كتَّاب إيلاف

المحاربون القدماء في وطني

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كدت أن أذرف دموعا ساخنة ممزوجة بالدم، وأنا أقرأ رسالة الإستغاثة التي وجهها المناضل الشيوعي الكردي بهاءالدين نوري الى الرئيس طالباني يطالب فيها بإرساله الى خارج العراق للمعالجة من مرض ألم به منذ عدة أعوام من دون توفر العلاج اللازم له داخل العراق..

لقد إلتقيت هذا الرجل العملاق بنضال زانه خلق رفيع كريم، وتواضع جم لا يليق إلا بالرجال العظام، وتشرفت بإجراء عدة مقابلات صحفية معه، سبرت خلالها عمق أفكاره والمباديء التي ناضل من أجلها وكرس لها سنينا طوال من حياته وهي تربو على أكثر من ستين عاما.فأعجبت به رغم كرهي للشيوعية التي أعتبرها نقمة أنزلها الله على شعب العراق في تاريخه الحديث.

هذا الرجل العملاق الذي كاد يوما أن يستلم الحكم في العراق لولا مخاوف الإتحاد السوفيتي، كما يروي القصة في مذكراته التي قرأتها في نهاية التسعينات، وهو يقول أنه في نهاية الخمسينات كانت الأجواء متاحة أمام إنقلاب شيوعي في العراق، عندما كانت الشيوعية من أكثر الأحزاب العراقية قوة وإنتشارا في البلاد وهو يتحكم بالجيش وبالكثير من مؤسسات الدولة وله أنصاره ومؤيدوه، ولكن الإتحاد السوفيتي رفض ذلك خوفا من إنقلابات مضادة تستأصل الشيوعية في العراق من جذورها، ويبدو أن ذلك التنبوء كان صحيحا حيث نصبت المشانق للشيوعيين فيما بعد من قبل النظام البعثي الذي نجح في إنقلابه الأول عام 1963 على حكم عبدالكريم قاسم المسنود في بدايته من قبل الشيوعيين، وتمت ملاحقة كل من أشتم منه رائحة الشيوعية في العراق، فسحلت الجثث وقتل من قتل وفتك البعثيين بالشيوعيين شر فتكة.

حين كان بهاءالدين نوري المناضل الثوري الشيوعي الذي إحتل الموقع الأول في الحزب سكرتيرا، وسياسيا عراقيا من الطراز الأول، كان البعض من ذلك الجيل والأجيال اللاحقة الذين يحكمون اليوم عراق ما بعد النظام الدكتاتوري لا يستطيعون الوصول الى مقربة من ظله، ولكن تلك هي عاديات الزمن الأجوف، فيستلقي هذا الرجل على فراش المرض بعيدا عن كل أمل بالشفاء أو حتى بمبارحة آلام المرض، فيما هناك الآلاف من الفاسدين والمفسدين في هذا البلد يرتمون في أحضان غانيات الليل يصرفون عليهن فوق تكاليف علاج رجل مريض بوزن بهاءالدين نوري أضعافا مضاعفة من أموال الشعب المسروقة.

في السنوات الأخيرة وحين كان الصراع السياسي والفكري بين الحزبين الكرديين في أوج دمويته والذي أدى الى إنشطار حكومة الإقليم الموحدة الى شطرين منفصلين في كل من أربيل والسليمانية، حاول الحزبان وفق سياسة مخادعة تجميل وجهيهما من خلال جمع بعض الأحزاب الكردستانية الصغيرة حولهما، سواء بالترهيب أو الترغيب، أو بشراء ذمم بعض قيادات تلك الأحزاب، أو بتشكيل أحزاب كارتونية بدعم مالي منهما لا لشيء إلا لإظهار نفسيهما كرعاة للديمقراطية في كردستان، وكان بهاءالدين نوري قد شكل حركة صغيرة أسماها بحركة الديمقراطيين العراقيين وإستظل بالإتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية. ولآن الرجل صاحب مبدأ، فقد رفض الإنصياع الكامل لتسلط الإتحاد الوطني عليه فبقي حزبا منعزلا مهمشا، حتى أن الرجل أسر لي ذات مرة، أنه لا يجد مصاريف إدارة إذاعة محلية صغيرة لم يكن بثها يصل في تلك المرحلة من نهاية التسعينات الى خارج مدينة السليمانية، والمصاريف لم تكن تزيد عن قيمة دفع حساب أحد قيادات الإتحاد الوطني لمأدبة عشاء في أحدى النوادي الليلية في السليمانية.

