أصداء

في حوار ٍ ماركسي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أستميح القراء عذراً لأنني أكتب اليوم " في حوار ماركسي " بعد أن كنت قد كتبت في ذات الموضوع تحت عنوان " حوار غير ماركسي! " إشارة مني لوقف الحوار مع أقرب الناس إلي مفضلاً شرح الماركسية لغير البلاشفة من أنصاف الماركسيين ولغير الماركسيين كذلك على الإشتباك مع من لا أعرف بولشفياً غيره. أعتذر لأعود أكتب في حوار ماركسي مع أقرب الناس إلي بعد أن التفت إلى حقيقة ذات أهمية كبرى وهي أن أهم شرط توفّر توطئة لانتصار الطبقة الوسطى في صراعها ضد البروليتاريا السوفياتية هو الفقر النظري في الماركسية، الفقر ليس فقط بين كوادر الحزب الشيوعي البولشفي بل أيضاً بين القادة البلاشفة أنفسهم؛ وتذكرت في هذا السياق الرفيق ستالين في العام 1938 يوبخ أعضاء المكتب السياسي ومنهم قادة بلاشفة مشهورون مثل مولوتوف وفورشيلوف وكاغانوفتش وسوسلوف، الذي كان يعتبر حجة في النظرية، يوبخهم بفقرهم في النظرية متسائلاً.. هلاّ تدرسون ماركس؟! وهو الأمر الذي دفعه إلى أن يذهب في إجازة ليكتب مؤلفه الشهير " المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية " واحتوى أسهل عرض للفلسفة الماركسية وطلب تدريسه في مدارس الحزب ودراسته في منظمات الحزب المختلفة. صحيح أن الطبقة الوسطى امتلكت قواعد مادية مكنتها من الإنتصار وخاصة في قوى الجيش والأمن كما في الفلاحة لكن الإنتصار ما كان ليكون لو توفرت قيادة ماركسية تعي مسؤوليات طبقة البروليتاريا في أواسط القرن المنصرم كما كان الرفيق ستالين وقد قاد الحزب في صراعات مصيرية قاتلة وخرج منتصراً بصورة تليق بطبقة البروليتاريا ومسيرتها الإشتراكية. لكل ذلك أرجو أن يعذرني القرّاء لدخولي من جديد في حوار ماركسي مع الرفيق العزيز حسقيل قوجمان.

يقول الرفيق قوجمان.. " يشرح الاخ فؤاد قانون فائض القيمة بصورة غاية في البساطة وهي ان الرأسمالي يتاجر بقوى العمل فيدفع عن يوم العمل أجر ثماني ساعات ويتقاضى الساعتين الأخيرتين كفائض قيمة والحقيقة تختلف عن ذلك. فالراسمالي يشتري من العامل قوة عمله ليوم واحد بقيمتها الحقيقية "!! ـ الحقيقة يا رفيقي قوجمان هي أنه لست أنا بل كارل ماركس هو من يشرح فائض القيمة على هذه الصورة، البسيطة كما وصفتها. ولو راجعت شرح كارل ماركس لفائض القيمة (Surplus-Value) في كتابه "رأس المال" أو في " نقد الإقتصاد السياسي " لوجدته يتحدث عما يمكن ترجمته ابتساراً " وقت العمل " (Labour-Time) وهو عدد الساعات التي يغطي عمل العامل خلالها قيمة أجره، وثمة ساعات عمل إضافية (Surplus-Labour)غير مدفوعة الأجر، ومن هنا جاءت التسمية " فائض القيمة " والمعنى " فائض " يعود أساساً إلى فائض العمل (Surplus-Labour). وهكذا فالعامل ينتج كامل قيمة أجوره في ثماني ساعات ويعمل إضافياً(Surplus) ساعتين لحساب الرأسمالي إذا ما كان يوم العمل عشر ساعات. في إحدى رسائله إلى فردريك إنجلز كتب ماركس يقول أن " فائض القيمة " هو أهم إكتشاف حققه في نقده الإقتصادي. وعليه فإننا نرى أن أهم ما يتوجب على الشيوعي أن يلمّ به هو مفهوم " فائض القيمة ".

إنني لأستغرب حقاً أن يذهب رفيقي حسقيل قوجمان مذهبه في فائض القيمة الذي شرحه في حواره الأخير وهو مذهب غير مقبول إلا على الإقتصاديين البورجوازيين بالطبع، إذ يقول ـ ويا لغرابة أن يقول ماركسي مثل هذا القول! ـ يقول.. " الرأسمالي يشتري من العامل قوة عمله ليوم واحد بقيمتها الحقيقية ". لئن كان العامل يتقاضى من الرأسمالي القيمة الحقيقية لقوة عمله فلا مشكلة إذاً في النظام الرأسمالي، وليس هناك من تناقضات فيه تتسبب بانهياره كما تنبأ ماركس. ثم لو أن القيمة الكليّة لمجموع الأجور التي يدفعها الرأسماليون هي القيمة الحقيقية (التبادلية) لمختلف احتياجات العمال لما رأيت الفقر يستفحل في أوساط الطبقات البروليتارية بصورة خاصة، بل ولما كانت هناك أزمة كساد دورية في النظام الرأسمالي، ولما اضطرت الدول الرأسمالية لتشكيل جيوش حربية تتوظف في فتح أسواق جديدة لمنتوجات المتروبول، ولاكتفت الدول الرأسمالية بذاتها ولما اضطرت أن تكون إمبريالية. لذلك قال ماركس أن النظام الرأسمالي كان أول نظام عالمي تتعرف عليه البشرية. ويضيف الرفيق قوجمان قائلاً.. " فالأساس العلمي للنظام الرأسمالي هو أن الرأسمالي يشتري قوة عمل العامل بقيمتها الحقيقية. والرأسمالي من الجهة الثانية يبيع بضائعه المنتجة أيضا بقيمتها الحقيقية " (!!). لئن اشترى الرأسمالي مختلف مكونات البضاعة التي ينتجها بما في ذلك قوى العمل بقيمتها الحقيقية ثم يبيعها بقيمتها الحقيقية، فأين ربحه في هذه الحالة؟ للخروج من مثل هذا المأزق اضطر الرفيق قوجمان لأن يخلط بين " القيمة التبادلية " (Exchange Value) و rdquo; القيمة الإستعمالية " (Use Value) وهما معنيان غير قابلين للخلط. القيمة الإستعمالية التي حولها الرفيق قوجمان إلى قيمة تبادلية وإلى نقد غير قابلة للتبادل ولا تقدّر بثمن. عود الكبريت الذي لا يساوي فلساً ساوى كل الدنيا والحياة بحالها بالنسبة إلى بطل قصة الكاتب الكبير جاك لندن (To Build A Fire). هبّ رفيقي البولشفي ليكحّلها فعماها، كما في المثل الشعبي!!

ويصر الصديق قوجمان على خطئه مخالفاً المناقبية البولشفية فيقول.. " الأساس في عملية اكتساب فائض القيمة هو أن قيمة خلق قوة العمل لدى العامل، قيمتها التبادلية، هي اقل من القيمة التي يخلقها عمل العامل " ـ أكاد أفترض أن من كتب مثل هذه العبارة ليس قوجمان وقد عرفته يقول عكس هذا. كان يقول مراراً وتكراراً وراء ماركس أن قيمة البضاعة تساوي كلفة إعادة إنتاج قوى العمل التي تختزنها تلك البضاعة. لكنه إزاء مناقشة فائض القيمة ها هو يدّعي أن كلفة إعادة إنتاج قوى العمل هي أقل من قيمة البضاعة التي يخلقها عمل العامل، وهو ما يعني أن قيمة البضاعة تتجاوز دائماً قيمة قوى العمل المختزنة فيها!! وهو ما يخالف ألفباء علم الإقتصاد الماركسي.

من الباب الخطأ دخل رفيقنا قوجمان إلى دائرة النظام الرأسمالي وقادنا معه عبر ذات الباب إلى متاهة لا مخرج لها. إذ يقول.. " يقول الأخ فؤاد أن أعمال البنوك ليست من الإنتاج الرأسمالي ولكن الحقيقة هي ليست عمليات إنتاج بتاتاً " ثم لا يلبث أن ينسى نفسه فيقول.. " من التبسيط التام اعتبار أن العمل التجاري أو المصرفي ليس إنتاجاً رأسمالياً "!! إزاء مثل هذا التعارض المباشر والسريع نجد من الضروري العودة إلى تعريف معنى الإنتاج في المفهوم الماركسي وهو أن يبذل الإنسان جهداً لخلق مادة نافعة. موظفو البنك يبذلون جهوداً شاقة لبناء حسابات لا تنتهي لترسم مجرى العمل في البنك. مدراء البنك أو أصحابه لا يبادلون جهود هؤلاء الموظفين في السوق ليحققوا الدورة الرأسمالية الكلاسيكية (نقد ـ بضاعة ـ نقد) فيؤمنوا بذلك فائض القيمة أو الربح. يقتصر عمل موظفي البنوك على إنتاج خدمات غير قابلة للمبادلة في السوق. لذلك قلنا أن أعمال البنوك ليست من الإنتاج الرأسمالي وليست جزءاً منه بالمعنى الإيجابي، فأن يشارك البنك الرأسمالي في إقتسام فائض القيمة فذلك يعني بكل وضوح أن أعمال البنوك الربوية إنما هي ضد النظام الرأسمالي الذي كان سيزدهر ويتوسع أكثر لو لم يأخذ البنك نصيباً من أرباح الرأسمالي. ثم ليس صحيحاً أن البنوك تعتاش فقط على حصتها من الأرباح الرأسمالية وذلك ليس فقط لأنها تتقاضى ذات الفوائد حتى من المشاريع الرأسمالية الخاسرة بل لأن معظم معاملاتها تتم مع غير الرأسماليين. فالدولة اللبنانية على سبيل المثال تدفع للبنوك الدائنة لها ما يزيد عن ملياري دولار سنوياً كفوائد على قروض إقترضتها من أجل تقديم الخدمات للشعب ودفع رواتب للجنود والموظفين. والأزمة العقارية التي هددت الإقتصاد الأميركي قبل أسابيع نجمت عن ديون عجز عن تسديدها الذين اشتروا شققاً سكنية بقروض. ولعل أكبر الفوائد التي تجنيها البنوك الأميركية والأوروبية هذه الأيام تتعلق بالإنفاق بوساطة " الفيزا كارد ". وهذا ما يفسر تزايد نشاط المصارف والأموال الموظفة فيها في الوقت الذي ينحسر نظام الإنتاج الرأسمالي. ويذهب بعيداً أخونا قوجمان فيفترض أن الربح الذي يحققه بائع المفرق هو أصلاً جزؤ من فائض القيمة وهذا غير صحيح فثمة خدمات يقوم بها أشخاص آخرون من غير العمال لها أثمان تتحملها البضاعة المخدومة.

يتوه أخونا البولشفي فيطفق يبحث عن الإنتاج الرأسمالي في مرحلة الميركانتيلية (mercantilism) وفي الأعمال المصرفية في مرحلة الإمبريالية. لا الميركانتيلية ولا الأعمال المصرفية تتم من خلال نمط الإنتاج الرأسمالي. إزدهرت الميركانتيلية عن طريق تسويق صناعات المانيفاكتورة التي اعتمدت على الإنتاج الفردي (Individual Production) خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر وقد تم من خلال الميركانتيلية مراكمة الأموال وهو الشرط الأولي لقيام نظام الإنتاج الرأسمالي. المهنيون (craftsmen)أو (Guild-Masters) أصحاب الصناعات في عصر الميركانتيلية ليسوا رأسماليين بل كانوا يعملون لحسابهم الخاص في مشاغل فردية يساعدهم تلامذة متدربون (apprentices). وما يجدر ذكره في هذا السياق هو رد ماركس القوي على الذين هاجموه بادّعاء أنه يؤسس لفكر هدّام حيث أكد أن الشيوعيين لن يلغوا الإنتاج البورجوازي بصورة وحشية كما ألغى الرأسماليون مثل هذه الصناعات، صناعات المانيفاكتورة، بوحشية لا نظير لها في التاريخ. ثمة فرق نوعي بين الإنتاج الفردي البورجوازي كما في صناعات المانيفاكتورة وبين الإنتاج الجمعي أو الأحرى المجتمعي الرأسمالي (Associated Production). ما كان ماركس ليتعرّف على الملامح الأولى للشيوعية بغير نمط الإنتاج الرأسمالي حيث يشارك المجتمع بأسره في إنتاج مختلف إحتياجات الناس بحيث لا يعود الحق لأي فرد أو شريحة في المجتمع الإدعاء بملكية مثل هذا الإنتاج أو أي جزء منه. إنه في هذه الحالة إنتاج شيوعي.

