سوريا: موضة الخدمات الآسيويات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بدأت ظاهرة الخادمات الآسيويات من سيريلانكا، والهند، والفيليبين، تتسلل إلى عمق المجتمع السوري، والحمد لله، وعلى نطاق يكاد محصوراً حتى الآن، بتلك الطبقات الاجتماعية فاحشة الثراء، واللهم لا حسد( هذه إعرابها سيكولوجياً= اللهم حسداً وضيقة عين كمان)، أو صاعدة الثراء الفجائي والداخلة حديثاً إلى نادي الميسورين والمرضي عنهم والأغنياء الجدد، الذين أنعم الله عليهم، وأثروا، ويا عيني عليهم، في غفلة عن أعين "الرقابة الحكومية" التي لا تطارد إلا جيوب المعثرين والفقراء المناحيس.
وباتت- الطبقات- والله يهنيها يا رب، لا تعرف أين، وكيف ستصرف تلك الأموال التي جنتها من عرق الفهلوة وخفة اليد، ورأت في استقدام الخادمات، قناة جيدة لتبييض الأموال، وتبديدها على الكماليات مما حلل الله، دون الالتفات إلى حقيقة أن الظاهرة تشكل أرقاً حقيقياً للمجتمعات الخليجية جعلتها في حال من التيه والضياع والصراع الثقافي والفكري والسلوكي العام. وتبدو الظاهرة اليوم، وفي أحد وجوهها الطبقية، هوية اجتماعية جديدة تميـّز بين المواطنين، ونوعاً من الافتراق المتعمد عن الوسط الاجتماعي السوري العادي الشعبي والتقليدي، والالتحاق العلني بنادي الأغنياء والأقوياء والأثرياء من محدثي النعمة والميسورين، وأولئك الذين يعتقدون، أو يتوهمون بأنهم "مهمّون"، ومميزون عن الآخرين، ولا يجب أن يلحق بهم العار ويتشبهوا، أبداً، ولا سمح الله، بالسوريين الدراويش والبسطاء. فكما كانت السيارة أيام "المد القومي والثوري"، رمزاً للتميز والتفرد والتميـّز والفصل الطبقي والبرستيج الاجتماعي، صارت اليوم، الخادمة الآسيوية، وتيمناً، أيضاً، بالخلف الصالح من إخواننا في الخليج الفارسي، رمزاً من رموز القوة المالية والتفوق الطبقي وجواز سفر للالتحاق الطبقي والبراءة التامة من قوافل فقراء المواطنين. وصارت شرطاً "شرعياً" من شروط إتمام "صفقات" العريس المميز ابن "الأكابر والذوات والناس المهمّـين"، ومصدراً للمباهاة والتفاخر الطبقي باقتناء خادمة، كما تقتنى مصاصة المتة، وأباريق الشاي وبوابير الكاز بالنسبة للفقراء. ومن لا خادمة له، قلا جاه ولا عز له، ولا عزاء للمشحرّين على الإطلاق.
المهم، لن نتعرض للظاهرة أكاديمياً وإحصائياً وسفسطائياً وفذلكياً وماركسياً لينينياً بائداً، كما يفعل بلاشفة سوريا الذين مازالوا، رغم أن المرحوم ماركس نفسه قدس الله سره قال لهم: "لا تصدقوني بل صدقوا أحفادي"، يقاربون القضايا على اعتبار أن الرفاق بريجنيف وأندريه غروميكو وألكسي كوسيغين ما زالوا في الكرملين. وسنمر على الظاهرة، وكعادتنا، مرور المستعجلين الكرام ومن "برى لبرى"، يعني "من أريبو وليس أريبا" كما يقول الشوام. ومع توغل ثقافة الخادمة إلى عمق المجتمع السوري، نكون قد بلغنا طوراً جديداً من الانعطاف الاجتماعي بدأت مفرزاته وآثاره تظهر إلى الواقع والعيان. وعلى عكس دول ومشيخات الخليج الفارسي، الذي يتسم عموماً بالمحافظة وندرة التباينات لأنه مجتمع تراتبي هيراركي تعزز بقاءه وتدعمه الهبات المالية الأبوية، ولا يوجد فيه أي نمط من أنماط الإنتاج لا الزراعي ولا الصناعي أو علاقاتهما، فإن التنوع والتعدد الثقافي والعرقي في سوريا يفرض ذاته أيضاً على شكل التعامل مع، وحياة الخادمات أنفسهم في المجتمع السوري. فإذا كانت العائلة السورية محافظة مثلاً، فإنها ستستقدم خادمة "مسلمة" حصراً، فلا وجود لكافرة في "أرض الديار"، وسينعكس، ذلك، أيضاً على وضع ولباس وزي الخادمة التي عادة ما تكون غير جميلة، متحجبة، ومتزمتة، وعابسة الوجه والعياذ بالله، ولا تبتسم لرغيف الخبز، ويقاطعها رب المنزل ويفرض، عليها نوعاً من الرقابة الصارمة والحظر ولا يكلمها إلا بالوكالة ومن "مناخيرو" أحياناً ومن وراء حجاب، ولا ينظر إليها أبداً خشية الزنا بالنظر وأستغفر الله، وعادة ما تقلد الخادمة سلوك الأسرة المحافظ في كل شيء ويجب عليها الالتزام به، فلا حفلات ولا موسيقى ولا دردشة مع الغرباء، ولا اختلاط، ولا موسيقى ولا سباحة ولا غناء. وأما إذا كانت العائلة متحررة، فإن الخادمة عادة ما تكون جميلة، بشوشة مرحة، كاسية عارية، دائمة الابتسام، سافرة الوجه والعياذ بالله، وحاسرة الرأس، ( هذه المفردة النشاز لطشت عمداً من أدبيات دورة الأغرار)، وتراها تلبس القصير والحفر والجينز والشورت وتضحك بمناسبة ومن دون مناسبة، وتتسلى ويسمح لها بالرقص ومتابعة كافة قنوات التلفزيون، وتلبس على الموضة، وربما تحتسي الخمر والمنكر، والعياذ بالله، في المناسبات والحفلات والدعوات. وتكون الخادمة، على العموم، نسخة مطابقة لسلوك وثقافة "المدام" صاحبة القرار المنزلي عادة في ثقافات الحرملك و"الزلملك" والغلمان.
وبعكس الدول التي باتت فيها لغة القرآن الفصحى كواحدة من أضعف اللغات المتداولة، فإن اللهجات المحلية باتت تسيطر على الخادمات الآسيويات، ويبدو أمر إتقان اللهجات السورية المتنوعة مهمة غاية في الصعوبة بالنسبة للخادمات الآسيويات إذا ما رغبن بالتنقل بين المحافظات. وكم كانت المفارقة مرة وغريبة، حين سمعت خادمة فيليبنية، جميلة ولا أروع،( أعتقدت في البداية ويا لكسوفي وخيبتي، بأنها زوجة رب الأسرة المأسوف على شبابه قبل أن تظهر لي "البومة" زوجته آية الجمال وربّـة الحسن والدلال)، وهي- أي الخادمة- ترطن باللغة الساحلية الجبلية المعروفة، أي "تبقبق" بالقاف المضخمة، تماماً كما "تبقبق" جميلات ضيعتنا في ذرى تلك الجبال الساحرة الشاهقة الخضراء. ونفس الأمر ينطبق على خادمات آسيويات بتن يتقن اللهجة الشامية الرقيقة والناعمة والدافئة، أو الحلبية المضخمة والمفخمة والقوية، أو حتى البدوية في الجنوب السوري والجزيرة في شمالها الشرقي. وقد يلزم الخادمة دورة "لهجة" مكثفة ربما، للانتقال من عند عائلة في درعا، إلى عند عائلة في طرطوس، أو حلب مثلاً. بينما تستطيع نفس زميلتها العاملة في الخليج الفارسي الانتقال من الجهراء الكويتية، في أقصى الشمال، إلى خورفكان الإماراتية، في أقصى الجنوب الشرقي، دون أن تواجه أية تمايزات سلوكية وثقافية، أو تكابد أية عقبات لغويةLinguistic Obstacles.
الظاهرة، وعلى طرافتها، ومفارقاتها، وغرابتها، لم تزل في خطواتها وطورها المبكر الأول، بعد، ولم تمتد بشكل أفقي، ولذا من الصعب فرز أو حصر كافة تداعياتها العديدة في عجالة كهذه كالاضطهاد والتحرش الجنسي والجريمة والسفاح والشذوذ والإيدز، غير أنه، ومن المؤكد، ستكون لها، بظني، وإذا ما تركت على غاربها، الكثير من العواقب الوخيمة، والباعثة على التأمل والندم، في وقت، قد لا ينفع معه أي نوع من التوبة، والاستغفار، والندم.
نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com
التعليقات
مانديلية سوريا
امير الدراجي -لفتة انسانية ذكية ترافقت مع رمزية رائعة للكاتب الذي اثبت لنا امكان ان تنجب المعارضات شخصيات رحمانية تعيد للاذهان الريادة السورية المعاصرة لمدارس السياسة وليس على النمطية العراقية المدججة يثقافة سياسية تقوم على الاضداد المتصادمة وتاليا تقديس فكرة الانتقام التي تعتبرها مثالا مركزيا لتنجز اسوء ما قدمه البشر من خراب ودموية .. واننا اذ نحيي روح النموذج الجديد لمدارس المعارضة نثق في ان ثقافتنا فيها امكانية تقديم نزعات اللاعنف والانقلابات الرحمانية وفي سوريا امثلة ماجدة تتمثل بنعيسة ونزار نيوف وبرهان غليون والنزع البطولي الممثل بشخصية الترك الى عدد من الرموز التي لا تخيفنا كما تخيفنا معارضات ظلامية تخطف المستقبل كما تؤهل مستبدي الحاضر على شرعية بطشهم وتكون لعبة الاضداد بين الاستبداد العلماني وتوتاليتارية الدين .. سوريا تقود الانسنة من جديد كما قادت استبداد العلمنة وطغيان الدين مما يؤهلها انتاج نموذج شبيه بمانديلا
جيل الأثرياء الجدد
مواطن سوري -من المتعارف عليه أن هؤلاء المحديثين الجدد جمعوا أموالهم بطرق غير شرعيةو متلوية وأنا النخبة الثقافية والحضارية السورية أصبحت بعداد الطبقة الوسطى او دون وأصبحت تكافح مثل بقية أفراد الشعب لذلك أصبح المال في سوريا هو الدليل القاطع على تهمة الفساد ..وبالتالي كل مظاهره من خادمات وسيارات فارهة مطاعم وفنادق هو حالة مشوهة ومرضية...
ليس الأثرياء فقط
سحر بساطة -ملاحظة بسيطة اود مشاركة الكاتب المتميز جدا !! و هي حسب معرفتي بقصص عائلات كثيرة استقدمت خادمات آسيويات في حلب بالتحديد ، حيث العائلة ليست ميسورة و على قد الحال ، بس الجهل الاجتماعي و المنافسة الرعناء بين الزوجة و سلفتها او الاخت و اختها دعتهن حتى ان يشحدوا ليحضروا خادمة يتباهوا فيها و يدخلوا بمعيتها نادي الأكابر و الأثرياء ...موضوع مهم جدا و له انعكاسات خطيرة على مجتمعنا السوري
تعليق
أبو سفيان -أتفق مع الأستاذ أمير، فالنص أكثر من مقال صحفي، إنه لوحة تشكيلية لغوية، لفنان صاحب ثقافة مؤنسنة، أنتجتها أرض شديدة الخصوبة(ثقافيا) مايدهشني في نصوص نعيسة، تلك الإبرة التي يخيط بها أطراف الكلام، والتي يغرزها عميقا حد الإيلام والصراخ. سلام
الخليج العربي
سوري حر -مقالة رائعة كالعادة, و لكن في السطر 53 ذكر الكاتب الخليج الفارسي لا يا سيد نضال الخليج العربي و نرفض غير ذلك
الخليج
shayef -;الخليج الفارسي نضال نعيسة !
الى السوري الحر
الرحبي -اذا كان حلفاء الخليج رسميا يسمونه بالخليج الفارسي وهو الاسم المعتمد عالميا في كافة الوثائق الدولية فما ذنب الكاتب لم لا تلوم الحكومات الغربية اولا.
عجبتني هي تبقبق
تميم -استاذ نضال انا ابن الساحل والنا الفخر ;نبقبق ; ..بس بقلك ..ولو من وين ياحسرة لعنا بدنا نجيب سريلانكية او فلبينية .اذا بحالنا مو طالعين ..خليها لأالله
أين الترابط
ميزر -أين الترابط الأسلامي و العربي من كلمة الخليج الفارسي يعني نطلق على البحر الأبيض المتوسط بأسم أوربا ونهضم حق الدول العربية المطلة على سواحلة طبعا لا وألف لا فالخليج عربي والبحر الأبيض للعرب حق فية
مقالة وفكرة
خوليو -في الجزء الأول من المقالة عرض الكاتب نقد الفساد المعروف من الكبير والصغير، ونقد مشابه مدعوم باالأرقام كلف الإقتصادي عارف دليلي السجن المزمن على درب منديلا، اما فكرة المقالة والتي لم يتطرق إليها الكاتب إلا بشكل مختصر وعن طريق ظهور الأيدز للعلن، فهي فكرة ملك اليمين الدافع الكبير لاستحضار الصانعات،حيث رخص اليد العاملة، بخمسين دولار أو مائة على الأكثر تأتي بعبدة تخدمك في كل شيئ وتصلي معك أيضاً، وهي من شجرة مقطوعة لها خياران عند اشتداد الأزمة، إما إلقاء نفسها من أعلى الطوابق او المغادرة مكسورة الخاطر بجيوب فارغة، .