في رسالة له الى الرئيس طالباني الذي كان رفيق دربه، يناشد بهاءالدين نوري الرئيس بكلمات يقطر منها الدم المعتصر من قلب منهك بسنين النضال الطويل ويقول مخاطبا الرئيس:
" تجدني مضطرا أن ألتجيء إليك، بعد أن أخذ مني المرض مأخذه لأطلب منك العون والمساعدة"؟؟!!!.
هذا الرجل الذي كاد أن يغير خارطة الشرق الأوسط أثناء زعامته لأحد أكبر الأحزاب السياسية العراقية، يتوسل مضطرا بطلب المساعدة،وهو يزيد " كرفيق للنضال وزميل لك في السياسة أطلب منك المساعدة، فما عدا الدعم المالي الذي تلقيته منك والبالغ 10 آلاف دولار لم يتقدم أي شخص بمساعدتي ليعينني على تجاوز محنتي مع المرض، وللأسف لم أتمكن من علاج مرضي بهذا المبلغ لأن تكاليف العلاج كانت أكبر من ذلك بكثير" ويعتب نوري قائلا " لحد الآن لم يزرني أحد منكم، ولا إتصل بي هاتفيا".
ويشير في رسالته الى " أن السيد مسعود بارزاني وعدني بالمساعدة في إرسالي الى النمسا، ولكن يتوجب لتحقيق ذلك أن أحصل على تأشيرة دخول الى هناك، وبإمكانكم أن تمدوا لي يد المساعدة بالحصول على تلك التأشيرة، وتدبير إقامة مرضية لي في السويد مدة سنتين لحين إنتهاء مراحل العلاج، فأنا أعاني اليوم من آثار المرض، وأفقد رويدا رويدا نظري بسبب مضاعفات هذا المرض"؟؟!!.
بهذه الكلمات المؤثرة ينهي بهاءالدين نوري المناضل العراقي العريق رسالته الحزينة الى رئيس الجمهورية.
ولا أملك وأنا أقرأ هذه الرسالة إلا أن أقول:
سحقا لوطن يأكل أبنائه..
سحقا لوطن لا يقدر أو يرعى محاربيه القدماء الذين على أكتافهم تحررت البلدان.
سحقا لوطن يتنكر حكامه لبذل وعطاء الأجيال السابقة التي كافحت من أجل
تحقيق الحرية لشعوبها..

أما أنت أيها المناضل الكبير
فقد عشت عزيزا، فمت إذن عزيزا مقيما في حنايا قلوب شعبك
يكفيك فخرا أنك لم تكن من ضمن قطيع الوحوش في هذا الزمن الرديء..

شيرزاد شيخاني

sherzadshekhani@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
شه م -

سيدي الكريم مقالك جميل جداو لكن كان الاجدر بك ان تكتب المناضلون في وطني لان انت تعرف اكثر مني ليس بضرورة كل المناضلين محاربين و العكس صحيح.هل الجنود الامريكان الان بالعراق والارهابي ابو الحزام ناسف مناضلين ام المحاربين ؟ الاولى يحارب من اجل العيون ذهب الاسود والثاني من اجل الحوريات ام العيون السود او يمكن زرق . و شكرا للايلاف حبيبتي

هكذا هم المناضلون
الان ملا محمود -

استاذي العزيز شيرزاد شيخاني: هناك العديد من المناضلين الذين لم ينالوا حضهم من التكريم او حتى لم يلتفت اليهم احد ،ليس بالمال او العظايات احيانا التفاتة في مناسبة او مدالية تذكارية كافية، والدي ملا محمود ولد سنة 1919 في كركوك ، التحق بحزب هيوا سنة 1942 ، في سنة 1946 التحق بصفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني شارك في اضرابات عمال النفط في كاور باخي، وكان مسؤول تنظيمات العمال ، في سنة 1959 اصبح مسؤول محلية كركوك الفرع الثاني، شارك في ثورة 1963 ،ثم حمل السلاح سنة 1974 واغترب عن الوطن ، عاد بعدها الى الوطن ليحجز بيته في كركوك ، ولم تعاد اليه لحد الان ، هذا الرجل الذي افنى شبابه محاربا نبيلا يشهد له الجميع في كركوك ولا يزال حيا يزرق وقد بلغ من العمر عتيا ، لم ينل ولو زيارة من اي مسؤول او تقدير مهما كان ، فلا عجب .