أصداء

السؤال الصعب أمام مؤتمر جدة للطاقة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خيارات المنتجون والمستهلكون للنفط تحدد المسار

دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى اجتماع تحاوري بين الدول المنتجة والمستهلكة للنفط في جدة تجئ في وقتها تماما. ذلك لأن تداعيات ارتفاع أسعار النفط بهذه المعدلات الجنونية تسببت في اضطرابات سياسية واجتماعية لم تكد تنج منها قارة، وإذا ما وصلت هذه الاضطرابات إلى ما شهدته بعض العواصم الغربية في دول تعتبر من أقوى الاقتصاديات الصناعية في العالم، فإن هذا وحده كاف كمؤشر على عمق هذه الأزمة التي تزداد عمقا كل يوم يسجل فيه برميل النفط ارتفاعاً في سعره.
حكمة الملك عبد الله تتجلى في استشعاره بخطورة هذا الارتفاع المتصاعد في أسعار النفط، إذ قد يرتفع مؤشر السعادة والحلم بالرفاه عند غيره من قادة الدول المصدرة للنفط، علما بأن السعودية هي المنتج الأكبر لهذه السلعة في العالم.وحسب ما أوردت صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر يوم السبت (14 يونيو الجاري) فإن المملكة تعتزم رفع زيادة إنتاجها النفطي إلى 5% اعتبارا من شهر يوليو بنحو نصف مليون برميل يوميا، وقالت الصحيفة أن السعوديون يشعرون بالقلق حيال التأثيرات السياسية والاقتصادية المتزايدة لأسعار النفط المرتفعة.


من الواضح أن هذا القلق السعودي له ما يبرره من واقع مسؤوليات المملكة الدولية، حيث تسعى لتهدئة الأسواق وإزاحة أي بوادر أزمة عالمية بسبب نقص المعروض، وبما أننا لسنا هنا بصدد البحث عن أسباب هذا الارتفاع، التي يرجعها الخبراء والمراقبون، بل حتى وبعض السياسيين إلى ضعف الدولار، وأسباب جوسياسية مثل المواجهة الغربية مع إيران، وإلى مستجدات جديدة دخلت أو تدخلت في صفوف الطلب وتشكل عامل ضغط على الهيكل مثل الهند والصين، وسياسات التخزين، وبروز ممارسات ومؤسسات مالية جديدة، ساعدت مع ثورة الاتصالات كصناديق التحوط والبيع الآجل التي يتم التداول فيها بمليارات الدولارات من متعاملين لم يرى؛ أحداً منهم برميل نفط في حياته، وكل علاقتهم بهذه السلعة لا تتجاوز كونها عمليات بيع وشراء تتم على شاشة الحاسب الآلي.
إنها بالفعل مسألة معقدة، ويزيدها تعقيدا تعاظم موجة العولمة، وقد كانت الصناعة النفطية قبل هذه الموجة وبطبيعتها صناعة عالمية وعابرة للقارات، بل ومتجاوزة للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، إذ كما دلت التجارب سابقا أن صناعة النفط هي التي تحدد السياسات والمواقف السياسية، وأنها تقف وراء الكثير من القرارات الاقتصادية الإستراتيجية للدول والشركات العملاقة عابرة القارات والقوميات.


ندع كل ذلك ونعود لمربع مبادرة خادم الحرمين الشريفين، لنسأل أنفسنا لماذا يشغل ـ أطال الله عمره ـ نفسه ووقته بمؤتمر مثل هذا؟
لقد تحدثنا من قبل عن مسؤوليات المملكة الدولية، ولكن هل المملكة هي المسئول الوحيد عن هذه الاضطرابات والأزمات والمخاطر التي لم تستثني قارة في الأرض؟ وهل تفرض عليها مسؤولياتها الدولية أن تضحي بمصالحها الحيوية الوطنية الداخلية؟
هنا تحديدا تكمن القيمة الحقيقية لمبادرة خادم الحرمين الشريفين بدعوة الدول المنتجة المصدرة و الدول المستوردة المستهلكة للنفط للتحاور، والوصول إلى أفضل صيغة ممكنة يتفق عليها الطرفان، بما يضمن عدم الإضرار بمصالح المنتجين، ويحافظ على توفر هذه السلعة الأساسية للطاقة بالنسبة للمستهلكين بسعر معقول.


*والسؤال الذي ينهض في مواجهتنا هنا: إلى أي مدى تستفيد الدول المنتجة المصدرة لهذه السلعة من ارتفاع أسعارها؟
القيادة السعودية وقد أثار قلقها هذا الارتفاع المتصاعد لأسعار النفط كانت على وعي تام ومبني على أسس علمية بأن هذا الارتفاع، وإن كان على الأوراق يعني زيادة وارتفاع دخلها الوطني إلا أنه على المستويين: القريب والبعيد ليس في صالحها.
فعلى المدى البعيد فإن هذا التصاعد، وكما أشارت دراسة أصدرتها رابطة كمبردج لدراسات الطاقة، وهي بيت خبرة له مكانته العالمية إلى العالم مقبل على الصدمة النفطية الرابعة، وذلك عندما يبلغ سعر البرميل 150 دولارا، حيث ستأخذ الأزمة مساراً جديدا يتحرك فيها سعر البرميل بدوافع ذاتية لن يستطيع أيا كان أن يدرك مساره أو أن يسيطر عليه.


