان المستمعين. لقد سعى الكثيرون على مدى سنوات النصف قرن الماضية لتسمير السيدة فيروز على صليب القدرات الصوتية، ولكن هذه القدرات الصوتية صارت المصدر الذي ينهل منه الفيروزيون الحب والطرب والسعادة. إن صوت فيروز لا تحده الحدود التي وضعها الأستاذ عبد المعطي حجازي ولا يتعامل معها لأنه صوت يحمل رسالة بلا حدود نفخر بأن نقول أنه لم يسبق أن حملها صوت أخر، وهي رسالة الوطن والمواطن والفقير والمحكوم والحبيب. كما أن صوت فيروز لا يعرف الحدود لأنه مرادف لكل القيم والمباديء اللامحدودة التي طالما تغنى ويتغنى وسيظل يتغنى بها.

جوزيف بشارة
josephhbishara@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
فاكهتان
الموسيقي -

نحن العرب مولعين ومحاطين دائماً بأفعل التفضيل فالأحسن والأوحد والأقدر والخ..... من أوصاف افعل التفضيل دائماً تصبغ على المغني والموسيقي . ويغيب عن العقل العربي حقيقة مهمة جداً بأن الفن عموماً والموسيقى خصوصاً لا تعتمد إطلاقاً على هذا الميزان أو السياق. أم كلثوم نتاج لفترة زمنية لا تقارن بفترة زمن السيدة فيروز, فأم كلثوم خريجة مدرسة التلاوة والتجويد القرآني وهنا هي الوحيدة ويشاركها الاستاذ محمد عبد الوهاب بهذه الخاصية فهي هنا رائدة بحق أما السيدة فيروز فلها طعم أخر فبرغم محدودية صوتها فهي تلميذة جيدة جداً للراحلة أسمهان. ويبقى للتفاح طعمٌ يختلف عن البرتقال, ولكن الاثنان جميلان.

سقطة كاتب
عادل -

اشعر انك تكتب من منطلق حبك لفيروز و ليس كخبير في علم الاصوات و هذا سقطة لكاتب مثلك '' فلا هناك مجال للمقارنة بين الخالدة ثومة و السيدة فيروز

عمالقة الطرب
محمود كمنجي -

حين كنت في عمر ال 15 سنة وكنت مواظباً على حضور كل فعاليات ونشاطات الفرق الرياضية لبطولة الجامعات في عهد الوحدة والتي أقيمت بدمشق , لا زلت أذكر عبارة لأحد الأخوة المصريين حين كانت فيروز تصدح من مكبرات الصوت حيث قال بالحرف الواحد: [ كنا حنعمل إيه لولا فيروز]. وهنا اؤكد على ما قاله الكاتب مع التأكيد أن عشاق الموسيقى العربية الأصيلة يسمعون فيروز وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعملاق الأصوات الذي يتجاوز الكل بمساحة صوته إنه وديع الصافي الذي يمن الزمن كل 400 سنة بصوت كصوته باعتراف جهابذة علم الموسيقى. كما سمعت من بعض الأخوة في الجزائر والمغرب أن لفيروز فضل كبير لتعلمهم اللغة العربية بعد الأستقلال عن فرنسا.

دعكم من هذه التوافه
دكتور عبد الله احمد -

من الذي نصبكم حكما على فن ام كلثوم وفيروز؟ وهل يحتاجان مثل هاتين الفنانتين الى كلام فقير لا معنى له اذا ما قارنا تاريخ عطائهما الفني والوطني والقومي ؟فالرجاء ويكفي كلاما لامعنى له وكأننا لم نعد لدينا من مواضيع سوى هل الخرابيط

عجيب
hh -

فى الغرب لاتوجد هذه اللغه الفحميه هل تعرفون معنى الفحم الاسود

أطلال القمر
فارس -

أم كلثوم صوت خارق ، كأنه قادم من أيام هارون الرشيد و المأمون . صوت فيروز ، خلطة سحرية ، تغني فيها الفراشات الملونة للفل و الريحان . من سيخلد أكثر : فيروز .

رائعتان..مع النقد!
إنجي -

ما المشكلة من وضع مقارنة بين عملاقتان للغناء!!--النقد والمقارنة لا يعنيان النسف والتقليل من الشأن!--بلغة الموسيقى هناك عُرب تقدر عليها أم كلثوم ولا تستطيعها فيروز والعكس--كما لا ضرر من إعلان إقتباس عبد الوهاب لمقاطع موسيقية--وهذا دارج في عالم التلحين--كما لا ينفي روائعه الموسيقية!--كذلك عبد الحليم حافظ رغم صوته العذب والإحساس الغلاب--إلا أن إمكانياته الصوتية لها حدود--فالطبقات العالية لا يقترب منها؟--والملحن والفنان الحاذق عليه أن يدرك هذا--أعني..أن بعالم الغناء خصيصاً لا يوجد فنان قماشته عريضة--كما في التمثيل مثلاً!--أخفق الأستاذ جوزيف برغبته صناعة أوثان فنية--وهذا تحطيم للفنان ذاته--وفيروز وأم كلثوم تنتصفان يومنا..فالأولى مالكة صباحنا السعيد والثانية تنصف النهار وتمتلك مساؤنا وليلنا الساحر!!--شكراً0