أصداء

نعم.. يوسف هم بها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لقد كانت المراودة التي قامت بها إمرأة العزيز ليوسف ترسم للأجيال المثال الحي والواقع المشاهد والمألوف لما يجري من دعارة وترف ولهو ومجون في قصور القادة والحكام وهذا هو دأب الذين يعيشون في الترف والبعد عن طريق الله تعالى تجدهم دائماً يبحثون عن الملذات العاجلة وهذه حالة متكررة على مر العصور والقرآن الكريم عندما يسرد لنا أحد الأمثلة التي تتجسد في واقع القصة القرآنية لا يعني أن الهدف من تلك القصة هو التسلية وإنما يضع أيدينا على ما يجري في نوادي المترفين وقصورهم والتأريخ يحفل بمواقف كثيرة ومتكررة من هذا النوع وإذا أردنا أن نبدأ الحديث في الموقف المثير الذي كان من بطولة زليخة وما بدا منها من مراودة يوسف كما قال تعالى: ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك ) يوسف 23.

وهذه الآية الكريمة تجعلنا نعيش أجواء المشهد النهائي الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من ساعة الصفر التي كانت تعد لها العدة بعد عجزها في إغراء يوسف. لأن المراودة تعني الأمر المكرر الذي لا يكون في دفعة واحدة فقط وإنما أمر يتضمن مغريات كثيرة بين الترغيب والترهيب وعند نفاذ ذخيرتها شرعت في غلق الأبواب. كيف لا وهي إمرأة السيد المطاع الذي لا حول ولا قوة لأحد إلا به والرعية قائمة له قبلة، كيف لا وهي سيدة القصر الأولى التي لا راد لأمرها، ولا معترض لفعلها حتى وإن كان العزيز نفسه.

وإلا كيف تتظاهر أمام النسوة بتهديد يوسف بالسجن أو ليكون من الصاغرين حسب تعبيرها. ومن الطبيعي فإن مرحلة غلق الأبواب لا بد أن تسبقها مقدمات أخرى إلا أن الله تعالى قد أخفاها لئلا يكون التشهير جهاراً وذلك لأن أسلوب القرآن لا يعتمد التشهير فهو تعالى لم يقل في هذا الموقف [ وراودته إمرأة العزيز ] بل قال ( وراودته التي هو في بيتها ) وقد مر عليك سبب ذلك في مقال سابق لنا بعنوان [ أسماء النساء في جنة القرآن الكريم ]. إذاً هذه هي اللحظات الأخيرة التي وصلت المرأة إليها والتي تمثلت في دعوة يوسف علانية بعد أن عجزت في تلميحها له وعند العجز في التلميح فاللجوء إلى التصريح لا بد منه. وهذه هي المحطة الأخيرة التي إستعملت فيها ماتبقى من أسلحة لديها وهذه هي اللحظات الحاسمة التي يكون فيها الجسد هو السيد المطاع حيث لا سلطان إلا سلطان الغريزة والهيجان فأصبحت المرأة لا ترى أمامها إلا خضوع يوسف والإجابة المنتظرة التي عملت لأجلها طيلة الوقت الذي قدمت لأجله ما تبقى من حياء وعفة بريئة ودلت على ما أرادت من فعل بقولها [ هيت لك ].

هذا هو المشهد الأخير الذي لابد أن يكون مسبوقاً بمشاهد أخرى أقل شأناً كما يتضح من السياق حتى وصلت حالتها إلى عدم التمكن والصمود أمام الغريزة الجسدية. فتلك المرأة التي سادت الرعية في القصر والتي إئتمر الجميع لأمرها أصبحت أسيرة الأوامر التي يفرضها الجسد عليها. حتى إنها أرادت أن تجعل ذلك الفتى الساحر الذي وصف جماله بالملائكي أرادت أن تجعله تحت تصرفها فما كان منه ( عليه السلام ) إلا أن قال كما نقل القرآن لنا ذلك: ( قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ) يوسف 23. فهذا هو الفرق بين الرذيلة والفضيلة وكيف أنها أصبحت لا تراعي في بعلها حق الزوجية والأمانة التي إئتمنها عليها في السلطة والجاه. بينما نجد يوسف يتذكر كيف أن الله تعالى أحسن مثواه ونجاه من كيد إخوته ومكرهم به ورميهم إياه في الجب إلى أن وصل إلى ما وصل إليه في هذا المثوى الذي سرعان ما ينسى من قبل المتطفلين حين تسلطهم على الآخرين وكيف أن الإنسان سرعان ما يرمي تأريخه وراء ظهره لمجرد توليه شأناً من شؤون الحياة. وهذا الرد الذي قابلها به يوسف كان مصحوباً بسرد آلاء الله ونعمه عليه ولكن القرآن الكريم إختصر ذلك في جملة قصيرة أشار يوسف فيها للمرأة إشارة الناصح الأمين بقوله [ إنه لا يفلح الظالمون ]. أي الذين يسرفون في الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولكن تلك المرأة كانت لا تسمع ولا ترى إلا تنفيذ الرغبة التي أصبحت أسيرة لها وهنا بدأ الهم يدفعها إلى المرحلة الخطيرة في حياة النساء اللائي يصلن إلى الواقعة التي لا بد منها كما قال تعالى : ( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) يوسف 24.

وفي هذه الآية الكريمة ذهب جمع كبير من المفسرين إلى الكم الهائل من الأساطير التي تصور الموقف بصورة مليئة بالأحداث الغريبة والأساليب العجيبة فنجدهم بين رافض لما ينقل وبين مؤيد على إستحياء حتى أن البعض صور يوسف بأنه هائج ومندفع حتى ضربه جبريل فأخرج ماكان به من قوة عن طريق أصابعه وذهب آخرون إلى أن البرهان تصور له بصورة يعقوب عاض على أصابعه ويأمره بالإبتعاد عن فعل الجريمة حسب تعبيرهم. وقال بعضهم ما كان من همه إنه دفعها أو أراد قتلها والكثير جداً من هذه الأساطير التي لا مسوغ لها ومن أراد الكثير فعليه بمطولات القوم لأن ما خفي أعظم. والذي يدقق في السياق القرآني يجد أن الصراع مع النفس الذي مر به يوسف صراع غريب في جميع أطواره ومراحله وكأن البرهان كان آخر ما يصل إليه المؤمن الذي يكابد النفس الأمارة بالسوء.

وهذا الرفض الذي أصر عليه يوسف هو الذي نستطيع أن نطلق عليه العصمة التي كانت ملاذه الأخير. والسؤال الذي يجب أن نقف عنده، هل أن يوسف هم بها كهمها به أم كان الهم من نوع آخر؟. ولأجل تقريب الصورة أضرب لك المثل التالي لأجل أن تكون أنت الحكم الذي يقرر النتائج، لو فرضنا أن هناك مجموعة من النساء اللاتي يمتلكن الجمال الخارق، وكن متزينات بزينة تجذب الناسك المتعبد كما يقال، وكان هناك مجموعة من الفتيان، وقامت إحدى النساء بعد أن وقع إختيارها على إثنين من أجمل الفتيان ودعت لنفسها كلاً منهما على إنفراد فالأول كان يرغب في الفعل إلا أن رغبته لا يصاحبها هيجان جنسي بل كان الخوف حليفه والفزع والخجل وكل هذه العوامل إجتمعت فيه مما جعله يفر من تلك المرأة دون أن يعمل ما يسوء ذكره.

ثم قامت نفس المرأة ودعت الفتى الثاني وكان هذا الفتى قمة في النشاط والحيوية والهيجان الجنسي الذي لا يقف في طريقه حائل، حيث لا خوف ولا خجل ولا جزع ولا فزع بل إندفاع وغريزة وهاجة تجرفه لذلك الفعل الذي هيئته له على طبق من نور وكان صاحبنا هذا على أتم الإستعداد لذلك الفعل، إلا إنه في لحظة معينة إمتنع عن كل ذلك الإغراء وهو في قمة هيجانه وثورته التي يصارعها طيلة فترة تواجده مع تلك المرأة، وكان المانع هو العفة مع القدرة على الفعل. ففي هذه الحالة من هو الذي يكون قد نال الفضيلة الأول أم الثاني؟

إذا كان الأول فليس له فضيلة بسبب خوفه وجزعه وخجله. أما الثاني فهو الذي قد نال الفضيلة لتوفر أسباب القدرة على الفعل إلا أنه إمتنع ليرضي الله تعالى لا لأجل أن يرضي غريزته التي كانت حاضرة وغير غائبة في ذلك المشهد. وهذا المثال يصل بنا إلى أن الهم الذي صدر من يوسف ( عليه السلام ) كان أشبه ماكان عليه الفتى الثاني الذي رفض الفعل مع القدرة والهيجان الصارخ الذي ألم به. أما إذا أردنا أن ننفي الهم عن يوسف كما فعل بعضهم فإنه يصبح كالفتى الأول الذي لا فضيلة له. ولذلك أثبتنا الهم ليوسف لينال تلك الدرجة الرفيعة عند الله تعالى لأن الهيجان الذي حصل له كان البرهان قد حال بينه وبينه وهذا البرهان هو مخافة الله تعالى مع القدرة على الفعل وإن شئت فقل العصمة.

عبدالله بدر إسكندر المالكي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
للنقاش
الطائر -

هل العزيز هو اسم ام لقب وما المقصود به

اختلف مع الكاتب
هانى -

الكاتب جعل من الزنى مجرد الجماع وقول المسيح له المجد (من نظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه ) يوسف الصديق كان عفيف الجسد والقلب لذا فتفسير الكاتب وتشبيه يوسف الصديق بمثال الفتى الثانى لا اوافق عليه ... فى قصة الكتاب المقدس تروى ان يوسف هرب حتى ان المرأة امسكته من قميصه فتركه هاربا ... وقد كتب البابا شنودة عن هذا الموقف بقصيدة تقول .. هوذا الثوب خذيــــــه ان قلبى ليس فيه ...انا لا املك هذا الثــــوب بل لا ادعيه....هو من مالــــك انت لك ان تسترجعيه.....فانزعى الثوب اذا شـئت وان شئت اتركيه....انما قلبى لقد اقسـمت الا تدخليه....انا لا املك قلبى و كذا لن تملكيه....انه ملك لربى و قد استودعنيه.....عبثا قربك منه هوذا قلبى اسأليه.....زوجك الغائب قد اعهـ دنى مالا و عرضا.....بل و قد ملكنى فى بيته طولا و عرضا.....انه عهد وثيق كيف اهوى فيه نقدا....و اذا ماكنت خوا نا اخون العهد فرضا....كيف اعصى الله ربى و بهذا الشر أرضى ....

اسماء فرعونية ؟
نور -

هل العزيز وزليخة اسماء فرعونية هل كانوا مصريين ارجو الاجابة لان الامر مختلط علىّ

أسماء مصرية صميمة
المعلم الثاني -

للإجابة على سؤال نور : نعم زليخة اسم مصري قديم (فرعوني) وهو أيضا اسم لعديد من ملكات مصر في ذلك الزمن مثل : توتة عنخة زلّوخة .كذلك تسمى بعض الفراعنة بأسماء عربية صميمة كالعزّوز بن سوريد، و خوفو هامان ، وعنترة بن تحتمس النقشبندي، وكلشنكان التخترواني، والخضر بن عبس....

يقين المالكي
حسين العباسي -

من هم بالشيء ارتدى مراده المفكر به بموجب النيه اللتي احس بها من جانب الفعل الحسي لما ادرك به التكوين الفاعل لا المفتعل لمطاليب يدركها اللب الذهنى اللذي توسوس به النفس الامارة ولولا ارادة الناشىء لاصبح المطلوب مكتمل الارادة فلندرك جميعا ماهية الخالق بخلقه في الوضع المحتوم والناهى لمكتمل الهم لمن اهم بها والسلام

اثراء للنقاش 1
مرتاد ايلاف -

قال تعالى : { ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان } [يوسف:24]كان همها للمعصية ، أما يوسف عليه السلام فإنه لو لم ير برهان ربه لهم بها - لطبع البشر - ولكنه لم يهم ؛ لوجود البرهان . إذا في الكلام تقديم وتأخير ، أي : لولا أن رأى برهان ربه لهم بها . قال أبو حاتم : كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة ، فلما أتيت على قوله : { ولقد همت به وهم بها } قال أبو عبيد : هذا على التقديم والتأخير ؛ كأنه أراد : ولقد همت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 9/165 . وقال الشنقيطي في أضواء البيان [ 3/58 ]" الجواب عنه من وجهين : الأول : أن المراد بهم يوسف خاطر قلبي صرفه عنه وازع التقوى ، وقال بعضهم : هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى ، وهذا لا معصية فيه ؛ لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف ، كما في الحديث : أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ، ثم يقول :; اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما لا أملك ; يعني ميل القلب . أبو داود ، السنن ، رقم الحديث 2134 .

اثراء للنقاش 2
مرتاد ايلاف -

ومثل هذا ميل الصائم إلى الماء البارد والطعام مع أن تقواه تمنعه من الشرب والأكل وهو صائم . وقال صلى الله عليه وسلم : من هم بسيئة فلم يفعلها كتبت له حسنة كاملة أخرجه البخاري في صحيحه برقم 6491 ، ومسلم برقم 207 . الجواب الثاني : أن يوسف عليه السلام لم يقع منه الهم أصلا ، بل هو منفي عنه لوجود البرهان . إلى أن قال : هذا الوجه الذي اختاره أبو حسان وغيره هو أجرى على قواعد اللغة العربية " اهـ . ثم بدأ يستطرد الأدلة على ما رجحه ، وبناء على ما تقدم فإن معنى الآية والله أعلم أن يوسف عليه السلام لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، ولكنه لما رأى برهان ربه لم يهم بها ، ولم يحصل منه أصلا . وكذلك فإن مجرد الهم بالشيء دون فعله لا يعد خطيئة . والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبيه الكريم .