وأخيراً تحدث الرفيق حول استخدامي كلمة " الوضيعة " بدل " الصغيرة " في وصف البورجوازية منتقلاً إلى موضوع نسبه إلى التحريفيين الذين ميزوا بين "البورجوازية اللازمة" و "البورجوازية الطفيلية"، وللحقيقة أنا لأول مرة أسمع بمثل هذا التحريف! من المفاهيم السياسية الخاطئة التي تشيع بين العامة وبين صفوف الماركسيين كذلك هو مفهوم البورجوازية. مفردة " البورجوازية " أخذت تحمل معنىً تاريخياً منذ أن استخدمها ماركس ؛ لم تعد تعني سكان المدن كما ولدت أصلاً بل أخذت تعني بالنقد الماركسي " المنتجون لذواتهم " أو " المنتجون الفرديون " مثل المهنيين والموظفين وأصحاب الحوانيت وسائر منتجي الخدمات مضافاً إليهم الفلاحون، ومن باب تمييز هؤلاء عن البورجوازية الكبيرة التي تحولت إلى رأسماليين وصفوا بالضعة فقيل البورجوازية الوضيعة. هؤلاء تحديداً هم الطبقة الوسطى التي تغطي أكبر مساحة في المجتمعات ودون أن يعثر عليها رفيقنا قوجمان مع ذلك. من المعروف تماماً أن الماركسيين العرب قرؤوا ماركس مترجماً إلى العربية ؛ والمترجمون وهم دائماً من البورجوازية الوضيعة ترجموا العبارة الفرنسية (la petite bourgeoisie) بالبورجوازية الصغيرة وهي ترجمة غير دقيقة إذ يتوجب ترجمتها بالبورجوازية الوضيعة وصفة الوضيعة هنا تغطي الإنتاج البورجوازي الوضيع والأخلاق البورجوازية الوضيعة. حفاظاً على كرامة البورجوازية تنازل المترجمون عن دقة المعنى وقالوا " الصغيرة "، وهذا ليس من حقهم. ونعود لنؤكد أن الضعة تصف نمط الإنتاج كما تصف الأخلاق حيث كل المبادئ والقيم لدى البورجوازية الوضيعة هي دائماً معروضة في السوق.

فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
جيد
سلام -

اويد صاحب المقال الذي يتصف بالفهم الناضج للنظرية الماركسية والرد على ماهو محرف وغير صحيح واؤيد للتجديد بالنظرية وليس التحريف وهناك امثلة للتحريف ادت الى تفكيك اكبر دولة اشتراكية(الاتحاد السوفيتي تحت شعار اعادة البناء(البريسترويكا)وهناك مثال اخر هو التطور الحاصل للصين نتيجة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتجددة دون المساس بروح النظرية الماركسية التي تستند على الديناميكية وليست قالب مقدس اوجامد غير قابل للتطور كما حصل في الاتحاد السوفيتي نتيجة فشل منظريه للتجديد حسب التطور الحاصل للمجتمع البشري

إلى سلام
عقله -

لقد قرأت الكاتب أكثر من مرة يعتبر زعماء الصين مرتدين خونة وأكثر من هراطقة . فما رأي أخينا سلام؟ والسلام عليه ..

حوار علمي 1
عربي مقيم في أمريكا -

الكاتب مع الاحترام الشديد منغمس حتى الثمالة في الفكر الماركسي ولكن يبدو أنه لم يقرأ النظريات الأخرى وما يحدث على الأرض. فأولاً هناك فرق كبير بين الماركسية النظرية والينينية على الأرض. فالأولى نظرية راقية مبينة على أسس علمية رصينة وأنا شخصياً احترمها ولكن لا أتفق معها. أما اللينينة فهي انقلاب سياسي اجتماعي دموي استفاد من الظلم الذي تعانيه الطبقة العاملة ولم يقدم لها الأفضل. الكاتب يهاجم الاقتصاد الرأسمالي وينسى ( ) أنه غير موجود بصورته المطلقة التي تحدث عنها ماركس. لقد جاءت كتابات ماركس رداً على التمادي في الثورة الصناعية التي ركزت على الانتاج ولم تعط العامل البشري ما يستحق. كما انها نادت بالتنحي الكامل للدولة عن الاقتصاد. ولكن أؤكد مرة أخرى أن الرأسمالية بشكلها السافر الذي حذر منه ماركس غير موجودة اليوم إلا في عقول بعض الماركسيين في الدول النامي ومنها بالطبع العالم العربي. فالولايات المتحدة مثلاً (والتي يعتبرها الكثيرون أم الرأسمالية وهذا خطأ كبير وشائع) لا يمكن وصف اقتصادها بالرأسمالي إذا كنا نبغي الدقة العلمية بل هو اقتصاد حر ومفتوح وهناك فروق بسيطة من حيث المظهر (لغير المختصين) بين الحرية الاقتصادية والانفتاح وبين الرأسمالية ولكن لهذه الفروق البسيطة منعكسات كبيرة تجعل استخدام كلمة ;اقتصاد رأسمالي ; غير دقيق أبدا (هذا مع التأكيد أن هذا خطأ شائع يقع به حتى بعض السياسيين الأمريكان والأوروبيين).

