مدارس اكوام الطين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
lt;لا غني كالعقل، ولا فقر كالجهلgt;
الامام علي
عندما حدث التغيير المجيد في 9 نيسان 2003 بسقوط الديكتاتورية ونظامها القمعي، تطلع كثر الى تحقيق الامال المؤجلة، واول هذه الامال منح اطفال العراق حقهم في التعليم ببيئة ملائمة وصحية، بعد عقود من الحرمان والتغاضي ونشر الافكار المشوهة المليئة بالاكاذيب والاوهام. لكننا نعرف ان اعداء التغيير بكل الوانهم الايدلوجية واختلاف جنسياتهم عملوا (ومازالوا) كل ما في وسعهم بشن حملات مرعبة في بطشها وارهابها وقسوتها من اجل وقف عملية التغيير واجهاضها. ونعرف ايضا بان مسرح تلك العمليات المشينة بقى محصورا في مناطق محددة من العراق، دُعيت لاحقا "بالمناطق الساخنة". وظل اقليم كردستان وكذلك مناطق واسعة من الجنوب بمنأي تقريبا من نشاط الزمر الارهابية، ما فتح الابواب واسعة امام ما يفترض به من عمليات اعادة البناء والاعمار في تلك المناطق الآمنة نسبياً، التى حُرمت منها منذ عقود كثيرة.
ساتناول الحديث في مقالتي هذه، الشأن الجنوبي لاطلاعي الشخصي على كثير من جوانب بيئته، متحاشيا الحديث في شؤون اقليم كوردستان. بيد ان عدم الكلام هذا، لا يعني بالضرورة خلو كوردستان من أخطاء مرتكبة، كما لا ينبغي ان تفهم عدم الاشارة الى ذلك كونها نوعا من تغطية لسلطات الاقليم عن تلك الاخطاء.
ما يصدم ويثير الدهشة معاً هو المستوى المزري الذي وصلت اليه حالة النشاط البنائي تصميما وتنفيذا للمنشاءات العامة في كثير من مناطق الجنوب؛سواء كانت ابنية تعليمة أم صحية ام ادارية ام خدمية، حالة لا يمكن باي حال من الاحوال، تبرير وجودها، كما لا يمكن ايجاد مسوغ لاستمرارها.
فالطبقة الحاكمة هناك تجاهر بانها من اشد اعداء النظام السابق، بل ومن ضحاياه. وتزعم بانها ناضلت طويلا ضده لتثبيت حقوق الناس العادلة والمهضومة ابان الحكم الشمولي وتسعى وقد استلمت مقاليد الحكم بعد التغيير المبارك، الى إرجاع تلك الحقوق الى مستحقيها في تلك المجتمعات الطبية،. لكن ما نراه واقعا هو استمرار سلب تلك الحقوق، وعدم الاكثراث مطلقا بالشأن العام وتمجيد المصلحة الخاصة والفئوية، معبرا عنه بفساد اداري ومالي يندر ان حصل في اي وقت من اوقات سالفة. وحالة المباني العامة الرديئة ولاسيما مباني المدارس الابتدائية الطينية التى "تعج" بها المنطقة دليل لوحده عن مدى ايغال جميع المسؤولين هناك في اتون ذلك الفساد بعيدا جدا عن اداء واجبهم الوظيفي والوطني والمهني حتى... الشرعي، "فمن ضيع الامانة، كما يقوا الامام علي في نهج البلاغة، فقد تبرأ من الديانة". لكن آفة الفساد تبدو ليست هي المشكلة الوحيدة، ثمة مشكلة اخرى مرافقة لها وهي آفة الجهل، الجهل باستحقاقات المنصب المشغول وعدم ادراك تام لمتطلباته. وبحضور هاتين الآفتين الشائعتين جدا، مع الاسف الشديد، في صفوف معظم "الحكام" الجدد في الجنوب العراقي، ترتب عليهما تبعات مدمرة وفاجعة طالت حقوق الناس وأحقيتهم في الحصول على خدمات مناسبة.
لقد نشر احد المواقع العراقية تقريرا عن الوضع الكارثي للحالة الراهنة لمباني المدارس في محافظة ذي قار( انظر الرابط ادناه) :
http://summereon.net/articles_sommereon_sorttitle_userhgfhgyrtesedum_newscat.php?sid=1554
وقد ارفق التقرير معه صوراً "لمبنى" مدرسة ابتدائية، قال عنها التقرير بانها تمثل "نموذجاً" للكثير من مباني مدارس مماثلة واقعة في مناطق مختلفة. واستخدامنا لفظة "مبنى" هنا مجازياً بالطبع، فليس من ثمة بناء، ولا هم يحزنون. هناك "اكوام" من الطين و"جدران" من صرائف بمادة القصب، تعود طريقة صنعها الى آلاف السنين!.
دعونا نعترف بان الصور المنشورة صادمة؛ صادمة لجهة تعبيرها الواقعي عن حالة تلك المدرسة ونوعية هيئتها ووطريقة "تنظيم" احيازها، صادمة لناحية استمرار تلك الحالة المزرية من دون ان يتدخل احد في تغييرها، رغم مرور فترة زمنية، نراها كافية جدا لاحداث تغيير جذري في تلك الحالة.
دعونا نعترف، ايضا، باننا ازاء مشكلة حقيقية غير ملفقة، تتطلب حلولاً سريعة، لا تقبل التأجيل او المماطلة. فالقضية تمس اطفال العراق، وهم مستقبل العراق.
يتعين التذكير، بان مشكلة تجديد واعمار وبناء المدارس ليست مشكلة هندسية / معمارية لوحدها، كما يراها البعض. انها مشكلة يتطلب حلها توافر قرارات ذات مرجعيات عديدة، بضمنها طبعا توافر الكادر التصميمي المؤهل، ولكن المهم توفر الارادة السياسية والادارية بوجود تلك المشكلة والسعي الحثيث وراء تقصي حلول ملائمة باساليب مهنية وعلمية واقعيتين. ولكون اسباب المشكلة التى نتكلم عنها متنوعة ومعقدة ومتلازمة مع قضايا آخرى، فان حلها يقتضي وجود خبر متنوعة باختصاصات مختلفة، ما يجعل من التعرف على حلول مشاكل مماثلة امرا مفيدا وضرورياً. من هنا، فان اشراك منظمة "اليونسكو"، وهي المنظمة المختصة بالتعليم ونشره، ولها باع طويل في هذا المجال، في المشاركة لايجاد حلول ناجعة سيكون امراً مجدياً ومرحباً به، كما ان التعرف على خبرة الدول المجاورة او المشابهة في هذا الشأن كسوريا او مصر او السعودية او تركيا او ايران والهند، سيكون ايضا امراً نافعاً وايجابياً.
لا يمكن، بالطبع، التوصل الى حلول صحيحة وسريعة واقتصادية باغفال دور المعماريين والمهندسين الاخرين، وعدم اشراكهم في هذا المسعى النبيل. ونرى ان الاموال المرصودة (او يفترض انها مرصودة)، بمقدورها لو نأت بعيدا عن تدخل المفسدين والمخادعين، ان تحرك "ساكناً" في "جسم" هذة القضية الهامة، التى اثارها الموقع المذكور، ولم تحظَ َ باهتمام كافً يتساوق مع أهميتها وخطورتها، عدا قرار رئيس الوزراء، والذي صدر اثر تفاقم ظهور هذه المشكلة في انحاء كثيرة من العراق، بتخصيص اموال عاجلة لبناء مدارس جديدة بدلا من المدارس "الطينية"، كما ورد في القرار.
يتعين المباشرة الفورية بتسمية لجان مختصة لمتابعة هذا الموضوع الحيوي، تكون مهمتها ايجاد حلول عاجلة قابلة للتنفيذ السريع، مع ضرورة وضع خطط آنية ومتوسطة وطويلة المدى لتحقيق هدف اساسي من اهداف الادارات المحلية، الذي ظل مغيبا طويلا، والنظر الى هذه القضية كونها قضية عامة، بعيدا عن التوظيفات السياسية حزبية كانت ام فئوية. انها قضية وطنية، تستمد اهميتها من طبيعة المهام المعرفية التى تؤديها. فالمعرفة حق مشاع للجميع ولاسيما لاطفال العراق المحرومين من هذا الحق بدون مسوغ قانوني او اخلاقي.
ان ندائنا هذا واثارتنا للموضوع، لا يعني تخلينا وتخلي جميع الوطنيين التواقين بتقدم بلدهم والمهتمين بنهضته في المطالبة الحقوقية والشرعية بمقاضاة جميع الذين اوصلوا الامور الى هذا المستوى الكارثي؛ وعلى المتنفذين في وزارة التربية تحمل مسؤوليتهم وتقديم كل المتورطين في هذه القضية للعدالة جراء ما اقترفوه من افعال على مدي السنين الماضية ضد العراق وضد اطفال العراق، وحرمانهم من امكانية الحصول على المعرفة بفضاءات تعليمية ملائمة. فقضايا التربية ومشاكل وزراة التربية لا تحل، قطعاً، باطلاق عيارات نارية في حرم المدارس العراقية، كما جرى اخيرا من قبل حماية الوزير، وانما تحل بمزيد من البحث والتصميم والمعرفة و... الحس الوطني.
انه لامر معيب ان تظل مدارس العراق الجديد الغني بثرواته وبمداخيله النفطية الهائلة، في مثل هذه الحالة المزرية.
انه لامر مخجل ان يستمر هذا الوضع الذي اقل ما يقال عنه انه.. غير انساني!.□□
د. خالد السلطاني
معمار وأكاديمي
التعليقات
شكرا
د.أثير محمد شهاب -شكرا لمقالتك التي تعالج الوضع العراقي البائس محبتي لكد.أثير
الى متى ؟
عراقي رغم الاغتراب -تقرير مؤلم حقا ً! الى متى تبقى الحال هكذا ؟ أكملت دراستي الابتدائية في سبعينات القرن الماضي في أحدى مدارس العراق ، ولم تكن مدرستي افضل حالا ً من مدرسة ( أبو العلم ألابتدائية ) حيث في الايام الممطرة كانت عطلتنا خوفا ً من سقوط سقف المدرسة علينا ! شكرا ً د.خالد السلطاني .