nothing new
خالد -يعني يا نضال كتبت هالمقال عشان تهاجم الخليج و تمسكنا بعاداتنا وتقالدينا فقط ؟ الحقد والحسد تفوح رائحته من سطور مقالك !
هذه البرجزة لا تدوم
عــلـي الــشــلــة -يا سيد نضال ماذا تبقى أصليا وعاديا وطبيعيا في هذا البلد... كل شيء بالمقلوب وهذه البورجوازية الجديدة التي تألفت غالبا من موظفين متشاركين مع عائلات السلطة الحاكمة.. والتي لا تملك في الأصل أية ثقافة طبيعية, هي التي تدير صالونات البلد ومظاهرها المغشوشة الخارجية. كل هذا لا يدوم يا سيد نعيسة.. وما جرى في العراق ـ معاذ الله ـ أكبر درس للتاريخ أن هذه البرجزات المفتعلة لا تدوم.. لا تدوم.
موافقة مع علي الشلة
ســنـاء حــنــاوي -نعم يا سيد علي الشلة صحيح تعليقك عن البرجزة الظاهرية المغشوشة في بلدنا العريق سوريا, والتي ضاعت كل قواعد عراقته مع هذه البورجوازية الجديدة التي تهيمن على غالب خيراته. هذه الظاهرة للخادمات الإفريقيات والأسيويات, عادة مستوردة من الممالك والأمارات البترولية التي تعمل فيها غالب الهجرة السورية من زمن طويل, والتي تغلغلت حتى في الطبقات التحت متوسطة, نظرا لتفاقم الفقر والجهالة العامة, وابتعاد كل أصول التطورات الحضارية الحقيقية.. مع مزيد الأسف.لك صادق تحياتي.
مرة اخرى؟؟؟؟
ابن رشد -( رجعت حليمة لعادتها القديمة) مرة اخرى الخليج الفارسي يا أستاذ!!!!! احب ان اسألك لماذا لاتسمي بحر المانش بالقناة الانكليزية كما يسميه البريطانيون ؟؟؟ اذا لكل شعب الحق ان يسمي البحار كما يحلو له فالبحر المتوسط كنا نسميه بحر الروم فهل تريدنا ان نعود لهذه التسمية وما بالك ببحر القلزم وبحر الظلمات وبلاد الواق الواق وجزر الخالدات ؟؟؟؟ ولما لانقول قطالونيا (كتالونيا) وقشتالة ( كاستيليا) والصقالبة ( الروس وجيرانهم) والقسطنطينية (استمبول) وبلاد ماوراء النهر .....لذلك واحتراما للعلم والعرف امل ان تستعمل الخليج العربي وان كنت لاتوافق عليه من الناحية العقائدية. طبعا هناك الناحية الدعائية ( الماركيتنغ ) التي تزيد عدد المداخلات عند استعمال الاستفزاز ولكن صدقني انها ليست دوما مفيدة فلقد اعجبت بمقالك وكنت اريد ان اناقش بعض نقاطه ولكن تسمية الخليج سيطرت على تفكيري وانستني النقاط الاجتماعية المهمة جدا والتي اثارها المقال.
لا عجب
ابن الارز -مقال دون العادي لولا وجود كلمة الخليج الفارسي التي دفعتني ودفعت اغلب المعلقين على الرد.فأن يطلق الكاتب على الخليج مسمى الخليج الفارسي لهو امر بسيط مقارنةً لما يحدث في سوريا العربية اليوم من تحول نحو الفارسية بكل تلاوينها،فإن الفرسنة تغزو اطياف المجتمع السوري من كل حدب وصوب وكله بحجة التعاون والتنسيق مع الحليف ايران.اليوم الخليج الفارسي وغداً دمشق الفارسية؟؟؟؟من يدري!!!!