حوار عملي 2
عربي مقيم في أمريكا -

تعتمد السياسة الأمريكية (والأوروبية) الاقتصادية حالياً ولحد كبير على ما يسمى بالنظرية الكينيزية القاضية بتدخل الدولة عن طريق السياسات المالية والنقدية للإمساك بالاقتصاد وليس عن طريق التأميم اللينيني (وليس الماركسي وهذا خطأ شائع آخر فماركس لم يطرح التأميم) الذي لا يمكن وصفه بكلمة أقل من فاشل. على كل حال حتى الكينيزية تعرضت لخسائر (علمية) كبيرة في الستينيات والسبعينيات حتى جائتها الضرية القاضية من العالم لوكاس أواسط السبعينيات. ولكنها (أي الكينيزية) مازالت تحكم تصرفات صناع القرار الاقتصادي في أمريكا وأوروربا لعدم وجود نظرية بديلة كاملة. وأنا هنا أحيل الكاتب لمقالة علمية شهيرة للعامل هايتنغبرغ عام 1997 والتي أستعرض فيها النظريات العلمية الاقتصادية (ومنها الماركسية وحتى اللينينية وهذا هو الحياد العلمي الذي يتميز به الغرب) وخلص إلى عبارته الشهيرة ;النموذج الكينيزي خاطئ حتماً ولكنه أفضل ما نملك ;.هذا من ناحية دور الدولة أما من ناحية حقوق العمال فهناك النقابات وهناك أدوات النظام السياسي التي تحفظ حقوقهم ولا أعتقد أن أحداً يرى أن حقوق العامل مصانة في كوبا و الصين والاتحاد السوفيتي سابقاً أكثر من أمريكا وكندا والدنمارك. وهذه إحدى مشاكل من يسمون أنفسهم بالماركسيين العرب اليوم وهو الخلط بين مشاكل النظام السياسي والاجتماعي العربي ومشاكل النظام الاقتصادي العربي. فإذا كنا نتفق على الارتباط الوثيق بين السياسة والاقتصاد فإننا نختلف بشدة حول أسلوب المعالجة. فلا يجوز منطقياً (برأي المتواضع) هدم الاقتصاديات العربية على الطريقة اللينينية الفاشلة بحجة فساد الأنظمة السياسية. هذا من ناحية. من ناحية أخرى استغرب من الماركسيين العرب قفزهم فوق حقيقة ساطعة هي أن المجتمعات العربية لا تعيش في ظل ثورة صناعية كالتي عاشتها أوروبا والتي طلعت منها النظرية الماركسية العريقة. فمثلاً أنا شخصياً قرأت كتابات ماركس والماركسيين الأوائل ولم أجد فيها أي مبرر للتصرفات الدموية والأخطاء الاقتصادية التي قام بها من سمو أنفسهم بالماركسيين في أوائل القرن العشرين. ......عبارة ماركس الشهيرة لا تسألوني بل اسألوا احفادي ; إشارة منه وهو العالم الاقتصادي الرفيع إلى أن الأمور تتبدل وأن ما كتبه بتعلق بلحظة زمنية وبظروف تلك اللحظة.

إلى العربي الأمريكان
عقله -

يبدو يا سيد عربي أنك لم تقرأ شيئاًً للكاتب فؤاد النمري فهو الوحيد ربما الذي يقول أن الرأسمالية انهارت منذ سبعينيات القرن الماضي وأن الدول الرأسمالية سابقأ مثل الولايات المتحدة لم تعد لا رأسمالية ولا إمبريالية، وله نظريات أخرى كثيرة وهي موجودة