ثم ـ ثانيا على المدى البعيد ـ فإن هذا الارتفاع الجنوني في أسعارالنفط سيقلل من دوره كمصدر أول للطاقة، ويفسح المجال أمام بدائل، يمكن أن يصبح الاستثمار مجديا أكثر من النفط.


*أما على المدى القريب: فكما يقول وزير البترول المصري الأسبق المهندس حمدي البمبي فإن الاتجاهات التصاعدية الحالية لأسعار النفط ستؤثر سلبا على النمو الاقتصادي العالمي بصفة عامة، وعلى أسعار السلع نهائية الصنع التي تقوم الدول العربية والنامية باستيرادها من الدول الصناعية الغربية، مما يؤدي إلى استمرار ارتفاع الأسعار الذي يؤثر على اقتصاديات الدول النفطية خاصة نظراً لمستويات المعيشة ومستوى الرفاهية التي يتمتع بها مواطنوها، مما يجعلها تدفع فاتورة مضاعفة كجزء في فرق الأسعار مقابل المنتجات المستوردة.


والواقع أننا في الأساس دول مستهلكة، نعتمد على استيراد كل شيء من الخارج بدء من الأرز الذي نأكله، والحليب والسكر والشاي والقهوة والهيل الذي نشربه انتهاء بكل شأن آخر من شؤون حياتنا اليومية والمستقبلية،وبالتالي فإن ارتفاع أسعار النفط الذي نصدره، سيؤثر سلبا علينا، لأن المصانع التي تدار هناك بعيدا عنا، ستضع هذه الزيادة في حساب تكلفتها التصنيعية.


إلا أن المشكلة تصبح مضاعفة حتى نعلم أن هناك ثمة وسيط بين هذه المصانع وبترولنا، وليس وسيطا واحدا وإنما عدة وسطاء. فهناك شركات تشتري منا ثم تبيع لمعامل تكرير ثم هناك وسيط بين هذه الشركات والجهات المشترية، وبحسبه بسيطة تستطيع أن تؤكد بأن سعر البرميل الذي وصل عندنا حسب أسعار السوق بلغ 120 دولاراً سيصل إلى المستهلك بسعر مضاعف إلى أكثر من 250 دولار.
هذه الزيادات في أسعار سلعتنا ستوضع في حساب تكلفة الجهة التي ستصدر إلينا ما نحتاجه من سلع مصنعة.
أي أن ما بعناه بـ (120) دولار سيعاد إلينا لنشتريه بحوالي (500) دولار.


ببساطة: هذا يعني أن المواطن في الدول المنتجة، ونظيره المواطن العادي في الدول المستهلكة سيكونان هما الضحايا الوحيدة لمذبحة الأسعار هذه.
وإذن: فإن تصاعد الأسعار وبهذه الطريقة الجنونية لن يكون في مصلحة أحد بأي حال من الأحوال. و لكنه سيصب في مصلحة الشركات الوسطية والمضاربين فقط.


وبمعنى آخر: لا الحكومات في الدول المنتجة أو المستهلكة مستفيدة، عدا بعض الفاسدين فيها كأفراد، ولا شعوب هذه الدول مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط، إذ أن سعر البنزين مثلا في محطات التعبئة الأوربية يشمل ضريبة بأكثر من 75%، ولم تكن المظاهرات التي اندلعت في الشوارع لأوربية إلا تعبيراً عن الإحتجاج على هذه الزيادات، مطالبةً حكوماتها بالعمل على خفض هذه الضرائب، ووضع ضوابط صارمة للسيطرة على زيادة الإستهلاك، وليس على حساب سائقي الشاحنات والصيادين وغيرهما من القطاعات التي تقدم خدماتها العامة على مستوى الدولة، أو على المستوى الدولي.


الوعي بتعقد هذه الأزمة العالمية التي تهدد الإستقرار السياسي والأمني والإقتصادي في العالم بأسره هي التي دعت خادم الحرمين الشريفين يسارع إلى الدعوة لإجتماع جده الذي سيعقد في الفترة من الثاني والعشرين من الشهر الجاري، ونظراً لعمق الأزمة والإحتمالات الخطرة لتداعياتها المستقبلية فقد وجدت الإستجابة من مختلف قادة العالم الذي يقف الآن على شفى هاوية.
إلا أننا يجب أن نعي تماماً مالذي تفكر فيه قيادتنا وكيف نفكر حتى نكون على تناغم معها.

د.صالح بن سبعان

أكاديمي وكاتب سعودي
E-Mail: Dr_binsabaan@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف