أصداء

حكايات البطة وأخواتها

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


عندما كنا في المدرسة الابتدائية في البصرة جنوبي العراق ،كان المعلمون يهتمون بتربيتنا قبل تعليمنا ، وكانوا يشرحون لنا الدروس بإخلاص وتفان ، ومن بين اﻷمور التي مازالت عالقة في الذهن ،أذكر أن معلم مادة الزراعة اصطحبنا في ساعات عملية نطبق من خلالها أو نلاحظ ماتعلمناه نظريا على أرض الواقع ،فشدنا منظر (البط) الذي كان يسبح في الجدول ويحرك الماء فيخلق جواً من المتعة ، والبطة
كائن وديع مسالم ،لذا جاء المثل الشعبي العراقي المعروف( مسعده وبيتك على الشط..وعلى باب دارك يسبح البط).
عندما كبرنا تغيرت الحال وسيطر على العراق نظام ظالم ازداد وحشية بعد الحرب الايرانية العراقية وكذلك بعد غزو دولة الكويت الشقيقة، فراح المعلمون يصطحبون تلاميذهم مجبرين إلى معسكرات التدريب العسكري ليكبر عودهم قبل اﻷوان ، وفي تلك المعسكرات كان كل خمسة تلاميذ يكلفون بمطاردة قط ، وعندما يمسكون بها يقطعونها بأسنانهم ويأكلون لحمها نيئا ، ثم يطاردون كلباً في المرحلة المتقدمة ويقاتلونه بضراوة حتى يذبحوه بالسكاكين.
لم يكن آنذاك من يجرؤ على منع ولده من الذهاب الى مثل تلك المعسكرات ﻷنه يعرف خطورة ذلك المنع.
الجيل الذي رباه المعلمون على الغرس والنبتة والطيور اﻷليفة لم يعد قادراً على حمل السلاح الآن ، والجيل الذي تربى في معسكرات ذبح القطط والكلاب وحاملو شهادات الشرق للاغتيال والتعذيب يحكمون الشارع الآن في البصرة ، والقتل لديهم أسهل من كتابة جملة مفيدة أو حفظ قصيدة.
تغير اﻹيقاع واصفر لون الوجوه كأنها في موسم القطاف،لذا راح البصريون يطلقون اﻷلقاب على ظواهر الزمن الجديد ( العلاسة..الحواسم..،،ووو) وصولاً إلى إطلاق لقب( البطة) على السيارة التي تستخدمها الجهات الرسمية واﻷحزاب في عمليات التصفية الجسدية، ومهمة (البطة) تكمن في اغتيال كل من يتحدث عن سرقة أموال الشعب أو كل من ينتقد العصابات المرخصة وغير المرخصة،لذا كان البعيدون يتصورون أن البصرة الفيحاء مازالت فيحاءً ، وأنها آمنة ، لكن تكميم اﻷفواه والبطة النشيطة حجبا عن العالم أبرز عمليات الاغتيال.
معظم حملة اﻷقلام الصحافية المحلية لاذوا تحت عباءات اﻷحزاب ليحموا أنفسهم وعائلاتهم من بطش البطة وأخواتها ، أما الرافضون لهذا المبدأ فقد ألفتهم المخابىء بعيداً عن اﻷنظار.
حكايات سيدتي (البطة) وأخواتها في البصرة لم تتوقف ولن تتوقف قريبا حتى وأن صال وجال الفرسان ، وستظل تعمل طويلاً خاصة في مواسم الانتخابات ، لكن سر عدم تداول أنشطتها في نشرات اﻷخبار يكمن في الخوف الذي يتعاظم..
البصرة مدينة حياة ولكي تستمر الحياة لابد أن تنتصر على (البطة) انتصاراً كاسحاً وتوقف حكاياتها ولو بدعم دولي لتعيد الى جدولنا البطة اﻷليفة التي تسبح أمام باب البيت فتسعد صاحبته وأسرتها وتسعدنا جميعا.

جاسب مجيد

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
بطة الشر
أحمد علي -

البطة الشريرة التي قتلت شقيقين لي واحد طبيب اتهم بمعالجة جرحى الحرب العراقية الايرانية والثاني ضابط اداري قتلوه بتهمة المشاركة في هذه الحرب الله يحفظ بصرتنا ويحمي اهلها الطيبين وان شاء الله يتحد اهل المديتة والريف والبادية على حب وطنا وبصرتنا الحبيبة شكرا ايلاف لاهتمامكم بمدينتا الحلوة الجميلة المسالمة مدينة الحسن البصري والجاحظ والسياب

بصرة العاشقين
فاتن السامر -

صدفة قرأت المقال وشعرت بقلبي يرتجف فقد ابعدتني بطتهم عن مدينتي الحبيبة لقد تعرضت الى محاولتين من قبل انصار البطة ولكن الله كان لطيفا بي اريد ان اعود اشتقت الى مدينتي الفيحاء مدينة العاشقين اريد ان اعود انا اصرخ الان بكل جنون احب البصرة احب العراق نريد الامن والسلام

بطة السلام
بوسلطان -

كاتب رائع يقدم صورة حقيقية للمجتمع الذي تربى وترعرع فيه استمر بتالك فانت كاتب مبدع تملك من الحاسية المهنية العالية وقلبي معك ان يبعد عنكم الهموم وتعود بصرة الحب الى سابق عهدها وحياك يابوعادل وواصل لنستمتع بحواديتك البصراوية !!

حكاية طفلتي
ام نورهان -

سطورك يا جاسب تليق برمز مثلك تألق مع النجوم.. اليوم مسحت عن جبهتي كل الامي وكل كابات الايام الغابرة لأن موضوعك أثار في داخلي ذكريات اغنية لطالما رددتها في طفولتي (على شط العرب تحلى اغانينا وعلى البصرة) بالرغم من اني بغدادية الاصل لكني عندما رحلت عن بصرتي فترة قصيرة شعرت بصدق القول:من ترك البصرة يبقى نادما..وبعفوية غرس في طفلتي الصغيرة هذا الحب البصري فكانت تخيط لنفسها شراعا من اشعة الشمس تطير فيه للبصرة فأراها ترى كل خريبة في البصرة ارقى من ناطحات السحاب... ترى كل بقعة بصرية جرداء مليئة بالنفايات اروع من اي حقل اخضر مزهر.. وحتى انقطاع الكهرباء تستلذه لانه اصبح جزءا منها..فاذا كانت الطفلة هذه هي مشاعرها البصرية فكيف بنا نحن وارواحنا مفعمة بالعشق البصري.. وفي فترة ولت وراحت كان اسم (البطة) المليء بالسحر والصفاء كان مقترنا باغتيالات البصريين الطيبين ولكن اليوم والحمدلله اندحرت هذه الفترة المظلمة دون رجعه وعادت الطمأنينة والحب والسلام الى بصرة المربد بصرة السندباد بصرة حدائق المعقل الاندلسية وها هي طفلتي اليوم تشدز:نحن البصريون الاوائلمعروفون بأحلى الخصائلوطيبتنا كثير عليها دلائللم تهزنا البطة ولا القنابلمسلمون ومسيحيون في تواصلوالشيعة والسنة في تداخلوسوف تروا نار المشاعليحملها البصري بأحلى الاناملونعود في الحب نحصد السنابلويرن في مسامعنا ازيز المعامل.....واعود تطرب في اذني اغنية: على شط العرب تحلى اغانينا وعلى البصرة..فيا بصرتي منك انطلقت واليك اعود سلاما لك يا ملتقى الرافدين وسلاما لك يارمز التألق جاسب..

مختصر مفيد
اسماء -

صدام والبطة وجهان لعملة واحدة.. وللأسف الخاسر الوحيد هو نحن.. اهل البصرة

ام نورهان
خالد عوده -

شدني موضوع البطة التي حيرت اهل البصرة واقول للاخت ام نورهان الله يسمع منك وتعود البصرة امنة لكن صديقي اغتيل بعد صولة الفرسان بسبب عتبه على حكومة البصرة لاهمالها المستمر وفشلها في توفير الحياة الامنة الحرة الكريمة ان شاء الله يعم السلام ونعود من المهجر ويرجع فؤاد سالم وشوقية يغنون كاعنا فضة وذهب واحناشذرها وشحلات العمر لو ضاع بعمرها