أصداء

المسيرة الطويلة في العاصمة الباكستانية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يقولون إن النار تنشب من شرارة. وشرارة واحدة تكفي لالتهام مدينة كاملة... وهكذا بعض الأحيان يتسبب خطأ يبدو بسيطا في نتائج لا يخطر على بال أحد. ولعل طلب الجنرال المشرف الاستقالة من قاضي القضاة المقال افتخار محمد شودري في قصر الجيش بحضور رؤساء الأجهزة الأمنية في 9 مارس 2007م، كان تلك الشرارة التي التهمت المدينة، وقد تسبب في نهوض أولى حركة منظمة للمحامين في كافة أرجاء البلاد ضد الرئيس الجنرال مشرف.

وقد هدأت تلك الحركة عندما أعادت المحكمة القاضي افتخار محمد إلى منصبه في 20 يوليو 2007م؛ لكن لم يهنأ الرئيس ذلك الأمر عندما بدأت المحكمة " تتدخل " على حد تعبير مشرف في أعمال الإدارة والأجهزة الأمنية ولم تدع لها مجالا للعمل... وآنذاك مرة أخرى تحرك الجنرال بأسلوبه الخاص ففرض حالة الطوارئ في البلاد في 3 نوفمبر 2007م. وأتبع ذلك إصدار مرسوم دستوري مؤقت يجب العمل به. فطلب من القضاة أداء اليمين تحت ذلك المرسوم الذي كان من شأنه إلغاء الدستور ووضع حد أمام صلاحيات المحاكم العليا التي بدأت تستمع إلى المواطن العادي ضد الدولة.

رغم كل ذلك قد رفض 60 قاضيا من قضاة محكمة التمييز والمحاكم العليا الأربعة أداء اليمين تحت المرسوم الدستوري المؤقت معتبرين إياه مخالفا للدستور الذي أدوا اليمين تحته من قبل. كما أنهم رفضوا قرار الطوارئ من جانب رئيس القوات المسلحة الذي ليس من صلاحيته فرض الطوارئ. طبعا أدى ذلك الرفض إلى إقالة جميعهم من مناصبهم واستبدالهم بقضاة جدد مع وضع القضاة المقالين تحت الإقامة الجبرية.

وهذا الأمر مرة أخرى تسبب في تحريك المجتمع القانوني والمدني لرفع الصوت في حق القضاة المقالين ورفع حالة الطوارئ من البلاد. وأخيرا لم يتمكن مشرف من تحمل الضغوط الداخلية والخارجية في هذا السبيل ورفع الطوارئ بعد أسابيع من فرضها؛ إلا أن القضاة المقالين بقوا تحت الإقامة الجبرية إلى أن أعلن الإفراج عنهم رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني في أول خطاب له أمام الجمعية الوطنية بعد انتخابه رئيس للوزراء دون أي منافس له.

وقد اتفق أكبر الحزبين في الجمعية الوطنية حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة جناح نواز شريف على إعادة القضاة المقالين خلال 30 يوما من تشكيل الحكومة الجديدة؛ إلا أن الأمور بدأت تأخذ منحى أخرى بعد مرور تلك الفترة. فبدأ الحزبان مفاوضات " ميراثونية " بينهما في باكستان، ففي دبي ثم في لندن؛ إلا أنها باءت بالفشل. وبناء عليه فإن حزب نواز شريف سحب وزراءه من مجلس الوزراء.

وفي نفس الحين رفضت نقابات المحامين الصفقة الدستورية المزعومة التي أعدها حزب الشعب وأعلنت القيام بـ " مسيرة طويلة " إلى العاصمة إسلام آباد. وقد انطلقت تلك المسيرة من كراتشي المدينة الساحلية في جنوب البلاد، وتوجهت نحو العاصمة إسلام أباد مارة بكبرى المدن.

واليوم أخذت قوافل المحامين ونشطاء الأحزاب السياسية المؤيدة لقضية القضاة تفد العاصمة إسلام آباد مساء. وكانت الحكومة قد أقفلت الطرق المؤدية إلى مبنى البرلمان وقصر الرئاسة قبل يومين؛ إلا أن الرئيس الشريك لحزب الشعب آصف زرداري وجه الحكومة برفع الحاويات من الطرق. وقد تم تطبيق توجيهه إضافة إلى أن الحكومة قالت إن المحامين قد وافقوا على عدم تجاوز المنطقة الحمراء.

وقد خرجتُ إلى مدينة راولبندي ظهر اليوم لأشاهد بنفسي ما يجري هناك. كان معظم الأسواق مغلقة والطرق مقفرة؛ لأن سيارات النقل العام كانت قليلة جدا. والسيارات الخاصة أيضا أقل من المعتاد. ولا تكون من باب المبالغة إذا قلت أن كل عمود في الطرق العامة كان يحمل صورتين لقاضي القضاة المقال افتخار شودري أو رئيس الوزراء السابق نواز شريف؛ لأن كلاهما مشتركان في المسيرة الطويلة التي يقودها الشودري اعتزاز أحسن رئيس نقابة المحامين في محكمة التمييز الباكستانية.

كما أن النشطاء السياسيين من حزب نواز شريف والجماعة الإسلامية وحركة الإنصاف وبعض الأحزاب الأخرى أقاموا مخيمات في الطرق تقدم الماء للمشاركين في المسيرة وتنشر أناشيد وطنية وأناشيد ضد مشرف بصوت عال. والمدينة كلها مزدانة باللافتات الاستقبالية بين صغيرة وكبيرة. ومعظمها تحمل شعارات في حق القضاة وضد مشرف. كما أنها تدعو المواطنين إلى المشاركة في المسيرة لإنقاذ البلاد والإطاحة بمشرف وسيادة القانون.

ومن المثير أن حكومة إقليم البنجاب التي يقودها حزب نواز شريف قد رفضت إرسال كتائب من شرطتها إلى العاصمة لمنع المسيرة الطويلة، في حين إن تلك الشرطة اشتهرت بلقبها " السيئة السمعة " الذي دائما يلحق اسمها لدى ذكرها. وسبب تلك السمعة معروف بأنها وراء كل عملية تهدف إلى قمع الشعب. كما أنها لعبت دورا غير مرضي لدى الشعب خلال حركة المحامين إبان عهد الحكومة الماضية. وبناء على ذلك اضطرت الحكومة من طلب المساعدة من حكومة كشمير الحرة لتزويدها بكتائب من الشرطة.

ويرى المواطنون أن سبب هذه المسيرة الطويلة مماطلة حزب الشعب في إعادة القضاة ونكوسه من عهده. ويقول سائق تاكسي إن مشرف وزرداري كلاهما عميل للولايات المتحدة، فكيف يمكن لهما إعادة القضاة. ويشاركه هذا الرأي عبد الله ويضيف إنهما يخافان من القضاء الحر؛ لأنه في صالح الشعب.

على صعيد آخر يرى محمد أصغر أن قضية القضاة تتسبب في تصعيد الوضع في البلاد. وهذا ما يضرنا من ناحية أن الحكومة تشتغل بها ولا تستطيع التركيز على الأمور الأخرى. أما حبيب فهو يقول إن كل ما يجري هو لعبة المصالح؛ لكن سليم أحمد يعارض رأيه ويرى أن حركة المحامين ستقود إلى نتيجة؛ لأن القضاء الحر لسان الشعب، وهو يدافع عن مصالح الشعب وهو الملاذ الأخير ضد ظلم الجبابرة والمتغطرسين والظالمين.

والكل ينتظر النتائج التي ستكشف عنها "المسيرة الطويلة " التي بلغت وجهتها النهائية في العاصمة؛ لأن فشلها في إخضاع الحكومة أمام مطالبها قد يتسبب في زيادة التصعيد والصراع في البلاد. وذلك أمر يكرهه كل مواطن يرى أن الغلاء والتضخم والأمن يؤثر على حياة المواطنين على سبيل العموم أكثر من قضية القضاة.

عبد الخالق همدرد

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف